هاوية القومية التي إبتلعت المجتمع في ارتريا
بقلم الإعلامي الأستاذ: إبراهيم محمد عمر سليمان اللولا - كاتب وناشط سياسي ارتري
القومية في اللغة هي مؤنث قوم تربط بينهم صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن
والجنس واللغة والمنافع.
اما القومية كفكرة وضعيه نشأت او ظهرت في البلدان الأوروبية في القرن التاسع عشر كغيرها من الحركات والأفكار التي تبحث عن التفلت من رابطة الدين، ودعاتها قد اختلفوا في المفهوم الصحيح لها، هل تعني تجمع امه من الناس وارتباط بعضهم ببعض هدفا وسلوكا وغاية، اما لانتمائهم الي لغة واحدة كما يرى الألمان، وإما لوجود عيش مشترك بينهم كما يرى القوميون الفرنسيون، او انها لغير ذلك من أمور سياسية واقتصادية كما يرى الماركسيون، او الاشتراك في التاريخ واللغة كما يرى بعض القوميون العرب.
وبغض النظر عن الاختلافات اللغوية او الفكرية في معنى او مفهوم القومية فهي لا تمت بصلة الي المكونات الاجتماعية اﻻرترية او تركيبة الشعب الارتري، فالمجتمع الارتري مجتمع صغير وحديث النشأة مقارنة بالشعوب المحيطة به في الإقليم، فسكان ارتريا من حيث التركيبة هم مجموعة قبائل تنتمي الي الشعوب السامية والكوشية والزنجية، مع وجود بيوتات في اقليم سمهر والمدن الساحلية تنتمي لأصول أخرى معروفه في دول وبلدان مختلفة.
والمقصد هنا ليس الحديث عن الجانب التاريخي للتركيبة السكانية في ارتريا او الحديث عن أصولهم، بل نعني التركيبة الأنثربولوجيا (العرقية) للسكان ولماذا بالتحديد تم تصنيف او تقسيم المجتمع الارتري الي قوميات حسب اللغة (اللهجة) مع ان اللغة تعد شيء مكتسب لا تدل علي جنس او اصل او ترابط مصالح للمجموعات.
بينما نجد في ارتريا الانتماء الواضح هو انتماء عرقي يبدا من الاسرة ثم العشيرة ثم القبيلة وهي المكون الأكبر للانتماء الاخير مهما كبر حجمها او تعددت الجغرافيا التي يقطنونها او تعددت اللغة التي يتحدثون بها، وهذة الحقائق في ارتريا معلومه ومسلم بها وغير قابلة للشك او التأويل، واللغات في ارتريا مكانية باستثناء البعض القليل التي ترتبط بالعرق او الجنس، والمجموعات البشرية في ارتريا تتحدث لغة المكان او المحيط الذي تعيش فية، ومثال علي ذلك وليس حصرا، ان لغة التجرايت (لهجة التجرايت) تتحدث بها مجموعات متباينة من حيث العرق او الانتساب الي القبيلة، وايضا نجد عرقية معينة او قبيلة واحد مقسمة الي اكثر من لغة، حسب توزيعها الجغرافي، ومهما كان التواجد واينما كان فالأسر اوالعشائر معروفه الي اَي قبيلة تنتمي وأما اللغة فهي مكتسبة كما أسلفنا.
والمجتمع الارتري واقعيا (طائفيا) مقسم الي مسلم ومسيحي وهذا ليس جديدا ولا عيبا، فالمكون المسلم والمسيحي متعايشين منذو القدم ويتبادلون المنافع بكل محبة ووئام، بل ابعد من هذا انه بعض الأسر نصفها مسلم والنصف الاخر مسيحي لدرجة لا تستطيع ان تفرق بين المسلم والمسيحي الا بالاسم الذي يطلق علي الشخص، فالمجتمع الارتري منذو عصور غابرة مجتمع مسالم ومتعايش، وفكرة حوار الأديان والتسامح الديني سبقنا فيها المجتمع الدولي بمراحل حيث الجامع بالقرب من الكنسية، والمسيحي يفسح المكان لكي يصلي اخوه المسلم بل ويقدمه علي نفسه في الذبح عند الولائم، وايضا المسلم يحترم شعائر أخيه المسيحي المختلفة ويؤازره ...الخ، هذا هو المجتمع الارتري في صورته المبسطة قبل الفبركة والتحديث المخل.
