من الأشد خطراً على ارتريا الأجعزيان أم حكم الديكتاتور؟

بقلم الأستاذ: رجب سمهراي - كاتب وناشط سياسي ارتري

في هذه الأيام تدور في الغرف المغلقة بين الارتريين المغتربين مناقشات ومجادلات سياسية

الاغازيان 2

حامية الوطيس عن المخاوف والمخاطر المحتملة من قبل الأجعزيان أو الوياني الحزب السياسي المسيطر في إقليم تجراي وهناك توجسات ومخاوف من مشروع تجراي تجرينا يهدف إلى تكريس الهيمنة المطلقة لصالح فئة معينة على حساب فئة أخرى وحسب وجهة نظر هذا القريق أن الوياني والأجعزيان هما أشد خطراً من الديكتاتور الذي دمر ارتريا وشرد شعبها لثلاثة عقود ومازال مستمراً في عبثه التدميري لمقدرات البلاد البشرية والاقتصادية فهم يرون أن حكم الديكتاتور يبقى مسألة داخلية مهما كانت آثارها الكارثية وستزول بزوال هذا الديكتاتور إما بسبب الوفاة أو لأسباب أخرى. لكن السؤال هل فعلاً الاجعزيان أو حزب الوياني المتحكم في تجراي في هذه المرحلة أشد خطراً في ارتريا من حكم الديكتاتور الكارثي؟ أم أنها مجرد هواجس ومخاوف قديمة متجددة.

هناك قواعد عامة في الفقه الإسلامي يسمونها العلماء فقه الأولويات يستعان بها في تحديد الفتاوى الصحيحة في القضايا الفقهية، وبناءً على قاعدة حجم الأضرار والمنافع التي قد تترتب عليها، منها كمثال لا الحصر قاعدة: (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة). وكذلك في القضايا السياسية هناك فقه سياسة الأولويات يسترشد به في اتخاذ القرارات وتحديد المواقف السياسية حسب الأولويات وبناءً على حجم الخسائر والمكاسب المترتبة في القرار أو الموقف الذي سيتم اتخاذه في الأمور المتعلقة بالقضايا السياسية.

وبالنظر في قراءة الواقع الراهن في ارتريا فإن المخاطر المحتملة من قبل تجراي على المكون المسلم تحديداً في هذه المرحلة تبقى مجرد توقعات وافتراضات قد تقع وقد لا تقع. وحسب اعتقادي أن هذه الافتراضات تتغذى بالعوامل المتعلقة بالظروف والمعطيات الداخلية حاليا في ارتريا مثل إنعدام الوحدة الوطنية وفقدان الثقة بين مكونات المجتمع الارتري لا سيما بين المكون المسلم والنصراني من جهة، وبين المواطن والنظام بشكل عام من جهة أخرى، فضلاً عن حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الشعب الارتري بجميع فئاته كنتيجة للسياسات المدمرة التي يمارسها الديكتاتورمنذ عقود طويلة، وكلنا يعلم أن هيمنة التجرينيا والاختلال الديمغرافي والثقافي الناتج عن سياسة الاقصاء في ارتريا حالياً واقع معاش يُمارس بأبشع صوره ومفروض من قبل الطغمة المستبدة بقيادة الدكتاتور ضد المكون المسلم منذ استقلال البلاد فالسلطة والثروة محتكرة بيد أبناء التجرينيا والدولة كلها من لون واحد ولغتها تجرينا مما عزز الفجوة في انعدام الثقة بين المكونين المسلم والنصراني.

وأن هذه الفوارق والتناقضات هي التي استغلها الدكتاتور ووظفها في إطالة عمر نظامه. ويبدو الآن قد نجح أيضاً إلى حد ما في تزييف الحقائق وتسويق بضاعته الكاسدة من خلال تضخيم ورقة خطر الوياني أو الأجعزيان وتوظيفها لصالحه. وليس من المستبعد أيضاً أن الغوغائيين الذين يروجون ويبثون شعارات العنصرية العرقية والدينية في وسائل إعلام التواصل الاجتماعي قد يكونوا مدفوعين من النظام بدليل إن إعلام النظام من وقت لآخر ينذر ويتوعد الإرهاب الإسلامي الذي لا وجود له أصلاً في المنطقة بينما يغض الطرف عن التحريض الإعلامي الطائفي العنصري ضد المسلمين الارتريين من قبل من يتبنون مشروع تجراي تجرينا ويبثون شعارات العنصرية ضد المكون المسلم.

