المراجعات الفكریة للحركة الاسلامیة الارتریة
بقلم الأستاذة: سلوى یعقوب دنكلاي - استوكهولم، السوید المصدر: حوار لوعي مشترك - واتس آب
المقدمة: الحمدالله والصلاة والسلام على قدوة الأمم، وقمة الهمم ودرة المقربین والأحباب.. خلقه الكتاب و رأیه الصواب
وقوله فصل الخطاب.
وبعد فإن من دواعي سروري أن أكون ضمن هذا العقد المتین الملیئ بالعقول النیرة من أبناء وبنات بلادي.. فلله الحمد والمنة ولأخي صلاح أبو ناصر الشكر والعرفان على أن أتاح لي هذه الفرصة لأشارك على استحیاء بهذه الورقة، لا
لأضیف من علمكم شیئا.. ولكن لتكون الباب الذي یوصلني الیكم.
وسأتناول بإذن االله الحدیث عن الحركة الإسلامیة باتجاهها السلفي والاخواني وهذه دعوة لنقد الذات ارجو أن تتسع لها الصدور.
ان المراجعات النقدیة التي یقوم بها المفكرون والمثقفون في العالم؛ دلیل على صحة فكرهم وبیئتهم الثقافیة وقدرتهما على العطاء المتجدد، وعندما یحدث أن تتوقف تلك العملیات التصحیحیة فهو مؤشر لتكلس الفكر والثقافة وجمودهما المنعكس سلباً على المجال الاجتماعي العام. والمتأمل في أعظم المشاریع الفكریة المؤثرة في الفرد والمجتمع عبر التاریخ، یجد أن أكثرها تم إنجازه بدوافع المراجعة والنقد التي یحملها العالم أو الفقیه أو الفیلسوف نحو تصحیح فكرة أو مناقشة قضیة علمیة أو نقد ممارسة واقعیة، فـ (رسالة) الإمام الشافعي في أصول الفقه كانت نقدا ومراجعة لأصول الاستدلال والإفتاء التي أثمرت خلافا وقطیعة بین مدرستي أهل الرأي وأهل الحدیث في القرن الثاني الهجري، وكذا فعل ابن تیمیة في (درء تعارض العقل والنقل) كمراجعة شاملة لقوانین الاستدلال العقلي الذي أخذ بها الفلاسفة وبعض المتكلمین لتأویل معاني القرآن والسنة خلاف منهج السلف في النظر، ولا أظن أن الأعمال الفكریة العظیمة لدیكارت وجون لوك وغیرهم إلا محاولات للنقد والمراجعة وإعادة النظر في القضایا الشائكة لعقود أو قرون من الزمن حول دور العقل ومركزیة الإنسان والدین وفلسفة العلم والتاریخ والسلطة، هذا السباق الفكري هو من نوع سباق التتابع في الجري نحو الحقیقة وتنزیلاتها في الواقع، وكل عالم یحمل عصا المسابقة لیكمل اللاحق ما بدأه السابق في مشوارهم نحو خط النهایة، وعند توقف الاعبین أو عدم وجود من یكمل السباق تقف عجلة العلم عن المواصلة وترتد نحو التراجع، وربما التخلف نتیجة هذا الانقطاع.
أهمیة المراجعات الفكریة:
أمام هذا الموضوع الهام أقدم بعض الرؤى حول تطویر فكرة المراجعة والنقد ُكلها المنتظر، من خلال المسائل الآتیة:-
أولا: إن المراجعة الفكریة التي یقوم بها المفكرون حیال الأفكار السابقة أو القضایا المتعلقة بظروف زمن أو حال أو مكان، ثم زالت تلك الظروف أو تغیرت، هو شأن المبدعین أهل الإصلاح والتجدید، وحتى ما یقوم به العالم من مراجعة أفكاره و فتاواه وآرائه تعتبر من الفعل العلمي الطبیعي، وهي أیضاً من الشجاعة الفكریة لهذا المثقف أو العالم أو الفقیه، ویمكن اعتبارها أیضاً من دلائل الإخلاص للحقیقة والمعرفة، وهو ما ینبغي الاحتفاء به، دون الاكتراث لغوغائیة الشارع والجمهور الذین یعتبرون تغییر المواقف دائماً یكون انتكاساً عن الحق وخضوعاً للباطل، وهذا الاحتمال قد یرد عندما یكون التغیر أو التحول عن الرأي والموقف مفاجئاً؛ أو لغرض دنیوي أو سقوطاً في وحل الإغراء ُ والترهیب، وقد یعذر صاحبه أو لا یعذر حسب حالته والضرورة التي وقع فیها، ولكن المهم في هذا السیاق أن التحول الفكري لا ینبغي أن یكون صامتاً دون توضیح وتعریف؛ خصوصاً ممن یشار لهم ببنان العلم والاقتداء، وأیاً كان الموقف الذي تم التراجع عنه؛ فإن كشف الحساب والمراجعة مع الأفكار الماضیة وتقدیم الآراء النقدیة والمخارج الصحیحة للأزمات؛ هو المغنم الحقیقي لدوران عجلة التطور والنمو المعرفي في المجتمع.
ثانیاً: المراجعة المنشودة هي التي تثمر حراكاً فكریاً ابداعیاً، وتغوص في عمق الأفكار وتفكك الالتباس عن الحقیقة، وتظهر الفوارق بین الحال قبل المراجعة وبعدها، أما لو كانت المراجعة في دوائر مغلقة، أو قاصرة على ممارسات ثم یتحول للإباحة المطلقة، ظاهریة معینة، كأن یكون الموقف السابق متشدداً أو كان غارقاً في كراهیة الآخر ثم أصبح في یوم ولیلة متسامحاً بلطف شدید، فهذا الحال لا یدخل في المراجعة المنشودة التي تثمر رؤیة معرفیة وتصحیحیة لأخطاء سابقة یتعلم منها المجتمع طرق الوصول للصواب؛ بل هي مواقف شخصیة مرجعها قد یكون مصلحیاً أو في سیاق الموقف الأخلاقي للمتراجع.
