بناء البديل الديمقراطي استحقاق المرحلة - الجزء الثاني والأخير
بقلم المناضل الأستاذ: إبراهيم قبيل - الامين العام لجبهة الثوابت الوطنية الارترية
فإذا كانت هذه هي صورة واقعية للمشهد الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى القوى المهتمة
بالشأن العام فما هو مفهوم البديل الديمقراطي الذي نقصده؟
ان مفهوم البديل الديمقراطي الذي اطرحه لا اقصد منه ان يكون بديلا سلطوي يحل محل النظام الدكتاتوري عقب التغيير المنشود لان مبدأ من يحكم ما بعد التغيير محسوم وهو ما يقرره الشعب الارتري وحدة فهو صاحب القرار في تحديد من يحكم البلاد عبر صناديق الاقتراع. وبالتالي ان البديل الديمقراطي الذي اعنيه انما هو الذي يمثل الطرف الاخر في معادلة القوة في الصراع السياسي الارتري (سلطة دكتاتورية ومعارضة ديمقراطية) وبما ان المجلس الوطني اطار سياسي تحالفي عريض يضم القطاع الاوسع للقوى السياسية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال الحقوقي وشخصيات مستقلة وشخصيات اعتبارية وطنية وقابل لاستيعاب كل القوى المعارضة خارج مظلته وبصفته هذه فهو مؤهل ان يمثل الطرف الاخر من معادلة الصراع إلا ان هذا وحده ايضا لا يكفى ليؤهله ان يكون بديلا ديمقراطيا يمكن ان يطمئن اليه الشعب ليكون معبرا عن تطلعاته في الحرية والديمقراطية وبالتالي يثق فيه ويدعمه وبل ينخرط معه في معركته ضد الدكتاتورية وهو الشرط الاساسي لتحقيق النصر على الدكتاتورية او ان المجتمع الدولي يتبنى قضاياه ليشكل عامل ضغط على النظام الدكتاتوري وبالتالي يخلق توازنا مطلوبا في معادلة القوة.
اذا ما هو المطلوب حتى يكون بديلا ديمقراطيا؟
لتحقيق ذلك يجب ان تتوفر عددا من الشروط التي من شانها ان تساعد في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطي وهي كالأتي:
من المعروف ان موازين القوة في معادلة الصراع الان ترجح كفة الحزب الحاكم من حيث الامكانات المادية البحتة بحكم انه يهيمن هيمنة تامة على السلطة والثروة في البلاد وهو يسخرها اصلا في الدفاع عن سلطه الدكتاتورية إلا نقاط الضعف فيه كافيه ان تقضي عليه ايضا وبالتالي ان امكانية هزيمته امر ممكن وليس مستحيلا.
وعليه ان المجلس الوطني ليس عليه بالضرورة ان يكون قوة موازية للحزب الحاكم من حيث الامكانات المادية بقدر ما عليه ان يثبت للشعب الارتري بالضرورة انه بديلا ديمقراطيا حقيقي ولذا عليه ان يستوفي الشروط التالية:-
1. ارتكاز مطالبه على مرجعية دستورية: ذلك يعني اعادة تحديث خطابه السياسي الموجه للشعب والمجتمع الدولي بشكل حضاري يتوائم مع منطق العصر ويعطي مصداقية أكثر وقبول اكثر عندما يكون مبني على مرجعية دستورية وطنية يسند عليها في طرح مطالبه يؤكد فيها من خلال صيغة واضحة ان نضاله ضد النظام الدكتاتوري ليس صراع سلطوي انما الهدف منه اعادة السلطة للشعب ليحدد من يحكم وبالتالي ان مطلبه الرئيس هو استعادة النظام الديمقراطي الدستوري الذي تأسس عليه الكيان الوطني الارتري عام 1952 والذي ينص فيه الدستور الشرعي في الفصل الثالث ان (نظام الحكم ديمقراطي) الذي صادره المحتل الاجنبي وغيبه الحزب الحاكم وهو يمثل مرجعية دستورية تؤكد على شرعية مطالبنا وذلك باعتبار ان الحقوق الدستورية لا تسقط بالتقادم مثل الاحكام القاضية في الجرائم الجنائية الفردية.
