العوامل الدينية والعرقية والجهوية في اثيوبيا أقوى من الروابط الوطنية والديمقراطية
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث ارترى
بسم الله الرحمن الرحيم
لعبت العوامل الدينية والعرقية والمناطقية دوراً مهماً وحاسماً في تاريخ اثيوبيا الحديثة.
حيث استمرت المواجهات العسكرية بين الحكومة المركزية الاثيوبية والثوار في كل من ارتريا وأوجادين لأكثر من ثلاثة عقود امتدت إلى مناطق أخرى خلال فترة حكم منجستو هيلي ماريام. قد يقال أن الحروب الداخلية في اثيوبيا كانت منقطعة النظير في الثمانينات من القرن الماضي من حيث الحجم والشراسة.
كان نمو المعارضة في اثيوبيا بطيئاً وغالباً ما يكون مؤلماً، بما في ذلك التغييرات في جيل القادة السياسيين وفي الأساس الاجتماعي للحركات السياسية. يمكن فهم نمط العلاقات والاتصالات بين المجموعات المختلفة على أساس بنية عرقية ودينية وجهوية محددة ومتأصلة في التطور التاريخي لإثيوبيا.
منذ زمن منيليك المعروف بعدائه وكراهيته للمسلمين وإمعانه في شن حروب الإبادة على المسلمين على الأقل في تلك الحقبة فإن الأمهرنية لعبت دوراً مميزاً في تحديد الأساس العرقي للأمبراطورية الإثيوبية، حيث أعطيت لغتهم وضعاً رسمياً ومنحت ديانتهم وثقافاتهم وضعاً نخبوياً.
على الرغم من أن الأمهرنية لعبت دوراً رئيسياً في توطيد الإمبراطورية والدولة الإشتراكية المطلقة التي خلفتها إلا أنها لا تشكل غالبية السكان، لأن هناك في الواقع الغالبية الأورومية التي ظلت مستهدفة عبر الأجيال ومع ذلك مثل معظم شعوب جنوب اثيوبيا، فإن الأرومو هم الأقل اتحاداً من الأمحرة والتجري دينياً واجتماعياً والأكثر تباعداً جغرافياً. فالأخيرة هم أشخاص متماسكون أحاديو الطوائف ولديهم درجة عالية من الشعور والانتماء بالهوية العرقية، في حين أن عملية التوطين العرقي في الجنوب يعرقلها التنوع القبلي والديني.
لقد حاول هيلي سيلاسي الحفاظ على وحدة الإمبراطورية من خلال تدشين علاقات التبعية مع الإقطاع التي تعززت من خلال الممارسة الواسعة النطاق المتمثلة في زواج أفراد الأسرة الإمبراطورية بشخصيات بارزة محلية. وكانت النخبة الحاكمة في البلاد مكونة من طبقة النبلاء الأمهرنية الذين أداروا آلية حكم الدولة البيروقراطية في الأمبراطورية. وكانت العناصر المهمة في هذه الآلية هي اللغة الأمهرية وثقافتها والكنيسة الأورثوذكسية الإثيوبية مما يعني أمحرة الدولة أي اتقان اللغة الأمهرية وفرضها واعتماد النظرة والتقاليد العالمية للأمحرينية والتعميد في المسيحية شرطاً أساسياً لا غنى عنه لتحقيق النجاح داخل الدولة لجميع الشعوب غير الأمحرنية. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن هيمنة الأمهرية لا تعني هيمنة شعب أمحرة ككل حيث أن في الواقع احتوت النخبة الحاكمة على ممثلين لجميع شعوب وأعراق اثيوبيا تقريباً، بينما شعر الفلاحون في مناطق الأمحرة بتزايد قمع الهياكل الإقطاعية تقريباً مثل تلك الموجودة في المناطق الأخرى.
على الرغم من أنه عزز وحدة آلية الحكم البيروقراطية الإقطاعية، إلا أنه خلال العقود العديدة من حكم هيلي سيلاسي فشل في تأسيس أي أساس اقتصادي قوي للوحدة السياسية للدولة. حيث كانت الصناعة في مرحلة جنينية وبدأت للتو تشكيل الاتصالات الحديثة. ولهذا السبب ظلت العديد من المناطق البعيدة، خاصة تلك التي تضم نسبة عالية من الأقليات العرقية، صعب الوصول إليها ولم يكن لها صلة بالمركز.
