قصة ضفتين: قمة الرياض بين أفورقي وبين العاهل السعودي
بقلم الأستاذ: فتحي عثمان - دبلوماسي ارتري سابق
زيارة الرئيس اسياس افورقي للسعودية في السابع عشر من فبراير بدت وكأنها "استدعاء" اكثر منها زيارة رئيس دولة.
ثلاثة أسباب جعلتها تبدو كذلك:
أولا: الانتقاد المرير الذي وجهه افورقي لمجلس دول البحر الأحمر.
ثانيا: جاء انتقاده بعد الانتقاد اللاذع لوزارة الاعلام الارترية لوزير الدولة السعودي للشئون الافريقية احمد قطان حول الدور السعودي في الصلح الارتري الاثيوبي، واخيرا، فضلت السعودية عدم الرد على الانتقادات، أرسلت بدلا عن ذلك طائرة خاصة من اجل احضار الرئيس الارتري لاجتماع مع العاهل السعودي.
مع أنه لم يشر إلى السعودية بالاسم إلا أنه في المقابلة الأخيرة له قال افورقي "بغض النظر عن ثروتها وقوتها، لا تستطيع دولة واحدة الوفاء بمتطلبات دول ساحل البحر الأحمر جميعها، لذلك فالاطار القانوني مهم". وأضاف بأن ارتريا قدمت ورقة مفاهيم تتكون من 11 نقطة تتضمن الآليات والارضية لتأسيس المجلس الجديد. قدم يماني قبرآب الورقة إلى مؤتمر في الرياض في 21 ابريل 2019، ودعت الورقة كذلك إلى اتباع خطوات حكيمة في مسيرة تكوين المجلس، وبناء مؤسساته. وبما أن للسعودية تصورها الخاص والشامل لتكوين المجلس، فلقد تجاهلت المقترح الارتري. وواصلت الرياض مسيرتها في تكوين الكيان وفقا لرؤيتها الخاصة. وهذا يفسر حنق الرئيس الارتري. وتحت ضغط من الرئيس عبد الفتاح السيسي وافقت ارتريا على مضض على الانضمام للمجلس بعد تغيبها من عدة اجتماعات سابقة.
الجيرة الصعبة:
إن الشك والتقلب في العلاقات بين السعودية والجبهة الشعبية يعود لفترة الحرب الباردة. ففي تلك الفترة كان للسعودية مخاوفها المبررة من التمدد الشيوعي ووجود تنظيم الشعبية الشيوعي التوجه والذي يرأسه اسياس افورقي نفسه، إضافة إلى وجود اثيوبيا الشيوعية تحت قيادة منغستو هيلي مريام، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن.
من أجل اضعاف الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا دعمت السعودية حلفائها من التنظيمات الارترية: جبهة التحرير الارترية (المجلس الثوري) وقوات التحرير الشعبية واللجنة الثورية المؤقتة، وذلك بتعاون وثيق مع حليفها في الخرطوم الرئيس جعفر نميري.
وفي عام 1982 رعت السعودية اتفاقية الوحدة الثلاثية بين التنظيمات المعادية للجبهة الشعبية، الأمر الذي زاد من التباعد بين الشعبية والسعودية.
بعد عشر سنوات وأثناء الاستفتاء على الاستقلال ضغطت السعودية اسمرا لقبول التنظيمات الارترية الثلاث كشريك في حكومة ائتلافية، الأمر الذي رفضه الأمين العام اسياس افورقي جملة وتفصيلا. واندهشت الرياض عندما تجاهلت اسمرا طلب السعودية تعيين ضابط الاستخبارات السعودي عبد الله باهبري، مهندس اتفاقية الوحدة الثلاثية، كسفير في اسمرا.
وبعد تعيين سفير أخر طلبت السعودية من اسمرا السماح لها بفتح اكاديمية سعودية في ارتريا على غرار الاكاديميات السعودية في واشنطن ولندن، الأمر الذي تجاهلته اسمرا (رغم وجود مدرسة ارترية ضخمة في كل من الرياض وجدة)
في عام 1995 قامت سلطات الأمن الارترية بقفل دار الإغاثة الاسلامية السعودية واعتقلت الارتريين العاملين فيها (مخفيين حتى اليوم) بينما أبعدت الطاقم السعودي.
في اغسطس 2005 شاركت ارتريا بوفد برئاسة سكرتير الجبهة الشعبية في تشييع العاهل الراحل فهد بن عبد العزيز، بينما مثلت الدول المشاركة برؤسائها أو رؤساء حكوماتها.
وشهدت السنوات اللاحقة توقف كامل للاستثمارات السعودية المحدودة في مجال الصيد البحري وتصدير الماشية.
باختصار يمكن القول بأن الرمال المتحركة في الاقليم باعدت بين الرياض واسمرا. ففي أوائل 2000 احتفظت ارتريا بعلاقات جيدة مع ايران، الأمر الذي أزعج السعودية، ويمكن القول بأن العلاقات الارترية السعودية ماتت سريريا في عهد العاهل عبد الله بن عبد العزيز (2005-2015). وبنشوب الحرب في اليمن وتأزم العلاقات مع الدوحة احتاج التحالف العربي لقواعد في ارتريا، وبذلك نفخت الروح مرة اخرى في العلاقات الميتة بين الجانبين.
من الملاحظ أن أسباب تأسيس مجلس دول البحر الأحمر اسبابا ظرفية قد تختفي بتغيير رياح الأحداث. والأهم من ذلك هو أن الدول الأعضاء فيه متباينة بشكل كبير: فإرتيريا علاقتها سيئة بجيبوتي، والصومال يحتفظ بعلاقات جيدة مع تركيا الأمر الذي يسخط كل من ارتريا ومصر والسعودية، كما أنه ليس هناك رابط "ايديولوجي" يجمع هذه الدول معا، والمخاوف الأمنية وحدها لا تصلح لجمع دول بهذا التباين، وسيمر هذا التحالف باختبار الزمن.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فتحي عثمان: دبلوماسي ارتري سابق، ومدير قسم البرامج العربية في اذاعة ارينا الدولية في باريس، حاصل على الماجستير في دبلوماسية السلام والتنمية عمل مديرا للبحوث في الإدارة القانونية لمكتب رئيس دولة ارتريا.