لابد من قول الحقيقة حتى إن لم تعجب البعض منا - الحلقة الثانية عشر

بقلم الأستاذ: سليمان صالح - أبو صالح

”رحلة في الذاكرة“ عنوان كتاب المناضل أحمد طاهر بادوري، لابد لي من وقفات أولها أن الكتاب رواية حقيقية لما مر به الكاتب

كما يحمل في سطوره حقائق عن الثورة الارترية المسروقة التي لم ترد الجميل لمن يستحق بما فيهم السيد بادوري الذي علمنا منه أنه كان رجل المهمات الصعبة في أوقات الشدة واعتقد جازماً بأن الرجل صادق فيما قال عن نفسه.

وكنت أعلم الشيء الكثير مما ذكر عن حياته النضالية، ولم أتوقع ولو للحظة أن يكون مصيره على ما هو عليه اليوم بعد الذي قام به في مرحلة الثورة وكان من العدل والإنصاف أن يكون له مكانة في الدولة الارترية المستقلة كما كان له أكثر من مهام في الثورة في عهد الثورة، فما الذي جرى؟ وهل المناضل بادوري غير جدير بالمسئولية أم أنه ليس أهلاً لها؟ أقول ذلك وأنا الذي أختلف معه ومع رئيسه الذي يقدسه، ولكني أرى أن الرجل قد استهلك ورمي به في قارعة الطريق وأصبح غير قادر على ممارسة حياته ونشاطه اليومي كما يحلو له! وهنا سؤال أطرحه على السيد المناضل بادوري الذي عرف عنه انه من المبادرين داخل الساحة الارترية في وقت مبكر جداً حيث شغل عدة مناصب قيادية بل كان سفير معتمد لدى أكثر من بلد في أيام الثورة واليوم أصبح الرجل حبيس بيته في أسمرة لا يغادرها إلى أي مكان في حال أشبه بالإقامة الجبرية، فلا هو معتقل وأرسل إلى سجن عيرا عيرو ولا حر طليق يتحرك حيث وكيفما يشاء؟!! أيعقل أن المناضل بادوري بعد نضال دام خمسين عاماً يحبس في بيته (دسكل حسب مصطلح هقدف)؟ ويعيش وحيداً في عزلة عن اقرب المقربين من الأهل والأحباب؟عجيب أمرك يا اسياس حتى الذي كان معك في كل ما قمت به من القبائح تتعامل معه بهذه الطريقة السافلة حقاً انك رجل غير أصيل، لا ترعى الجميل، وصدق من قال: (إذا أكرمت الكريم ملكته ** وإذا أكرمت اللئيم تمردا)!

والحقيقة أن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا هي من الأمة الارترية، وبالمختصر المفيد إن الخلافات التي عشناها ونعيشها هي من القيادات التي قادت الأمة الارترية في كل من جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، ومن هنا ينبغي أن نفهم الفرق بين التنظيم الذي شارك فيه الشعب وقدم أغلى ما يملك من فلذات أكباده وبين شرذمة قذفت بها الأقدار لقياد الأمة الارترية في بدايات الثورة، ومن هؤلاء أفورقي الذي يسير بالبلاد إلى المصير المجهول الذي لا يعلم عاقبته إلا الله.

ابكي حالي وأبحث عمن يتباكي معي!!

المناضل بادوري يريد أن يبكي حاله ويبحث عمن يتباكي معه في كتابه رحلة في الذاكرة، وأنا حقيقة استمتعت بقراءة بالكتاب الذي يذكر فيه كاتبه المناطق الجغرافية التي نشأت فيها حيث عاد بي إلى مواطن الصبا ومراتع الطفولة.

استوقفتني المقابلات التي أعدها الكاتب مع المرأة الارترية المناضلة والمسيرة التي مرت بها وما الذي تحقق منها وما لم يتحقق! الأستاذ بادوري يسأل عن أشياء يعلم يقينا أنه لم يتحقق منها شيء بل وصلت الأمور إلى ما يعلمه ثم يأتي ويسأل عنها فلا أدري لماذا يا أبو طاهر تطرح مثل هذه الأسئلة التي تعلم حقيقتها؟ من الذي أعان أفورقي حتى وصل إلى ما وصل إليه؟ ألم تكن واحداً ممن أعانوه على الطغيان؟ ثم تأتي اليوم للبحث عمن يتباكى معك على ما أنت عليه من حال يرثى له من التضييق والتهميش؟ وهل بقي من العمر ما يغري يا ود بادوري حتى تخشى على قول الحقيقة، أخي احمد أنت تعرف أن الأمور وصلت إلى ما تعلمه ولم نسمع منك ومن الإخوة الذين كان لهم الفضل على أفورقي الذي مهدتم بل أوجدتم له الأرضية التي ينطلق منها، وها أنتم اليوم تحصدون الشوك مقابل الورد الذي زرعتموه لمن لا يستحقه، وهل انتم راضين ما عليه حال الوطن؟ وأين المناضل رمضان محمد نور، والأستاذ الأمين محمد سعيد؟ بل أين الآخرين من المناضلين الذين أسسوا قوات التحرير الشعبية؟!!

لقد أصبحت خاوية على عروشها بعدما كانت عامرة وخالية من أهل الدار!

