مقترحات محاور الحوار مع منبر اسنا والمنابر المشابهة
بقلم الأستاذ: صلاح ابوراي - كاتب وناشط سياسي ارتري، لندن بريطانيا
المخاوف ليست من الوياني على ارتريا، والارتريون يستطيعون التصدي (موحدين) ودحر أي قوى خارجية
على بلادهم، لكن الخطورة تكمن في الارتريين الذين يعملون معهم وهم ليسوا بالعدد القليل ويضموا شخصيات سياسية معتبرة. اكاديميون، اعلاميون، منظمات شبابية ومنظمات مجتمع مدني ونشطاء وشخصيات عامة.
هذه الجماعات التي تربط مصيرها بمصير الوياني وتهدف الى مصير مشترك تنطلق من منطلق هام وحيوي وهو (الامن الثقافي)، في منطقة محيط إسلامي وتعدد ثقافي لاسيما ان الذاكرة السياسية تتحدد في هذه المنطقة بالحروب الدينية والحروب القومية (المهدية - الدراويش وكذلك احمد قرانج وكذلك الحروب القومية البجا والاكسوم والاقو وصولا الى الصراعات القومية الامحرا - التجراي).
الأمن الثقافي كهاجس نفسي يعتبر مبعث هام من مباعث الممارسة السياسية التي تقوم على هذه الهواجس والاحاسيس النفسية. وتأسيس عمل على استصحاب هذه المشاعر هو احد الأوهام الأربعة لفرانسكس بيكون كونها تشكلها العاطفة. لكن، علينا احترام هذه المخاوف ومجادلتها.
علينا اجراء حوارات عميقة مع رموز هذه التيارات وهي معروفة ومحصورة سواء من يعمل بصورة جلية أو متوارية ولا يريدون الافساح عن انفسهم ولكنهم جزء اصيل في تحقيق هذه الاهداف.
علينا تصور محاور هذه الحوارات وتعميقها وتجويدها وهنا بعض هذه المحاور:-
أولا: يجب التأكيد على ان الثقافات في نموها وتطورها وضمورها كلها داروينية - تخضع لقانون البقاء للاصلح - وإن الثقافة التجرنية وبحكم بنيتها التاريخية وانسانها المستقر تعتبر احدى الثقافات الرائدة في المنطقة وإن هاجس الدثور أو الطمر في الثقافات المنطقة هو هاجس غير مبرر.
ثانيا: التواصل الثقافي والتعايش المشترك يمكن تحقيقه بأنجع الوسائل وبدون تكاليف باهظة تودي بدمار شامل في المنطقة وذلك عبر التكامل السياسي والشراكات الاقتصادية والانفتاح الثقافي بين الدول وفتح المعابر والحدود حيث الشراكات والتكتلات الاقتصادية والاجتماعية سمة (ضرورية) في عصرنا هذا، وهذا سوف يتم عن طريق انفاذ برامج منظمة الايقاد والكنفدرليات التي ستفرضها ضرورة العصر وكان قد اقترحها في كتابه البروفيسور تسفاظيون مدهاني وكذلك الدكتور ابوالقاسم حاج حمد. وهي اكثر من كونها دراسات اكاديمية هي نمط الحياة المصاحب للدول والاقليم في العصر الحالي.
ثالثا: ان الهوية الثقافية هوية متحولة باستمرار وغير ثابتة، والمنسوب الثقافي الذي يشكل الاجيال الحالية والمستقبلية هي ثقافات العولمة التي تأتي من الفضاء الثقافي المفتوح اقوى وأكثر تأثيرا من تلك التي يود الاباء توريثها للابناء... حاول تحديد الزمن الذي يقضيه ابناؤك امام شاشات التلفاز والتواصل الاجتماعي مع العالم بتلك التي تود ان يورثها منك!! هل من نسبة؟ وعليه الرهان في النقاء الثقافي او حتى دولة الثقافة الواحدة، هو كمن يراهن على الرمال المتحركة.
رابعا: كم مرة جلسنا محتارين امام ممكنات فناء الدولة الوطنية التي دفع فيها شعبنا الثمن الباهظ لتحقيقها؟ وعندما ترى ان الدولة الوطنية اكثر الدول قابلة للزوال نتيجة العولمة والتكاملات السياسية والاقتصادية والثقافية وان مفهوم السيادة قد يضمحل ويخبو؟ ناهيك عن بقاء دولة ذات ثقافة واحدة، ولا بد الاشارة الى ان الدول الناجحة هي تلك التي تتمدد عبر الحدود للبحث عن الشراكات الاقتصادية والتكامل السياسي والاجتماعي بمعنى آخر فإن الدولة الوطنية مصير تطورها ونماءها مرتبط بشرط زوالها في علاقة مطردة.
خامسا: يجب التأكيد على ان الأمن الثقافي المتخيل تحقيقه عن طريق اقامة دولة ثقافية سيتطلب صراعات قد تسبب دمارا هائلا وفي نهاية الامر (قد) لا تصل الى مبتغياتها وتفشل. الصومال انموذجا وتمتلك شروط اكثر ثبات للدولة الثقافية المستقرة (اللغة المشتركة، الدين المشترك والمذهب الواحد وكذلك الجغرافيا الاقتصادية والاجتماعية المتشابهة). وهذا يعني ان شروط الصراعات الداخلية لا يعتمد على وحدة الثقافة.
سادسا: بافتراض ان تلك الدولة القومية قد تحققت، فإنه وبحكم الضرورة والجغرافية ومقتضيات المصالح المشتركة فسوف تعود الى المربع الأول للتعامل مع تلك المكونات التي تم الاستقلال منها! وهي نفس العملية التي تشهدها الدولة الوطنية. وعليه خوض نضال قومي ثقافي هو كالنضال من اجل اقامة دولة ديكتاتورية البروليتاريا (العمال) حيث ان الطبقة العاملة في عصرنا الحالي اصبحت رقيقة ولا تشكل (صناع التاريخ) كما كانت عليه في منتصف القرن الماضي.
سابعا: الشرط الوحيد الذي اراه مختلفا بين: الدولة القومية المراد تحقيقها ودولة الشراكات عبر الحدود والتي تحقق نفس الهدف. الفرق بينهم للأسف كراهية الآخر.
ثامنا: لقد اصدرت الوياني شروط عودتها وجنوحها الى السلم تتكون من عدة نقاط. وعندما نلحظ حجم الاهتمام الدولي بالحرب في شمال اثيوبيا فليس من عاقل لا يتصور بأن هنالك مساعي جادة في رأب الصدع بين الحكومة الفيدرالية الاثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تجراي (وياني) بعد تلقيح شروطها وقضية مصالحتها مع النظام أمر محتمل. فماذا مصير الاخوة الذين ربطوا مصيرهم بمصير الوياني سياسيا وعسكريا.
تاسعا: ربط مصيرك بحركة سياسية مطاردة وقياداتها مطلوبين للعدالة ومصيرها في النجاح والفشل معلق يعتبر خيار مقامر لا يمكن ان يشارك فيه من يتمتع بأدنى مسؤولية تجاه شعبه.
عاشرا: هنالك من يهربون من الواقع على اساس ان مواقفهم السياسية كانت خاطئة وان كروتهم قد احرقت ولم يتبق لهم سوى الوياني واضطروا الى الخيار العدمي، علينا التأكيد ان المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية محطة هامة في العبور الى الدولة المستقرة عند سقوط النظام الديكتاتوري مما سيؤدي الى الامن الاهلي ورتق النسيج الجتماعي وطي صفحة الماضي السلبية.