الزين ياسين... العبقرية الضائعة - الجزء الخامس والأخير
بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
لا يستطيع أحد أن ينكر دور الزين المميز والمؤثر فى مسيرة جبهة التحرير الأرترية من أتفق أو أختلف معه.
فى المؤتمر الوطنى الأول كان من أبرز نجوم المؤتمر مشاركة وفعالية ومع ذلك فقد تعرض ورفيقه أبو خالد.. محمد عمر يحى ألى فيتو من الزعيم أدريس محمد آدم رافضا مشاركتهما فى المجلس الثورى لضمان نجاح المؤتمر اضطرا ألى التنازل وتم أنتخاب الزين فى اللجنة التنفيذية.
من طرائف ما يحكى رد الزين على مبرر الزعيم برفضهما وهو أنه لن يكون هناك أنسجام... كان رده هو (أننا لن نلعب فى فريق كرة قدم ليكون بيننا أنسجام). صار الزعيم أدريس رئيسا للمجلس وحين تم ترشيح المناضل/ أبراهيم أدريس محمد أدم للعلاقات الخارجية رشح الشباب المناضل/ صالح أياى غيابيا بعد أن منع من دخول السودان بسبب برقية التهنئة التى بعث بها ألى قادة إنقلاب ١٩ يوليو قبل المؤتمر بأشهر... وقف المناضل/ محمود حسب نيابة عنه وكان المؤيدون يقفون خلفه لأن الأنتخاب كان علنيا وفاز.
تم توجيه الزين مسؤولا للأعلام الذى كان مقره فى قرست وبعد تكليف المناضل/ محمد نور أحمد بمهمة مدرسة الكادر أستعان به وبالمناضلين خليفة عثمان وإبراهيم قدم لتأهيل مجموعة من الشباب الملتحقين حديثا صار بعضهم قادة فيما بعد منهم المناضلون تسفاى دقيقة.. قرماى قشى والشهيد أبراهام تخلى.
لم يكن الأعلام جديدا أو طارئا عليه.. لو كانت هناك نسخة من مجلة (النضال الإرترى) التى صدرت فى فبراير ١٩٧٢ مع بداية التصفية أو الحرب الأهلية للاحظ القارئ العبارات المستخدمة التى تسعى لأقناعه بضرورة هذا الأمر رغم خطورته.. حتى الشتاء نفسه مستخدم فى العبارات.
فى المؤتمر الوطنى الثانى مايو ١٩٧٥ تم أنتخابه فى المجلس الثورى ثم مسؤولا للعلاقات الخارجية فى اللجنة التنفيذية.
فى سبتمبر من نفس العام جرت محاولة فى الخرطوم لتوحيد الجبهة وقوات التحرير الشعبية وتم تكوين وفد موحد من التنظيمين لشرح ما تم الأتفاق عليه للدول الصديقة.. تكون الوفد من الزعيم سبى والمناضل/ أحمد ناصر رئيس اللجنة التنفيذية للجبهة والزين مسؤول العلاقات الخارجية.
ربما يتذكر من حضر المؤتمر التوحيدى للحركة الطلابية الأرترية فى بغداد مطلع ١٩٧٦ لقاء الوفد مع أعضاء المؤتمر... تحدث سبى بتفاؤل.. كذلك أحمد ناصر، كان الزين صريحا جدا فى عدم تفاؤله وهو يختم حديثه (ما تشوفونا قاعدين مع بعض) وبالفعل أنفضت الوحدة بعد فترة قصيرة ربما من أسبابها الخلاف فى قوات التحرير بين البعثة الخارجية واللجنة الأدارية فى الميدان التى صارت فى العام التالى... الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا.
شهدت تلك الفترة صراعات عسكرية وسياسية صعبة مع إثيوبيا مع وصول الدرغ ألى السلطة ودعم المعسكر الإشتراكى له وزيارات سرية إلى موسكو وغيرها وهى معلومات من حق الجميع الأطلاع عليها بوجود بعض المناضلين الذين يفترض أنهم كانوا على أطلاع تام بها.. أخص على سبيل المثال المناضلين إبراهيم محمد على وعبدالله سليمان ومحمد نور أحمد وعمر محمد أحمد وحمد كلو وإبراهيم قدم أطال الله أعمارهم.