ظهرت نزعات تفكك قوية في اثيوبيا خلال أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما تم دمج ارتريا إلى الإمبراطورية الإثيوبية على الرغم من رفض الشعب الإرتري للضم. كما تم إنشاء منطقة أخرى من عدم الاستقرار من خلال القبائل الصومالية التي كانت تملأ منطقة أوجادين. عبرت هذه الاضطرابات إلى حد كبير عن عدم رغبة المجتمعات المحلية المسلمة في الاندماج داخل دولة مسيحية تمارس التمييز العنصري على أساس ديني.
في سبتمبر عام 1961م، قبل وقت قصير من الإلغاء الرسمي للإتجاد الفيدرالي الذي فرضته هيئة الأمم المتحدة متواطئة مع رغبات هيلي سيلاسي وأعوانه في إرتريا، بدأ أنصار الاستقلال الارتريون المسلمون المقاومة المسلحة ضد الحكومة الإمبراطورية الاثيوبية. وخلال العقود التالية تطورت الثورة الارترية ولكن مع الأسف تخلف المكون المسيحي من الإلتحاق بركب الثورة رغم النداءات والإغراءات التي كانت تطلقها القيادات الوطنية والإسلامية ويبدو أن هذا المكون كان يقرأ من أجندات وأدبيات حزب الإنضمام (آندنت) العميل الذي مارس أبشع الجرائم ضد الأحرار والشرفاء من أبناء الشعب الإرتري، واصبح حجر عثرة أمام رغبات الشعب الإرتري في نيل استقلاله في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي.
ونظراً للمستجدات التي حدثت في كل من اثيوبيا وإرتريا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حيث تدفقت أعداداً كبيرة من سكان المرتفاعات الارترية إلى ميدان القتال للالتحاق بالثورة ومعظمهم ممن كانوا في المؤسسات العسكرية والاقتصادية وفي الدوائر الحكومية المختلفة، ولكن جاءت هذه الأعداد الكبيرة إلى الثورة حاملةً معها قناعاتها ومنطلقاتها الفكرية تختلف عن ما كانت تتبناها الثورة الإرترية منذ نشأتها. للأسف تعاملت القيادات الوطنية مع هذه الأفواج دون تدقيق أو تمحيص واتخذت بشأنها إجراءات ساذجة. وهكذا تغلغلت تلك المجموعات في مفاصل كلا التنظيمين قوات التحرير الشعبية وجبهة التحرير الارترية مما غير شكل ومضمون الثورة ديموقرافياً وفكرياً ولغوياً. لذلك إن الأوضاع التي نعيشها اليوم هي نتاج ذلك التحول الخطير الذي طرأ في ثورتنا منذ ذلك الحين.
وفي تلك المرحلة بلغت حركة ثوار أوجادين الصومالية ذروتها حيث تمكنت من تحرير كل الأراضي الصومالية ولولا التدخل السوفيتي لما انكسرت الحركة ولكن بسبب ذلك التدخل تراجعت الحركة بشكل مضطرد مما أدى إلى الفوضى الكاملة، ثم التفكك الذي اجتاح الصومال في آواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات بسبب التآمر الإثيوبي السوفيتي بحجة أن انقلاب منجستو كانت ثورة يسارية دعماً للمد الاشتراكي في منطقة القرن الأفريقي وقضاءً على الإمبريالية العالمية والرجعية المحلية.
وهكذا أمعن منجستو هيلي ماريام في طرد شعب أوجادين من أراضيهم حتى أصبحت المنظمات الصومالية وغيرها من المنظمات الإسلامية عديمة التأثير في المسرح السياسي الإثيوبي.
