نحو فهم وادراك أعمق - الجزء الأول
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد صالح القيسي - قيادي سابق بجبهة الشعبية لتحرير إرتريا
لعل ابلغ تعبير وجدته عن حالنا هو ما وصف فيه الشاعر في هذا البيت الشعري،
(أتى ليشبع جوعي ثم أشبعني موتا،، وها أنا في القبر يحتفل).
لعل المحزن في المشهد السياسي ان الكل متحفز لما يجري في هذه المرحلة منذ ان ظهر التحالف بين النظام الارتري، ونظام ابي احمد وكلل اخيراً بالحرب في (تجراي). وكان التعبير الحقيقي لهذا التحفز، هو الحراك السياسي للمكونات السياسية نحو مبادرات جديدة للم الشتات المبعثر، وهي جهود مقدرة، بغض النظر عن مدى واقعيتها.
لكن المحزن في الموضوع ان هذا النشاط كالعادة لا يأتي الا كرد فعل لمواقف النظام وسياساته، وليس نابعا بالأصل من ضرورات تمليها طبيعة الصراع، واستراتيجية واضحة وواقعية و متماسكة يتطلبها واقع المواجهة.
دعونا نتفق:- ان (ارتريا) وبرغم الحراك الوطني منذ الأربعينات، وتطور هذا الحراك الي كفاح مسلح وتعرجات هذا الكفاح عبر مضايق تتسع في احيان معينة وتضيق في احيان اخرى، كانت تمثل اللبنة الأولي في بناء الكيان الوطني وصياغة الشخصية الوطنية.
ودعونا نتفق:- ان المكون الاسلامي كان العنصر الأساسي والعمود الفقري لانطلاق الكفاح المسلح واستمراريته، بالطبع دون ان يعني ذلك غياب كلي للمكون الاخر، ولكن كلفة هذه المهمة كانت كبيرة، اذ احتلت الاختلافات داخل هذا المكون الاسلامي جل هذا العطاء، بحيث استنزفت تماما مع مطلع السبعينات (وهذه قصة طويلة ومريرة بحاجة الي تدوين حقيقي وصادق).
ودعونا نتفق:- مع مطلع السبعينات بداء الانخراط الواسع للمكون الاخر لأسباب كثيرة، لكن الابرز بلا شك هو الهم الوطني وانهاء الارتباط مع اثيوبيا، لكن تلك الروية لم تكن متوحدة بطبيعة الحال، فالمكون المسيحي كان يحمل في داخله اتجاهات واجتهادات ويعود ذلك الي طبيعة التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لهذا المكون ومستوى مقدر في حجم القوى الحديثة من (طلاب، وعمال، وحجم لا يستهان به من الطبقة الوسطى من سكان المدن، بينما احتل الفلاحين المرتبة الاولى في هذا المكون) أيضاً لم يسلم هذا المكون من صرعات داخلية كانت في معظمها دموية الطابع، سيما في جانب الشعبية، الا ان الحظ وعوامل اخرى أهمها الدور الحاسم للمكون الاسلامي في حسم الخيار من خلال الانحياز التام لما اعتبر حينها بالتوجه الوطني والديمقراطي، وكان أسياس افورقي احد رموزه في ذاك الزمان، ولذا حسم خيار التجرينية ضمن هذا التوجه باعتباره خياراً وطنياً، وضمن هذا الفهم نشاءت ما عرف بالجبهة الشعبية لتحرير ارتريا. عكس جبهة التحرير الذي لم يحسم الخيار داخلها وبقيت الخيارات تتناحر داخل التنظيم مما أدى الى ضعف الجبهة ونهايتها.
ودعونا نتفق:- ان هذا الموروث من الصراع السياسي طغى علي الحياة السياسية في ارتريا الي يومنا هذا ولذا نجد ان هذا الموروث مازال متحكماً علي كل القوى المعارضة حتى وان حاولت الفكاك منه، بل الأنكى من ذلك ان من حاولوا الفكاك من هذا الموروث لم يجدوا خيارا بديلا سوى العودة برضاء كامل الي ماعانت به الثورة زمناً طويلا . الإخوة التجرينية الى منطق الأقاليم او التعصب ضد الآخرين (الاقازيان) او المكون الاسلامي الي التجمعات العرقية تحت حجج واهية، من المساواة، والحقوق . وقد وجدت هذه الدعوات استجابة لابأس بها بفعل سهولة التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحالة الياس المطلق لقطاع واسع من هذه المكونات الاجتماعية . هذه هي الصورة النمطية للحالة السياسية الارترية.