من حق الشعب الارتري خاصة المكون المسلم أن يقلق من مخاطر محتملة أو عدو خارجي يهدد مستقبل وطنه ومكتسباته وبالتالي أن يتخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من هذه المخاطر قبل وقوعها، ونحن لا يمكننا استبعاد هذه المخاطر تماماً كما هو الحال للمتأمل في نوايا جميع حكام اثيوبيا المتعاقبين في الحكم، بغض النظرعن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، لكن لا ينبغي لنا التهويل والتضخيم من هذه المخاطر وإعطاءها الأولوية مقابل مخاطر العبث التدميري الذي يمارسة الدكتاتور في البلاد لأكثر منذ ثلاثة عقود.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن اليوم في ارتريا نعيش في وطننا بأمن وأمان وبشكل طبيعي نتمتع فيه بكافة حقوق المواطنة وبالتالي نحرص ونخشى ألا نفقد هذه الحقوق والمزايا بسبب هيمنة تجراي تجرينا المحتملة؟ هذا الكلام لا يعني أن نغفل عن مكائد العدو الخارجي المتربص بالوطن كائناً من كان. لكن الحقيقة المؤلمة والتي يجب أن نقرها أن البلاد اليوم بطولها وعرضها وشمالها وجنوبها وفي أريافها وقراها ومدنها الكل يتحدث باللغة التجرينيا حتى الشجر والحجر ينطق بها وهي المهيمنة وهي لغة السيد الحاكم يعني بعبارة أخرى إن مشروع تجراي تجرينيا لقد تم تطبيقه بحذافيره من قبل اسياس وعصابته. وحتى المعاهد الإسلامية العتيقة مع قلة إمكاناتها إلا أنها كانت تقوم بالحفاظ على ما تبقى من هويتنا الإسلامية للأسف هي الأخرى قام الدكتاتور بإغلاقها. فالرجل ماض في تجريفه بلا هوادة لكل ما له علاقة بالإسلام وبهويتنا الثقافية والحضارية.

إذاً، ماذا بقي لنا من سيادة الوطن التي نحرص عليها بعد إذلال وإهانة شعبنا بأكمله فسيادة الوطن إنما تُستمد من سيادة وكرامة المواطن فلا سيادة للوطن الذي تُمتهن وتُذل فيه كرامة المواطن وإنسانيته. وهاهو اليوم يزج بأبنائنا وبناتنا إلى محرقة أخرى في حروب أهلية إثيوبية بحتة لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولا أحد يدري متى ستنتهي وكيف ستؤثر نتائجها الكارثية في مجتمعاتنا ونحن ما زلنا نتجرع الأحزان والآلام ودماؤنا لم تجف بعد من الحروب العبثية السابقة التي أدخلنا فيها هذا المعتوه بحجة الدفاع عن سيادة الوطن.

إني والله لأعجب من بعض الاخوة الذين لا يزالون لديهم نظرة إيجابية نحو أسياس ومغامراته العبثية وحروبه الخاسرة ويعتقدون أنها خطوة استباقية لدرء مخاطر وياني تجراي عن الوطن مستقبلاً. مما يعني أن الرجل ما شاء الله عليه حريص على مصلحة شعبه ووطنه ولديه خطط لمدى البعيد وكل ما يفعله هو لمستقبل البلاد والأجيال القادمة.

أبعد كل هذه السنين العجاف امتدت لنحو ثلاثة عقود ألا يكفينا من الدروس والعبر لما حل في بلادنا من كوارث ومصائب وشعبنا اليوم بجميع فئاته يُستعبد ويُسحق وتُنتهك كرامته وحرماته ويُذل ويُهان بمنتهى القسوة وعلى نطاق واسع. نساء، أطفال، شيوخ طاعنين في السن، يزج بهم في السجون ثم يعذبون ويٌنكل بهم حتى الموت من دون أي رحمة ومن دون أي مبرر ومن يُتوفى منهم لا يٌسلم جثمانه لأهله ولا يتم إبلاغهم بوفاته والفاعل لكل هذه الجرائم واحد وهو الدكتاتور ولا يوجد أشد خطراً على ارتريا من هذا الوحش. ليس هذا فحسب بل حتى سيادة الوطن واستقلاله الذي ضحينا من أجله بأغلى ما نملك أصبح اليوم في مهب الريح حيث نسمع الكثير من التسريبات المرعبة عن الاتفاقيات المشبوهة التي تجري تحت الكواليس بين كل من الديكتاتور وآبي أحمد ولا أحد يدري كيف سيكون المآل لكن الوقائع والمعطيات مخيفة ومرعبة. والآن السؤال يكرر نفسه، من الأشد خطراً على بلادنا اسياس أم تجراي، يا جماعة ما لكم كيف تحكمون.

الخلاصة بناءً على المعطيات التي أمامنا وحسب سياسة الأولويات فإنه لا يمكننا أن نعبر الجسر قبل أن نصل إليه كما يقال، لذلك أرى أننا في الوقت الراهن أن ندع جانباً الهواجس والمخاطر المحتملة ونركز بالدرجة الأولي في الكوارث التي حلت ببلدنا والمخاطر التي تحيط بنا الآن جراء السياسات الحاقدة التي يمارسها الديكتاتور وكيف يمكننا أن نتخلص من هذا الكابوس المتوحش الذي ينهش في جسد الوطن ليل نهار وحول بلادنا إلى خراب ودمار. أما العدو الخارجي لا يمكنه اختراقنا إلا إذا كان بيتنا من الداخل خرب ومهلهل لذلك المطلوب الآن هو العمل الجاد من أجل توحيد صفوف قوى المعارضة بما فيها قوى المجتمع المدني وإصلاح بيتنا من الداخل وبالتالي انقاذ شعبنا ووطننا قبل فوات الأوان.

كان الله في عون الشعب الارتري

Top
X

Right Click

No Right Click