في عام 1975م تم تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير تجراي وفي عام 1983م عندما أصبح لجسي زيناوي الذي غير اسمه إلى ملس زيناوي تكريماً للثوري الراديكالي الذي تم إعدامه في عام 1975م وبعدها أصبح ملس رئيساً للجبهة الشعببية لتحرير تجراي. وأصبحت جبهة تحرير تجراي أكبر الجماعات الأيديولوجية، ولكنها بدأت في الابتعاد عن الأيديولوجية التجراوية الإقليمية الضيقة نحو الدولة الاثيوبية ككل. بعد ذلك بفترة وجيزة وفي مؤتمر الجبهة الثالث عندما أصبح مليس زيانوي رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تجراي تمت إزالة أعضاء القيادات التي أيدت وجهة نظر (تجراي المستقل) من مناصبهم ثم تهيئة الظروف المواتية لتحقيق الهدف الرئيسي لتكوين الجبهة الديمقراطية الثورية (EPRDF) لشعوب اثيوبيا والإطاحة بالنظام الشمولي والإنضمام إلى السلطة من خلال رفض الشعارات الماركسية وتطبيق سياسات برجماتية معتدلة في المناطق الخاضعة لسيطرتها ومن خلال تشجيع الروابط العسكرية والسياسية الوثيقة مع الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وبشكل عام من خلال معادات سياسات منجستو الهادفة إلى تحويل اثيوبيا إلى معسكرات الشيوعية الواسعة.
من أكبر القوى السياسية نفوذاً بعد الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا كانت جبهة تحرير أورومو (OLF) التي تشكلت في عام 1973م والتي قاتلت قوات منجستو في "والاّجا" والمقاطعات الجنوبية. في موقف معقد بسبب خلافات جبهة تحرير أورومو مع المنظمات الأورومية الأخرى (بما في ذلك الجبهة الإسلامية لتحرير أورومو (IFLO). ولكن الاعتقاد الذي كان سائداً بأنه وبعد سقوط منجستو سوف يحقق قدر من تنسيق العمل. وكان هناك العديد من الأسباب للأعتقاد بأن مستقبل اثيوبيا القريب سيتم تحديده بواسطة الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا (الائتلاف الذي كان حاكماً في اثيوبيا قبل الأحداث الأخيرة) (EPRDF) وجبهة تحرير أوروما وتفاعلها المعقد. وقد تحقق ذلك مرحلياً حيث كل من المنظمتين كان لها نقاط القوة والضعف، حيث كانت الجبهة الديقمراطية الثورية لشعوب اثيوبيا إمكانات أكبر عسكرية وتتحكم في الكثير من أسلحة جيش الحكومة التي تم حلها. ولقد أصبح زعيم الائتلاف رئيساً للحكومة الانتقالية.
لا شك أن هناك الكثير من الأسباب التاريخية والموضوعية التي تهدد وحدة اثيوبيا، بما في ذلك الافتقار إلى سوق مشتركة كأساس اقتصادي للوحدة (تزايد الظلم منذ زمن غزوات مينيليك) وممارسة التمييز العنصري ضد القوميات الأخرى وضد المسلمين بصفة خاصة أولاً تحت حكم هيلي سيلاسي ثم بعد ذلك في ظل نظام منجستو هيلي ماريام . لقد ترافق التمييز مع سياسة الاستعباد من قبل فئة ضد فئة أخرى. ويشمل ذلك تدابير مثل الترحيل الجماعي من الشمال إلى المناطق الجنوبية والغربية الغنية من اثيوبيا، مما تسبب في استياء وسخط كبير من السكان المحليين، وفي الوقت الذي كانت الأمهرة ترعى فيه أيديولوجية اثيوبيا الكبرى غير القابلة للتجزئة، والجبهة الشعبية لتحرير تجراي وغيرها من المنظمات المعارضة للأقيات العرقية لكونها تحاول تفكيك الدولة الاثيوبية.
فليس من المستغرب أن تنظر قطاعات واسعة من المجتمع الأمهري إلى الجبهة الشعبية لتحرير تجراي بعين الشك والريبة. والأعجب من ذلك إن (EPRP) وهي منظمة شبه حصرية للأمهرى تقريباً كانت تضم ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف مقاتل، لم ترفض فقط كل محاولة من جانب ((EPRDF (الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا التي كانت تدعو جميع قوى المعارضة ضد النظام الشمولي، بل حتى هاجمت وحدات من الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا. علاوة على ذلك، في ابريل 1991م اتحدت قوات منظمة الأمهرة في مقاطعة غوندر مع قوات (درج) للقتال جنباً إلى جنب ضد الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا. وبعد سقوط منجستو في يونيو 1991م، دعت المنظمة الموالية للأمهرا الجنود السابقين للانضمام إلى صفوفها وحاولت استخدام شعارات الدولة الواحدة لغرضها الخاص.
