جامعة اسمرة... التي فَرَّتْ من قسوره - الجزء العاشر
بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري
الحركة الطلابية الاثيوبية.. ذاك البركان الراديكالي:
أستميح القارئ الكريم عذراً لتقديم صورة عامة وليست تفصيلية عن الحركة الطلابية الاثيوبية
بالحديث عن محطاتها الرئيسية والفاصلة لتغطية عصرها الذهبي خلال عقد من الزمان الذي امتد من النصف الثاني لعقد الستينات وحتى النصف الاول من عقد السبعينات (1965-1975) ومن ثم سنوات نكبتها خلال ثلاثة أعوام فقط (1976-1978) عندما قام نظام الدرق بالانقلاب عليها والقضاء على عشرات الآلاف - إن لم يكن المئات - من عناصرها بشكل شبه كامل إبان ما يسمى بحملة (الارهاب الأحمر Red Terror) كما يذكر ضابط البحرية داويت شفاو dawit shifaw في كتابه: يوميات الارهاب The Diary Of Terror، بالاضافة الى لمحات عن بعض رموزها أمثال القائد طلاهون قزاو Tilahun Gizaw والمنظر وللاين مكنن Walelign Mekonnen والأيقونة الثورية التقراوي برهاني مسقل ردا Berhane Meskel Redda، وذلك لسببين:
الاول: لو أردنا الحديث عن الحركة الطلابية الاثيوبية بشقيها الداخلي والخارجي فإن ذلك يستلزم بحثاً مطولاً لا تكفيه حلقات فيسبوكية عطفاً على النضالات الكثيفة التي خاضتها هذه الحركة ضد الظلم والاقطاع.
الثاني: آثرت عدم الخوض في تفاصيل الحركة الطلابية الاثيوبية في محاولة لتركيز اهتمام القارئ الكريم صوب نضالات الحركة الطلابية الارترية والتي تعد أولوية قصوى وأن تقديم صورة عامة كافٍ للربط بينهما وربما نعود للحديث عنها بالتفصيل في وقت لاحق إذا مد الله في الآجال.
تظاهرات 1965م تحت شعار Land To The Tiller:
بالرغم من أن (جمعية الطلاب الاثيوبيون العالمية The Universal Ethiopian Students Association) التي أسسها الطلاب والعلماء والنشطاء الاثيوبيون في أمريكا وافريقيا ومنطقة الكاريبي عام 1927م في هارليم Harlem متأثرين بحركة الزنوج في الولايات المتحدة الامريكية التي انطلقت على خلفية ترحيل داعية الحقوق الزنجية وقائد (حركة الوحدة الافريقية Pan-Africanism movement) الجامايكي (ماركوس غارفي Marcus Garvey) وذلك بغرض مناهضة الاستعمار الايطالي، ومن بعدها الحراك الطلابي داخل كلية أديس أبابا الجامعية خلال النصف الأول من الستينات - كما ذكرنا في الجزء السابق - إلا أن البركان الطلابي لم يتفجر إلا في عام 1965م عندما خرجت جموع الطلاب الهادرة في مظاهرة مطلبية لمناصرة الفلاحين ضد الاقطاعية التي كانت تستغل هؤلاء الفلاحين، عندما بلغت نسبة الضريبة التي يفرضها ملاك الأراضي الزراعية على الفلاحين 75% من الانتاج، حيث خرجت جامعة أديس أبابا الى شوارع المدينة تحت شعار الأرض لمن يزرعها، وكانت هذه المظاهرة التي نظمت في فبراير 1965 متزامنة مع النقاش الجدلي الذي كان قائماً في البرلمان حول مشروع قانون جديد يسعى إلى تنظيم استئجار الأراضي الزراعية، وبدلاً من اعادة تنظيم القانون، قام الطلاب بالاحتجاج مطالبين بالمزيد من الإصلاح الجذري للأراضي وإعادة توزيعها، وكان رد فعل الحكومة أن زجت بالعديد منهم في السجون، الأمر الذي تسبب في ردود فعل واسعة في أوساط الأثيوبيين نذكر منها استقالة السفير الاثيوبي في واشنطن برهانو دنكي Berhanu Denkie في يونيو من نفس العام والذي كن يشغل منصب السفير منذ عام 1961م مطالباً الحكومة الاثيوبية بحل المشاكل سلمياً وبشكل ديمقراطي والانصات لمطالب الطلاب، فوجد اتحاد الطلاب الاثيوبيون في شمال أمريكا استقالة السفير بارقة أمل في استقطاب السلك الدبلوماسي إلى جانب نضالاتهم حيث قاموا باصدار بيان تضامني مع السفير المستقيل، ثم في وقت لاحق من نفس العام قام الاتحاد بنشر مقال في صحيفته بقلم/ حقوس قبري إيسوس Hagos Gebre Yesus تحت عنوان: "التعليم في اثيوبيا وسياسة الاحتواء" شن فيه هجوماً لاذعاً على محدودية التعليم مع سبق الاصرار والترصد خوفاً من تنامي الوعي السياسي في أوساط الطلاب والذي من شأنه أن يهدد سياسة (الحق الإلاهي) لنظام الامبراطور هيلاسلاسي.