وبالعودة الي العنوان: هاوية القومية التي ابتلعت المجتمع، هذا العنوان يطرح أسئلة عديدة أهما:-
• لماذا تقسيم المجتمع الي قوميات !!؟
• ولماذا حسب اللغة!!؟
• ومن المستفيد!!؟
كل هذة الأسئلة وغيرها مشروعة، والإجابة علي السؤال الثالث من المستفيد من هذا التصنيف او التقسيم؟ هو ما يدلنا علي مربط الفرس او عين المقصد!!؟
من خلال الواقع والوقائع ان معظم كيانات المجتمع الارتري المسلمة ان صح التعبير متضرر من هذا التقسيم ورافضه رفضا قاطعا له ما عدا قلة قليلة ربما وجدت ضالتها فيه لشيء في نفسها ولا تمثل نسبة ذات اعتبار حتي نقف عندها، ودليل رفض المجتمع الارتري المسلم لهذا التقسيم او التصنيف ظهر جليا في فترة الاستفتاء عندما يحضر الشخص للإدلاء بصوتة في الصندوق يطلب منه ان يذكر قوميته فالأغلبية كانوا يذكرون قبيلتهم وكانوا يتعرضون للزجر والتوبيخ امام الملأ ويصنفون حسب اللهجة التي يتحدثون بها ويخرج مغتاظا غضوب علي الرغم من فرحة يوم عرس التحرير الموثق بالاستفتاء، فقضية إعطاء تصنيف او تسمية لشخص او مجموعة دون رغبته يعتبر تعدي صارخ علي الحريات، فبرامج الجبهة الشعبية برامج تنظيمي ليس من المنطق بان يطبق علي الدولة بالحديد والنار، وتوجد مناحي كثيرة لانواع من التعسف خارج نطاق المنطق والعقل في ظل غياب القانون.
وبالرجوع الي من المستفيد من هذا التقسيم او التصنيف!!؟ نجد ان هذا التصنيف يقسم المجتمع المسلم الي ثمانية اقسام متنافسة او متصارعة ان لم يكن الان ففي المستقبل القريب، بينما وضع المجتمع المسيحي في قسم واحد باستثناء مكون صغير مسلم وجد نفسه داخل هذا القسم نسبة للغة، وبالنظرة الموضوعية المتجردة يتضح من هو المتضرر ومن هو المستفيد بغض النظر عن علاقة المجتمع المسيحي بقرارات المشرع، فنحن نتحدث عن الحالة او الواقعة التي طبقها نظام الجبهة الشعبية عبر مراحل طويلة، أتى أكلها عند قيام دولتنا اﻻرترية الحديثة، والجدير بالذكر ان المجتمع الارتري المسيحي ظهر في مراحل تطبيق هذا التصنيف هو المستفيد، ولكن كانت فائدة مرحلية استفاد منها النظام لانه وجد حاضنه يستمد منها قوتة ويطبق عبرها مخططاته الجهنمية التي اتضحت بعد اكثر من عشرون عاما من تحرير التراب الارتري، ووجد المجتمع المسيحي نفسه بانه كان مطية حقق من خلالها أسياس رغباته وطموحاته الشيطانية، وهذا لا ينفي ضرر المجتمع المسلم المضاعف من جراء هذة الخطط والممارسات الممعنه في التمزيق.
الخلاصة: يجب علي المجتمع الارتري ان يتحرر من أدوات وممارسات وتصنيفات نظام الجبهة الشعبية (هقدف) حتي يعود الي نقائه وطبيعته الأصلية الاصيله، فلايعقل ان نمقت النظام ونرفضه وفي نفس الوقت نبقي علي ادواته.
"الله المستعان"