لا تعتبر هذه الحلقات بأى حال من الأحوال توثيقا لأحد أهم قيادات جبهة التحرير الأرترية والذى شارك فى بداياتها وأنتصاراتها ولم يغادر بعد ١٧ عاما ألا بعد أن شعر بصعوبة أستمراره وهى تجربة خاضعة لنقد مواقف الرجل اتفاقا وأختلافا فلا أحد فوق النقد ، المهم أن يعمد من يوثق حاليا أو يتهيأ لذلك أن يحرص على الأشارة والتذكير بمواقف رفاقه وأعتقد أن الأستاذ محمد نور أحمد قد فعل كما ذكر فى كتابه الجاهز للطبع خاصة أنه كان يسعى إلى طبع كتاب الزين الذى ضاعت مخطوطته فى كسلا وضاع معها كنز من المعلومات علما أن الزين كعادته لم يكن يذكر أنه كان قد جهز كتابا وكان يرد على كلما أجد فرصة لتذكيره بضرورة الكتابة (الواحد يكتب كيف مع) ويذكر شخصية معروفة فى المنطقة ولعل ذلك بعد علمه بأن مخطوطة كتابه قد ضاعت. حسب المناضل/ حمد كلو فأن الزين كان قد كتب كتابا بعنوان (الثورة الأرترية وقضايا الوضع الراهن) وتأكيدا لأهتمامه بالكتابة وفى زيارتى الأخيرة له بصحبة الأخ يس محمد عبد الله وكانت صحته قد بدأت فى التدهور أن وداعه كان وصية ل يس بالكتابة.
ربما لا يعرف الكثيرون عن الزين حبه للطرفة وميله للتواضع بل وأتهام البعض له بالتعالى...حين قرر الزواج تجاوز زملاء الدراسة وأصدقاء الطفولة واختار المناضل الراحل/ كبريتاى ليكون وزيره وبعد الزواج بعام تقريبا وكنت مع كبريتاى فى زيارة له بمنزله بالمربعات فى كسلا بذل جهدا مقدرا ليقنع كبريتاى بالأنتقال والأقامة معه دون جدوى.
الأهتمام بالتعليم كان شاغله وشاغل الكثير من المناضلين فى تلك الفترة فى نظرة استراتيجية... اليوم الوحيد الذى شاهدت فيه الشهيد عمر أزاز كان قبل عام من إستشهاده تقريبا.. كان فى طريقه إلى سوق كسلا على دراجة هوائية.. توقف عند منزلنا وخرج بعد فترة وقادنى لمسافة من المنزل ونقدنى شلنا وأخذ يتحدث لى عن أهمية التعليم.. فى العام ١٩٧٧ وفى الميدان ألتقيت الزين فى أحد المعسكرات.. سحبنى من المجموعة حتى لا يسأل أمامهم وكان سؤاله محددا (ماذا فعل أبناء الشهيد عمر أزاز فى الدراسة؟).. قبل مغادرتى ألى سورية لدراسة الجامعة نصحنى بدراسة الأدب العربى وأختيار اللغة العبرية كخيار لأنها ستكون مفيدة فى وزارة الخارجية (نظرة استراتيجية بعيدة المدى خاصة مع ما يجرى هذه الأيام)... فى الخرطوم وقبل مغادرتى سألنى الأخ المناضل/ محمد على أدالة - أبو أيها ب) والذى كنت أقيم فى منزله بالديم سألنى عن الكلية التى أرغب فى دراستها.. فكان ردى.. الأقتصاد وأريد أن أتعلم لغات.. لاحظ رغبتى ونصحنى بدخول كلية الألسن باعتبار أنه درس فى مصر... كان ذلك فى مطلع ١٩٧٥ فى مايو ١٩٩١ تصادف أن قدم (أبو أيهاب) ألى جدة وطلب منى مرافقته لزيارة الزين وهو أكثر ما يسعدنى وكان من أهم بنود الزيارة التعليم أيضا ومشاورة الزين فى موضوع الهجرة... الغريبة أن الزين نفسه لم يكن متحمسا للهجرة ويشعر أن وضعه فى جدة أفضل.