والسؤال:- ماذا عن النظام وهو صانع الاحداث والماسيء ؟؟؟
الاجابة بكل اسف بعيدة كليا عن التوصيف التقليدي، كا (نظام مستبد ديكتاتوري) او (نظام ينحاز الي مكون اجتماعي معين) او (نظام خان الأمانة ويفرط في السيادة الوطنية) او او الى اخره مما تعج به ادبيات المعارضة، وهنا تكمن الطامة الكبرى في تشخيص هذا النظام وحقيقة مشروعه السياسي، ولعل التوصيفات التى تطلقها قوى المعارضة غير بعيدة عن الواقع ولكن بنسب متفاوتة كا مكملات لشي خفي يلعبه النظام ومشروعه السياسي والذي يستهدف المنطقة ودوّل الجوار، ويدفع ثمن ذلك الشعب الارتري حاضراً ومستقبلا. هنا لابد من الاعتماد علي وقائع وحقائق قادمة من الداخل، ومن مصادر قريبة من هذه السلطات.
بتاريخ ١٦/ و١٧ من شهر مايو، عقد اجتماع في مدينة (مصوع)، مقر الاجتماع موقع استقبال الضيوف الملحق بمكتب الرئيس، حدد فندق (دهلك) كا مقر لإقامة وفد قبائل (الهدندوة). والممثل من رؤوس التحرك القبلي في شرق السودان وهم:-
١) محمد الأمين محمد احمد (العمدة)
٢) وهاج محمد فكاك
٣) شابا درار (هذا الأخير جاء مباشرة من القاهرة)
٤) حامد محمد فكاك
٥) شيخ/ عثمان علي (بتأي)
اما ممثلي السلطة فكانوا كا لآتي:-
١) بريجيدا جنرال/ إبرها كاسا مسؤول الأمن القومي،
٢) يوناس يزاملاك/ مسؤول استخبارات المناطق الحدودية،
٣) الكونييل/ ولدزقي ضابط ارتباط (يتواجد حاليا في الخرطوم).
بعد الاتفاق لتنفيذ المهام اتخذت الخطوات التالية:-
١) فتح حساب في البنك التجاري الارتري، تحت بند مزاولة نشاط تجاري.
٢) رقم الحساب في البنك (١٠٠٣٢) باسم الشيخ سليمان علي.
٣) تم تسليم الوفد نقداً مبلغ ثلاثة مليون دولار.
بتاريخ ٢١/٥/١٩ تم الاتفاق علي اللقاء في منطقة قريبة من (مرافيت) اطلق لها اسم حركي، كي يتم تسليمهم 500 قطعة كلاشينكوف، و٣٤ مسدس، وكمية كبيرة من الذخائر.
كم تم الاتفاق علي ان تقوم موسسة البحر الأحمر التابعة للحكومة الارترية بإيداع مبلغ مليار جنيه سوداني عبر مكتبها في الخرطوم في بنك ام درمان في حساب المدعوا وهاج محمد فكاك.
بالاضافة الي فتح معسكرات تدريب في (بركة) تحت إشراف الشيخ سليمان، وتحديداً منطقة (فورتو) و (سأوا). وفِي خلال اليومين الماضيين وصلت معلومات مؤكدة، بانه تم شراء عشرة الف بندقية من مختلف الأنواع من منطقة (تجراي) تم توجيهها الي تلك المعسكرات.
ماهو الهدف الحقيقي من هذا النشاط المحموم في تجنيد أبناء (الهدندوة) ضد اخوانهم من المكونات الاخرى، وتحديداً البني عامر، وما العلاقة بين هذه المؤامرة وما يحاك ضد السودان وشرقه تحديداً، وبين ما يجري في (تجراي)، ولماذا هذا الاستهداف لقبائل البني عامر.
هذه أسئلة بحاجة الي اجابات شافية وموضوعية حتى يمكننا ان نضع العربة في الطريق الصحيح لفهم ما يدبر في الخفاء، ونساعد أنفسنا في الخروج من قوقعة الاوهام التي عشناها طويلا.
نواصل... في الجزء القادم
التعليقات
من المؤسف فعلا انه حتى هذا اليوم، يوجد من لا يريد ان يفهم شخصيه اسياس افورقي، ألم يقم هذا الرجل بالتحالف مع ناس التقراي ومنثما هو اليوم يرسل رجاله في أرضهم، هو يستخدم فقط من هو موجود وقابل للاستخدام، كالجزمة ومنثما يقوم برميه، من العجائب انه قام بدعم قوات جنوب السودان لاحتلال الشرق، وها هو الان وعلى عينك ياتاجر، يدعم قبيله في الشرق لمحاربه قبيله اخرى في الشرق، و دوله السودان لا حس ولا يحزنون، يعني فخار يكسر بعضه.