مقارنة الحكام
بقلم الأستاذ: محمد إدريس - كاتب إرتري
في الآونة الأخيرة كثرت أقاويل تمدح الملك هيلا سيلاسي وتصف حكمه لإرتريا بأنه كان أفضل من الحكم الحالي.
ولم تكن مصادر تلك الأقاويل نابعة من اناس عاديين فقط بل إنما أيضا من بعض الكتاب والصحفيين والأكادميين على مستوى الأستاذية في الجامعة.
وقبل ان اتحدث عن اسباب ظهور تلك الأقاويل اقول بأن الحكم الحالي في إرتريا حكم إستبدادي قمعي وظالم وهذا لا جدال فيه ولكن كذلك كان الحكم لإرتريا في عهدي الملك والدرج.
نرجع إلى حديث سبب ظهور تلك الأحاديث. وهدف هذه المقالة هو التأكيد على عكس ما يتصوره أصحاب تلك الأقاويل، أي أن حكم الملك هيلي سلاسي لأرتريا لم يكن جميلا بل بالعكس كان سيئا وأن أصحاب الأقاويل جهلاء لا يعرفون ماذا كان يحدث في إرتريا في عهد الملك. فإرتريا ليست اسمرا فقط. ولم يكن حال اسمرا اثناء الملك مثل حال مدينة اغوردت. ولا يستطيع شخص ان يعمم ماكان يحدث في اسمرا على إرتريا بأكملها.
كانت سياسة الملك تجاه إرتريا متعددة: سياسة فرق تسد، و سياسة التفرقة العنصرية وسياسة التهميش و كانت هذه السياسات مُطبقة في إرتريا، إلا أنه إضافة لتلك السياسات كانت سياسة مختلفة تُطبق في المنخفضات الإرترية الا وهي سياسة الأرض المحروقة.
و إعطاء الملك لبعض أبناء المرتفعات مميزات اقتصادية و تعليمية وسياسية نابعة من علاقته مع بعضهم قبل بدء النظام الفيدرالي. وهذه الورقة لاتسأل من حرك من في البداية لخلق تلك العلاقة المميزة بين الأثنان وهذا ليس لكون هذا السؤال غير مهم بل بالعكس فهو مهم لمعرفة تاريخ بلادنا آنذاك والحدث أي العلاقة.
واترك هذا الشأن إلى علماء التاريخ و علم الإجتماع الذين بإستطاعتهم تقديم تفسير علمي لتلك العلاقة. ولكن الموضوع كله يتعلق بالوطن ومهما كانت الإختلافات الأولوية اي بين حزبي الإستقلال والوحدة (الأندنت) ففي نهاية المطاف الكل إتجه نحو الكفاح المسلح من اجل إستقلال إرتريا من إثيوبيا.
وإذا كان الأمر كذلك فالحديث الذي يأتي بعده أي بعد بداية الكفاح المسلح ثم الإستقلال لا بد ان يكون حديثا عن الوطن بأكمله وليس عن جزء من الوطن. والوطن مثل الجسم إذ اشتكى عضو منه تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى كما قال النبي محمد صلى الله عليم وسلم.
فقول بأن الأيام في عهد الملك كانت ايام جميلة قول باطل ومن يرددها جاهل لا يعرف حقيقة امر إرتيريا انذاك.
فكون الواحد يتمتع بالهدوء والسلام والرخاء في مدنية اسمرا انذاك لا يعني بأن البلاد كلها كانت كذلك. وكون الواحد يرى فدائي جبهة التحرير يُقدم إلى المحاكمة ويكون له ممحاميا يدافع عنه بعد ان قُبض عليه من قبل السلطات الإثيوبية لا يعني بأن الأمر كذلك في مدينة اغوردت التي قُتل فيها شباب بمجرد الإشتباه بهم بالانضمام إلى جبهة التحرير. قانون في اسمر وقانون آخر في اغوردت.
وكون حصول طلاب في اسمرا على المنح الدراسية في جامعة الملك هيلي سلاسي في مدينة اديس ابابا لا يعني أن نفس الفرصة كانت متوفرة في مدن المنخفضات التي طبقت فيها اثيوبيا سياسة الأرض المحروقة بالكثافة وبشدة. فكون الملك يتقرب إلى بعض السادة في المرتفعات بالمال والسلطة وأيضا بتزويج إبنته لإبن عمدة اسمرا لا يعني بأنه كانت له نفس شهية تجاه السادة في المنخفضات سوى شهية اخذ ارضهم الخصبة والميناءان فقط.
الحنين للماضي جميل عندما يكون ذلك الماضي جميلا فعهد هيلا سيلاسي بالنسبة لإرتريا كان عهد فرق تسد وعهد العنصرية والتهميش وعهد سياسة الأرض المحروقة. والحنين لأي قائد سابق مشروط بكون ذلك القائد قائدا عادلا للمواطنين كافة دون تفرقة.
فعهد جنوب افريقيا قبل محو التفرقة العنصرية منبوذ ليس من قبل السود فقط بل إنما ايضا من غالبية البيض انفسهم الذين راجعو رؤيتهم لذلك العهد واعقتنعوا بأن ذلك العهد كان عهد ارتكبت فيه جرائم ضد الإنسانية.
فالملك أصلا لم يكن عادلا في إثيوبيا ليكون كذلك في إرتريا. فهو منذ توليه السلطة بغير شرعية في إثيوبيا جعل سياسة التفرقة والتهميش ضد مسلمي أورومو إثيوبيا. فالمسلمون أورومو كانوا مهمشين ليس لهم أي دور لا في العلم ولا في الاقتصاد ولا في السياسة إلا إذا تمهروا أي غيروا دينهم إلى ديانة مسيحية أرثوذكسية واخذوا اسم امهري وتركو لغتهم الأصلية من اجل اللغة الأمهرية.
صحيح بأن الثورة الإرترية اضعفت الملك ولها دور في الثورة الأثيوبية التي أطاحت بالملك ولكن الضربة التي قصمت ظهر البعير قدمت من داخل إثيوبيا ومن إثيوبيين أنفسهم بما فيهم المسلمون الذين قاموا بالمظاهرة سلمية كبيرة لم تراها البلاد ضد سياسة الملك. فإذا كان الأثيوبيون اليوم ينبذون ذلك الملك فكيف للإرتري ان يمدح الملك ويقول أيام الملك كانت ايام حلوة ؟
هل تعني العودة إلى أثيوبيا لأن حاليا لها قائد يسمى ابي احمد ممدوح من قبل الدول الغربية بما فيها مؤسساتها مثل مؤسسة جائزة نوبل لسلام وهو حاليا يقمع الناس في سجون في إقليم أورومو. لقد كان ملك هيلي سلاسلي كذلك - مُفضل من قبل الدول الغربية التي فضلت مصلحتها لتتعاون مع ملك إقطاعي ومستبد يقوم بقمع ليس شعب إرتريا فقط بل إنما شعب إثيوبيا ايضا.
هل الحنين لعهد الملك ليس مجرد حنين فقط بل إنما دعوة لإحياء حزب الأندنت من اجل الوحدة مع إثيوبيا التي ينبهر بعض الإرتريين بقائدها الحالي الذي يقوم بنفس حركة قام بها الملك: وجه جميل بالنسبة للعالم الخارجي وقبيح في الداخل ؟ هل التاريخ يعيد نفسه ؟
التعليقات
تحليل منطقي