الانتماء الى العمل الجماعي نوع من التضحية
بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي
في اغسطس 2013م قدمت الحكومة الاثيوبية دعوة لاطراف عديدة مما كان يعرف بالمعارضة الاريترية
ساعتئذ، وأيًا كان عنوان الدعوة (سمنار/ ندوة/ملتقى/ورشة) فان المسألة كانت في الخلاصة نشاطا سياسيا.
شملت الدعوة (المجلس الوطني - حضور كل الاساسية، التحالف الديمقراطي، حزب الشعب من خارج الكيانين، وحالة ذات وضعية خاصة جدا اسمها الحركة الديمقراطية لكناما ارتريا يرمز لها ب(قرنليوس) وهو رئيسها والشخصية الوحيدة التي تمثلها في كل الكيانات وفي كل اللجان وفي جميع النشاطات اذ لم يظهر معه إلا شخص واحد. اقول حالة خاصة لان هذه الحركة قدمت لها الدعوة رغم انها مفصولة من التحالف وصادر بحقها قرار بتجميد عضويتها في المجلس الوطني) بسبب اعتداء وإساءات صدرت منها بحق مفجر الكفاح المسلح القائد الشهيد حامد عواتي واعتبرته المعارضة في الكيانين اعتداء على مجمل تجربة الكفاح المسلح وشهدائها وتضحياتها الغالية وانجازاتها واهمها التحرير والاستقلال وميلاد الدولة الاريترية. إذن وعلى ضوء هذين القرارين فإن الشراكة السياسية ومسألة التعامل معها لم يعتريها أي غموض وكان الموقف منها واضحا تماما.
وفي المكان المعد لبدء النشاط لاحظنا وجود قرنليوس سألنا عن السبب علمنا انه مدعو للمشاركة اعترضنا على ذلك ووضعنا الامر أمام رئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي الشيخ المجاهد والمناضل الشجاع ادريس علي سعيد ابو همام (الكيان صاحب قرار فصل حركة الكناما من عضويته) الذي استدعى تنظيمات التحالف وجرت نقاشات سريعة بيننا قبل افتتاح النشاط وعرض علينا من البعض ان نناقش موقفنا من النشاط بعد الافتتاح ونحن في وفد الجبهة اعتبرناه نوعا من الاستدراج واعتذرنا عن حضور الافتتاح وحضر شركاؤنا جلسة الافتتاح. قدم رئيس المكتب السياسي للتحالف مجددا الدعوة لعضوية التحالف لمناقشة الموقف واتفق على ان يطلب التحالف تأجيل جلسات السمنار الى حين حسم موقفه من المشاركة ووصلت ملاحظاتنا واعتراضنا الى اعضاء المجلس الوطني المشاركون (وهو الكيان صاحب القرار بتجميد عضوية حركة الكناما فيه).
الاستاذ ابو همام قدم دعوة رسمية لأعضاء التحالف للاجتماع ومناقشة موقف التحالف من حضور السمنار اذا حضر قرنليوس.. في النقاش الذي امتد لأكثر من جلسة ولاكثر من يوم طرحنا رأينا بوضوح قلنا فيه ان التحالف فصل حركة الكناما والمجلس جمدها (لاعتبارات وطنية صرفة) وهذا يعني رفض مشاركة الحركة في أي نشاط يخص هذين الكيانين وعليه دعوناهما الى الالتزام بهذه القرارات حرفيا بمنع حركة الكناما من المشاركة في هذا النشاط.
تم اللجوء الى حيلة يبدو كانت موضوعة في الحسبان اذا طرح هكذا تصور فقالوا ان صاحبة الدعوة هي الحكومة الاثيوبية والكيانات الاريترية مدعوة، قلنا ولأهمية الالتزام بقراراتنا في التحالف والمجلس فلنطلب إذن من الجهة الداعية مساعدتنا على احترام قراراتنا ومواقفنا وندعوها الى سحب الدعوة المقدمة لحركة الكناما. وفعلا شكلنا وفدا برئاسة الدكتور ابو البراء وتولدي قبري سلاسي وشخصي وقابلنا المسئول وقدمنا طلبنا ولم يستجب لنا.