في العام الذي يليه أي في 1966م سرعان ما عاد التركيز على الحراك الطلابي داخل أثيوبيا، حيث قام الطلاب هذه المرة في تركيز اهتمامهم على ما كان يعرف بـ (مركز التأهيل) والذي كان يطلق عليه الطلاب اسم "مركز اعتقال شولا" Shola Concentration Camp والذي تم تأسيسه بداية عقد الستينات في ضواحي العاصمة أديس أبابا إبان تأسيس منظمة الوحدة الافريقية والتي كان مقرها أديس أبابا بغية تجميع متسولي العاصمة ومشرديها في هذا المركز في حال كان هناك اجتماعات افريقية أو أثناء زيارة الشخصيات الكبيرة لأديس أبابا حتى لا يتسببوا في تشويه المظهر العام للعاصمة، فقام مجموعة من طلاب جامعة أديس أبابا بزيارة سرية للمركز ليعودوا بقصص مروعة وصور توضح مأساة آدمية لا مثيل لها حيث قاموا بعرضها في كافة كليات ومراكز وداخليات الطلاب في الجامعة، ثم في مايو 1966م قاموا بتظاهرة سلمية مطالبين فيها بإغلاق مركز التأهيل أو (معتقل شولا) عندما قاموا بتوزيع بيان بعنوان: "هل الفقر جريمة" Is Poverty A Crime وصفوا فيه حالة المركز بغير الانسانية وأن التاريخ الاثيوبي لم يشهد مثيلاً لها، كما شبهوا عملية تجميع هؤلاء المتسولين والمشردين في هذا المركز بمعسكرات النازية معتبرين هذا الاجراء اعتداء مباشر من قبل الحكومة على الشعب الاثيوبي والذي تمثل نسبة الفقراء فيه 90% وكانوا يرددون الهتافات التالية:
• الغني صار أغنى والفقير صار أفقر
• الفقر جريمة في اثيوبيا
• أغلقوا مركز اعتقال شولا
وقد حاولوا الوصول الى البرلمان إلا أن الشرطة قامت بإغلاق الطرق المؤدية إليه.
أحداث العام 1967م وتأسيس اتحاد طلاب جامعة أديس أبابا وما بعده.
في العام 1967م ومع تأسيس اتحاد طلاب جامعة أديس أبابا، بدأت الحركة الطلابية تأخذ أشكالاً متشددة حيث قام الاتحاد بنشر أول ورقة متطرفة للنقاش بعنوان: قاوم struggle، وتحت هذا الضغط الطلابي أصدرت الحكومة اعلاناً تسمح بموجبه بالتظاهر شريطة أن يحصل المتظاهرون على اذن قبل سبعة أيام من الموعد المحدد وفق شروط مشددة منها:
1. توضيح طبيعة التظاهرة والغرض منها.
2. عرض الشعارات والهتافات التي سيتم ترديدها واللافتات التي سيتم رفعها على الجهات الرسمية.
