جامعة اسمرة... التي فَرَّتْ من قسوره - الجزء الثامن

بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري

ربط الحركة الطلابية بالكفاح المسلح:

لم تشهد الحركة الطلابية الارترية اي شكل من أشكال الهياكل الرسمية المنظمة حتى العام 1965م

جامعة أسمرة

أو علاقة مباشرة مع الكفاح المسلح، وأن كل ذاك الحراك المقاوم في الفترة من 1957م وحتى 1965م كان يتم عبر مبادرات طلابية - فردية أو جماعية - وان أول شكل من أشكال التنظيم الحقيقي بدأ في أغسطس 1965م بعد أن وافقت القيادة الثورية لجبهة التحرير الارترية في كسلا على البرنامج السياسي الذي قاما بوضعه المناضلين - سيوم عقباميكائيل وولد داويت تمسقن - لإنشاء خلايا من المنظمات الجماهيرية والاشراف على تنفيذه، وذلك بعد فترة وجيزة من انضمامهما لجيش التحرير الارتري عبر تلك المغامرة الملحمية التي تابعنا فصولها خلال الحلقتين السابقتين.

يقول حرستاي: قمنا أنا والشهيد/ ولد داويت تمسقن بوضع برنامج لإعادة تنظيم النشاط السياسي السري لجبهة التحرير الارترية، ولأننا قادمان من الحركة الطلابية، كنا نشعر دائماً بالمسئولية تجاه الطلاب وأن هناك ما يجب القيام به معهم، وكنا مهتمين جداً بربط الحركة الطلابية في الداخل بجبهة التحرير الارترية، وكنا على قناعة بعدم وجود من باستطاعته القيام بهذا الدور سوانا باعتبارنا جزء من هذه الحركة الطلابية، وبالرغم من أن الحركة الطلابية كانت تشارك في مقاومة الاستعمار، لكنها لم تكن مرتبطة بالكفاح المسلح بشكل مباشر.

كان البرنامج الذي قمنا بإعداده يشتمل على خطوتين:-

الأولى: ربط القوي الرئيسية للطلاب بجبهة التحرير الارترية والقيادة الثورية في كسلا.

الثانية: اعادة تنظيم الخلايا السرية من عمال وغيرهم وتأسيس خلايا طلابية في المدن الارترية الأخرى وربطها جميعاً بالقوى الرئيسية للطلاب في أسمرا.

وكان الغرض من ذلك لربط جيش التحرير الارتري في المنطقة الثالثة بهذه الخلايا الجماهيرية داخل المدن الارترية وذلك لبعده عن القيادة الثورية في كسلا، لذا وباعتباري المفوض السياسي للمنطقة كان لزاماً علي تشكيل خلايا داخل المدن الارترية - خصوصاً المرتفات - لخلق قوى ثورية قريبة من جيش التحرير في المنطقة الثالثة حتى لا يكون منعزلاً في الفلوات، وهذه الخلايا والمنظمات الجماهيرية تمكن جيش التحرير من الحصول على المعلومات الاستخباراتية اللازمة، وبحكم مسئولياتي السياسية شرعت في تنفيذ البرنامج، ولتحقيق هذه الغاية، في البدء قمنا بإرسال المناضل/ ولداي كحساي - فيما بعد قائداً للمنطقة الخامسة قبل تسليم نفسه للقنصيلة الاثيوبية في السودان - قمنا بإرساله لمدينة أغردات حاملاً رسائل لبعض الشخصيات داخل المدينة تمهيداً لقدومنا، لكنه فشل في المهمة ربما لأنه كان مجنداً جديداً وكاد أن ينكشف أمره، فانطلقانا أنا وولد داويت وبرهان بلاتا من كسلا إلى أغردات متنكرين في زي قساوسة، وعند وصولنا إلى أغردات أرسلنا برهان بلاتا ليسبقنا إلى أسمرا كي يتمكن من التجهيز للمهمة التي جئنا لأجلها قبل وصلونا إلى أسمرا، وعند صعودنا القطار متجهين إلى أسمرا فوجئنا بأن غالبية ركاب القطار من القوات الاثيوبية (طور سراويت) فاضطررنا للدردشة معهم كي نبدوا عاديين، إلى أن وصلنا إلى أسمرا دون أن يعترض طريقنا عارض.

كل هذه الرحلة التي قام بها المناضلين - سيوم وولد داويت - من أسمرا وإليها استغرقت من مارس وحتى أغسطس 1965م، وخلال الفترة منذ وصولهما إلى أسمرا وحتى اعتقالهما في 30 أغسطس 1965م، قاما بعقد عدة اجتماعات مع الأصدقاء من الطلاب وبعض الوطنيين الموثوق بهم لمناقشة الخطة المرسومة لإنشاء منظمات جماهيرية للطلاب والمعلمين والعمال وغيرهم وفقاً للتصنيف المهني والتواجد المكاني، وبشكل عام قاما بأربعة خطوات رئيسية، وهي:-

1. تنظيم الحركة الطلابية في خلايا تابعة لجبهة التحرير الارترية، حيث تم تنظيمهم في خليتين:-

الأولى: تضم الطلاب الذين لا يزالون في المرحلة الثانوية لأنهم سيبقون داخل ارتريا.