على الرغم من العلاقات الودية التي كانت تتمتع بها الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في الماضي، فإن المنظمة الموالية للأمهرة أعلنت الآن أنها لن تسمح بتفكك الدولة الاثيوبية وانفضال ارتريا عن اثيوبيا ووفقاً للمراقبين الأجانب ساعد هذا الموقف من جانب الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا على زيادة شعبيتها من كل محافظات أمهرة وأديس أبابا.
يبدو من المحتمل أنه على الرغم من عدم وجود تراجع آمن وحرمانه من الإمدادات من الحكومة السودانية الصديقة تجاه الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا، فإن منظمة الأمهرة سوف تحصلت في الوقت المناسب على دعم جماهيري وأصبحت منافساً سياسياً كبيراً للجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا.
أدى امتداد سيطرة (EPRDF) الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا على أراضي أورومو خلال العمليات الهجومية بشكل خاص ضد الجيش الاثيوبي في ربيع عام 1991م إلى رد فعل سلبي من جبهة تحرير أورومو، والتي خشيت من استعمار جديد لأراضي أورومو. وقد أوضحت (EPRDF) الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا لجميع المعنيين أن جميع منظمات الأرومو القومية، بما فيها تلك التي تدعو إلى تشكيل أوروميا مستقلة لها الحرية بالوسائل السلمية في جميع المناطق المحررة من قبل (EPRDF) كانت أورومو في مثل هذه المناطق في عام 1991م تناقش وتناظر بحرية القضايا السياسية التي تهمها.
تقول قيادة الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا: إن أي شخص لا يرى الفرق بين الغزوات في مناطق الأورومو التي كان يقوم بها مينيليك وكفاح التحرير بواسطة (EPRDF) أن يكون الشخص الذي لديه شعور بالمصالح الحقيقية وتطلعات جماهير أورومو في الصميم كما ذكرت نشرة أخبار (EPRDF) في 22 من شهر مايو 1991. لكن لم تفرض الجبهة الشعبية لتحرير تجراي هذا الموقف في البداية على جبهة تحرير أورومو (OLF) وسكان أورومو، مفضلة عدم تفاقم العلاقات معهم، ولم تخترق القوات المسلحة للجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا مناطق أورومو بعمق.
كان عبث المواجهة العسكرية مع الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا في الحالة المعنية واضحاً لجبهة تحرير أوروموالتي على عكس الحزب الثوري الشعبي (EPRP) (منظمة ذات غالبية أمهرينيا لم تشن عمليات عسكرية ضد السلطات الجديدة، مفضلة استخدام الأشكال القانونية للنشاط السياسي لتعزيز موقفها. وبالتالي فقد شاركت في عمل مجلس النواب، حيث شكلت (12) مقعداً من أصل (81) مقعداً وتم ترك عدد (6) مقاعد شاغرة. من بين حلفاء جبهة تحرير أورومو، احتلت جبهة تحرير أورومو الإسلامية عدد (3) مقاعد وحركة أورومو مقعداً واحداً وكذلك جبهة تحرير أورومو الشعبية مقعداً واحداً وحصلت المنظمات الأعضاء في الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا على (32) مقعداً منها عدد (10) مقاعد لمنظمة أورومو الديمقراطية الشعبية. وهكذا تعتبر جبهة تحرير أورومو شاركت في تأسيس الإدارة الانتقالية على الرغم من أنها لم تكن حريصة بشكل خاص على المشاركة في الأنشطة للإدارة المركزية الجديدة، وكانت تفضل أن تركز على أنشطتها في مناطق أورومو.