الزيارة مع (أبو أيهاب) كانت ممتعة خاصة أنها أمتدت إلى زيارتين أخريين... بعد أن قضينا أمسية ممتعة وتناولنا العشاء دعانا إلى عشاء فى نفس اليوم من الأسبوع التالى وهو يوم عطلته الأسبوعي وطلب منى التأكيد.. فات على ذلك وحضرنا وأستغرقتنا الدردشة وأحست أم هشام فى الداخل كما يبدو بأن هناك سوء تفاهم وأنها لم تحضر الأطباق الخاصة التى كان الزين يود أن يضيفنا بها فأرسلت يس الصغير الذى جاء وهمس فى أذن والده.. ألتفت ألى الزين ولا منى على عدم الأتصال وذكرنا له أننا أهل بيت... تعشينا ثم ودعنا هذه المرة بالدعوة فى الأسبوع التالى والتفت ألى قائلا... دون اتصال أو تأكيد هذه المرة وأسعدنى أن حظينا بزيارة ثالثة ممتعة أضافة إلى أطباق أم هشام الشهية. تزامنت هذه الزيارات مع التحرير فى مايو ١٩٩١ وكان رأيه كرأى كثيرين أنه يجب تجنب الخلافات فى هذه المرحلة ومباركة ماتم.
معلوم أن الزين كان قد تم أختياره عضوا فى لجنة الدستور وحضرنا أجتماعا دعت أليه اللجنة بحضوره والراحل أدريس قلايدوس فى جدة - حى المصفاة (الكرنتينا) كان حريصا أن يرد فيه على ما أشيع عن تنازله عن اللغة العربية والأرجح أن هذه الشائعة كانت لجره إلى أعلان موقف يطمئن الناس عليها ..بعد نهاية الأجتماع ونحن نودعهما عند باب المكتب طلب منى أن أمر عليه لأنه يريد أن يناقشنى فى موضوع بسيط كنت كتبت عنه وأرسلته ألى صحيفة أرتريا الحديثة بعنوان (الأغنية العربية فى أرتريا).. اهتمام شامل فعلا ولم يحدث أن أنتبه أحد ألى ما كتبت..كان يحمل جهاز غسيل الكلى فى جنبه ولم أجد فرصة للقائه فى فترة قريبة وكان مهما بالفعل أن أسمع أراءه فى هذا المجال.
من طرائف ما حكاه لى حين ألتقيته فى الميدان فى سبتمبر ١٩٧٩ أنه كان قبلها بفترة فى زيارة لعدن تزامن معها أنعقاد مؤتمر للمعلمين العرب شارك فيه الشاعر عبد الرحمن سكاب بقصيدة من قصائده التى تستعصى على العرب العاربة والمستعربة قام بعدها أحد أعضاء الوفد الفلسطينى وخاطب الحضور بالقول (أصدقكم القول أننى حتى اليوم كنت أعتبر عروبة أرتريا مسألة سياسية... أما اليوم فقد إقتنعت تماما بعروبتها).. كان ردى على الزين... ماذا سيكون موقف هذا المعلم لو جاء إلى هذا المعسكر ولم يجد أحدا يتحدث العربية غيرك؟.
أختم بطرفة حدثت له وهو فى طريقه لحضور أجتماع للجنة الدستور... مر بكسلا لزيارة شقيقته سعاد على ما يبدو فى مطار كسلا وفى الطريق ألى أسمرا أشتبه مسؤول الأمن فى أنه من المعارضة مع أنه كان يحمل جوازا صوماليا ولم يقتنع المسؤول أنه غير سودانى وبعد جهد ورغم عدم قناعته فتح جواز السفر ليضع عليه تأشيرة الخروج فعاد ألى المربع الأول وهو يقول (زين العابدين يس شيخ الدين.. وعايز تقنعنى أنك إرترى). رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وبارك فى ذريته.