(ومن سخرية القدر ان الشعب الارتري كان يتمتع بالحريات في ظل نظام منقوص السيادة الوطنية من1952 الى 1958م وعندما تحققت السيادة الوطنية الكاملة بعد تضحيات جسام جرد من حريته وعلينا استعادتها) وعليه ان هذا المنطق الدستوري الحضاري يمكن ان يكسبنا كثيرا من التأييد في المحافل الدولية بالنظر الى طبيعة المؤسسات الدولية التي تتفاعل اكثر مع المطالب ذات المرجعية الدستورية اكثر من القضايا ذات المطالب العامة لاسيما ان القوى المؤثر ة في القرار الدولي في اغلب دولها انظمة ديمقراطية قائمة على اسس دستورية كما هذا المنطق الدستوري يبدد أي شكوك حول طبيعة الصراع مع النظام الدكتاتوري ويزيد من ثقة الشعب في مصداقية المجلس.
2. ان يتضمن الخطاب السياسي المطلبي حقيقة اساسية يجب طرحها بوضوح وهي ان نظام الحكم القائم لا يستند الى شرعية دستورية انما يستند الى شرعية القوة المسلحة التي استولى من خلالها على السلطة وهو امر مخالف للقانون الدولي حيث ان ينطبق عليه صفة نظام (انقلاب عسكري) وبالتالي يصنف ضمن الانظمة الانقلابية التي يحظر الاعتراف بشرعيتها والتعامل معها خاصة ان الاتحاد الافريقي كان اتخذ قرارا بهذا المعني وطبقه على عدد من الانظمة الانقلابية ولو تم النجاح في انتزاع مثل هذا القرار وطبق على النظام الدكتاتوري فان المجلس يكون قد كسب زخما دوليا وإقليميا كبيرا وبذلك يكون تأثيره قويا وفعالا في اضعاف النظام الدكتاتوري داخليا وخارجيا وعلى الاقل تفعيل هذا الخطاب اعلاميا في وسائل الاعلام المختلفة وفي المحافل الدولية سوف يشكل عامل ضغط معنوي وسياسي على النظام الدكتاتوري بحيث يدفعه الى تخفف من قبضته الامنية على الشعب في الداخل وتقديم مزيد من التنازلات التي ستكون بمثابة كرة الثلج لان أكثر ما يخافه الحزب الحاكم هو العقوبات الإقليمية والدولية المباشرة والتي تهدد صلب وجوده السلطوي وبهذا يمكن يمثل هذا الخطاب الاعلامي احد سائل الضغط الفاعلة التي سوف تشكل عامل قوة للمجلس.
3. التأكيد على مبدأ الديمقراطية التوافقية واعتماد الية الحوار في ادارة المجلس الذي اقره مؤتمر اواسا لضمان مشاركة جميع القوى المكونة للمجلس دون اقصاء وبالتالي الحفاظ على وحدة وتماسك المجلس الوطني وضمان تطور تجربته الديمقراطية -وقد عرف المفكر الهولندي "آرنت ليبهارت الديمقراطية التوافقية في كتابه الديمقراطية التوافقية بقوله: أن الديمقراطية التوافقية تعبر عن إستراتيجية في إدارة ألنزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب، بدلاً من التنافس واتخاذ القرارات بالأغلبية - وهي بهذا المعنى افضل وسيلة لإدارة المجلس الذي يتكون من فئات متعددة كما ذكرت أعلاه.
4. تطبيق مبدأ الشفافية في اعمال المجلس ومؤسساته بهدف اعادة بناء جسور الثقة بينه وبين الجماهير وذلك عبر تفعيل دور الاجهزة الرقابية الاتية:-
أ) تفعيل دور المراجع المالي للمجلس للتدقيق المالي لأجهزة المجلس التنفيذية وغيرها في الفترة السابقة ويعد تقارير مراجعة مالية دقيقة تعرض للمجلس ويتم على ضوئها بعدها تقريرا اعلاميا للجمهور بما توصل اليه سلبا او ايجابا دون ذكر ارقام او اشخاص بل بشكل عام يوضح فيه سير التعامل مع المال العام في المجلس ويترك اتخاذ الاجراءات المطلوبة للجهة المختصة. مما يعطي مصداقية أكبر للمجلس الوطني من قبل الشعب باعتبار ان لديه شفافية في الاداء المالي وهذا امر هام لبناء جسور الثقة بينه وبين الشعب الارتري.