يقال أن الجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا كانت تحاول إنشاء تنظيم سياسي لمنطقة عفار ولكن نتج عنه توترات مشابهة لتلك التي حدثت بين جبهة تحرير أورومو ومنظمة أورومو الديمقراطية الشعبية ((OPDO. كانت العلاقة بين جبهة تحرير عقر والجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا (الإئتلاف الذي كان حاكماً) مضطربة خاصة منذ أن نظمت (EPRDF) الجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا ندوة لاتحاد العفر الديمقراطي في عام 1990م، مما يوحي بأنها كانت تحاول خلق بديل عن ((ALF جبهة تحرير عفر علاوة علي ذلك، فإن العفريين هم نفس الأشخاص الذي سيتأثر مستقبلهم بشكل مباشر بانفصال ارتريا عن اثيوبيا. أثناء إنشاء جبهة تحرير عفر أعلن زعيمها الشيخ علي مراح الخنفر أن هدف الجبهة هو إقامة دولة إسلامية مستقلة للعفر.
ثم تحديد حدود هذه الولاية على أساس منطقة سكان عفر العرقي، بما في ذلك حوض نهر أواش والأراضي المجاورة والجزء الجنوبي من ارتريا بما في ذلك ميناء عصب هذا الطرح من الزعيم الشيخ علي مراح رحمه الله أزعج اسياس ورفض مسافحة الشيخ على مراح في داخل قاعة البرلمان الاثيوبي ولكن بعد محاولات علي سيد عبدالله مد اسياس يده نحو السلطان بكل ازدراء وغطرسة. وهنا يتساءل القاريء لماذا اسياس ينزعج من كلام الزعيم العفري أكثر من زيناوي الذي تعامل مع الأمر بشكل عادي . لأن اسياس يعتبر نفسه هو الحريص على وحدة اثيوبيا وكراهيته للإسلام والمسلمين ليس لها مثيل. غير أن إحجام جزء من العفر عن قبول ارتريا المستقلة هو نتيجة لعدم رغبتهم في رؤية شعبهم منقسماً على حدود الدولة. ولكن من خلال شغل هذا المنصب، فمن المرجح أن تؤدي إلى تفاقم علاقاتهم المستقبلية مع الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا.
تنشأ مشكلة أخرى للشعوب المحلية في الجنوب (مثل جوراجي أو سيداموأو الصوماليين. حيث تريد جبهة تحرير أورومو أيضاً إنشاء دولة عرقية خاصة بهم، لكن اتخاذ قرار بشأن حدود هذه الدولة سيؤدي إلى صعوبات غير قابلة للحل. حيث أن سكان الجنوب مختلطون للغاية، مع أنماط إقامة معقدة، لذلك سواءً قبلوا أو رفضوا خطط أورومو أو حتى لو حاولوا مقاومة هيمنة أورومو، فإن مشاكل الحدود ستخلق صراعات جديدة، ومع ذلك فإن شعار أورومو السياسي مهم للأروميين وجبهة تحرير أورومو لأنه يتيح لهم دمج مجموعاتهم الإقليمية والدينية المختلفة في أمة واحدة للأروميين. حيث يسهل شعار الاتحاد بين مختلف منظمات الأرومو بغض النظر عن ما تطالب به (OPDO) منظمة أورومو الديمقراطية الشعبية التي لا تشكل قوة مستقلة. في المقدمة فإنه يمكن توحيد جبهة تحرير أورومو والجبهة الإسلامية لتحرير أورومو (IFLO).
أعتقد أنه سيكون من الصعب توحيد مجموعات أورومو المختلفة أكثر من كسب النفوذ في حكومة أديس أبابا من الناحية التأريخية لم يشكل الأورومو أبداً دولة ولكن تم تنظيمهم في مجتمعات أصغر منتشرة على كثير من العشائر أو القرى. لقد اسسوا العديد من الكيانات الأصغر مع توسعهم في اختراق مناطق اثيوبيا الحالية. يمكننا اليوم أن نميز بوضوح أربعة مجموعات رئيسية من قومية الأورومو،
المجموعة الأولى: أورومو الغربية، لا سيما في والاّجا وكان الكثير منهم يدينون بالمسيحية بسبب تأثير الكنائس التبشيرية خاصة الكنيسة البروتستانتية، (ملاقي يسوس) التي هي الأقوى. جاء القادة الأوائل لجبهة تحرير أورومو والأيديولوجيين من الحركة الوطنية لأروميا من بين عدد كبير نسبياً من شباب الجماعة المتعلمين تعليماً جيداً.