الثانية: تضم الطلاب الذين أكملوا الشهادة الثانوية وفي طريقهم للانتقال إلى جامعة أديس أبابا.

2. اعادة تنظيم خلايا جبهة التحرير القديمة.

3. استقطاب وتنظيم أعضاء الخلايا السباعية التابعة لحركة تحرير ارتريا بعد أن قاما باقناعهم بأهداف الكفاح المسلح.

4. نظراً لصعوبة دخول وخروج العناصر الفدائية إلى المدن الارترية، ابتدعا اسلوباً بديلاً وهو تنظيم حرب العصابات داخل المدن، ولهذا الغرض تم تشكيل بعض العناصر من أعضاء جبهة التحرير الإرترية في مجموعات بتدربهم تدريبًا محدودًا على أسلحة نوعية ومحدودة، وقد قاموا بالمهمة على أكمل وجه عندما تلقوا التوجيهات بعد بتنفيذ العمليات ضد العدو.

تجدر الاشارة إلى أنهما قاما بكل هذه الجهود الجبارة خلال أسبوعين فقط من وصلوهما إلى العاصمة أسمرا قبل أن تأتي اللحظة الخائنة في 30 أغسطس 1965م.

الخيانة والحظ:

سردنا في الجزء السابق تلك الجهود الخارقة التي بذلها الثنائي سيوم وولد داويت في تنظيم خلايا الطلاب والمعلمين والعمال داخل مدينة أسمرا خلال أسبوعين فقط من وصولهما، وقبل أن يستكملا المهمة جاءت تلك اللحظة الخائنة بوشاية من عضو القيادة الثورية الذي إلتقاهما في القضارف أول مرة والذي سلم نفسه لاثوبيا فيما بعد (ملو قرقيس) وكان على علم بكامل برنامجهما السياسي باعتباره عضو قيادة ثورية، وبالرغم من أن خلايا جبهة التحرير الارترية أخبرتهما بتسليمه للعدو الاثيوبي إلاَّ أنهما لم يقوما بالهروب من العاصمة أسمرا تفادياً للاعتقال لأن إنقاذ نفسيهما كان آخر ما يشغلهما، كان هذا فيما يتعلق بالخيانة، أما ما اعتبره الشهيد/ سيوم عقبا ميكائيل حظاً يقول فيه: "في لحظة خروجنا من المنزل ونحن رهن الاعتقال، كنا وجهاً لوجه مع زميلنا في ثانوية لؤول مكنن - أسياس أفورقي - وبرفقته قرزقهير ولدو، فقامت القوات التي قامت باعتقالنا بطردهما من المكان لعدم التعرف عليهما، فقام أسياس أفورقي بابلاغ خلايانا بالاعتقال والتي بذلت مجهود جبارحتى لا ندفن أحياء في مراكز القوات الخاصة، كما كانت تفعل، ونتيجة لجهود خلايا جبهة التحرير داخل أسمرا تم تقديمنا للمحاكمة، حيث حكم علينا بعشرة سنوات سجن، إلاً أن المدعي العام لم يكن راضياً عن الحكم، فقام بالاستئناف مطالباً بالاعدام وكان قاب قوسين أو أدني من الحصول على ما يريد، لولا تدخل جبهة التحرير الارترية بارسال تهديد بالقتل للمدعي العام الذي قام بسحب استئنافه خوفاً من انتقام الجبهة، فاستقر الحكم على السجن قضيناها بالتمام والكمال أو نكاد ولم يفرج عنا إلا عندما قامت جبهة التحرير الارترية بتلك العملية الفدائية الشهيرة في العام 1975م بإخراج المعتقلين السياسيين من سجني سمبل وعدي خالا".

بعد اعتقال المناضلين سيوم وولد داويت قامت جبهة التحرير الارترية في عام 1966م بإيفاد مناضل آخر لاستكمال المهام التنظيمية، وهو المناضل/ قيلاي قرماي، والذي كان ضمن الكوادر السياسية لجبهة التحرير الارترية في المنطقة الخامسة، حيث قام بتحسين تنظيم الطلاب بتكليف القيادة الطلابية في ثانوية لؤول مكنن بمهمة اللجنة المركزية التي تشرف على أنشطة اللجان الأخرى في عموم العاصمة أسمرا وخارجها، وقد تم تكوين اللجنة المركزية من الآتية أسماؤهم:-

1. الطالب/ قرماي حدقو – رئيساً.
2. الطالب/ عبدالله حسن – سكرتيراً.
3. الطالب/ قرزقهير تولدي – مسئول الدعاية والاعلام.
4. الطالب/ قرزقهير ولدو – أمين مالي.

