برقية مستعجلة إلى الشعب الارترى

بقلم المناضل الأستاذ: إبراهيم محمود صالح قدم - أبو حيوت

لان الظروف التي نمر بها غير عادية اضطررت إلى الاستفادة من وسيلة سريعة لإيصال ما يجول بخاطري إليكم.

وفى البداية اسمحوا لي بأن أذكركم بما قاله أبو القاسم الشابى وطالما تكرر في خطابنا السياسي في بداية كفاحنا المسلح:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب للقدر

ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر

نعم ليل الاستعمار قد انجلى وكذلك قيده قد انكسر ولكن الامانى في وطن مستقل ومواطن حر لم تتحقق وللأسف الشديد استبدلت بقيد أخر من أبناء الوطن الذين قارعوا المستعمر ولكن سقطوا في أول امتحان في تحدى إغراءات السلطة والنفوذ ليتحولوا إلى مستعبدين للشعب الذي كثيرا ما غنوا له وحولوا شعارهم من النصر للجماهير إلى السجن للجماهير.

ولكن قبل الدخول في موضوع البرقية أود أن اذكر بعض اللحظات المشرقة من الماضي، لحظات تمرد فيها الشعب وخرج إلى الشارع للتظاهر والإضراب وإعلان رفضه للاستعمار وأولها كان يوم أنزال العلم الارترى واستبداله بعلمها. عمت المدن الإرترية المظاهرات ولكن اسمحوا لي برواية ما حدث في كرن، مدينة الأحرار، ويومها كنت طالبا في الصف السادس، عندما حاصرت الجماهير مركز البوليس الرئيسي وهى تهتف بالاستقلال وبإطلاق سراح القياديين المعتقلين وعندما فشلت محاولات تفريقها بواسطة بوليس كرن، طلبوا الدعم من اسمرا ووصلت القوات وهى ما كانت تعرف في تلك الأيام (بالفيلد فورس-Feild Force والتي تحول جزء كبير منها، مع الأيام إلى الكوماندوس) وعلى رئسها الكولونيل زرئ ماريام ازازى وكان حينئذ نائبا لمدير البوليس الكولونيل تدلا عقبيت الذي اغتالته إثيوبيا في عام 62 بعد ان حقق لها ما كانت تريده. الكولونيل زرءى ماريام حاول إقناع الجماهير بالتفرق والعودة إلى بيوتهم ولكن مع إصرار الجماهير على مطالبها، أعطيت الأوامر بإطلاق النار وتم جرح العديد وعلى رأسهم المناضل محمد صالح حمد المشهور ”بشفروليه“ وعمر محمد على ”مستر اتش-H“ وقد تم اعتقالهم بعد أصابتهم بعيارات نارية. ومن قيادات تلك المظاهرة في ال58 اذكر الأخوة محمد سعيد عنططا، احد الطلاب الذين أسسوا تنظيم جبهة التحرير الإرترية في القاهرة وكذلك الأستاذ محمد عمر يحيا من رواد العمل الوطني وقيادات جبهة التحرير الإرترية طول المولى أجالهم ومنحهم الصحة والعافية.

والحالة الثانية التي أود التذكير بها هي المظاهرات التي عمت الوطن بعد إعلان إثيوبيا ضم إرتريا إلى الامبرطورية ضاربة عرض الحائط بقرار الأمم المتحدة و كانت أقواها، مظاهرات الطلاب في اسمرا بقيادة طلاب المدارس الثانوية ”لؤل موكنن، هيلى سلاسى والصناعية/ بوينت فور“ كم أتمنا أن يتكرر ذلك المشهد اليوم بقيادة طلاب جامعة اسمرا رافضا للحرب ومطالبا بالحرية والديمقراطية.

بعد هذه المقدمة نعود إلى الواقع وما يحدث في إرتريا وفى العالم من حولنا. عندنا ما يشبه الاستسلام للديكتاتورية والانتظار لحكم الله سواء في الداخل أو في الخارج عند المعارضة مع التأكيد أن التغير لن يأتي من الخارج بل من الداخل ولا يتعدى دور الخارج التحريض والمساندة الإعلامية. ولكن نشاهد كيف تنتفض الشعوب وتنزل إلى الشارع وتأخذ المبادرة لإسقاط الأنظمة المتسلطة ونظام الحزب الواحد بالعصيان المدني. هذا ما حدث في جورجيا، أوكرانيا و أخيرا في غرغيزستان في أسيا وما حدث في توجو من رفض للتوريث. وهذا الأسلوب مارسه الشعب السوداني قبل كل الشعوب في ال64وال 85 وتمكن من إسقاط أنظمة دكتاتورية حدث هذا عندما كانت النقابات والأحزاب السودانية قوية وموحدة بعكس أيامنا هذه.

