البحر الأحمر بين ضوء ترمب الأخضر وإشارة بايدن الحمراء - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: أحمد فايد - كاتب وناشط سياسي ارتري
هذه مجرد قراءاة تحليلية لها معطياتها ومبرراتها وتهدف إلى توسيع الأفق ودعم قراءة ما وراء ما نتابع
من أحداث، ثم التشجيع على متابعة ما نستنتج منها فربما نصل من خلال ذلك إلى قدر من الوعي بما يدور حولنا وقدرة على الإستشراف لما قد يحدث.
عزيزي المتايع، لا تصدق كل ما تقرأ، ولكن إقرأه ضمن ما يمكن أن يعتبر مفتاحا لنافذة جديدة قد تساعدك للنظر من زاوية مختلفة.
ساقوم بسرد هذه القراءة على عدة حلقات آملاً أن تصبروا علي قليلا حتى اكتمال الصورة.
الـتمهيد:
التشابك في قضايا منطقة القرن الإفريقي ودول حوض النيل الشمالية وصل مبلغاً يشي بأن الحلول كلها مرتبطة ولا يمكن حل مشكلة ما دون شمول المشاكل الأخرى، بعد ان أصبح التداخل بين القضايا أمراً واقعاً لا مفر منعده. وهذا سيقودنا بالضرورة إلى أن هناك شيئاً في الخفاء لا نعلمه وأن هناك مديراً ما أعلى درجة وأكثر احترافية يعمل على تحريك البيادق التائهة في ساحات أوطاننا وعموم منطقتنا.
وعليه يكون منطقيا أن يبدوا لنا بأن ما نشاهد به قدر من الجنون والعبث نظراً للتتابع غير المنطقي للأحداث. القضايا الأساسية التي تؤرق المنطقة نجدها مشمولة في كل الأزمات الراهنة ونجد لها رابطاً عضوياً فيما بينها. وهذا لم يأت من فراغ، بل أتى بإرادة ممن يدير الموقف.
البعض من هذه القضايا مزمن والبعض الآخر يطرأ بين الفينة والأخرى جالباً إلى السطح أحداثا جديدة وحضور لاعبين غير مرتقبين وآخرين تم إقصاؤهم في السابق ويتم إعادة إنتاجعم لرؤية ما ضمن أجندة المدير الأعظم لأحوال المنطقة متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية استناداً إلى متغيرات سياساتها الخارجية.
في الآونة الأخيرة وأثناء فترة رئاسة دونالد ترمب للولايات المتحدة وتحطيمه للعديد من التابوهات وإفشائه للكثير مما خفي من أسباب سياسات الولايات المتحدة في العالم، ظهرت لنا بعض المشاهد من تلك السياسات الخفية الى العلن، وتابعنا كيفية عمل مطبخ الأحداث الدولية الأمريكي وذلك بسبب الوضع غير التقليدي الذي اختلقه دونالد ترمب واختراقه للنظام التقليدي الأمريكي عالي السرية رتيب الأداء.
في منطقتنا، وبين فترتي حكم ترمب وبايدن ظهرت امامنا قفزات غير تقليدية في الهواء وبدت أمام أعيننا متغيرات سريعة ومواقف غريبة وأحداث متسارعة أبطالها كيانات إقليمية مؤثرة، وأخرى كرتونية لا تملك قراراتها ولا تستطيع تأمين ذواتها ولكنها تلعب الدور الأبرز في مجريات الأحداث.
ضمن غرائب الأمور هذه يمكننا الإشارة بالبنان إلى تواجد مكثف لدول الخليج في مهمة تأزيم شرق السودان بالتواطؤ مع مجموعات الناظر ترك وداعميه، وإرسالها الكوادر الأمنية العاملة تحت إمرة صانع المؤامرات ذائع الصيت محمد دحلان. ليس هذا فحسب إذ تدخلت تلك القوى في تأجيج حرب تقراي في بدايتها، كما أنها تبنت مواقف داعمة لسيطرة الجنرال الطارئ محمد حمدان دقلو (حميدتي) على السودان.