ومجددا عدنا الى مناقشة الامر بيننا (هذه المرة كل الحضور وفي القاعة المعدة للسمنار بما في ذلك من هم خارج الكيانين) وهنا الكل تمترش خلف ان الدعوة من الحكومة الاثيوبية (الوياني) ونحن مدعوون، ونحن ورئيس المكتب السياسي للتحالف قلنا اذا كان الجهة صاحبة الدعوة لها الحق في من تدعو فنحن ايضا كارتريين لنا الحق في ان نحمي قراراتنا التي اتخذناها بمحض ارادتنا - وبدون التشاور مع الجهة المضيفة - بعزل حركة الكناما عن جميع نشاطاتنا السياسية أيا كانت ساحة هذه النشاطات واقترحنا ان نتخذ موقفا ان نشكر الجهة الداعية ونعتذر عن حضور السمنار الذي تشارك فيه حركة الكناما وهم بالتأكيد سيحترمون خياراتنا.
وطرحنا سؤالا مهما هل الاولى ان نحترم خيارات الجهة صاحبة الدعوة أم الاولى ان نحترم قراراتنا الخاصة في التحالف الديمقراطي والمجلس الوطني؟
هنا تباينت الصفوف للاسف واختلفت المواقف بيننا نحن في الجبهة ورئيس المكتب السياسي للتحالف من جهة والجميع من جهة اخرى. سمعنا كلاما غريبا وبعيدا عن الموضوعية والمنطق من الجميع - و بعيدا كذلك عما يدور هذه الأيام - وقد شارك معظم رؤساء التنظيمات - باستثناء الجبهة وحركة الاصلاح التي لم تكن ممثلة بوجهها الحقيقي والحزب الاسلامي الذي مثله النائب - وقيادات الصف الاول في المعارضة الذين كانوا حضورا. الجميع قالوا في ذلك الاجتماع نعم نحن نحترم قراراتنا ولكننا لا ننفذها الآن بل سنحضر هذا السمنار تقديرا للجهة (حكومة الوياني) التي قدمت لنا الدعوة.
في هذه اللحظة وقف المناضل ابو همام رئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي ووجه كلاما محددا ومختصرا الى اعضاء التحالف قائلا: بصفتي رئيسا للمكتب السياسي للتحالف ومسئولا عن المحافظة على قراراته ومعنيا بالدفاع عنها فإنني اطلب من جميع اعضاء التحالف الديمقراطي الارتري الانسحاب من هذا السمنار وحاول البعض الاعتراض على ماقال لكن مثل هذا الاعتراض لم توجد له مبررات تغطيه لا سياسية ولا تنظيمية.
الحقيقة حينها المواقف كانت (باينة من اولها) لكننا حاولنا ان نغلق الباب امام توسيع هوة الخلاف ونعطي مزيدا من الوقت لايجاد مساحة مشتركة في هذا الموضوع الحساس. ويبدو ان حقيقة الاختلاف بيننا لم تكن في ظاهر المسألة (وهي الاحتكام الى قرارات التحالف والمجلس) وانما كان السبب الحقيقي الموقف حيال الاسباب التي دفعت لاتخاذ تلك القرارات من الاصل (وقد قال البعض ذلك صراحة).
ومع اصرار الجميع على ركل قرارات مؤسساتهم تلبية لرغبة اصحاب الدعوة (بوضوح كدا حكومة الوياني) من ناحية ووضعنا نحن كجبهة أمام خيار ضيق جدا (إما أن ننسحب نحن كتنظيم او نحضر بوجود حركة الكناما) والغريب حقا ان كل التنظيمات وعلى ما بينها من تباين واختلافات قد اجمعت على هذا الموقف.
في هذه اللحظة لم نتردد بناء على ما معنا من موجهات في هذا الشأن فانسحبنا من القاعة وتركنا جلسة السمنار تأخذ وضعها العادي من غيرنا ثم طلبنا الدخول وطلبنا الاستماع الينا دون ان نجلس في القاعة وقرأنا قرارنا بالانسحاب مشفوعا بالاسباب الموجبة وفي مقدمتها احترام قرارات كيانات الشراكة بيننا (التحالف والمجلس) ودعوة رئيس المكتب السياسي للتحالف بالانسحاب واكدنا تقديرنا للجهة صاحبة الدعوة واعتذرنا لشركائنا عن الحضور متمنين ان نلتقي في نشاطات وساحات توافقية اخرى وطلبنا من الاخ المناضل بشير اسحاق ترجمة ما قلنا الى التجرنية.
بعد كلمتنا وقف الشيخ والمناضل ابو همام رئيس المكتب السياسي وطلب للمرة الثالثة من اعضاء التحالف الديمقراطي الانسحاب من القاعة ولكن لاحياة لمن تنادي فالجماعة وكأن على رؤوسهم الطير ولذلك اضطر ان ينفذ قناعته وقراره بنفسه فرج من القاعة وهنا طلب منه الشيخ ابراهيم مالك - وكان حينها رئيسا للتنظيم الذي ينتمي اليه ابو همام - ان يجلس ولايخرج باعتباره عضوا في التنظيم ولكن رد عليه انه موجود هنا بصفته رئيسا للمكتب السياسي للتحالف وليس بصفته عضوا في التنظيم.