ووفقًا للهيكل الجديد، قامت كل مدرسة تتواجد بها خلية تابعة لجبهة التحرير الارترية بتعيين ممثل لها يقوم بعملية التنسيق مع اللجنة المركزية في ثانوية الأمير مكنن، حيث كانت هذه اللجنة المركزية مسئولة مباشرةً أمام القيادة الثورية في كسلا وترفع تقاريرها لها بشكل مباشر، وفور تسلم اللجنة المركزية مهامها قامت بالخطوات الآتية:-

1. اطلاق اسم الاتحاد العام لطلبة ارتريا على الحركة الطلابية التي تم تنظيمها داخل العاصمة أسمرا، ويقول قرزقهير تولدي في هذا الصدد: "إن المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لطلبة ارتريا المنعقد في دمشق أواخر عام 1968م، ربما لم يكن على علم بأن الاتحاد العام لطلبة ارتريا والذي تم تأسيسه في العاصمة أسمرا في 1966م قد سبقه بعامين كاملين" وبحسب قرزقهير تولدي فإن أول اتحاد عام لطلبة ارتريا هو ذاك الذي تم تأسيسه في العاصمة أسمرا ثم فروعه في مندفرا ودقمحاري وكرن ومصرع.

2. تكيلف الطالبين (عبدالله حسن و قرزقهير ولدو) من ثانوية لؤول مكنن بتأسيس فرع الاتحاد العام لطلبة ارتريا في كل من مندفرا ودقمحاري.

3. تكليف الطالبين (تسفاي تخلي وبرخت إيوب) من ثانوية هيلاسلاسي بتأسيس فرع الاتحاد العام لطلبة ارتريا في كل من كرن ومصرع.

4. تكوين خلايا طلابية في كافة المدراس الثانوية في ارتريا كل خلية تتكون من خمسة طلاب.

5. تجنيد سائقي الحافلات والشاحنات لتسهيل مهمة ايصال الرسائل بين المدن الارترية من ناحية وبين اللجنة المركزية في ثانوية الامير مكنن والقيادة الثورية في كسلا من ناحية أخرى.

6. استئجار ثلاثة منازل داخل العاصمة أسمرا لاستضافت العناصر الفدائية القادمة إلى العاصمة في مهام قتالية بالاضافة الى العناصر المخابراتية التابعة لجبهة التحرير الارترية.

7. وقد تضمنت الأنشطة اليومية للخلايا المهام التالية: توزيع المنشورات والكتيبات، تجميع المعلومات الاستخبارارتية عن العدو، تجنيد أعضاء جدد للخلايا، الانخراط في كافة أشكال التحريض على التمرد والمقاومة على مستوى الشارع، ومن بين الانشطة التي لا تنسى ذاك التخريب الذي قامت به الخلايا الطلابية للاحتفال المزمع اقامته في عام 1966م بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاماً لعودة الامبراطور هيلاسلاسي بعد فراره من الطليان، وتدشين لقب رأس لممثل الامبراطور في ارتريا -أسرات كاسا- حيث قام الطلاب بتوزيع أنفسهم في أركان وزوايا وتقاطعات الطرق الرئيسية في المدينة ليبلغوا الناس بأن الاحتفال ألغي حتى إشعار آخر، بالاضافة إلى ارسال رسائل إلى القنصليات المتواجدة في أسمرا تحمل ختم مزور لجبهة التحرير الارترية يبلغونهم فيها بأن الاحتفال تم تخريبه من قبل عناصر تابعة لجبهة التحرير الارترية، فعاد الجميع إلى منازلهم ولم يحضر أحد وتم إلغاء الاحتفال بالفعل ولم يعد ثانية.

استمر هذا النشاط الثوري الذي قادته المجموعة الطلابية في ثانوية لؤول مكنن بكفاءة واقتدار باعتبارها لجنة مركزية لكافة أوجه النضال الفئوي داخل البلاد حتى مارس 1967م عندما قامت السلطات الاثيوبية باعتقال عبدالله حسن وقرزقهير تولدي وفر الآخرون للانضمام إلى جيش التحرير الارتري، للتولى المهام لجنة الظل التي كان تم تجهيزها لهذه الظروف، وكان من بين أعضائها الآتية أسماءهم:-

1. طقاي يوسيف.
2. صالح اسماعيل.
3. هبتي سلاسي قبر مدهن.
4. برهاني ردا والذي تم اعتقاله في منتصف 1967م فتفرق الآخرون.

وهكذا نستطيع القول بأنه وبنهاية العام 1967م قد أسدل الستار على نضالات الحركة الطلابية داخل البلاد بشكلها المنظم والمعلن والفاعل للأسباب الآتية:-

1. اعتقال قيادات الحركة الطلابية.
2. إلتحاق قيادات الحركة الطلابية بجيش التحرير الارتري.
3. انتقال القيادات الطلابية الرائدة في ثانوية لؤول مكنن إلى جامعة أديس أبابا، لنبدأ رحلة جديدة من نضالات الحركة الطلابية الارترية في جامعة أديس أبابا.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click