العمل السياسي ما بعد التغيير في ارتريا
بقلم الأستاذ: محمد نور صالح كراني - استكهولم، السويد المصدر: حوار لوعي مشترك - واتس آب
سوف تركز هذه الورقة على سيناريوهات التغيير المتوقعة،
والتعقيدات والأزمات والمطالب التي تصاحب كل سيناريو من السيناريوهات، ودور العمل السياسي على ضوء ذلك. وسوف أتناول ذلك في خمسة محاور رئيسية، وما ينبغي ان يؤسس عليها من رؤى وأفكار وخطط تبنى عليها اعمال ونتائج ملموسة، حتى تكون مراحل هذا التغيير آمنة، وتحقق الأهداف المرجوة، وتمكننا من الانطلاق نحو عمل سياسي يؤسس لنظام حكم راشد ودولة مدنية، دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية.
• المحور الأول: هدف التغيير الحلم الإرتري الفكرة والرؤية الإستراتيجية.
• المحور الثاني: إشكالية النظرة الكلية للمكونات والهويات الإرترية بين التعدد والوحدة، وانعكاساتها على العمل السياسي.
• المحور الثالث: ماذا نريد أن نغير وما هي آليات التغيير المنشود ؟
• المحور الرابع: العمل السياسي وسيناريوهات التغيير.
• المحور الخامس: المقترحات العملية والاستعداد الجمعي للاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر.
ماذا نعني بالعمل السياسي ؟
نعني به فن إدارة الدولة ومزاولة السلطة وكل عمل يحقق الصالح العام، وجميع العلاقات الاجتماعية التي تشمل التحكم والسلطة وتوزيع موازين القوى فيها بين الكيانات والهيئات المختلفة في الدولة، كتلك العلاقة التي بين الحاكم والمحكوم، وعلاقات الأحزاب أو الدول، وأن مجال التعامل مع السياسة هو معظم شؤون الحياة العامة، التي تخص المواطن بدءا من الدولة والمدينة والحي والمدرسة والعمل وحتى الطرقات والقوانين المرتبطة بها..الخ. فالمواطن يجد نفسه مشاركا في السياسة ومتأثرًا بها بطريقة وفي لحظة ما، وبأشكال مختلفة وأجيال متعاقبة، ولا يمكن تجنبها، إذ أنه بالضرورة لا يمكنه تجنب النتائج المتولدة عنها، فهي توثر فيه وتتأثر به حاضرًا ومستقبلًا.
وغني عن القول بأن هذا العمل السياسي سوف يمارس بالضرورة في إطار نظام سياسي، والنظام السياسي يعرفه أحد الباحثين بانه أي نمط مستمر للعلاقات الإنسانية التي تتضمن التحكم، والنفوذ والقوة أو السلطة بدرجة عالية.
فالعمل السياسي ليس فن الخداع او النفاق أو رجس من عمل الشيطان، كما هو مشاع بين العامة في مجتمعات العالم الثالث، ومن بينها مجتمعنا الإرتري نتيجة للممارسات السالبة للعمل السياسي في بعض مظاهره في الحاضر والماضي، لذا نجد عزوفًا عامًا من العمل السياسي وسط الجماهير وبالذات شريحة الشباب الإرتري في المهجر، نتيجة هذه المفاهيم الخاطئة والتي تتماشى مع مقولات كل من جورج أورويل حيث يقول "السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع وإذا تصالحوا أكلوا المحصول". أما نيكيتا خروتشوف فيقول "السياسيون كلهم متشابهون فهم يعدونك ببناء جسر حيث لا يوجد أصلا نهر"، أو كما يقال بـ "أن السياسي كتمساح له أذنين صغيرتين وفم كبير، بمعني يستمع قليلا ويتحدث كثيرا، وفي بعد الأحيان يلتهم الكثير".
أولا: إن أول متطلبات التغيير هو تغيير هذه المفاهيم الخاطئة والسالبة حول ممارسة العمل السياسي والتفاعل معه والتقليل من أهميته، عبر نشر الوعي بأهمية وخطورة العمل السياسي وتأثيره على حاضر ومستقبل المواطن والوطن وتشكيل الوطن وبناء أجيال المستقبل، بل تتمثل خطورة العمل السياسي في إمكانية تزوير حقائق التاريخ ومحو الذاكرة الجمعية وتهديد كيانات ومرتكزات الوطن، بما يمتلكه من الآليات والإمكانات والسلطة والنفوذ والواقع الإرتري الحالي ليس عنا ببعيد.
ثانيا: إيجاد ممارسة سياسية تتسم بروح المسؤولية وتسعى لتحقيق الصالح العام وإبراز نماذج ورموز في هذا الإطار.
