بعد أن كشف إتصال بين إسرائيليين وقوي ارترية معارضة الردود علي المناضل أحمد القيسي تتواصل
نقلا من مجموعة: حوار لوعي مشترك
شهدت مجموعة "حوار لوعي مشترك" علي الواتس آب خلال الأيام الماضية تقييما لحركة "فورتو"
التي جرت عام 2013 وأجاب الأستاذ/ أحمد القيسي القيادي السابق بالجبهة الشعبية من محل إقامته باليمن علي العديد من الأسئلة المتعلقة بالحركة والتي طرحت من أعضاء المجموعة الذي يفوق عددهم المائة وخمسون عضوا ، ورغم أن العنوان كان متعلق بذكري الحركة إلا أن الأستاذ القيسي تطرق الي محطات عديدة متعلقة بالتنظيم وجاء حديثه مازجا بين المعلومة والرأي وفي أريحية بدأ فيها أنه مستعدا لقول الكثير مما عنده ، لم يحجم حتي عن فقرات تبدو حساسة ، كاشفا أنه بصدد إطلاق كتاب خاص عن تجربة التنظيم.
وكشف في معرض حديثة عن لقاء جمعه مع رئيس المجلس السياسي للحوثيين صالح الصماد الذي أخبره أن "قوي سياسية ارترية لها ارتباط بشكل معين مع الاسرائيليين" ويقول القيسي أنه قام شخصيا بعد ذلك بالاتصال مع الجماعة الارترية ووضحوا له المسألة والملابسات ، وعلم أن "المبادرة أتت من قبل أكاديميين إسرائليين ووجدت إستجابة من الجهة الارترية بإعتبار أن أحدا لم يعد يسند ولذا يجب التعامل حتي مع الشيطان" ووصف القيسي أن الحالة محصورة وربطها باليأس الذي يحملك أحيانا للتعلق بالقشة.
وفي مداخلة أخري عاد فوضح أن الجهة الارترية ليست "قوي إسلامية وهذا غير ممكن ولكنها تجمع الأغلبية فيه إسلامية".
كما تطرق عن إختلافه مع قادة حوثيين كانوا يسعون علي بناء علاقات مع الحركة السياسية الارترية مبينا لهم أن "الوضع في ارتريا دقيقا ولا يأخذ أبعاد طائفية ودينية وأن المظلومية واقعة علي الشعب الارتري كافة" وأضاف أنه "وضح لهم أن الاستقطاب علي أساس ديني مسألة بعيدة في ارتريا".
أثارت فقرة الاتصالات مع الاسرائليين ردود متباينة وسط أعضاء المجموعة.
فيما يلي مقال البروفيسور جلال الدين محمد صالح آملا في إيراد المزيد من التعليقات مستقبلا.
شروع التغيير وتطبيع إرتريا مع الصهاينة - بقلم/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
يكاد يجمع العقلاء على أن الحركة الصهيونية تعيش اليوم أوج انتصاراتها ، بانهيارات المدن العربية ، من جراء عواصف ما بعد الربيع العربي.
ويكفي أن (نتنياهو) أكد في خطابه الذي ألقاه مؤخرا في مؤتمر ذكرى المحرقة النازية لليهود ، أن معاداة الصهيونية معاداةٌ للسامية.
ويعنى تأكيده هذا إدانة كل أشكال إنكار شرعية الكيان الصهيوني ، على أرض فلسطين المغتصبة ، أو إنكار حقه المزعوم ، في تهويد القدس ، وليس فقط التشكيك في المحرقة النازية.
ولا ريب أن خطاب (نتنياهو) هذا ، هو امتداد لخطابات الصهاينة الأولى ، بإحباط فكرة المقاومة ، وتهديد معسكرها بنفوذهم العالمي ، وتحكمهم شبه الكامل من خلال هذا النفوذ ، على منطقة الصراع ، ومَنْطِقِها ، سياسيا ، واقتصاديا ، وعسكريا ، وأن لا سبيل إلى استقرارها من غير بوابة التطبيع.