والغريب ان نشاهد ونسمع اتهامات وإيماءات بعدم الوطنية والتخوين من البعض وكأن الذي كان بالأمس مسرحا ليس ذا صلة بالوطنية ولا بالوياني ولا بالنظام في اسمرا ولا ببادمي التي ظلت عقدين من الزمان تحت ابط الوياني.
كل ذلك يحدث لان مواقفنا تشكلها ردود افعال وانفعالات (او قل مصالح) شخصية، وربما قد تتخذ تأسيسا أو قصرا على مراحل زمنية ضعيفة الصلة بما قبلها وما بعدها ولذلك تأتي يتيمة ومعزولة عن هذه الامتدادات الضرورية.. بشكل عام عانت وما تزال بعض مواقفنا (هنا لا اقول مشروعاتنا وانما اقول مواقفنا) السياسية من عيوب تتمدد على مساحة واسعة من مسرحنا السياسي فبقدر ما نرمي النظام في اسمرا بالتقلبات المفاجئة وعدم احترام القوانين والنظم والاخلال بالتعهدات وخيانتها، نجد مظاهر وحالات من ذلك على صعيدنا نحن الذين نسمي انفسنا مقاومة ونسعى الى إنهاء هذه السلوكيات المعيبة في بلادنا، نجد ذلك على كل المستويات في اطرنا الجماعية ونجده في تنظيماتنا ونزولا الى الافراد ايضا.
إذ لم يكن مستبعدا وعبر سنوات ومراحل الشراكة التي قامت بين تنظيماتنا ان تتخذ قرارات طبقا للاجراءات الاصولية المنصوص عليها في انظمة العمل ثم تهمل او ترفض (عديل كدا) من بعض او احيانا من كل الشركاء الذين وافقوا عليها - وتحضرني في هذا العديد من الامثلة - وما اشرت اليه اعلاه كان اوضحها.
هذه عيوب كما ذكرت تفرد جناحها على الجميع بلا استثناء وهي احد أهم اسباب عدم فاعلية وضعف عمل التنظيمات والاحزاب والاطر المشتركة بل هي سبب اكثر حالات الانقسامات التي اعترت معظم تنظيماتنا ولم ينجو منها احد. ان عدم احترام النظم واسس العمل التي تقرر بمحض الاختيار ثم تواجه بالرفض والعصيان والاخلال او تنتهك عبر الاهمال المتعمد او بشتى طرق التحايل والاحتيال هو اسلوب مدمر للعمل وقاتل للثقة التي هي أهم ركيزة من ركائز العمل الجماعي والكل في ساحتنا عانى منها لانها من العيوب المرتبطة بسلوك الفرد الذي هو اداة العمل في التنظيمات ولأنها كذلك فان محاربتها ايضا تقع على الافراد ذاتهم وما يمكن معالجته منها عبر النظم والضوابط قليل جدا.
هذه السلوكيات اللاحقة توحي وكأنما نتخذ قراراتنا فيما يتعلق بالاطر المشتركة بدون قراءتها مع برامج تنظيماتنا وقراراتنا الخاصة فنقع في نوع من التناقض مع التنظيم فتاتي المحاولات للتخلص منها بطريقة غير مناسبة ومضرة بالشراكة. واحيانا يكون التهاون بقيمة العمل المشترك وتغليب الخاص سببا في التقليل من اسس الشراكة وتفكك الاطر الجماعية وتباعد الشركاء. كما ان سيادة الانانية وطبائع الهيمنة وحب السيطرة لدى البعض تكون سببا في تدمير العمل الجماعي.
وفي المجمل فان هذه السلوكيات تكون بالنتيجة خصما على مبدأ اساسي من مبادئ وركيزة مهمة من ركائز التغيير الذي ننشده وهي (القبول برأي الاغلبية) ليس على مضض بل القبول الذي يصدر عن الاحترام وهذا النوع من القبول ركن هام من اركان الديمقراطية التي لايمكن ان تتعمق وتصمد وتزدهر بدونه.
علاوة على انه من نافلة القول تذكير كل من يسعى نحو تحقيق عمل شراكي ناجح لابد له من الإيمان بان أي عمل جماعي (تنظيم او اطر اوسع) هو في الحقيقة تضحية، وأن كل من لا يؤمن بهذا سيكون وبالا على نفسه وعلى أي عمل جماعي يشارك فيه.