ثالثا: اخضاع كل من يتولى مسؤولية عامة ويمارس العمل السياسي لقانون النقد والمساءلة، وان المسؤوليات والصلاحيات يجب ان تكون واضحة ومحددة، فان مصطلح "عفى الله عما سلف" جعلت من مجتمعنا الإرتري حقل تجارب للأفكار والممارسات الخاطئة التي تتكرر بنفس الكيفية بل أحيانا من نفس الأفراد، مما يشيع روح اليأس والتقاعس، فإن المجتمعات القوية المسؤولة تختبر الأفكار وتعمل على تمحيصها في الواقع قبل تبنيها وهنا يأتي دور الفئة المدركة.
هل اخضعنا أحدًا لقانون المسائلة حتى أدبيًّا، باعتبار أننا لا نمتلك الأدوات القانونية أو حق المحاكمة ؟؟ هل أخضعنا الأفكار والأعمال التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة من التيه وقمنا بتحديدها ثم التصدي لها حتى لا يتكرر الفشل ولا تنتقل العدوى لأجيال المستقبل ؟ تساؤلات تتطلب الإجابة عليها بأفكار ومقترحات عملية تؤسس لعقل جمعي له مناعة وحصانة ذاتيه.
المحور الأول - هدف التغيير الحلم الإرتري الفكرة والرؤية الإستراتيجية:
الهدف الرئيسي من هذا التغيير يجب ان يكون تحقيق الحلم الإرتري، ألا وهو بناء وطن حر يحقق لشعبه التعايش بين مختلف مكوناته بعدل وسلام وأمن واستقرار وازدهار اقتصادي، وبناء علاقة تعاون وتكامل متميزة مع جيرانه ومحيطه الإقليمي بالدرجة الأولى ومع مختلف دول العالم بالدرجة الثانية. ومن أجل هذا ينبغي ان تكون لأصحاب مشروع التغيير الوطني فكرة ورؤية استراتيجية واضحة ومتفق حولها ومحددة آلياتها ومراحلها.
إن المجتمعات والدول تبنى على مشاريع فكرية استراتيجية رئيسية، ورؤى حولها إجماع، وتسخر لها كل الإمكانات ويحدد لها سقف زمني ومقاييس أداء. وفي تجربتنا النضالية، عندما تتحدث مع الذين خاضوا تجربة النضال يقولون بأنهم كانوا يناضلون من أجل تحرير ارتريا، دون ذكر الفكرة الإستراتيجية لمشروع الوطن ما بعد التحرير. وأنا شخصيًّا أعتقد بأن الرؤية لم تكن غائبة لكنها لم تكن مبلورة بما يكفي، ولم تتحول إلى قرار عام، لذا اشتعلت معارك وخصومات في قضايا أقل ما يقال عنها أنها لم تكن جوهرية واستراتيجية واوردتنا الى مهالك وتيه لا زلنا نعيش فيه، للأسف الشديد حتى الآن. لهذا السبب وكثير غيره، وحتى لا نكرر أخطاء الماضي لا بد في هذه المرحلة من امتلاك فكرة استراتيجية واضحة ومشروع وطني ذي ملامح محددة، وبلورة مراحله الانتقالية والتفصيلية والتوصل لتوافق حولها من الآن، حتى لا نكرر أخطاء دول عديدة في العالم الثالث ودول الربيع العربي، ولنمهد طريق سالك للجيل القادم، جيل المواطنة، لينشغل بالبناء والتعمير والتنمية.
لذا اعتقد ان الفكرة الإستراتيجية الرئيسية لإرتريا خلال ربع قرن القادم تتمثل: في دولة مدنية راشدة لها قدرة تنافسية عالية وقادرة على إيجاد توازن نفوذ على المستوى الإقليمي وتصبح رقمًا لا يمكن تجاوزه على المستوى العالمي. بدون هذا النفوذ وإيجاد مكانة ما على المستوى العالمي لا يمكن ان تنبني الدول او تتقدم وتحافظ على كيانها ومصالحها وتحالفاتها الاستراتيجية التي لها مقابل. وإرتريا، نتيجة لموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعة وعلاقتها العابرة للحدود، كل ذلك يؤهلها ليكون لها نفوذ اقليمي ولتصبح رقما هامًّا في التوازنات الإقليمية والدولية، إذا ما وجدت عقلا سياسيًّا يقود العمل السياسي بمهنية وابتكار، ووجود نظام سياسي وطني راشد يعمل على إعداد الطاقات البشرية وتحفيزها وبناء مؤسسات عصرية تهيئ لها البيئة وتسخر لها الموارد.
هذه الفكرة الإستراتيجية تتبعها بالضرورة رؤية استراتيجية لتحقيقها، اذ يجب في البدء على المستوى الوطني تكوين وبناء دولة التعايش والعدالة والمواطنة والمؤسسات والقانون والتنمية والعلاقات المتوازنة، دولة مستقلة في قرارتها السيادية ومستقرة أمنيا واقتصاديا، وبناء كيان ومجتمع متماسك مؤسس على ثقافة الاعتراف والاحترام المتبادل بين مختلف مكوناته. ومن أجل ضمان الاستمرارية لهذا الكيان يجب إيجاد نصوص واضحة بشأن هذا الاعتراف المتبادل بين المكونات في المواثيق والقوانين وتعزيز المفاهيم المتعلقة بالوحدة في إطار التعدد، وحدة تعترف وتقدر خصوصية هذا التعدد.
