أسمرا والخرطوم... أسباب تعقيدات العلاقة بين البلدين منذ 1993
بقلم الأستاذ: كمال عبدالرحمن - الخرطوم المصدر: سكاي نيوز عربية
وصل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الخميس إلى الخرطوم وسط مشاعر مختلطة بين التشاؤم والتفاؤل
حول إمكانية نزع فتيل التوتر بين البلدين الذي استمر نحو 27 عاما، أي منذ استقلال إريتريا عن أثيوبيا في العام 1993.
ويعود توتر العلاقة بين السودان وإريتريا إلى اتهام أسمرا لنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بدعم جماعات إريترية مسلحة ذات طابع عقائدي تسعى لزعزعة استقرار البلد الوليد آنذاك.
وزاد التوتر أكثر في فبراير 2018، بعد أن أغلقت حكومة البشير آنذاك الحدود نتيجة اتهامات متبادلة بإيواء المعارضين وتغذية أنشطة التهريب.
وضع جديد:
وتعتبر هذه الزيارة هي الثانية لأسياس أفورقي إلى السودان بعد الإطاحة بنظام البشير، ففي سبتمبر 2019 أمضى أفورقي يومين في الخرطوم عاد بعدها إلى بلاده دون انفراج محسوس في العلاقة بين البلدين.
ورغم أن الهدف المعلن للزيارة الحالية بحسب بيان صادر عن مجلس السيادة السوداني هو بحث جهود إرساء السلام والاستقرار بالمنطقة، إلا إن مراقبين يرون أن العلاقة بين البلدين لم تصل بعد إلى مرحلة الحسم النهائي لنقاط الخلاف التاريخية بسبب التعقيدات التي ظلت تلازمها منذ العام 1997.
سياق تاريخي:
وينظر الكاتب الصحفي صديق محيسي لتعقيدات العلاقة بين الجانبين من خلال سياق تاريخي، ويقول في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" إن علاقة البلدين ظلت تتأرجح بين التقدم والتراجع حتى وصلت إلى مرحلة التوتر الكامل في العام 1997 عندما استقبلت إريتريا المعارضة السودانية وسلمتها السفارة السودانية في أسمرا بعد أن طلبت منها مصر مغادرة أراضيها.
ويضيف أن الخطوة الإريترية جاءت ردا على الخطوة التي قام بها حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية الحاكمة آنذاك والمتمثلة في دعم وتكوين "تنظيم الجهاد" الإريتري لشن عمليات مسلحة لأسقاط نظام اسمرة.
ويشير محيسي إلى أن أفورقي فتح في مرحلة لاحقة الأراضي الإريترية للعمل المسلح لإسقاط نظام الخرطوم، وتبعا لذلك نقل الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق جنوده من جنوب السودان ليفتح جبهة جديدة على الحدود الشرقية المشتركة، كما فتحت معسكرات أخرى لحركات مسلحة تابعة للمعارضة الشمالية ما أدى إلى سقوط مدينة همشكوريب في شرق السودان ووصلت قوات التحالف الديمقراطي السوداني المعارض إلى مشارف كسلا، عاصمة الإقليم الشرقي.
ووفقا لمحيسي فقد استمر الحال على ذلك المنوال حتى حلول 2005 عندما أشرفت إريتريا على اتفاقية سلام شرق السودان بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة التابعة للمعارضة السودانية الشمالية في أعقاب التوقيع على اتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية والتي أدت لاحقا لانفصال جنوب السودان.
ويرى محيسي أنه على الرغم من أن الإطاحة بنظام البشير عبر ثورة شعبية في أبريل 2019 قد يمهد الطريق أمام وقف أنشطة المجموعات المسلحة ذات التوجه العقائدي المناوئة لأفورقي، فإنه قد يثير في الجانب الآخر مخاوف من أن يلهم ثورة شعبية مماثلة داخل الأراضي الإريترية.
الدبلوماسية الشعبية:
ويتفق محمد الحسن أحيمر القيادي في قوى الحرية والتغيير والباحث في العلاقات السودانية الإريترية مع ما ذهب إليه محيسي، ويقول إن جوهر الخلاف بين البلدين منذ العام 1993 في مسألة احتضان نظام المخلوع البشير للجماعات المعارضة للنظام الإريتري التي رفضت العودة بعد استقلال دولة إريتريا وأقامت معسكرات تدريب وتجنيد في الأراضي السودانية بدعم من نظام المؤتمر الوطني.
ويشير أحيمر إلى أن الفرصة باتت مواتية بعد التغيير الذي شهده السودان، مشددا على ضرورة الاهتمام بـ"الدبلوماسية الشعبية" للدفع نحو إقامة علاقات متوازنة بالاستفادة من الروابط والتدخلات القبلية والثقافية والاجتماعية الراسخة منذ القدم بين شعبي البلدين.
وينبه أحيمر إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه ولاية كسلا السودانية القريبة من الحدود والتي تشهد تداخلا اجتماعيا كبيرا بين البلدين.
غير أنه يشترط لنجاح ذلك الدور وجود سلطة مدنية في الولاية قادرة على فهم طبيعة ديموغرافية المنطقة ورسم الاستراتيجيات اللازمة وتوفير المناخ الأمني والسياسي اللازم لفك تعقيدات العلاقة والاستفادة من البعد الديموغرافي من أجل تأسيس علاقة تحترم الروابط والمصالح المشتركة من خلال تحويل التحديات الحالية إلى فرص تسمح بالتعايش والتبادل التجاري والاقتصادي المنظم.