لهذا لا غرابة أن نسمع بين الحين والآخر ، أصواتا هنا وهناك ، عربية ، وأخرى غير عربية ، تعقلن التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وتسفه كل ما عداه ، وتدعونا أن لا نكون ملكيين أكثر من الملك ، وكأننا لا نفكر إلا بعقل الملك ، ولا ننساق إلا بأرادته المتغلبة.
وهي أصوات طالما تعالت ، من يوم كانت اتفاقية كامبديفد ، إلى يومنا هذا ، حتى عمت الفضاء كله ، وباتت كأنها هي الأصل ، وغيرها النشاز.
وهكذا صار اليوم يوسم بالجهل والسخافة ، والارتهان للخرافة والأحلام ، والكلام الفارغ ، كل من لا يطاوع الصهاينة ، ويهرول إلى التطبيع ، معترفا بما يدعونه من حق تاريخي مزيف ، على أرض فلسطين.
ومثل هذه النعوت ، هي جزء من الحرب النفسية التي يمارسها الصهاينة ، وللأسف ما زالت قوى التطبيع العربي ترددها ، بوعي منها ، أو بغير وعي ، تريد تعميق حالة اليأس ، والإحباط في نفوس الشعوب العربية ، حتى تدفعها إلى الاستسلام الكامل؛ ذلك أن لا معنى للتطبيع من غير كسر نفسية الشعوب العربية والإسلامية ، وإجبارها على القبول بالتطبيع ، وهو ما لا يمكن أن يكون.
وهذه هي أكبر هزيمة تقلق الصهاينة وتزعجهم على الرغم من تفوقهم العسكري ، وتراجع النظام العربي الرسمي أمامهم.
إن صراعنا مع الصهاينة صراع إردات ، على مدى أجيال ، ولابد أن ينتهي بانتصارنا.
وليس المطلوب منا في هذه اللحظة من تاريخ هذا الصراع إلقاء الصهاينة في البحر ، كما كان يزمجر الناصريون والقوميون العرب من قبل ، وإنما المطلوب منا حرمانهم من شرعية الوجود ، بعزلهم كليا على مستوى شعوب المنطقة.
وهذا هو السلاح الوحيد الذي نملكه ، ولا يملك أحد تجريدنا منه.
وهذه هي القلعة الكبرى والصلبة التي ما زال الصهاينة يعملون على هدمها وإسقاطها من خلال حمل الشعوب العربية والإسلامية على التطبيع.
وما زالت الشعوب العربية والإسلامية ، ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وتأبى أن تمنحه هذه الشرعية التي يحلم بها ، ويحاول انتزاعها دبلوماسيا.
وفي هذا الوضع العربي المنهزم رسميا ، الصامد المقاوم شعبيا ، بدهي أن تكون لإرتريا سياسة راشدة وناضجة ، تراعي مصالحها بالدرجة الأولى والأساسية ، مستحضرة في الوقت نفسه تاريخها النضالي العظيم ، في مقاومة الاستيطان الأجنبي ، والاستعمار ، وحلفائه.
ولابد أن يكون هذا ضمن مشروع التغيير الشامل ، الذي لابد أن يحيل ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني ، ومعه ملف تعقيدات طبيعة علاقتنا مع إثيوبيا ، إلى مؤسسات الدولة الدستورية ، وليس إلى مزاجية الأفراد وانفعالاتهم العاطفية ، أو رغبات حزب بعينه.
وفي هذا المناخ الدستوري المرتقب ، فيما بعد التغيير ، وعبر مؤسسة البرلمان ، ومراكز الأبحاث السياسية ، تكون المجادلة بالمسوغات العقلانية ، تحسينا للتطبيع أو تقبيحا ، بعيد عن نزعة الاستاذية التي تنتاب بعضا منا ، وتبدو في فلتات ألسنتنا.
ومع ذلك كله ، جميل أن نسمع من المناضل أحمد القيسي رأيه المشجع للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وهو خيار الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ، عبر عنه من قبل أمينها العام إسياس أفورقي ، وقال المقولة نفسها: لا نكون ملكيين أكثر من الملك.
وعلينا أن نحترم حقه في التعبير عنه ، كما نسمع من الآخر المخالف نقيضه.
