لابد من قول الحقيقة حتى إن لم تعجب البعض منا - الحلقة التاسعة
بقلم الأستاذ: سليمان صالح - أبو صالح
قراءتي لكتابين من أفضل الكتب التي قرأتها عن التاريخ السياسي لأمة البجا، وهما: كتاب الدكتور إدريس إبراهيم جميل
بعنوان الحباب ملوك البحر وأهل الصدارة. وكتاب الدكتور جلال الدين محمد صالح المعنون الحبشة والبجا، الماضي الحضاري.. الصراع السياسي..
الأثر الأمني.
تكمن أهمية الكتابين في التالي: البحث في أعماق التاريخ البجاوي العريق الذي يجهله الكثيرين وأنا منهم، والأمر الثاني أن البجا ليست مجموعة سكانية قليلة تعيش في الحدود المصطنعة التي ابتكرها ورسمها المستعمر، بل هي قبائل لها تاريخ ضارب في الجذور كما هو معلوم، والأمر الثالث وهو الأهم أن البجا تنقسم إلى قسمين كما جاء ذلك في كتاب الدكتور جلال الدين محمد صالح، والحقيقة هذا المصطلح الذي أتى به د. جلال مفيد جداً وأنا حقيقة أفادني فائدة عظيمة في ما كتب في الحاضر وفي المستقبل إن شاء الله، حيث كنت أكتب في الماضي عن البجا الأكسوميين بشكل غير ثابت فمرة أكتب النصارى وأخرى الأحباش وثالثة الكبساويين (أهل الهضبة)!!.
أما الآن فقد أعفاني من كل هذه الأسماء أخي د. جلال حفظه الله ورعاه من كل مكره. اختفي بهذه المقدمة وأعود إلى الأهم:-
سوف أؤجل نقاشي عن كتاب د. إدريس الذي يدور مضمونه عن البجا المسلمين إن صح التوصيف، ولم يكن يشمل البجا الأكسوميين كما ذهب د. جلال.
بجا حديد وكل يوم جديد:
لا شك أن امة البجا أمة عظيمة ولها تاريخ ضارب في الجذور، والشواهد تؤكد ذلك وهذا أمر معروف ولا يحتاج إلى دليل، وهل لهذه الأمة العظيمة في تاريخاها وجذورها في الماضي شأن يذكر اليوم في كل من السودان وارتريا؟ الإجابة على هذا السؤال المحوري بكل وضوح أن امة البجا في قارعة الطريق إن جاز التعبير، لا صوت ولا وزن لها في القرار السياسي في كلا البلدين (السودان وارتريا!) كيف ولماذا هذه الأمة وهي كما ذكرنا عظمتها في الهامش من صناعة القرار في بلدانها؟ ومن المسئول عن ذلك الضرر الذي تعاني منه هذه الأمة البجاوية؟ وعلى من يقع التقصير وعدم الإرشاد؟ من الطبيعي أن تقع مسئولية التوجيه والإرشاد والتنوير على النخب المستنيرة المثقفة من أبناء البجا الأكارم في الشقين السوداني والارتري، ولكنهم لم يقوموا بشيء مما نسأل عنه، والأسباب التي حالت دون قيامهم به كثيرة رغم أنها غير مبررة والاعتماد عليها الآن قد يكون عذر أقبح من الذنب، وبتالي سوف أمر عليها مرور الناقد لكي نستفيد منها في المستقبل، وقد لا يرضي النقد البعض منا عملية وأياً كان الأمر، سوف لن أتردد في قول ما عندي معتمداً على المعلومات التي تفضلا بها كل من د. جلال ود. جميل في الكتابين المذكورين في المقدمة، ومن يقرأ هذين الكتابين عن أمة البجا يخرج بنتيجة مفادها أن هذه الأمة يجمعها الثالوث المقدس: النسب والدين والأرض، ومن يجمعه ذلكم المثلث لا يفرقه أي عامل ما لم يكن هذا العامل منه!! وهذا هو الأمر الذي أريد أن تحدث عنه بشيء من الإطناب مهما كان القبول به والرفض.
أي من شقي البجا كان المتسبب في حالة الضعف التي نعاني، بجا السودان أم بجا ارتريا؟
قبل البدء في تحديد من هو المقصر أود التطرق إلى الفرص التي كانت متاحة للبجا قبل خروج المستعمر من أرضهم (أرض البجا) في كل من السودان وارتريا، والتاريخ يشهد على مواقف البجا في محاربة الاستعمار في السودان وبعد الاستقلال في عام 1956م لم نجد للبجا شيء يذكر من الاستحقاقات الطبيعية التي لا تحتاج إلى أن يطالبوا بها مثلهم في ذلك مثل كل المواطنين فلا تعليم ولا تنمية، ولا وظائف ولا حقائب والمحصلة كانت أدروب من سكان الشرق مجرد تراث أو نكتة السيف في الكتف والسفروك في اليد والجبنة مشدودة تحت ظل شجرة النيم الوارفة، الفرص التي ضاعت في الخمسينيات ما كان لها أن تضيع، والأسباب الأساسية في ذلك الحين كانت الصراعات في المناصب على شكل كوتات قبلية وهي نفس الأسباب التي نعاني منها حتى الآن، فدور البجا في حرب تحرير السودان من الاستعمار كان حاسماً لصالح الثورة المهدية التي كانت ثورة غرب السودان بامتياز ولم يكن لشمال السودان الذي يحكم أبناءه السودان منذ العام 1956م إلى يومنا هذا أي نصيب تاريخي في حرب الاستقلال إلا على مستوى أفراد.