3. تقديم قائمة بأسماء وعناوين المنظمين وتوقيع من يمثلهم.
4. يمكن أن يتم رفض الطلب لأسباب عديدة منها الشعارات واللافتات الغير مناسبة.
5. في حالة وجود منشورات غير مصرح بها سوف يتم تطبيق غرامة ألف دولار.
6. في حال خروج أي مجموعة في تظاهرة غير مصرح بها سوف يتم معاقبة المنظمين بالسجن لمدة عام كامل.
إلا أن الطلاب قاموا بالتظاهر ضد القانون مما اضطر الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وأعلنت اعتقال عشرون منهم ولكن مصادر طلابية ذكرت بأن عدد المعتقلين يتجاوز 120 طالب بالاضافة الى عدد من الجرحى.
في العام 1968م كان هناك حدث لا علاقة له بالسياسة وتحديداً في 30 مارس 1968م عندما أقام نادي المرأة الجامعي عرضاً للأزياء الغربية حيث كان يسيطر على النادي المحاضرون الاجانب وزوجاتهم وبحضور كبار رجالات الدولة والشخصيات البارزة، قامت فرقة غربية بتقديم عرضاً للأزياء الغربية، فقام الطلاب برميهم بالبيض وسرعان ما تدخلت السلطان فأعلنت اغلاق الجامعة إلا أن السجال بين الطلاب والشرطة استمر لمدة ثلاثة أيام، وقد تطور الامر حين قامت السلطات بمداهمة مقر اتحاد الجامعات الاثيوبية واتحاد طلاب جامعة أديس أبابا ومصادرة منشورات الاتحادين وكافة ممتلكاتهما بالاضافة الى تعليق نشاطات الاتحادين واعتقال ستة من قياداتهما، ويعتبر العام 1968م نقطة التحول في نضالات الحركة الطلابية الاثيوبية لأنه ونتيجة لهذه الاحداث قام طلاب المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية في أديس أبابا بالاضمام الى طلاب الجامعة في إحتجاجهم واعتمادهم أعضاءً في اتحاد طلاب الجامعات الاثيوبية الأمر الذي كان يواجه معارضة من رئيس الاتحاد في السابق بحجة انهم ليسوا طلاب جامعة فخرجت الحركة الطلابية الاثيوبية من احداث عام 1968م أقوى من ذي قبل.
في أواخر العام 1968م قام الطلاب بالاحتجاج مجدداً مطالبين باستعادة حريتهم في التنظيم والتعبير عبر منشوراتهم التي قامت الحكومة بمنعها، مما أجبر الحكومة على الرضوخ لمطالبهم باعادة نشاطهم وممتلكاتهم التي تم مصادرها في السابق ما نتج عنه تصاعد النشاط الطلابي في فبراير 1969م.
في مارس 1969م قام الطلاب بتقديم قائمة طويلة من المطالب للحكومة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. اقالة وزير التعليم أكيلي ورق هبتي ولد Akale Work Habte Wold
2. إلغاء رسوم التعليم العام.
3. طرد معلمو فيلق السلام الامريكي.
قرر الطلاب مقاطعة الدراسة حتى يتم الاستجابة لمطالبهم ممتنعين الاستجابة لنداءات الامبراطور بالعودة الى مقاعد الدراسة، فقام النظام الامبراطوري باصدار تعليمات بالعودة فوراً الى مقاعد الدراسة وإلا سيتم فصل الممتنعين عن العودة من الجامعة، بعضهم عاد وبعضهم لم يعد فقامت قوات الأمن باقتحام الجامعة واعتقال حوالي 500 طالب من الطلاب المضربين عن الدراسة، وبينما كان يتم نقلهم الى المعتقلات توفي أحدهم بالسقوط من العربة التي كانت تقلهم، فكانت الشرارة التي أطلقت عنان التظاهرات من جديد حاملين نعشاً رمزياً لزميلهم لتتدخل الشرطة باعتقال حوالي 500 آخرين لكنها أطلقت سراحهم جميعاً في وقت لاحق، كل هذه الاحداث أدت الى خروج الاحتجاجات الطلابية في محافظات أخرى خارج العاصمة أديس أبابا.