ثالثاً: المراجعة الفكریة الشاملة أنجع أثراً وتأثیراً من المراجعة الجزئیة، وهذا لا یخص المجال الفكري فحسب؛ بل حتى السیاسي والاقتصادي.. أحوج لهذه الرؤیة الشمولیة للمراجعة والنقد، فالتداخل المعرفي والاجتماعي بات شأناً مشتركاً في كافة المجالات.
رابعاً: أتساءل عن دور النخب الارتریة السیاسیة والأكادیمیة سواء في الأطر التنظیمیة أو خارجه، لماذا غابت مساهماتها في هذه المراجعات الفكریة وتجدید الفكر عبر أبحاث ودراسات ونقد موضوعي بناء، لماذا لم تنشر الحركات الاسلامیة رحلة تطورها الفكري والتنظیمي حتى تستفید منه الأجیال القادمة، ولماذا غابت مشاریع النقد الفكري عن عصرنا الحاضر أو ماتت مع رموزها ّ دون انبعاث أو استمرار ؟!، مثل ما قدمه محمد عبده والترابي وغیرهم، في المراجعات التي قدموها للفكر العربي والإسلامي أدت الى حراك إیجابي في وقتهم؛ وطرحوا خلالها أسئلتهم عن التراث والحداثة أو الاحتكام للعقل أو الدین، بینما نجد في عصرنا الحاضر محاولات محدودة. أملنا أن تقوم هذه المجموعة المتمیزة والنخبة الواعیة من أبناء وطننا الغالي في (منبر حوار لوعي مشترك) بهذا الدور.. وهذه دعوة للعمل دون الاكتفاء باعتلاء المنابر.
خامساً: ظهرت في أواخر الثمانینات مراجعات عمیقة وجذریة لدى الیسار العربي، فردیة أو مؤسساتیة لنقد التجربة الاشتراكیة، ساهمت في تخفیف الكثیر من البواعث الثوریة و الإلحادیة في الوطن العربي، ثم جاءت موجة المراجعات الفكریة التي قامت بها عدد من الجماعات الاسلامیة خلال التسعینیات، أبرزها الجماعة الإسلامیة المصریة 1997م، ثم الجماعة الإسلامیة اللیبیة المقاتلة 2007م، وتم نشرها وتداولها للتعریف بهذه الخطوة الهامة نحو الرشد والاعتدال، وقد ساهمت تلك المراجعات في تخفیف العنف والتكفیر وعودة السلم الأهلي نسبیاً لهذه المجتمعات في تلك الفترة، ولا تزال
ّ ظرة ومترددة للقیام بمراجعة شاملة؛ وأقصد بها مراجعات ما هناك موجة منتَ یعرف الیوم بجماعات الإسلام السیاسي، فمنذ ثورات الربیع العربي 2011م، والمشهد الإسلامي تعتریه الكثیر من المتغیرات الكبرى ولم نسمع عن وجود مراجعات فكریة شاملة، ولا یزال النقد الفكري للحالة الإسلامیة یمارس من قبل ً الأفراد وعلى استحیاء، دون أن تشارك تلك المؤسسات في هذا العمل تأصیلا ونقدا.
متى تأسست الحركة الاسلامیة الارتریة:
في وقت كانت تدیر عناصر الجماعة الاسلامیة صراعا فكریا داخل جبهة التحریر الارتریة في الساحة الارتریة، كان قد تأسس تیار إسلامي آخر منذ السبعینات تحت مسمى الحركة الاسلامیة الارتریة نتیجة جهود عدد من الطلاب الارتریین الدارسین في مصر والسودان والكویت، وقد كان من أبرزهم محمد علي محمود، عثمان عنجوت، صالح علي صالح، وعلي محمد محمود. وقد نشأت الحركة الاسلامیة الارتریة في تلك البلدان دون أن یكون بینها رابط تنظیمي موحد وان كان التواصل بین أطرافها قائما نتیجة وحدة المدرسة الى أن جاء عام 1979 حیث تنادى الجمیع لعقد المؤتمر التمهیدي الأول لتأخذ من هذا المؤتمر شكلها التنظیمي من حیث وحدة البرامج والقیادة، ومع هذا استمرت في نفس سریتها. ونسبة لهذه السریة فلم تكن هناك أي صلات تنظیمیة بین الجماعة الاسلامیة والحركة الاسلامیة الارتریة سوى التواصل العام مثل
زیارات بعض قیادات الجماعة الاسلامیة للطلاب الارتریین في الجامعات السودانیة دون أن یعلموا أن هناك عملا طلابیا منظما. وقد ظل الحال هكذا الى حین اطلاق سراح قیادات الجماعة الاسلامیة من معتقلات جبهة التحریر الارتریة عقب دخول جبهة التحریر الى السودان عام 1981م، وحینها قررت الجماعة الاسلامیة مزاولة نشاطها استعدادا لإعلان تنظیم اسلامي مستقل عن كیان جبهة التحریر الإرتریة، ولكن علمت هذه الجماعة الاسلامیة بوجود نشاط ارتري إسلامي آخر یتمثل في الحركة الاسلامیة الارتریة وذلك بعد مسارعة الحركة الاسلامیة في الاتصال بقیادات هذه الجماعة الاسلامیة، وفي البدایة كانت بعض القیادات التي خرجت من السجن تنظر الى قیادات وقواعد الحركة الاسلامیة باعتبارها مجرد مجموعة من الطلاب الارتریین المتحمسین الذین لا خبرة لهم في العمل الإسلامي السیاسي، كما كانت بعض عناصر الحركة الاسلامیة الارتریة تتوجس من عناصر الجماعة الإسلامیة لارتباط نشاطهم بالقومیین والبعثیین وانحصارهم داخل داخل جبهة التحریر الارتریة فقط، بید أن كل تلك التوجسات تم تجاوزها في أكتوبر 1981م بعد حوارات متواصلة وصریحة. حیث تم التوصل الى التحاق قیادات الجماعة الاسلامیة بالحركة الاسلامیة الارتریة كأفراد على أن یتم إعلان رؤیة العمل الاسلامي السیاسیة عبر بیان منظمة الرواد المسلمین الارتریة التي أصبحت واجهة الحركة الاسلامیة وتعمل تحت المكتب السیاسي وكونت لها قیادة باسم الهیئة المركزیة وكان یرأسها الشیخ محمد اسماعیل عبده على أن تظل الحركة الاسلامیة كجهاز سري، لینسى بمرور الوقت اسم الحركة الاسلامیة ویبرز اسم منظمة الرواد باعتباره الاسم المعلن والمتداول.
وتعتبر هذه المنظمة أول كیان إسلامي سیاسي معلن في الساحة اﻻرﺗرﯾﺔ، وتطورا في الأداء التنظیمي وحققت الرواد فقهاً سیاسیاً، وكسباً جماهیریاً وذلك لوجود صنفین من القیادات، أحدها القیادات القادمة من المیدان والمصقولة بخبرات عملیة وبمعرفة تعقیدات الواقع الإرتري بحكم عملهم في أجهزة الجبهة العلیا المختلفة. وثانیها وجود قیادة شابة فعالة حیث اكتسبت شرعیتها من المؤتمرات.
مقارنات:
البیان السیاسي الأول لمنظمة الرواد المسلمین الارتریة (بیان الخبز والسلام):
صرح قادة هذا الفصیل الإسلامي عبر بیانهم السیاسي الأول الصادر في 1981/11/7 بأن منظمة الرواد المسلمین إنما هي منظمة جماهیریة مستقلة تعنى بالاسهام في التوعیة الاسلامیة، وتعبر عن الثقافة في ارتریا.
وقد حددوا أهم منطلقاتهم فیما یلي:-
1. الانطلاق من مبدأ الفهم الصحیح للعقیدة الاسلامیة.
2. العمل على ترسیخ الوحدة الوطنیة للشعب الارتري باعتبارها وسیلة ضروریة لتحقیق النصر والتحریر وغایة التعایش السلمي بین مختلف عناصر المجتمع الارتري وذلك انطلاقا من:-
ا) تمتین التآخي الدیني بین المسلمین والمسیحیین على أساس وحدة وسماحة الأدیان السماویة.
ب) تلاحم القومیات الارتریة المتعددة على أساس المصالح الوطنیة العلیا والمساواة في الحقوق والواجبات.
ج) اعتبار اللغة العربیة والتجرینیة لغتین رسمیتین في ارتریا.
د) وجوب تعایش التیارات الفكریة في ارتریا وتجنب التشویه والتجني على معتقدات وأعراف المجتمع الارتري، وعدم استغلال الطائفیة والعشائریة في العمل السیاسي، وتجنب اشعال الحروب الاهلیة، وعدم اللجوء الى اغتیال المناضلین من الخصوم السیاسیین.
3. الانطلاق من مبدأ استمراریة الكفاح المسلح من أجل تحریر كامل التراب الإرتري.
4. الالتزام بمبدأ الممارسة الدیمقراطیة وبلورة الوعي السیاسي الإسلامي والدعوة إلى االله بالحكمة والموعظة الحسنة.
كما طالبت المنظمة الجبهة الشعبیة لتحریر ارتریا بالتراجع عن تلك العلاقات المشبوهة التي لربما تهدف إلى ربط مصیر الكیان الارتري بالمصالح التجراویة وإقامة دولة تجراي الكبرى، والعودة الى الصف الوطني الارتري والعمل على
التنسیق بین جمیع فصائل الثورة الارتریة.
كان وعي المسلمین بما یحاك لأمتهم الاسلامیة مبكرا جدا، فبالنظر الى هذا البیان یتضح لنا مدى احاطة قادة منظمة الرواد المسلمین بالمشاكل التي كانت تعاني منها الساحة الارتریة وقتها.
وفي الوقت ذاته قد أظهر هذا الطرح المتقدم المنظمة في موقف یجنح للسلم مع كافة القوى الارتریة، مع إعطاء صراعها الفكري بعدا سیاسیا یدور في فلك الحوارات الدیمقراطیة.
وهكذا ظلت الحركة الاسلامیة الارتریة تعمل عبر واجهتها السیاسیة المتمثلة في منظمة الرواد المسلمین الارتریة بقیادة محمد اسماعیل عبده وحامد صالح تركي رحمهما االله في تطور مطرد الى حین قیام البدیل الإسلامي والوحدة الوطنیة الاندماجیة بینها وبین الجبهة الاسلامیة لتحریر ارتریا عام 1988 حیث تأسست (حركة الجهاد الإسلامي الإرتري) بقیادة عرفة أحمد محمد وصدر البیان الختامي للمؤتمر الأول للحركة الذي جاء فیه ما یلي:-
1. قد تقرر في هذا المؤتمر تسمیة التنظیم الجدید (حركة الجهاد الإسلامي الإرتري).
2. رؤیة الحركة تقوم على عقیدة أهل السنة والجماعة وعلى فهم السلف الصالح.
3. اعتبر البیان أن حركة الجهاد الإسلامي الإرتري هي امتداد لمجاهدات المسلمین من لدن مرحلة تقریر المصیر مرورا بمرحلة الكفاح المسلح حتى امتدت إلیها الأیادي الخفیة والأفكار الهدامة .
4. انتخب المؤتمرون مجلس الشورى و أوكلوا إلیه أمانة الدعوة الاسلامیة ورفع رایة الجهاد في ارتریا.
5. اعتبر البیان أن المواطنین الذین رفضوا تجنید الفتیات في دنكالیا وبركة وشعب وقتلوا في سبیل ذلك بأنهم شهداء.
6. وصف البیان الجبهة الشعبیة بالجبهة الصلیبیة.
وبالنظر الى البیانین السابقین نلاحظ الاتي:
قراءة متقدمة لمنظمة الرواد في فهمها لتشخیص الواقع الارتري المعقد دینیا وثقافیا وسیاسیا، بحكم أن عناصرها الاساسیة كانت لها مكتسبات سیاسیة وخبرة تعامل مع جمیع الأطیاف السیاسیة والاجتماعیة في الساحة. ونرى تراجعا كبیرا في قراءة الواقع الارتري في خطاب حركة الجهاد، حیث تم فیه تغییب الطرف المسیحي الشریك في الوطن، وتجاهل المعركة الأساسیة مع إثیوبیا والتركیز على المعركة مع الجبهة الشعبیة ووصفها بالجبهة الصلیبیة.
كما أن إعلان العمل العسكري في تلك الفترة لم یكن مستندا على قراءات صحیحة للواقع المحلي المتمثل في الضعف الذاتي للحركة مع تفوق الطرف المناوئ لها.
الاخفاقات الفكریة والمنهجیة للحركة الإسلامیة الارتریة:
ا) غیاب التفكیر المنهجي ذي المدى البعید حجم الحركة الإسلامیة وانتشارها ومصداقیتها لدى الجمهور والإمكانات البشریة المتاحة لها یسهل مهمات الانطلاق والبناء العلمي للحركة غیر أن التعقیدات التي تنجم عن أسالیب وآلیات المعالجة للمشاكل التي تعترض الحركة تحول دون ذلك؛ یبدو أن القیادة السیاسیة للحركة ركزت جهودها في محاولة التصدي للأحوال الطارئة أكثر من التخطیط للمستقبل.
وهذا أدى الى النتائج التالیة:-
1. طغیان المجال الدعوي والعسكري ورفع رایة الجهاد على عمل الحركة وهجرانها لقضایا مهمة مثل: التنظیر السیاسي والفكري والإداري، بناء مؤسسات منضبطة بالشرعیة التنظیمیة، التوافق على رؤیة مستقبلیة واقعیة لمكونات المجتمع الإرتري.
2. ضبابیة في الفكر والممارسة في قضایا تعتبر جوهریة تهم الواقع الارتري، مثل مفهوم الأمة والوطن والمواطنة، الدیمقراطیة والتعددیة الحزبیة، الحوار مع الآخر المخالف في الدین والفكر.
3. غیاب الفكر التوافقي الواضح وطغیان الجانب السلفي بفرض القناعات الفقهیة مثل: تحریم الصور في الإعلام وقصر المنهج في مدرسة واحدة.
4. تبني استراتیجیة مواجهة عسكریة شاملة مع الجبهة الشعبیة، حیث كانت المواجهات تشبه مواجهة جیوش نظامیة بدلا من تبني خطة حرب عصابات طویلة الأمد لعدم المكافئة في العدة والعتاد والتدریب مما یبین انعدام القراءة الواقعیة للذات وللبیئة المحیطة.
5. المواقف والقناعات الغیر واقعیة فیما یتعلق بالعلاقات مع بعض التنظیمات الارتریة (العلمانیة) وطریقة التعامل معها.
6 .تضارب مواقف القیادة في موضوع المشاركة في الاستفتاء بعد الاستقلال (بطاقة الشعبیة) حیث لم یتم الفصل بین العداء مع الجبهة الشعبیة و قضایا الوطن المصیریة، فالحركة لم توجه الجماهیر للتصویت ولم تمنع وفق رؤیة واضحة.
7. تغییب دور المرأة ومساهمتها في القرار والأفكار على المستوى القیادي والكادر الأساسي مقارنة بالتنظیمات الأخرى، بالرغم من وجود عضویة نسویة نشیطة وذلك بسبب القناعات الفكریة والعقبات الاجتماعیة.
8. النظرة للغة التجرینیة كلغة خاصة بالنصارى عند بعض الدعاة البارزین.
وقد كان الخلاف على أغلب تلك المسائل التي كان یتبناها التیار السلفي بشدة ویتجاوز فیها الطرف الآخر لتكون من القضایا التي سببت الانشقاق في حركة الجهاد.
ب) بلورة نظریة علمیة للاتصال بالجمهور وتفید الدراسات المتخصصة في علم الاجتماع السیاسي أن الجمهور لا یتحمس
لمساندة أى تیار إلا إذا تحقق فیه شرطان:-
الأول: أن یفهم الجمهور مقاصد التیار وأهدافه.
والثاني: أن یجد الجمهور لدى التیار حلا لمشاكله الحقیقة التي یعاني منها.
وقد كان من المآخذ التي تؤخذ على الحركة الاسلامیة الارتریة تركیزها على فئة محدودة من الصفوة المتعلمة من أساتذة وطلاب ومثقفین في الداخل والخارج ولم تكن حركة جماهیریة تضم في عضویتها جمیع الفئات الارتریة من رعویة وفلاحیة وقیادات تقلیدیة اجتماعیة ...الخ.
أسباب تراجع الحركة الإسلامیة:
قد تكون هناك أسباب كثیرة لهذا التراجع ولكن من أهمها وأبرزها هو تباین واختلاف في المنطلقات والمرجعیات الفكریة وذلك لأن العناصر المكونة لحركة الجهاد الاسلامي الارتري ترجع الى الاتجاهین الإخواني والسلفي فكان یمثل الاتجاه الإخواني منظمة الرواد ویمثل الاتجاه السلفي الجبهة الإسلامیة لتحریر ارتریا والاتحاد الاسلامي لطلبة ارتریا.
فكان لابد من المراجعات الفكریة لبناء الوسطیة والحد من التطرف والعمل بما یتلائم مع تغیر الزمان ومستجدات الواقع.
أهم المراجعات:
بعد هذه المسیرة الطویلة للحركة الاسلامیة الارتریة والتغیرات الداخلیة والخارجیة حولها نراها قد تراجعت عن بعض الأفكار التي كانت متمسكة بها.
وكلما تقدم الجانب الوسطي بخطوة تبعه الجانب السلفي بحیث كانت المبادرة والبدایة غالبا من الجانب الوسطي.
1. تسعى الحركة الاسلامیة جاهدة لمواكبة العصر في تطویر الخطاب وتغییر بعض المفردات والمفاهیم السیاسیة والإیمان بالتعددیة السیاسیة والحزبیة لأن ذلك سیسهم في الاستقرار والتنمیة وسیجعل من ارتریا دولة متحضرة باذن االله.
2. في الجانب السیاسي أصبحت الحركة جزءا من التحالف والمجلس الوطني الارتري ولم یعد لدیها أي حرج أن یرأسها علماني أو مسیحي ناهیك عن الحوار معهم.
3. أصبحت تقدم المبادرات في إطار المعارضة الارتریة.
4. خطاب الحركة الذي بني على دغدغة المشاعر باقامة الدولة الاسلامیة أصبح خطابا فكریا وسیاسیا وأكثر واقعیة بالمطالبة باقامة الدولة المدنیة.
5. المراجعات الفقهیة في تحریم الصور الفوتوغرافیة في الجانب الإعلامي،نجد الان صور الدعاة في كل مكان.
6. لم تعد القناعة بأن كل من كان في الجبهة الشعبیة یجب قتله وأنه خائن كما كانت في السابق بما فیهم الجیش الارتري.
7. أصبح للمرأة حضورا فعالا ومشاركة في القیادة واتخاذ القرار.
أعتقد أن الحركة الاسلامیة سوف تقوم بمراجعات شاملة في التنظیر والفكر والبنیة التنظیمیة والممارسات السیاسیة التي تفاجئ الشارع الارتري.
فإن مثل هذه المراجعات سوف تكون لصالح الوطن، لأن الحركة الاسلامیة تعتبر أحد المكونات الحیة بما تملك من إرث نضالي وكادر شبابي مؤهل وتجربة ثریة وعلاقات محلیة واقلیمیة.
وأخیرا... فإن العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم یؤمن بها.
أتمنى أن أكون قد وفقت في ایصال الفكرة ومنكم أستمیح العذر في الاطالة.
المراجع:
1. محمود عثمان ایلوس، (ارتریا ومشكلة الوحدة الوطنیة في حقبة الكفاح المسلح) 1961
2. د/ ادریس أبوبكر ابراهیم، (الحركة الاسلامیة الارتریة).
3. عبداالله النفیسي، (رؤیة مستقبلیة أوراق في النقد الذاتي).
4. مسفر القحطاني، (المراجعات الفكریة).
التعليقات
في هذه المداخلة سأتجاوز الملاحظات التفصيلية على الورقة مثار النقاش حتى لا أقع في التكرار لما ذكره الأساتذة الأفاضل إلى محاولة قراءة ومراجعة لإشكالية الرؤية السياسية من إبداء ملاحظاتي عليها فأقول إن الحركة الإسلامية الإرترية - أقصد بها هنا تحديدا المصطلح بغض النظر عن التسميات واللافتات التي رفعتها = كل التنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية الإسلامية تبنت رؤية سياسية وخطا سياسيا والتي تمكنت من العقلية الجمعية ويمكن النفوذ إليها من خلال سؤالين مركزين هما:
ماهي طبيعة الدولة الإرترية ؟ وهو سؤال يشير إلى جدلية العلاقة بين الدين والدولة وتحديد هوية الدولة.
ماهو برنامج الحركة الإسلامية السياسي ؟
والملاحظ أن محصلة السؤالين تؤول إلى نتيجة أولية مفادها أن المشكلة في الأساس = مشكلة تصور ورؤية وبيان هذا الإفتراض أن الحركة الإسلامية منذ بدايتها في شكلها السياسي المنظم الموحد بميلاد حركة الجهاد الإسلامي عام 1988م كمحصلة للحراك الإسلامي داخل تجربة جبهة التحرير ومحاولات لملمة الإسلاميين في تنظيم سياسي عقب النهاية الكارثية للجبهة، قد واجهت مشكلة كبيرة وواضحة في الرؤية حيث إنها تبنت لنفسها خطا سياسيا يقوم على فلسفة تحررية، ولكنها تبدأ بالعدو القريب = الصائل على العرض بشعارات اسلامية من أجل محاربة (الجبهة الشعبية) = الشيو - صليبية مع مناوئة ومفاصلة مع أرث جبهة التحرير (اليساري / القومي) على حد سواء، من غرائب هذه التجربة أنها جمعت بين كونها امتدادا للفكر الجهادي الإسلامي والذى تأثر بالنموذج الافغاني الملهم آنذاك، وبين تأثرها أيضا بخصوصية التجربة الإرترية المتأثرة بامتدادات تجربة الجبهة حيث وقعت في تكرار أخطاء الجبهة السياسية والعسكرية إلى حد ما.
فهي على مستوى الرؤية فيما يتعلق بطبيعة الدولة كانت ادبياتها وتعبئتها في الخطاب السياسي الشعبي كانت تميل الي ان المقصد هو = الدولة الإسلامية والتي هي بداية الطريق للحلم الإسلامي الأكبر للعالم الإسلامي = الخلافة وتتكأ هذه الرؤية على عدة مقولات تأسيسية:
مقولات تأسيسية:
● اسلامية إرتريا بناء على خلفية أنها جزء من الخلافة العثمانية = البعد التأريخي.
● الاعتماد على فرضية أن المسلمين هم الأغلبية المطلقة التى لاتنزل فيها التقديرات في أسوأ الأحوال عن 80% أن لم تكن أكثر = البعد الديموغرافي.
● إسلامية التجربة النضالية التأريخية = الرابطة الاسلامية الجبهة قبل الانحراف الفكري (تتجاهل هذه الرؤية تجربة حركة تحرير ارنريا) = البعد الإسلامي في هوية النضال وهذا الإفتراض نجده واضحا في الرؤية التي تعتمد على مقولات = (الثورة الأرترية بين الأصالة والتبعية) وقد تم بثها في أدبيات الحركة حتى أصبحت جزءا من رؤية الاسلاميين.
وبعد صدمة تحرير إرتريا والاعتراف الدولي بها كدولة كاملة السيادة، وتولي الجبهة الشعبية زمام السلطة في إرتريا، ارتبكت رؤية الحركة الإسلامية السياسية ومع مرور السنيين ونتيجة لفشل الخيار العسكري المسلح للوصول للأهداف السياسية، ونتيجة للخلافات الداخلية وعودة الحركة إلى مكوناتها الأولية بل تشققها إلى كيانات لأسباب ايدلوجية، وعوامل الفرز الاجتماعي، وبسبب الفشل في إدارة الاختلافات البينية للكيان للقيادي، يمكن القول بأن كل فصائل الحركة الإسلامية توصلت إلى قناعة سياسية مفادها أنه لابد من العمل والتنسيق مع التنظيمات العلمانية الإرترية = التحالفات والتنسيق والمظلات الجامعة، ولكنها في خضم تعاملها التكتيكي مع هذه التحالفات تناست وأغفلت الإجابة على سؤال = طبيعة الدولة الإرترية في إطار رؤية واضحة تتجاوز التعميمات باستثناء طرح أ.د. جلال الدين محمد صالح والذي فارق برؤيته الحركة بمفاوز واعتبرت أراءه (تغريدا خارج السرب) والتي توصل فيها إلى رؤية محصلتها = (أن إرتريا أرض تمكين دعوي)، وكذلك من الاستثناءات ماتبناه د. حسن سلمان من طرح = (الدولة المدنية المرتكزة على الدين) وارتكازها على مفهوم الفضيلة الأخلاقي، ولكن الملاحظ أن هذا الطرح لم يفلت من دوامة التعميمات، وعدم اكتمال حلقات الرؤية وعدم تماسكها حيث إنها تحتاج إلى مزيد من التحديد والوضوح، والفرز في مستويات العلاقة بين كل من:
● الدولة والدين والمقصود هنا (هوية الدولة).
● السياسة ودور الدين في الممارسة السياسية. مع الإشارة إلى أن المقصود في الحالة الإرترية = أن الدين يشمل الإسلام والمسيحية معا.
● وضوح معالم العلاقة من حيث التداخل والوصل والفصل والتمييز، المطلوب الوضوح في أن (المواطنة) = هي المحدد الوحيد للحقوق والواجبات المتساوية، والعمل على بناء دولة القانون والمؤسسية لإحداث التوازن السياسي المطلوب بعيدا عن التوازنات والمحاصصة كما هو في النموذج اللبناني على سبيل المثال.
الخلاصة: المطلوب هو:
■ الخروج من شرنقة محدد (الهوية) كموجه للعمل السياسي، واستهلاكه سياسيا إلى رؤية كلية لمصالح الدولة الإرترية وبناء الدولة والعلاقات بين أبناء الوطن بناء علي ذلك.
■ التوجه إلى بناء حزب سياسي مدني وفصله عن العمل الدعوي والخيري = وترك النشاط الدعوي والخيري لمؤسسات المجتمع، ولعل الحركة الإسلامية الإرترية تستفيد من تراكمات التجارب الإسلامية المغاربية في الفصل والتمايز الوظيفي بين العمل السياسي والدعوي والخيري لاسيما أن الحالة الإرترية = تركيبية الهوية هي الأحوج لمثل هذا الفصل والتمايز.
■ الإنفتاح على الجماهير الإرترية بناء على محددات الانتماء السياسي الوطني، وتجاوز مفهوم الحالة الإسلامية المبنية على = مفهوم الجماعة وامتدادته الفكرية والتنظيمية والإيدلوجية.
جزى الله خيرا للأخت الفاضلة، سلوى دنكلاي، لا أدري أهي بنت الأخ يعقوب دنكلاي، أم الأخ عثمان دنكلاي، فإن ثمة صلات تربطني بهذه الأسرة الكريمة، حيث إن ابن خالتي الأستاذ جابر دنكلاي - رحمه الله - هو عم الأخت سلوى دنكلاي. هذا من الناحية الاجتماعية.