هذا الحال بوضعه الذي تابعنا لم يدم طويلاً، فبعد تأكد فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة وانتهاء محاولات الإنقلاب التي استمات ترمب تغيير النتائج من خلالها عبر سلسلة من الفضائح والتصرفات التي تنافي كل أسس الديمقراطية الأمريكية، تغير كل شيئ وانقلب الحال من النقيض إلى النقيض.
بعد التمدد غير الطبيعي لتلك القوى الكرتونية، أتى الإنكماش غير المفهوم بالإخلاء الفوري لقاعدة عصب التي كان قد تم استئجارها لفترات طويلة في دليل قاطع على تغير واقع التحالفات وتبديل مواقع البيادق. أيضاً تم سحب الدعم العسكري والتكنولوجي المقدم لتحالف أبي أحمد وإساياس أفورقي في حرب تقراي، وهو الذي كانت تديره كوادر مستأجرة من دول مجموعة العيون الخمسة. وهذا كما نعلم جميعاً أدى إلى ضعف الغطاء الجوي لعملياتهما في إقليم تقراي، كما سنسرده ببعض التفصيل في الحلقات القادمة.
من جانب آخر واستمرارا في سياسة ترمب غير المتوائمة مع نظام الحكم الأمريكي التقليدي، قدمت الولايات المتحدة لبعض دول الخليج مالم تحلم به تلك الدول من أدوار إقليمية والموافقة على تصرفاتها غير الأخلاقية وغض الطرف عن أسوأ الجرائم التي ترتكبها وذلك في مقابل تقديم بعض التنازلات الشكلية لصالح إسرائيل فيما سمي بتيار التطبيع الذي عصف بكافة دول الخليج العربي حتى يصبح البحر الأحمر بضفتيه في حالة تطبيع حقيقي مع إسرائيل بعد كتمال الحلقة باستئناس السودان الذي سارع هو الآخر بالتطبيع وتهيئة مكانة ما له في المستقبل حتى لا يتجاوزه التيار - وهو ذاك البلد الهش المفتوح على مصراعية لجميع الأطراف يعبثون فيه كيفما شاؤوا.
يستثنى من هذا الإعداد في الوقت الحاضر الابن العاق للصهيونية إساياس أفورقي الذي يحاول التغريد خارج السرب ولكن دون الخروج من اتجاه التيار الصهيوني القادم. فيبدوا متعنتا ومتحديا للخطوط الحمراء ولكنه يتصدر تنفيذ المخططات بالحرف الواحد (سنسرد دوره في احداث شرق السودان وتعديل الخرائط لاحقاً) مما يعني أنه وحين يأتي وقت التنفيذ النهائي للمخطط سيظهر بوجهه الحقيقي. وإن لم يقم بالدور المناط به فإنه سيستحق عاجلا لا آجلاً بضربة قاضية سواء كان ذلك من خلال دعم قوى إقليمية أو من خلال تدخل مباشر لقوى دولية فتكون النتيجة أن أذاب إرتريا تحت صلفه وعنجهيته وهو أمر واقع نراه بأم أعيننا اليوم.
هنا تكتمل عناصر الخطة ويبدأ التنفيذ باكتمال جاهزية الأرضية لمشروع "القرن الإفريقي الجديد" (أو قل البحر الأحمر الجديد وعاصمته إيلات). يحدث هذا بأهداف ومفاهيم جديدة قد تم إدخالها مؤخرا لتوائم المتغيرات التي طرأت في المنطقة سنسرد لها في التفاصيل اللاحقة.
الإجراءات الموصلة للهدف الرئيسي ويتم العمل عليها في وتيرة متسارعة في الوقت الحاضر سيتم تناولها كالتالي:-
• تعديل ديمغرافيا وخرائط الجانب الغربي للبحر الأحمر.
• ترحيل أو إبادة المجموعات الخارجة عن السياق.
• ضمان بقاء إثيوبيا دولة قوية ومؤثرة.
نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة