المعارضات الأرترية الدور والمكانة بعد المصالحة بين أسمرة واديس أبابا
بقلم: أسعد كنجو و علي الهندي المصدر: مركز التقدم العربي للسياسات - لندن
كان من نتائج الحرب العالمية الثانية في منطقة القرن الأفريقي، بسط السيطرة البريطانية على أرتريا
وطرد القوات الايطالية، شهدت معها تلك المرحلة انتعاشا سياسيا وثقافيا، وأثمرت قيام أحزاب سياسية وصحف خاصة وقطاع أعمال نشط، إلا أن تلك الفترة أفرزت اصطفاف المسيحيين خلف الحزب الوحدوي الذي كان يطالب بضم إرتريا إلى الامبراطورية الأثيوبية، بينما عارض المسلمون فكرة الوحدة وأسسوا الرابطة الإسلامية التي كان لها دور رئيس في عملية استقلال الإقليم لاحقا.
في تلك الحقبة عمل الامبراطور الأثيوبي على دعم الأصوات المطالبة بالانضمام لبلاده، وهو الأمر الذي فاقم حالة الانقسام داخل المجتمع الإرتيري، ما دفع بالأمم المتحدة للإعلان عام 1950 بأن إرتريا ستضم الى أثيوبيا في إطار اتحاد فيدرالي.
في غضون سنوات قليلة، قامت اديس ابابا بتفكيك قواعد الاتحاد الفيدرالي التي ضمنت الاستقلال الذاتي المحدود لإريتريا واحدا تلو الآخر، انتهت بإعلان الامبراطور ضم إرتريا إلى مملكته منقلبا على الفيدرالية والحكم الذاتي لأرتيريا.
وقام بحظر الأحزاب السياسية واستخدام اللغات المحلية (التيغرينية والعربية) وفرض اللغة الأمهرية كلغة رسمية، كما شن حملة قمع كبيرة في أريتريا كان السواد الأعظم لضحاياها من المسلمين الذين عارضوا الوحدة القسرية، وهو ما أجبر عدد كبير المثقفين والسياسيين والنشطاء المسلمين على الفرار الى اليمن والسودان ومصر، بينما رحبت الغالبية المسيحية بالوحدة التي نادوا بها سابقا.
حرب التحرير الأريتيرية:
عام 1958 أسس جيل جديد من القوميين الإرتريين حركة سرية لتحرير إرتريا في بورتسودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر. سعت الحركة لإنهاء الحكم الإثيوبي من خلال الانقلاب دون أن تنجح، وفي نهاية الخمسينات أسس المثقفون والسياسيون الإرتريون، مقيمون في القاهرة ما عرف باسم جبهة التحرير الإرترية، متأثرين بالثورة الجزائرية ومعظمهم من خلفيات إسلامية وعروبية.
أفرزت الحركة جناحا عسكريا وتبنت الكفاح المسلح عام 1961، وكانت تحت سيطرة المسلمين بشكل كامل في بداياتها، نظرا لأن غالبية المسيحين الإرتريين كانوا من دعاة الوحدة مع أثيوبيا ولا مطالب استقلالية لديهم. انقسمت البلاد على إثر ذلك إلى حالة من الصراع العنيف والفوضى السياسية والمعاناة الإنسانية.
على الرغم ان بدايات جبهة التحرير كانت عروبية وإسلامية الا ان السنوات اللاحقة للانطلاقة شهدت التحاق قطاعات متنوعة اثنيا وعرقيا ودينيا ومن بلدان الشتات في قواعد الجبهة. تلقى المقاتلون الأوائل تدريبا في سوريا والصين وكوبا والعراق. وفتحت مراكز تدريب في المناطق المحررة من البلاد. في غضون السنوات العشر التالية، أصبحت الحركة تشكل تهديدًا خطيرًا للحكم الإثيوبي في إرتريا.
صعود نجم أفورقي:
في عام 1970 تعرضت حركة التحرير الإريترية لأزمة شقت صفوفها. بعد مزاعم عن عمليات قتل وتصفية للقادة والمقاتلين المسيحيين، بالإضافة الى استياء شريحة واسعة من عناصرها من تقارب الجبهة مع العالمين العربي والإسلامي، فبرزت ثلاث مجموعات شكلت النواة الاولى للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بقيادة الرئيس الإرتري الحالي أسياس أفورقي، والذي حرص على اظهار الجبهة الوليدة بعيدة عن الشق الاسلامي والعروبي في جبهة التحرير. وقد تميزت الجبهة الشعبية منذ بدايتها بنظام مركزي قوي قائم على المبادئ الماركسية اللينينية في التنظيم.
وادعت احتضان وتمثيل جميع شرائح المجتمع الإرتري، وفي ذات العام وقعت سلسلة من الصدامات المسلحة بين الحركة الأم والجبهة الشعبية المنشقة عنها، صراع على الهيمنة والنفوذ.
وأخيرا في عام 1982 تمكنت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بعد تحالفها مع جبهة تحرير شعب تيغراي المسلحة الاثيوبية، من هزيمة جبهة التحرير وغيرها من الجماعات الصغيرة الأخرى. على أثرها فر غالبية قادة جبهة التحرير إلى السودان، وبعضهم اختار الهجرة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، في حين اختار بعض الأعضاء الانضمام إلى الجبهة الشعبية، وفي عام 1991 أطاحت القوات المشتركة للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا والجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بالنظام العسكري الأثيوبي، وأصبحت الأراضي الإرترية تحت السيطرة الكاملة للجبهة الشعبية، وحققت إرتريا حق تقرير المصير في عام 1993 بعد إجراء استفتاء برعاية الأمم المتحدة، صوت فيه 99.8 في المائة من الإرتريين لصالح الاستقلال. في عام 1994 تحولت جبهة التحرير الشعبية المنتصرة إلى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة PFDJ بقيادة أسياس أفورقي الذي تولى رئاسة البلاد منذ ذلك الوقت.
فلول جبهة التحرير:
بعد أن تمكن أفورقي من هزيمة جبهة التحرير عام 1982 انقسمت فلولها إلى فصائل مختلفة، وأبرزها:-
• جبهة التحرير الإرترية – تحت قيادة عبد الله إدريس، وهو عقيقي من بني عامر،
• جبهة التحرير الإرترية (المجلس الثوري) – بقيادة أحمد ناصر وهو من أصل اثنية الساهو (العساورتا)،
وكان هناك جبهة أخرى منشقة وهي
• جبهة التحرير الإرترية (اللجنة المركزية) أو المعروفة باسم (ساقم) وتضم أغلبية مسيحية والتي تركزت قواعدها في تيغراي.
فيما تبنت مجموعات أخرى من فلول جبهة التحرير خطابًا إسلاميًا، ونأت بنفسها عن التوجه الماركسي للجناح السياسي اليساري لجبهة التحرير الإرترية، وقاموا بتشكيل حركة الجهاد الإسلامي الإريترية عام 1988 والتي شاركت في تمرد ضد قوات الدفاع الإرترية بين عامي 1994 و1997، أي خلال السنوات الأولى من الاستقلال، قبل بدء ”الحرب الحدودية“ مع إثيوبيا (1998-2000).
تمكن أفورقي من هزيمة التمرد المسلح ونفى الجماعات الخاسرة خارج البلاد، وتوجه معظمهم إلى السودان حيث احتفظوا بمكاتب لهم، لكن في المقابل تمتعت جبهة تحرير أرتريا وجبهة تحرير أرتريا ـ المجلس الثوري بقاعدة سياسية قوية نسبياً في الشتات حتى بعد هزيمتهم ونفيهم، بما في ذلك في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا. في البداية حاولوا فتح حوار سياسي مع الجبهة الشعبية، ولكن الأخير رفض قبولهم كمنظمات سياسية في إريتريا وحظر أي أنشطة معارضة داخل البلاد. حتى أن بعض أعضاء جبهة تحرير أرتيريا الذين عادوا كأفراد في أوائل التسعينات تم سجنهم أو قتلهم.
التأسيس للديكتاتورية:
مع وصول أسياس أفورقي للسلطة حرص على اقصاء كافة المكونات السياسة والعسكرية ومنع قيام أية أحزاب سياسة، ونصب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة كحزب سياسي وحيد في البلاد، كما نفذ عمليات ”التطهير“ داخل جبهته، حيث قام بتصفية أي تهديد محتمل ونفذ عمليات اعدام وسجن بحق رفاقه القدامى وكل المعارضين او المنتقدين لنظامه الدكتاتوري.
وفي أعقاب الحرب الإرترية الإثيوبية ظهرت أزمة سياسية خطرة داخل القيادة الاولى للحزب والدولة. حين طالبت مجموعة من الكوادر القيادية عرفوا بمجموعة الخمسة عشر بإجراء مراجعات داخل الجبهة والقيام بإصلاحات سياسية وانتخابات وطنية. وفي سبتمبر / أيلول 2001 جاء رد الرئيس أسياس أفورقي من خلال اعتقال 13 منهم بالإضافة لمئات الطلبة والصحفيين وغيرهم من النشطاء، أدت هذه الأحداث إلى ظهور الحزب الديمقراطي الإريتري EDP، أسسه منشقون من الحزب الحاكم في المنفى. لعب مسفين هاقوص، وهو قيادي سابق في جبهة أفورقي ووزير دفاعه، كان في الخارج عندما وقعت الاعتقالات، لعب دوراً بارزاً في تأسيس الحزب. هدف الحزب بحسب ما أعلن هو ”الابتعاد عن ديكتاتورية الحزب الواحد والانتقال لنظام سياسي ديمقراطي متعدد الأحزاب“.
محاولات توحيد المعارضة:
في العقدين الأخيرين ومع اشتداد القمع والإرهاب والتضييق على الحريات، بدأت تظهر ملامح لمعارضات متنوعة في البلاد.
في عام 1997 تدهورت العلاقات بين الجبهة الشعبية ورفاقها السابقين في السلاح أي جبهة تحرير شعب تيغري، التي كانت تشكل مركز حزب الحكومة الإثيوبية (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي). وفي عام 1998 دخلت القوات الإريترية الأراضي الإثيوبية ونشبت حرب دموية خلفت نحو سبعين ألف قتيل، في تلك الفترة ساعدت الحكومة الإثيوبية في إنشاء حركات معارضة إريترية قائمة على أساس عرقي.
في عام 2003 تم إنشاء ما عرف بالتحالف الديمقراطي الإرتيري، كمحاولة لتوحيد المجموعات المنشقة عن جبهة التحرير، بالإضافة للحركات الإسلامية المعارضة، وتشير المصادر أن التحالف تكون من 13 جماعة، تمكنت من عقد مؤتمر لها في عام 2008.
منظمة عفر البحر الأحمر الديمقراطية (RSADO) والحركة الديموقراطية لتحرير كوناما الإرترية، وتعد هاتان الاثنيتان من الأقليات المهمشة في ارتريا، لا تزال المجموعتان تعملان ضد نظام افورقي وتدعيان ان لديهما قوات تصل إلى 20 ألف مقاتل، ومع ذلك لم يتمكنوا من تحدي النظام الإرتري عسكريا، وتهدف الحركتان لحماية حقوق الأقليات العرقية في إريتريا وحماية ثقافاتهم الأصلية.
الجبهة الديمقراطية الوطنية لتحرير ساهو التي تأسست عام 2009.
المنظمات الإسلامية: كحركة الإصلاح، والحزب الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية، والمؤتمر الإسلامي الإريتري.
جبهة التحرير الأرترية (تزعم وجود جناح مسلح لها).
منشقون عن الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا وبقايا قوات المجلس الثوري في جبهة التحرير، منهم الحزب الديمقراطي الإريتري والحزب الديمقراطي الشعبي الإريتري (حزب الشعب الإريتري سابقاً).
آخرون: حركة الشعب الإرترية (EPM) وحزب النهضة الإرتري والحركة الديمقراطية الفيدرالية الإرترية.
وقد شهدت هذا الجماعات عددا من عمليات الاندماج بين بعض مكوناتها لكن في ذات الوقت فشلت بضم حزب الشعب بقيادة ولد يسوس عمار هو من قيادي جبهة التحرير الأرترية الأوائل، لاعتراض الحزب على النهج الذي سلكته احزاب التحالف في التعاطي مع البلد المضيف اثيوبيا وكذلك اسلوب الاعداد لمؤتمر اواسا، لكن بالرغم من ذلك حقق التحالف نقلة جيدة في رأب الصدع بين المكونات المعارضة وقلص الخلافات بين المعارضة المسيحية والمسلمة، كما أنه كان محاولة جيدة للتغلب على الخلافات القديمة بين سكان المرتفعات والمنخفضات في أريتريا.
مؤتمر أواسا:
ظل أحد أبرز نقاط الضعف الرئيسية للمعارضة الإريترية في المنفى هو تشتتها، وعدم وجود أجندة سياسية ثابتة، بالإضافة للانقسامات والانشقاقات المتكررة. في عام 2011 جرت محاولة جديدة لتوحيد المعارضة السياسية ودفعها للتنسيق مع حركات المجتمع المدني الناشئة. عقد المؤتمر الوطني الإرتري من أجل التغيير الديمقراطي في مدينة أواسا، الإثيوبية، ونتج عنه انتخاب 127 ممثلا من الشتات، لكن لاحقا تبين أن قيادة المؤتمر واللجان التي انبثقت عنه غير فعالة إلى حد كبير ولم تتمكن من تحقيق أي إنجازات هامة في السعي إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، والمتمثلة في إنشاء مظلة قوية للمعارضة ضد النظام الارتري.
في فبراير / شباط 2014، عقدت مجموعات من المعارضة الأريترية المقيمة في إثيوبيا والمهاجرة مؤتمرا جديدا، سعت فيه الى تشكيل ”مجموعة استشارية“ جديدة بهدف إعادة احياء التحالف الديمقراطي الأريتيري، لكن هذه المبادرة لم تحقق أيا من أهدافها التي تركزت على تحويل وتوحيد المشهد السياسي الإريتري المعارض في كتلة متماسكة يمكن أن تشكل بديلاً أو تحديا يذكر للنظام في أسمرة.
الخلاصة:
خلفت الحقبة الديكتاتورية المستمرة في ارتريا كوارث اجتماعية واقتصاديا وتصحرا كاملا للحياة السياسية، وكذا مصادرة السياسة لصالح نظام أمني قمعي رهيب. أدت الى تهجير الكفاءات المتعلمة وكوادر الأحزاب السياسية الى خارج البلاد، ولعل سمة المنفى هي الأبرز لوصف غالبية قوى المعارضة السياسية والاجتماعية والحقوقية، والتي غلب عليها الصراعات والانشقاقات الدائمة وارتهانها لسياسات ومصالح البلد المضيف، كما انتهاء الأطر الوطنية والايديولوجية الجامعة والموحدة التي ميزت الحركات الارترية التي تشكلت اثناء حرب التحرير وبعده، أدت الى عودة المعارضين الى اصولهم القبلية والاثنية والعرقية.
الامر الذي ساهم في إفشال كل محاولات التوحيد او بناء تحالفات مؤثرة للمعارضة تمكنها من تقديم بديل جديد للتغيير في البلاد. لكن المصالحة التي جرت بين النظامين الارتري والاثيوبي واسفرت عن تبادل السفراء والتوقيع على اتفاقيات تجارية، يمكن ان تفتح الطريق لتطبيع الحياة الداخلية، بعد زوال الخطر الخارجي الذي تذرع به أسياس أفورقي لاستمرار نظامه الأمني. ما قد يسمح بعودة المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين واجراء انتخابات حرة ونزيهة وقيام نظام ديمقراطي، وهو ما يضع على المعارضة الخارجية مهمة إعادة مراجعة برامجها وخطابها السابق لصالح المساهمة في دعم عملية السلام في البلاد ومع الجوار.
التعليقات
للاسف ورقة سطحية فقيرة الإعداد والإخراج.
القرض منها ليس سرد وقائع وتاريخ. لكن تمرير إساءات لرموز وتاريخ وحقوق مغتصبة. ونشر نفاق فكرى وثقافى بان أمل العودة على الأبواب وما على المعارضة سوى غربلة مواقعها وتغير بوصلتها لدعم الهرولة والاستسلام.
نرى تناقض واضح وصريح بين الأمل والذاكرة.
الأمل الهلامى الضبابى الهالك والذاكرة الحيه التى تنبض مع دقات القلب لأجيال واجيال.
رفع رايات الاستسلام حق مكفول لكل من اقتنع واستسلم لسياسة الامر الواقع وعرف مقدار وامكانيات نفسه.
لكن السمسرة عبر ورقة بحثية من اجل الأثباط وتبرير لإحداث ومواقف قادمة من سياسة الامر الواقع! فانها ليست فقط مرفوضة ولكن سوف تتم مواجهتها بنفس قوة مواجهة النظام العنصرى الطائفى.
الورقة تقول كان هناك انتعاش سياسى وثقافى اثناء الإيطاليين. فما هو الوضع الان؟ التاريخ الحاضر يوضح بان هناك البعض من يمارس الانتعاش السياسى والثقافى الذى يعتمد على الانتقائية والمزاجية التى تعتمد على التلفيق والترقيع من اجل التمهيد لإحداث قادمة والترويج والتمهيد لها.
نصيحة للاخوه اصحاب الورقة. عليكم الاستعانة بالجمهور او الاتصال بأصدقاء حتى يتم تصويب بوصلتكم للتاريخ الصحيح وتضحيات الرعيل ومنها تكسبو الملايين من قلوب اصحاب التاريخ والقضية.