ب) تفعيل لجان المجلس خاصة اللجنة القانونية لان غياب دورها ساهم في حدوث كثيرا من التجاوزات وهذه مسالة هاما جدا يجب النظر اليها بجدية لأنها تتعلق بمصداقية قيادة المجلس.
ت) انشاء مركز اعلامي لناطق رسمي باسم المجلس يرفد الجمهور والعالم بأخبار المجلس وما يدور فيه بشفافية سلبا او ايجابا ويجب ان نترك سياسية الغموض والمسايرة ويجب تمليك الحقائق للجمهور بل للشعب الارتري كله لأنه صاحب المصلحة الاولى في التغيير وليس فقط عضوية المجلس.
ث) دعوة لممثلي وسائل الاعلام الكترونية الارترية المستقلة لتغطية اجتماعات وسمنار ات التي يعقدها المجلس دون التعليل بأي مبررات.
5. رفع كفاءة موقعي الرئاستان – رئاسة المجلس + رئاسة المكتب التنفيذي بحيث يؤديا مهامهما بكفاءة واقتدار بما يتناسب مع تطلعات الشعب الارتري وكونه بديل ديمقراطي لا يعني ان تكون اجهزته وقيادته رخوة او مسايرة او مقيدة بل بالعكس يجب ان تكون قوية ولديها من الصلاحيات الكافية ما يمكنها من تنفيذ البرامج وتحقيق الاهداف التي كلفت لتنفيذها من المجلس الوطني مع خضوعها بالطبع لضوابط المحاسبة والشفافية وأول تلك الخطوات هي ازالة البس حول مسالة فصل الصلاحيات والمهام عن طريق ازالة العوائق التي تتسبب في تداخل الصلاحيات بين موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي والتي كان سببا في حدوث اشكالات عطلت تفعيل دورهما في مسيرة المجلس في الدورة الاولى وتكرر الامر مرة أخرى لربما يكون السبب تفسير خاطئ لمبدأ فصل السلطات الذي اقره المؤتمر ولكن كان واضحا ان الطرفين يمارسان دورا تنفيذيا أي ان المجلس له رأسان وهذا لا يستقيم مع المراد من مبدأ فصل السلطات وأنا هنا اقترح تعديلا يمكن ان يجيزه المجلس او السنمار القادم او بالأحرى اقتراحين او بديلين يتم اختيار احدهما.
الاقتراح الاول: لضمان الانسجام والتوافق المطلوبان لتنفيذ المهام المطلوبة من قيادة المجلس يتم منح رئيس المجلس الحق في اختيار فريق عمله ممن يأنس فيهم الكفاءة في ادارة العمل وهم نائب الرئيس وسكرتير المجلس وكذلك في اختيار رئيس المكتب التنفيذي حيث يرشح ثلاثة اسماء يوافق المجلس على احدهم ويُسمح لرئيس المكتب التنفيذي باختيار فريق مكتبه ايضا بدوره.
في أي حركة تغيير قادمة سواء كان من خلال المؤتمر او السمنار قبل المؤتمر على ان يكون رئيس المجلس رئيسا لحزب او تنظيم سياسي وليس عضوا قيادي اقل بحكم انه مركز القرار في تنظيمه اما موقع رئيس المكتب التنفيذي لا يشترط عليه ان يكون رئيسا لتنظيمه او من تنظيم سياسي والهدف من هذا الاقتراح هو توفير عامل الانسجام لفريق العمل الذي يقود المجلس الوطني في المرحلة القادمة ولكن طبعا يجب التوافق عليها ايضا والمراعاة التي درج عليها في اختيار الشخصين حتى لا يكون هناك تغليب لفئة في مركز القرار.
الاقتراح البديل ان يكون هناك وضوح تام لصلاحيات الرئاستين بحيث يكون الفصل واضح في طبيعة مهمة كلا منهما على النحو التالي:-
1- رئيس المجلس:
ان يكون رئيس المجلس رئيسا تشريعا وشرفيا للمجلس الوطني بمعنى ألا يتدخل في عمل المكتب التنفيذي بعد اجازة خطة عمل المكتب التنفيذي من قبل المجلس ألوطني.