أما من ناحية الموضوع محل النقاش، فقد استمعت إلى التسجيل، وقبل أن أبدي تساؤلاتي بشأن ما ورد فيه، لابد أن أشكر أولا الأخت سلوى على هذا العطاء الفكري، وعلى هذا النقد البناء، بهذه اللغة الجميلة، الرصينة العلمية، وبهذه الثقافة الواصلة بين الأصالة والحداثة.
ثم بعد ذلك أبدي الملاحظات التالية:
أولا: وددت لو أن الأخت سلوى، قالت لنا أولا: ما الذي تقصده من مصطلح (الحركة الإسلامية) ؟.
هل تقصد حركة الجهاد الإسلامي، أم حركة الأخوان المسلمين.
أم الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، أم كل فصائل التوجه الاسلامي
فإن لم تخني الذاكرة، جاء هذا المصطلح، في أكثر من مكان، بمفاهيم مختلفة، من السياق، أو مشوشة على الأقل.
ثم لم يعد موجودا اليوم كيان اسمه الحركة الإسلامية، ولا حركة الجهاد، وإنما هذه أسماء تاريخية مضت.
الموجود الآن الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، حركة الإصلاح الإسلامي، المؤتمر الاسلامي، المؤتمر الشعبي، وكل هؤلاء يدخلون تحت عنوان ( الحركة الإسلامية الارترية).
ما المراجعات التي قام بها هؤلاء نقدا وتجديدا لما كانوا فيه؟.
ثانيا: يظهر من المراجع المعروضة أن الأخت سلوى لم تنوع مراجعها، واكتفت بمراجع أرخت لحركة الإخوان المسلمون في حين الحركة الإسلامية الارترية عنوان أشمل من هذا الإطار الضيق، أذا كان المقصود منه حركة الجهاد.
ثالثا: أن حركة الجهاد الإسلامي الارتري، هي نفسها حصيلة مسيرة متطورة من العمل الإسلامي، لأكثر من جهة، يمكن أن أعود به إلى عهد المدينة المنورة، في أواخر الستينيات، أو بداية السبعينيات، حيث عاصرت منه أنا شخصيا فترة مناقشة الانتقال، من لائحة الجمعية الخيرية التي تحظر العمل السياسي إلى لائحة تنص على ممارسة العمل السياسي.
كان ذلك عام ١٩٧٥م، ثم حالة التدابر، بين طلاب الأخوان المسلمون، وأنصار السنة.
وهذا نشاط يسبق تلك الأسماء التي أوردتها الأخت سلوى.
ويظهر انها اقتبستها من مرجع، هو في حد ذاتها منقود فيها، حيث أسقط بعض الأسماء المؤسسة لحركة الإخوان المسلمون.
رابعا: وددت لو أن الأخت سلوى أوردت لنا بتفصيل أكثر، النقاط التي تراها هي جديرة بالمراجعة:
١) طبيعة الدولة الارترية، من حيث الهوية المناسبة، لواقع المجتمع الارتري.
٢) مشروع الحكم الذي تتقدم به الحركة الإسلامية لحكم البلاد، وتراه هي مناسبا لتوزيع السلطة والثروة.
٣) مسألة اللغات بين رسمية العربية والتجرنية، وتساوي اللغات الإرترية.
٤) التمايز بين الدعوي والسياسي، بحيث لا يكون هناك حزب سياسي ينطلق من فكر الإخوان المسلمين، أو السلفيين، وإنما يكون حزب سياسي ينطلق من فكر، منبته واقع البيئة الإرترية.
فيه المسلمون، والمسيحيون، واليهود، والوثنيون، قاسمه المشترك، تحقيق المصلحة المشتركة.
هل للحزب الاسلامي للعدالة والتنمية، أو حركة الإصلاح، أو المؤتمر الإسلامي، مراجعة في هذا؟
٥) رؤية الحركة الإسلامية في التنظيمات القومية، عفر، كنامة، هل ترفضها أم تقر بها، ما المراجعات التي قامت بها.
٦) مسألة الهوية، من حيث انتماء إرتريا إلى العروبة أو الأفريقانية، هل للحركة الإسلامية مراجعة في ذلك.
ومما يعاب على الأخت سلوى، ويؤخذ عليها، أنها ركزت في الماضي، أكثر من الحاضر والطرح للآتي، واختزلت التجديد والمراجعة، في التصوير، ومشاركة المرأة، بينما الحاجة إلى التجديد والمراجعة أكبر من ذلك بكثير.
أيضا أنها أعطت أفضلية السبق بالتجديد للجناح الذي تنتمي إليه، وصورت مراجعات الأجنحة الأخرى وتجديداتها مجرد صدى ورد فعل تنافسي، ليس له من سبق وإنما تبعية.
ويشبه هذا كأنه منقول من كتاب (بربوجندا) يعظم من شأن حركته، ويقلل من شأن الآخرين، ويعكس روح الاستاذية.
وهذا في نظري حكم عاطفي، هو الآخر يحتاج إلى مراجعة وتجديد.
والذي أعلمه أن الاتجاه السلفي كان الأسبق إلى التجديد والمراجعة، حين أسس المؤتمر الشعبي، حاذفا منه اسم الاسلام، فاصلا السياسي عن الدعوي، وكتبت ذلك في كتابي الحركة الإسلامية الارترية والعمل السياسي، بعد أن فاصلت الاتجاهين، وغادرت الساحة إلى لندن، عام ١٩٩٤م. ولما زرت السودان إلتقيت بعضويته، وشكرتهم، مطالبا منهم المزيد من الجرأة على التجديد والمراجعة.