لقد طال الظلم والتعدي كل شيء حتى المدن المعروفة بأهلها لم تسلم منه حيث تغيرت معالمها تماماً ومن ينظر إلى وجه مصوع اليوم ويقارن ما بين الأمس واليوم يتحسر ويتأسف لما أصبها من التغير الديمغرافي (السكاني) بعد أن حل بها أقواماً من خارجها حيث أن من يملكون المباني والفلل الحديثة هم ليسوا من أهلها! ومن الطبيعي أن يتبادر سؤال منطق وهو: أين هم ومن الذي حال دون عودتهم إلى ديارهم؟ وهذا السؤال أطرحه بدوري إلى أبوي رمضان محمد نور وأقول أين اهلك وماذا حدث لهم؟ ومن يملك اليوم أماترى، ودوقلى، ورأس مدر، وعداقى، وحرقيقو، وطوالوت وغيرها من أحياء مصوع التاريخية يا الأمين محمد سعيد، ويا بادوري ألستم انتم الفاعلين والمتخاذلين؟

أقول مهلاً يا ودي تمنوو (تسفاي تمنوو) لقد قلت له أخطأت عندما قال أن أبناء البحر الأحمر هم من أعانوا اسياس علينا! نعم أنا وغيري من الإخوة استنكرنا عليه مقولته التي قالها بحقنا وقلنا له يا أخي أنت لا تعرف شيء عن التركيبة الاجتماعية التي كانت تتكون منها الثورة الارترية وما كنا نعانيه من الجواسيس الذين كانت تدفع بهم أثيوبيا لتثبيط الثورة وشلها وكان جلهم من المسيحيين وقد استفاد اسياس من هذه القضية بشكل خبيث حيث قال للإخوة في قوات التحرير الشعبية انه يعرف بني قومه وأنهم جلهم جواسيس وأولاد (اندنت - حزب الانضمام) وبتالي اتركوا لي أمرهم وأنا كفيل بتجنيدهم وتأديبهم، ومن ثم ذهب إلى بني قومه وقال لهم إن المسلمين الجهاديين العروبيين قد قتلوا من إخواننا المسيحيين عدد 500 مناضل ولذلك أنا انفصلت عنهم وإخوانهم في قوات التحرير الشعبة انفصلوا عنهم وسوف نتعامل معهم حتى نجد فرصة لتكوين أنفسنا بشكل جيد وإلى ذلك الحين عليكم أن تكونوا حريصين وبعيدين عنهم!! وهكذا بدأت الأمور، أليس كذلك يا بادوري؟ والحقيقة أن الرجل وجد معين له على ما أراد وهم الإخوة في قوات التحرير الشعبية التي انسلخت من الجبهة لأسباب لم تكن موضوعية مهما كانت التجاوزات الإدارية والشخصية من أياً كان، ولكن المرض كان الصراع على السلطة لا غيره واليوم الكل أيقن أنه لا سلطة ولا وجود يذكر لمن كان يصارع من اجلها! وأن الذي وقع في مصوع أمر مثير ومؤسف من إحلال سكان مكان سكانها الأصليين الذين شردتهم الحروب من ديارهم وأكملت آلة أفورقي ما بقي منها بعد الاستقلال بهدمها ومسحها لحي أماتري لعال وأماتري تحات وتم إعادة توزيعها للمستوطنين من الحاشية، ولم يعودوا أهل مصوع حتى اليوم ولا أدري إن عادوا هل سيجدون أملاكهم وبيوتهم التي لا وجود لها بفعل الهقدف ومن يعرف مصوع الأمس ويراها اليوم لا يختلف معي فيما ذكرت من تغيير ديموغرافي خطير ولا أعرف أين يسكنون قادة الثورة من أبناء مصوع؟ هل هم في العاصمة أسمرا؟ ربما وبالمقابل أين يسكن اسياس وطقى ريدا ولدقرقيس؟ في رأس مدر! عجيب أمرك يا وطني! لقد أعنتم اسياس حتى وصل إلى ما وصل إليه والنتيجة كما ترى يا أبوي رمضان!!!

إن من يقرأ كتاب الأستاذ بادوري لا يشك أن هناك مشكلة وان لم يرد الكاتب التطرق إليها وله أسبابه في ذلك ونحن لا نعرف الظرف الذي يعيشه الرجل، وفي اعتقادي الشخصي انه شبه مسجون لا يغادر إلى أي مكان خارج ارتريا أو داخلها وهذا يعني أن عمود من أعمدت الثورة محجور عليه! لماذا؟ الجواب عند وزيرة العدل السيدة فوزية هاشم.

وفي الخاتم أود أن أرسل هذه الرسائل إلى الإخوة الذين صنعوا الثورة وصنعوا اسياس، ممن هم على قيد الحياة وخارج السجون ومنهم الأستاذ الأمين محمد سعيد والمناضل الكبير أمين عام الجبهة الشعبة لتحرير ارتريا ما قبل الاستقلال، يا رمضان محمد نور نريد منكم أن تقولوا لنا ما الذي يحدث للوطن؟ وهل انتم راضون به؟ ومن الذي يقول كفاية إذا لم تقولوها أنتم؟ وهل تخشون الموت والسجن وأنتم الذين حملتم أرواحكم على أكفكم طوال هذه السنين.

فالأمر بحاجة إلى نقاش طويل ووقفات وتتبع كل فقرة من فقراته من ناحية الأحداث وحقيقتها ولكني لا أريد الخوض في ذلك في الوقت الحاضر، وعلى كل حال الكتاب جيد وقد وجدت فيه الكثير من المواضيع التي تستحق الإشادة.

دسكيلو: تعني تم تجميده باللغة التقرينية.

Top
X

Right Click

No Right Click