ما دفعني إلى كتابة هذا البرقية السريعة هو مشاهدتي للمتظاهرين في بلدان عديدة وهم يحملون الإعلام الوطنية أو أعلام من ألوان مختلفة فيها البرتقالي والوردي، هذه الموضة أوحت لي بأن أبادر بتذكير الشعب الارترى بحجز اللون الأزرق قبل أن يخطف من قبل احد الدول التي ترزح تحت حكم غير ديمقراطي. لأن اللون الأزرق هو الذي سقط عشرات الآلاف من الشهداء وهم يبحثون عنه و اللون الوحيد الذي حملناه خلال سنوات حرب التحرير في النضال من اجل الاستقلال والحرية، قبل أن تحكم عليه الشعبية بالإعدام وتستبدله (بالتريس بانديرا / ألوان علم إثيوبيا على قول المناضل ابوى إبراهيم ”مناضل من ماىعداقه“) وكأنها تحاكى ما فعله النظام الاستعماري في أل58 نعم كانت أحلامنا بوطن حر تكبر كلما زاد حجم التضحيات التي نقدمها و كانت الوعود تكبر معها حتى جاء اليوم الموعود باندحار قوات العدو ورحيلها إلى غير رجعة ولكن سياسات النظام سمحت لها بالعودة وتدنيس التراب من جديد وفى نفس الوقت أعطت لأحلام بعض الاثيوبين في منفذ بحري زخم جديد حتى أصبحت عصب هي الحلم. المشكل ليس في أطماع أو أحلام إثيوبيا لأن هذا ليس بجديد ولكن المشكلة في إننا فقدنا الهدف الموحد كما كان عندنا في الماضي جراء ممارسات النظام الذي ضرب الشعب الارترى في سلاحه الأقوى آلا وهو الهدف الواحد.

هذه المرة لا يمكن تصديق الوعود الوردية لأن الزمان قد اختلف بميلاد إرتريا المستقلة، وتذكر القول الذي يقول ”لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين“. ولا تعطى أذان صاغية لما يردده النظام وأبواقه عن الدفاع عن الوطن أولا، ويكون شعارك ”الحرية اولا“ لأن الشعب الحر هو فقط، الذي يمكنه الدفاع عن ترابه وسيادته وما عدا ذلك هراء لن يجد من يشتريه. لن يتمكن الشعب من الدفاع عن إرتريا وحماية حدودها إلا عندما يحس أنها ملكه.

نزر الحرب والتهديد الصريح باستعمال القوة، اضطرني لكتابة هذه البرقية المستعجلة لدعوة الشعب لأخذ المبادرة للعصيان المدني والنزول إلى الشوارع والإضراب عن العمل والدراسة حتى يسقط النظام وتقوم حكومة وحدة وطنية. و يجب أن يكون واضحا إن ثمن الدفاع عن الوطن وحمايته، هو قيام حكومة وحدة وطنية تمثل كل قطاعات الشعب من رعاة وفلاحين، عمال ونساء، طلاب وشباب، مثقفين ورأسمالية وطنية، الجيش والبوليس، وكذلك عندما ينتهي الإحساس بالغبن والتهميش. أتمنا لو واكرر لو يبادر النظام ويتنازل عن السلطة للشعب لكي يفشل ما يخطط من مؤامرات لاقتطاع جزء عزيز من الوطن وفرض سياسة الأمر الواقع قبل فوات الأوان ولكن طبيعة الأنظمة الديكتاتورية لن تسمح له القيام بهذا.

في هذا المجال أرجو السماح من الفنان منقستئاب اسمروم واخذ هذا المقطع من احد أغنياته:

تنسئ تنسئ تسئ تبرابر موقح ناى عمطتى بغلطمكا سبر

بمستوعال حسب كيتبل دمبربر اب دمبى وطوعات مس هزبكا حدر.

وعلى الجيش الارترى إن يعلم أن الدفاع عن الوطن ليس بحفر الخنادق والدفاعات المحصنة بل بالانحياز إلى صفوف الجماهير وتأييد مطالبها بقيام حكومة وحدة وطنية. ولا تنسوا أن راس النظام وأعوانه سيرحلون عندما تشتد المعركة، تماما مثلما فعل منجستو، وتبقوا انتم مع شعبكم فهلا أخذتم العبر من التاريخ وحسمتم الأمر الآن وليس غدا.

سؤال أخير هل حان موعد انطلاق النشيد السوداني ”أصبح الصبح لا السجن ولا السجان باقي“ من حناجركم ابتداء من اسمرا هذه المرة ولتغطى ربوع الوطن من اجل إسقاط الدكتاتورية والدفاع عن الوطن ووضع اللبنات الأولى لإرتريا الديمقراطية، العدالة والمساواة؟. هذا بعد الإذن من الشعب السوداني الكريم الذي لن يبخل علينا بهذا.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click