أقول هذا مع ما لي من انتقادات السلفيين في اجتهاداتهم السياسية.
فقد أصبحوا هم و الأخوان معا سلفيين في السياسة.
يقتدون بسنة الآباء، في الرابطة الاسلامية، ويهيبوا تجاوزها، لم يتجرأوا على مراجعة أنفسهم في المسائل التي تجاوزها الزمن.
أخيرا شكر للأخت سلوى.
وإذا ما سمحت لي الإدارة عدت لاحقا إلى العنوان المطروح، منطلقا من المقال الذي كتبته، وتواترت علي بسببه الردود السلفية والأخوانية متعاضدة.
السلام عليكم ورحمة الله
اسعد الله اوقاتكم جميعا بكل خير
بداية اتفق مع تساؤلات البروف جلال ومداخلته في غالبها ومداخلة الاستاذ صالح سعد حتى لا اكرر مع ماورد فيهما من تفصيل
ثانيا: الشكر والتقدير للاستاذة سلوى على ورقة الحركة الاسلامية الارترية
إذ أنه من ليس السهل التصدي للكتابة عن الحركة الإسلامية عموما وتعقيدات نشاتها وتطورها ولاسيما الحركة الاسلامية الارترية بتعقيداتها الاكثر ضخامة وتازما في ساحة الاسلاميين الارترييين نظرا لظروف نشاتها المزدوجة والعاطفية وما خلفته من ركام التشظي والاصطفافات الحادة وحدة واختلافا
ومن هذا المنطلق فهو جهد مقدر يعكس وجهة نظر الأستاذة في قراءتها لنشأة الحركة وتطورها
وهذا لايمنع من الاختلاف معها في وجهة نظرها او الاتفاق مع بعض ما طرحته والاختلاف معها في البعض الآخر
بداية كل عمل بحثي ناقد لايخلو من انطباع الباحث وتحيزاته الفكرية وانتماءته الوجدانية وحتى التنظيمية ان كان مؤطرا بقدر ما
ويتسامح فيه في هذا الاطار في الجانب التحليلي لوقائع لاحداث وقراءتها ويعاب عليه اسقاط تسلسل الاحداث ان حدث ذلك تعمدت والتفصيل في بعضها واختزال جزء آخر منها ايضا ان وجد ذلك وهذا ايضا محل وتقدير واختلاف بين الاشخاص فبينما اراه وغيري تحيزا فان الكاتب الناقد ومن يوافقه يرونه حقائق من وجهة نظرهم وقراءتهم للتجربة
الملاحظات العامة في الورقة من وجهة نظري:
1) اولا مفهوم الحركة الإسلامية حسب طرح الاستاذة يثير التساؤلات التي اوردها بروف جلال وهي ان الحركة المقصود بها الحراك السياسي الذي نشأ من عهد فترة تقرير المصير مرورا بالحراك الدعوي ومراكزه ومعاهده في الداخل والمهجر ام انه مفهوم مقصور على افراد وشخصيات داخل الثورة والجبهة ؟
وبالتالي يصبح ابتداء تاريخ الحركة الإسلامية من لحظة وجود هؤلاء الأشخاص بانتماءاتهم الشخصية داخل الثورة؟ وهذا يعني ان الحركة الاسلامية التي تناولتها الاستاذة بهذا المفهوم حركة أشخاص ذوي انتماء اسلامي تطورت فيما بعد الى حراك سياسي منظم التقى فيه أصحاب التوجه الاخواني وصولا الى الرواد
2) المصادر التي اعتمدت عليها الكاتبة ايضا مصادر قليلة جدا رغم انها اغفلت مصادر أخرى كتكاب البروف جلال الحركة الاسلامية وكتاب دكتور ابو اسامة ادم صالح حركة الجهاد وكتب ومقالات وبحوث اخرى كان بالامكان اثراء الورقة بها وعكس وجهات النظر المختلفة من خلالها حول مفهوم الحركة الإسلامية وتطورها
3) الورقة اغفلت في عملية التطور مرحلة مفصلية وهي مرحلة الانشقاق / الافتراق / الخطوة التصحيحية / المفردات التي استخدامها وعلاقتها بطرح الاسلاميين في الاتجاهين السلفي والاخواني / الانشقاقيين / الخوارج / التصحيحين/ البيانات التي استخدمت في تلك الفترة من أطراف الحركة ضد بعضهما حول الأحداث / مرحلة العمل العسكري للجانبين والتوسع في ذلك من قبل السلفيين وانعكاساته على التجربة وعلى النظام الارتري ورؤية الاطراف / اساليب الخلاف
والوسائل التي استخدمت فيمابعد ومدى اتسافها مع الشعارات المرفوعة
4) من الملاحظات رغم ان الورقة لم تذكر في احداث نشاة حركة الجهاد مكوناتها
ولم تذكر الجانب الذي مثل التيار السلفي في بداية الورقة كمافعلت مع تطور التيار الاخواني وصولا لمنمظة الرواد الا انها ذكرت ذلك في طرفي حركة الجهاد حيث ذكرت ان الجانب السلفي كانت تمثله الجبهة الاسلامية والاتحاد الاسلامي ولم توضح كيفية بروز هذين الكيانين فجاة ليمثلا التيار السلفي دون ذكر نشاتهما
هذه ملاحظات عامة حول الورقة
وخالص الشكر والتقدير للاستاذة سلوى على ورقتها التي فتحت المجال مرة أخرى لنقد هذه التجربة