هناك في الولايات المتحدة الامريكية وإبان زيارة الامبراطور هيلاسلاسي لها في يوليو 1969م قام الطلاب الاثيوبيون في شمال أمريكا بالتظاهر ضده، بل قامت مجموعة منهم باقتحام السفارة الاثيوبية والسيطرة عليها ثم الاشتباك مع الشرطة الامريكية - وتلك قصة أخرى يطول ذكرها، كتب عنها البروفسور/ بحرو زودي تفاصيل كثيرة خصوصاً كتابه: توثيق الحركة الطلابية الأثيوبية Documenting the Ethiopian Student Movement (أتمنى شخصياً أن أرى في حياتي توثيقاً مثله أو يضاهيه للحركة الطلابية الارترية المناضلة).
ظهور الاتجاه الماركسي:
في هذه الاثناء بدأ الاتجاه الماركسي بالظهور العلني في أوساط الحركة الطلابية الاثيوبية، إلا أن البداية كانت عندما قامت مجموعة من الطلاب في منتصف الستينات بتكوين خلية سرية باسم (society Crocodile) أطلقت من خلالها نقاشاً ماركسياً غزيراً برز للواقع في نهاية الستينات ابتداءً من تلك الافتتاحية في صحيفة اتحاد طلاب جامعة أديس أبابا (Struggle) في عددها الصادر بتاريخ 17 نوفمبر 1969م بعنوان: "تطهير الإرث الإقطاعي" والتي قام الاتحاد من خلالها بتعريف الثورة وشروطها ومفاهيمها وفقاً للواقع الاثيوبي الراهن، بحسب ما ذكر الباحث ليقيسي ليما Legesse Lemma، ومن بين المفاهيم والقناعات الجديدة التي بدأ يروج لها الطلاب الماركسيون بعد اطلاقهم نقاشاً حاداً حول مسألة الهوية The Question Of Nationalism مؤسسين على ما تم التنظير له في النظرية الماركسية في مسألة حقوق القوميات هي أن "الانفصال أفضل ألف مرة من حكومة وطنية قمعية" على مبدأ أن الانسان يجب أن يحرر نفسه قبل مساعدة غيره في التحرر، ومن بين الاحداث التي زادت من حدة التوتر بين الحكومة والحركة الطلابية ودفع بالطلاب إلى إظهار المقاومة الثورية الماركسية، كانت حادثة اغتيال طالب السنة الثالثة في قسم العلوم السياسية ورئيس اتحاد طلاب جامعة أديس أبابا والذي تم انتخابه رئيساً للاتحاد في نوفمبر 1969م، حيث تزامن فوزه برئاسة الاتحاد مع حدة المواجهة بين الطلاب والنظام - طلاهون قزاو Tilahun Gizawe - الذي أغتيل مساء 28 ديسمبر 1969م برصاصة انطلقت من بندقية مجهول، لم يشك الطلاب ولو للحظة واحدة بأنها لأحد عملاء النظام، لذا حملوا جثمانه على أكتافهم وطافوا به في داخليات طلاب الجامعة، فأحدث مقتله زلزالاً طلابياً لم تره أثيوبيا من قبل، ويعتبر (قزاو) أول رئيس ماركسي لاتحاد طلاب جامعة أديس أبابا الذي تم تأسيسه في العام 1967م، وجاء خلفاً للمعتدل/ مكنن بشاو الذي فاز عليه في 1968م - سبق وأن أشرت في حلقات ماضية بأن القائد الثوري الماركسي طلاهون قزاو هو شقيق الاميرة/ سارة قزاو زوجة الأمير/ مكنن ابن الامبراطور هيلاسلاسي، الأمر الذي أوقع الامبراطور في حرج كبير، ولا يمكن هنا الحديث عن تفاصيل حياة القائد (قزاو) الحافلة بالنضالات وربما عدنا لاحقاً للحديث عنه لو أسعفنا الجهد والوقت.
إلى اللقاء... في الجزء القادم