ولكن ما ليس جميلا أن نسمع رمي هذا الرأي أو ذاك بالجهل ، أو الخرافة ، ولاعقلانية ، والكلام الفارغ.
فهذا في نظري يستبطن نوعا من الاستاذية ، ومصادرة الحقيقة ، واحتكارها ، ويجافي العقلانية تماما ، فلربما كانت للآخر أيضا مسوغاته المنطقية ، والسياسية ، ومن حقه أن يعبر عنها دون المساس من كرامته ، إذ ليس في السياسة مطلقات ، فكل ما فيها نسبيات ، تخضع للأخذ والرد ، ونحن هنا في ساحة محاورة.
ومما لفت انتباهي في طرح المناضل أحمد القيسي ، في مسألة التطبيع ، تبنيه رأيين ، ظهرا لي تناقضهما ، أحدهما حبذ فيه التطبيع مع الكيان الصهيوني ، والآخر حذر فيه من التواصل معه ، منبها إلى خطورة ما يضمره هذا الكيان من تأجيج صراعات عرقية تخدم استراتيجيته ، على حساب مصلحة شعوب المنطقة ، مشيرا في الآن نفسه ، إلى أن الأجعزيان ليسوا وحدهم من فتح قنوات الاتصال مع الصهاينة ، وإنما أيضا الإسلاميون ، حسبما أفاده به زميله القيادي الحوثي المغتال.
ولأن هذه المعلومة جد خطيرة ، لا ينبغي في نظري أن تمر هكذا ، دون توقف؛ لما تسببه من إشكالية ، ولا سيما أن مصدرها جهة ذات علاقات قوية ، مع ما عرف بمحور المقاومة ، وينتمي إلى ما اشتهر بالإسلام السياسي.
وددت لو أن المناضل أحمد القيسي سلط عليها مزيدا من الضوء ، بتوضيح أكثر.
وهل ثمة مؤكدات تثبت وقوعها ، وإلى أي حد هي من المتانة هذه المؤكدات ، أم أنها مجرد معلومات شفهية ؟.
ثُم ما المقصود بالإسلاميين في نظر من أدلى بهذه المعلومة ، هل تنظيمات الاتجاه الإسلامي ، أم التنظيمات التي خلفيتها المسلمون؟.
• وعندما يقول المناضل أحمد القيسي في هذه اللحظة من معارضته لنظام أفورقي: إنه يشجع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، إلى ماذا يهدف ؟.
• هل هي رسائل منه إلى الكيان الصهيوني؛ لكسب مواقفه في مواجهة أفورقي ؟.
وإلى أي حد يمكن أن يستجيب الصهاينة لمثل هذه الرسائل ، إن كان هذا هو الهدف؟.
من طرفي أحسب أن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ، هي مسألة دولة ، وتحكمها عوامل عدة.
ونعم المصلحة الوطنية هي الرائدة في ذلك ، ولكن مَنْ المخول بتحديد طبيعة هذه المصلحة ، وتحديد طبيعة هذا التطبيع ، هل هو كلي أم جزئي ؟.
وهل هو ضروري ، وإلى أي حد من الضرورة؟ وإلى حد يعرض سيادة البلد للانتهاك ؟.
من يناقش كل ذلك هو الشعب الإرتري وحده ، عبر أحزابه السياسية ، ومؤسساته الدستورية ، وبرلمانه المنتخب ، من بعد إسقاط نظام الوصاية السياسية القائم حاليا ، والذي بات يتصرف في قضايا شائكة ، سياسية واقتصادية ، وأخرى سيادية ، بمعزل عن إرادة الشعب ، ومنها التطبيع مع الصهاينة ، بالمنطق الذي خاطبنا به المناضل أحمد القيسي.
وإن (البرجماتية) لا تعني فقط البحث عن المصلحة بعيدا عن القيم والمبادئ ، وإنما يمكن أن تفسر على أنها وصول إلى تحقيق القيم والمبادئ بوسائل أخرى ممكنة.
وعليه ليس بالضرورة أن نرى (البرجماتية) في التطبيع فحسب ، فقد تكون في نقيضه.
وإذا كانت فيه حصرا فحينها تقدر الأمور بقدرها.