2- رئيس المكتب التنفيذي:
هو المسئول الاول عن ادارة العمل التنفيذي في المجلس الوطني بصلاحيات واضحة دون قيود تحد من قدرته على تنفيذ قرارات المجلس وبرنامج العمل المصدق عليه من المجلس الوطني ويكون له ايضا الصلاحية ان يرشح اسماء اعضاء فريق عمله أي اعضاء المكتب التنفيذي ويقدمها للمجلس الوطني للموافقة عليهم او من عدمه على ان يوازن في اختياره ما بين الكفاءة والتمثيل التوافقي وذلك لتوفير عامل الانسجام الذي هو عامل مهم لإنجاح تنفيذ المهام الموكل اليهم بكفاءة واقتدار وحتى لا يكون رئيس المكتب التنفيذي مكبلا وغير قادر على تنفيذ مهامه نظرا لان مبدأ المحاصصه هنا في تشكيل مكتبه يفرض عليه عناصر قد لا تتوفر فيهم الشروط أو الكفاءة المناسبة التي يحتاجها في انجاح برامج العمل وعليه طالما مبدأ المحاسبة قائم فمن المفترض ان يتاح لرئيس المكتب التنفيذي الحرية في ان يختار فريق عمله وأدوات العمل المناسبة ويحاسب في النهاية على النتائج.
ويشترط ان يكون من يتم أختاره رئيسا للمكتب التنفيذي رئيسا لحزب او تنظيم وذلك لضرورة تمتعه بخبرة سياسية وتنظيميه لان مجال عمله هو العمل السياسي بالدرجة الاولى وكذلك نائبه وحتى لا تؤثر عليه مرجعية اعلى منه في مركز القرار في تنظيمه يضعف من قدرته على اداء مهامه وهذا امر هام جدا يجب وضعه في الاعتبار.
3. ضمان استقلالية منصب المراجع المالي:
يجب ان يكون المراجع العام المالي مستقلا عن المكتبين الرئاسة والتنفيذي تماما ويكون موقعه الاداري في وزن موقعي رئيس المجلس ورئيس المكتب التنفيذي (لوائحيا) بمعنى آخر قانونيا حتى لا يتم التأثير على شفافية وحيادية عمله من سلطة أعلى منه مرتبه لصالحها او لصالح من يتبع لها أو تتبع له.
4. تفعيل دور رئيس اللجنة القانونية:
يجب ان يكون رئيس اللجنة القانونية مستقلا تماما عن المكتبين الرئاسة والتنفيذي ويكون له صلاحيات واسعة في مجال عمله وان كان ينتمي الى تنظيم سياسي او منظمة طوعية ممثلين في المجلس عليه تقديم استقالته من منصبه في الحزب الى حين الانتهاء من مهمته حتى لا يكون أي تأثير على احكامه القانونية من أي طرف وضمان عدم محاباة ممثلي تنظيمه في المجلس وذلك لان مهمته هي مراقبة تطبيق القوانين ولوائح المجلس وسلامة الاجراءات المطبقة كما انه يفصل في أي شكوى مقدمة من اجهزة المجلس او نزاع حول صلاحيات على ان تكون احكامه ملزمة للجميع قانونيا حتى لا يتحول خلاف حول (صلاحيات) أي جهة في المجلس الى مشكلة سياسية تعطل مسيرة المجلس كما حدث اخيرا كما انه يمثل الجهة القانونية العليا في تفسير نصوص اللوائح والقوانين التي تحكم عمل المجلس ويكون موقعه في الوزن القانوني لرئيسي المجلس و المكتب التنفيذي ويشترط على من يتولى هذا الموقع ان يكون مؤهلا علميا وله خبرة في مجال القانون الدستوري ويحبذ ان يكون حاملا درجة الدكتوراه او الماجستير في مجال القانون الدستوري وله دراسات في هذا المجال وان لم يوجد يكتفى بان يكون خريج كلية القانون وله خبره وهذه الكفاءات متوفرة في عضوية المجلس.
وعليه ان اتخاذ هذه الخطوات نكون قد ساهمنا في تأهيل المجلس الوطني ليكون بديلا ديمقراطيا حقيقيا.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.