والمحير في الأمر أن البجا رغم كل ما يقال عنهم في التاريخ كانوا من أشد أهل السودان في حربه ضد الاستعمار وتحرير السودان، وبعد استقلال السودان لم يذكر لهم أي دور في القيادة والريادة بل على العكس طالهم التهميش و الإقصاء وليس لدي علم بالسبب الذي يجعل منهم مهمشين؟! فأهم سبب في التهميش الذي يطاردهم كالظل أم هو بفعل فاعل ومن هو هذا الفاعل؟
أما بجا ارتريا والوهن الذي يعيشون لم يكن أفضل من أشقائهم في السودان أي أنهم متساوون في المحنة!! بل أن محنتهم أشد وأخطر مما فيه أشقائهم في الجانب الغربي، لقد وقع على البجا الارتريين ما لم يخطر على البال من انتهاك في الدين والعرض والأرض وهذه أمور معروفة ولست مبالغاً فيها إنما هي حقائق لمن يريد أن يعرفها!
لقد كان للبجا الارتريين الدور الفعال في الثورة الارترية وهم الذين أسسوها، و قادوها وبعد تحرير ارتريا في عام 1991م كان مصيرهم التهميش كما حدث لإخوانهم في السودان! أمر يدعو إلى العجب والريبة ولابد من معرفته ولماذا المساواة بين البجا في التهميش والإقصاء؟
البجا الأكسوميين مكر ودهاء وغدر وخيانة في الماضي والاستمرار على نفس النهج في الوقت الحاضر! هنا أود أن أوضح أمر البجا الأكسوميين ومن هم؟ من المعروف تاريخياً إن امة البجا تتكون من ثلاث أجزاء كما يقول د. جلال الدين محمد صالح في كتابه بل قسم البجا إلى قسمين البجا الأكسوميين وغير الأكسوميين: بجا السودان وارتريا الغير أكسوميين. والبجا الأكسوميين هم شعوب الهضبة التقراوية والهضبة الارترية وأصولهم واحدة هم من تقراى ويدينون بالمسيحية إلا فئة قليلة منهم مسلمة والمعروفة بالجبر، وليس من ضمنهم الشعوب الكوشية مثل الساهو والدناكل الذين هم ليس من البجا على حد علمي.وكما يقول الدكتور جلال الدين محمد صالح.
الصراع بين البجا الجنوبيين أي الأكسوميين والبجا غير الأكسوميين معروف في الماضي والحاضر معروف ورغم أنه في الحاضر لم يتخذ الطابع الدموي.
وأنا بصدد إطلاق مصطلح جديد في التسميات على البجا على النحو التالي:
1. بجا الشمال والغرب (أمة البجا).
2. وبجا الجنوب من غير لقب الأمة لقلت عددهم.
لاشك أن هناك إشكالية تعاني منها امة البجا الشمالية الغربية، وهذه الإشكالية لها جذور من الماضي وهذا الماضي ذكر في الكتابين المذكورين لكلاً من الدكتور جميل وجلال وأجمل ما في الكتابين لم يتركا شاردة ولا واردة من تاريخ الأمة البجاوية العريقة إلا وذكراه حسب علمي.
وفي اعتقادي الشخصي لابد من مراجعة مسيرة الأمة البجاوية ودراسة الملفات الماضية والأسباب التي حالت دون تقدمها وأسباب التأخر الذي يلازمها حيث بلغت هذه الأمة من الهوان إلى الدرك الذي يشك معه الضعفاء أنها لن تقوم لها قائمة للخروج منه! وهذا غير صحح أبداً لأن أمة البجا اليوم فيها من الكادر المتعلم والعالم بالمصلحة ما يكفي ويفي بالغرض إن شاء الله.
ومن يريد أن يراجع مسيرة امة البجا عليه أن يستعين بالكتابين المذكورين ففيهم كل شيء عن هذه الأمة وماضيها وما كان لها من الصولات والجولات.
وهل البجا حديد وتأتي في كل يوم بجديد؟ لا أعتقد أن إجابتي ستأتي في الوقت الحاضر!
وللحديث صلة في الحلقة القادمة إن شاء الله.