ومع اعتقادي في أن الأنظمة القمعية ترى في ذاتها الأنضج والأوعى بمسارات السياسة والتواءاتها ، فتنحي إرادة الشعب جانبا ، متهمة إياه بلاعقلانية ، إلا أنها تعجز عن إدراك لاعقلانيتها ، في انتهاج الاستكبار الدكتاتوري وإستاذيته.
ومع إيماني بهذه المسلمة أرى نظام أفورقي ما زال حتى اللحظة متماسكا ، وبات جزءا من منظومة علاقات معقدة ، على مستوى المنطقة ، والمحيط من حوله ، بما في ذلك الصهاينة وحلفاء الصهاينة.
وعلى مستوى الداخل - ومنذ وقت مبكر - حسم أمر من يشك في ولائهم ، وأحكم قبضته الأمنية إلى حد رصد كل التحركات المضادة ، واختراقها ، مهما كانت تافهة ، وأحيانا استدراجها إلى الخروج من مخبئها قبل أوانها ، واشتداد عضدها.
وبهذا أبطل مفعول حركة 21 فورتو التي انكسرت في أول خطوة لها.
واكتسب في هذا خبرة تراكمية ، مكنته من السيطرة الكلية ، مستغلا تلك الثقة المطلقة الممنوحة له من رفاق الحزب باسم (النقاء الثوري) أو (الزهد الثوري) الذي أدرك المناضل القيسي خرافيته الآن ، حين قال: النقاء الثوري أنتج أفورقي.
وكل هذا أتاح له فرصة تطوير قدراته الاستخباراتية ، وتعزيز إمكاناته التجسسية ، في تصفية رفاقه.
هذا مع ما تعانيه قوى المعارضة من ضعف شديد ، أهم ما في هذا الضعف ، من ضعف ، فقدان ثقة الشعب وعزوفه عنها ، لأسباب عديدة.
ومن ثم ليس من سبيل إلى هز جدار النظام وإرخاء قبضته ، وربك خططه الأمنية ، غير خروج جماهيري كبير ، يبدأ من الداخل أول ما يبدأ ، يسنده لحظتها تدفق جماهيري آخر من السودان ، عبر الحدود.
ولابد أن تكون التكلفة هنا باهظة ، هذا إذا ما كسرت الجماهير جدار الصمت ، وحطمت قيود الرعب ، وأبرزت قيادة من صنعها هي ، لكن كما يقول الفيلسوف الفرنسي (جوستاف لوبون) في كتابه (سيكولوجية الجماهير): إن الجماهير من طبعها الخوف ، لا تهتف ضد الدكتاتورية ، إلا حين تحس بضعفها.
وهذا أحد أهم التحديات التي تواجه مشروع التغيير.
والتغلب على هذا التحدي هو أهم عامل في طريق الخلاص.
والقيام بهذا العمل ، يتطلب تخطيطا دقيقا ، يستغرق وقتا كافيا من الزمن ، تتحمل عبئه قيادة مقتدرة نابعة من معاناة الجماهير نفسها ، ثلاثية الأضلاع في بنيتها التنظيمية ، طرف منها في أوروبا ، وآخر ، في السودان ، وثالث في إرتريا.
تعمل بتناسق وانسجام ، ووضوح رؤية ، وتحدد الإمكانات المطلوبة ، وتدرس نقاط ضعف النظام وقوته بدقة ، ومدى تكامل الشروط الموضوعية للثورة عليه ، وكيفية توظيفها ، وحجم الخسارة والتكلفة المتوقع تسديدها.
وإذا ما نجحت خطة كهذه ، ولو بنسبة معتبرة ، ستدفع القوى الوطنية في الجيش الشعبي إلى التحرك؛ لأخذ الإجراء اللازم.
وهنا لابد أن تضع خطة العمل في الحسبان حماية المكتسبات من سرقتها ، والثورة من حرفها.
إذن نحن في حاجة إلى الخروج من التقليدية التي شبت عليها قوى المعارضة وشابت ، وإلى ابتكار وسائل عمل جديدة ، وإلا سنبقى كما نحن نؤبن شهدائنا ، ونندب حظنا ، عاما بعد عام.
وللجميع الشكر والتقدير