الجموعة الثانية: شمال أورومو في (ميكا) قولاما، وشوا الحديثة والمنطقة الواقعة جنوبها، والذين تم دمجهم في ثقافة الأمهرة أكثر من مجموعات أورومو الأخرى، معظمهم من المسيحيين في الكنسية الأرثوذكسية الأثيوبية ويتحدثون الأمهرنية (إن لم يكن أفضل من الأورومية).
المجموعة الثالثة: جنوب أورومو من أماكن مثل (أروسي وبورانا) وغالبيتهم من المسلمين بينما ينتمي البعض الآخر إلى الديانات التقليدية، وغالباً ما يكون لديهم نمط حياة شبه بدوية ولم يتم دمجهم في أي وحدة إقليمية أو دينية أكبر.
المجموعة الرابعة: أورومو الشرقية من (هررجي) والسكان الحضريون المسلمون في (هرر) أو دير داوا وغيرها من البلدات وسكان الريف في المناطق المحيطة بهذه البلدات وإلى الغرب منها. هذه المجموعات لها روابط تقليدية مع العالم العربي وقادتها المحليون لديهم توجهات إسلامية قوية. بعض هذه العشائر وخاصة (جارا) من مؤيدي جبهة تحرير أورومو الإسلامية. وبما أن الأورومو هم أكثر تعدادًا في اثيوبيا، أصبح الأوروميون العامل السياسي الرئيسي في القرن الأفريقي. إذا نجحوا في التوحد فقد يصبحون قوة يجب على كل المجموعات الأخرى أن تحسب لها حساب. ولكن رغم أنها انقسمت إلى فصائل متناحرة مختلفة، فإنها لا تزال قادرة على تشكيل الأغلبية ليس فقط في اثيوبيا ولكن بالنسبة لمجموع سكان القرن الأفريقي بأسره وقادرة على إثارة الإضطرابات السياسية في اثيوبيا والمنطقة. تتمثل المهمة الرئيسية لزعماء الأورومو اليوم في توحيد الأجزاء الإسلامية والمسيحية في حركة أوروميا. إذا حققوا توحيداً حقيقياً، فقد تصبح أورومو حقيقة واقعة. لكن العلاقات بين الجماعات الإسلامية والمسيحية الأورومية داخل أوروميا في المستقبل ستخلق مشاكل. ومع ذلك أعتقد أنه من الأرجح أن يتعرض الأورومو لنفس عمليات التفكك التي يبدو أنها لامست بلدان ومناطق ومجموعات عرقية أخرى في القرن الأفريقي. إذا حدث هذا يمكننا أن نتوقع منطقة غير مستقرة للغاية تمتد من السودان إلى الصومال بما في ذلك جيبوتي. بعد كل شيء فإن هذه النزاعات التفككية مأساوية في أجزاء كثيرة من العالم في نهاية القرن العشرين.
في الوقت الحاضر اثيوبيا في مستوى منخفض جداً في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يمكننا ملاحظة عملية مكثفة من الاندماج والتوحد العرقي. وهذا ما يفسر لماذا يكون السكان أكثر استجابة للشعارات العرقية والدينية من الشعارات الوطنية والديمقراطية. في ظل هذه الظروف يجب على المرء أن يأخذ في الحسبان الطابع التقليدي في مواجهات الحياة السياسية الاثيوبية، والتي لعبت فيها التسويات دوراً محدوداً. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك فإن فرض نموذج اجتماعي ديمقراطي مع انتخابات عامة ونظام متعدد الأحزاب وحرية التجمع والصحافة من شأنه أن يخلق تعقيدات خطيرة إذا تم حشد الناخبين على أسس عرقية. الآثار المؤسفة للنضال من أجل السيطرة على سلطة الدولة بين الأحزاب السياسية المنظمة على أسس عرقية أمر مألوف في تاريخ العديد من الدول الأفريقية.