ترتيبات التغيير الناعم و ضبابية المشهد
بقلم الأستاذ: صالح اشواك - كاتب وناشط سياسي إرتري
في ظل ما يكتنف المشهد الارتري من غموض متزامن مع ترتيبات تتم على الارض، أثر أنباء مؤكدة
عن خروج الرئيس أسياس من دائرة القرار السياسي و السلطة بسبب وضعه الصحي الحرج، واخبار أخرى عن موته لم تؤكد بشكل رسمي.
الأنباء الواردة من الداخل أكدت إستدعاء قدامي المقاتلين من الكوادر العسكرية و المدنية و القادة الذين تعرضوا للاقصاء و تم تجميد نشاطهم بأمر من الطاغية.
يهدف هذا الإستدعاء إلى السبق في تحييد الجيش وقطع الطريق أمام الجنرالات الذين تم تصعيدهم أيضا بدفع من الرئيس بغرض ضمها إلى صفه ضد الجميع، عبر اغرائهم بالإنخراط في الأعمال التجارية المشروعة و غير المشروعة مقابل أن يكونوا له بمثابة اليد الباطشة.
والخط الثاني من هذه الترتيبات أيضا يستهدف العسكريين من الجنود وصغار الضباط ومتوسطي الرتب - من عقيد فما دون - ومنتسبي الخدمة الإلزامية، وهو القطاع الأكبر من الجيش، بحيث لا يقوم القادة السابقين بأي خطوة يلتف حولها أغلبية الجيش.
إذن هي ”ترتيبات لما بعد الغياب“ تضع أي تغيير محكوم بشرط بقاء الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة ”هقدف“ ممسكة بزمام الأمور دون حدوث انفراط قد يجيئ بتغيير لا يعرف مداه، وهي أيضا خطوة إستباقية لقادة الجيش كلهم من اقصاهم إسياس ومن إصطفاهم.
اذن هنالك من يرى ان افضل معالجة للقنبلة الموقوتة المتمثلة في مايمكن ان يفعله الجيش هو خلق البديل المناسب والمقبول الذي يضمن انحياز الضباط الصغار و وحداتهم العسكرية إلى جانب ذلك البديل، و يضعف دور الجنرالات كلهم من كان مستفيد حتى النهاية ومن سياتي وهو يحمل فكرة الانتقام.
والجهة التي ترى وخطط وتقوم بالترتيب الأن هي الدائرة الضيقة التي يقف في منصفها يماني قبر مسقل، وهي مجموعة قربها إسياس منه في السنوات الأخيرة إلى أن باتت كل الأمور في يدها تقريبا.
إستدعاء قدامى القادة الذين ذاع صيتهم في حرب التحرير و لم يتورطوا في ممارسات النظام خلال الثلاثة عقود من حكمه المستبد الجائر، يشكل رادع للجنرالات الذين لن يتمكن يماني ومجموعته من مواجهتهم دون سند من الأقوياء، بل لن يجدوا تأييد شعبي بعد كل الأدوار التي قاموا بها طوال السنوات الثلاثين السابقة.
لذا كان تشكيل لجنة تتألف من كبار قدامى القادة يترأسها المناضل رمضان محمد نور، وهو ما يؤكد ان الغرض هو قطع الطريق على اي محاولات لقفز اي جنرال إلي سدة السلطة بدعوى سد الفراغ .
التراتبية التي كانت متبعة داخل النظام، كانت تقضي بتولي وزير الحكومات المحلية موقع الرئيس بالانابة في حالة غياب الرئيس، إلى أن تم إعتقال المناضل محمود احمد ” شرفو ” الذي كان أول وآخر نائب معلن للرئيس.
لكن يبدو أنهم عادوا لتلك التراتبية القديمة التي تركت منذ 18 سبتمبر 2001م حين اعتقال محمود شريفو.
حيث تسربت معلومات تشير الى أن البديل المتوافق عليه هو وزير الحكومات المحلية الحالي/ ولدنكئيل ابرها، الذي قد يتساوى في الاقدمية مع المناضل/ رمضان محمد نور لكن يتفوق عليه رمضان بكونه قائد عسكري وكان رئيسا للتنظيم الذي عمل ضمنه ولد نكئيل ابرها في الصف الثاني من القيادات السياسية، و لكن ربما تم تقديمه الآن لعوامل توازن أخرى.
لولدنكئيل ابرها تاريخ نضالي طويل في الحركة العمالية والثورة الارترية وسبق ان ترأس الإتحاد الوطني لعمال إرتريا، وتولى وزارة المواصلات والاتصالات ووزارة الحكم المحلي، لكنه كان مقرب من الرئيس وكثيراََ ما يتجاوب مع ارائه، بالإضافة إلى قربه من عائلة إسياس.
وكونه من إقليم سراي الواقع خارج دائرة الصراع التقرنيوي الداخلي ”حماسين / اكلي قوزاي“ يجعله أيضا خيارا مقبول بالنسبة لهم.
بناء على كل هذه التدابير التي تتم يمكن القول إن هنالك ”تغيير ناعم“ قيد الاجراء يهدف في المقام الأول لإبقاء الجبهة الشعبية في الحياة السياسية بعد رحيل الطاغية.
وفي هذا الاتجاه ايضا متوقع ان تسعى ”القيادة الجديدة“ إلى اطلاق مبادرات تحقق لهم التهدئة وتقلل من سخط الشعب على مجمل التجربة المريرة لحكم الشعبية خلال الثلاثة عقود الماضية.
في تقديري ان طرح اي تغيير يجنب البلاد الصراعات الدموية و يقدم على إجراء مصالحة وطنية حقيقة سينجح، لذا فعلى قوى المعارضة ان تفكر في تحقيق المكاسب لمشروعها الديمقراطي الذي طالما ناضلت من أجله.
مع الاستفادة من التجارب السابقة وعدم تكرار أخطاء ما بعد التحرير التي إنبنت على التهافت والسعي نحو المكاسب الضيقة، وكانت النتيجة كما رآها الجميع ثلاثة عقود أخرى من النضال لتصحيح الأوضاع.
ليس غياب اسياس فقط هو مبتغانا، علينا ان نكون أكثر فطنة يجب أن يستمر العمل علي ارساء دعائم الدولة الوطنية الديمقراطية، لابد من بناء دولة القانون والحريات، التي تتحقق فيها كل شروط المواطنة، وتكفل فيها جميع حقوق الإنسان.
إن لم نؤكد ذلك سيكون عرق ودماء ونضال الشعب الأرتري لثلاثين سنة أولى ثم ثلاثين أخرى قد ضاع بلا جدوى.