لكن هذا الفكرة والرؤية الاستراتيجية والحلم الإرتري وان كان حولهما اجماع نظري، لكن في الواقع المعاش يكتنفهما تباينات كبيرة وكثيرة نتيجة لعدة عوامل، ومنها التنافس بين المشاريع والتنازع حول الموارد والبيئة والتجارب التاريخية المختلقة واشكالات ثقافية وذهنية وانعدام الثقة وتعدد المكونات وسوء ادارتها. كل هذا الأمور تتطلب من الفاعلين السياسيين والنخب الوطنية بمختلف مكوناتها ومكانتها وانتمائها وتخصصاتها، فتح حوار في فضاء حر لبلورة هذه الفكرة وإيجاد حلول وطنية لتك التباينات ووسائل إدارة التعدد، والتوصل إلى عقد اجتماعي حول الفكرة والرؤية ومن ثم لتصبح قيما وثوابت وطنية وقرار عام.
ولتحقيق كل هذا كما يقول الدكتور مصطفى السباعي يحتاج لحَمَلَةٍ أوفياء، وقادة أذكياء، وحراس أيقاظ وأسلحة على مستوى التحدي الذي يواجه.
المحور الثاني - إشكالية النظرة الكلية للمكونات والهويات الإرترية بين التعدد والوحدة وانعكاساتها في العمل السياسي:
عندما تطرح على الإنسان الإرتري سؤال بسيط من انت ؟ ليعرف نفسه وهويته سوف تجد أجوبة متعددة، تكون للبعض بسيطة وللبعض الأخر معقدة، بل نشأت أجيال في المهجر تشعر بفقدان الهوية والانتماء، حسب الزوايا التي ينظر بها للسؤال، وبشكل عام موضوع الهوية موضوع معقد تتداخل فيه اللغة والثقافة والدين والعادات والانتماءات والتربية، وتأثر فيه البيئة والأحداث وعوامل الزمن. لذا هدف هذا المحور ليس تقديم بحث حول الهوية بالرغم من أهمية ذلك وبالذات في الواقع الإرتري الذي يتميز بتعدد وتداخل المكونات، لكن موضوع هذا المحور سوف يركز على هذا الموضوع من الناحية السياسة واشكاليته في تحقيق التغيير الآمن او تعقيد الأمور.
إذا طرحنا تسائل لاتخاذ موقف سياسي عن هوية ارتريا ما هي ؟ ومما تتكون ؟ وعلى ماذا تستند ؟ ومن يحددها ومن له حق تعريفها ؟ وكيف يعرف الإنسان الإرتري بهويته ؟ وما هو دورها وتأثيرها في بناء وتماسك النسيج الوطني وصراع النفوذ فيه وتشكله ؟ ودور الهوية في بناء العلاقات مع المحيط الإقليمي ودول الجوار ؟
هذه الأسئلة التي تبدو سهلة لكنها عندما تتفاعل في الواقع السياسي والقانوني وصراع نفوذ سوف تكون معقدة جدا، بل قد تتحول الى هويات قاتلة كما ذكر امين معلوف في كتابه القيم الهويات القاتلة، بل هي كانت فعلا قاتلة، صراع أثني في روندا واثني ومذهبي في العراق قبلي في الصومال وهي كذلك الآن في اثيوبيا والسودان بشقيه الشمال والجنوب وبأشكال مختلفة.
كل هذا الأسئلة لن ادخل في نقاش حولها او محاولة الإجابة عليها، لتعقيداتها واهميتها وأنها تحتاج الى حوار نخبوي هادئ مبني على أبحاث ودراسات ثم إيجاد راي عام مجتمعي لتتحول لعقد اجتماعي بين مختلف مكونات الوطن ليصبح وطن التعايش المستدام والآمن والمستقر. وأعتقد جازما بان مهمة هذا الجيل الحالي ليست مهمة ترقيع بل هي مهمة اجاد حلول جذرية واقعية وعادلة واستراتيجية ومستدامه، ليعبد الطريق لدولة المواطنة والرفاهية للجيل القادم.
ان الهويات والمكونات الإرترية الوطنية تحكمها أربعة دوائر رئيسية متداخلة وخمسة ثنائيات، الهوية او المكون الوشائجي (قبلي، وإقليمي، ومذهبي)، الهوية الإثنية، الهوية والمكون العقدي، مسلم مسيحي، والهوية الوطنية الإرترية، والتي لم تحدد او لم يتم اجماع وتوافق حول الأسس التي تنبني عليها، وكيفية تشكلها، إضافة إلى كل ذلك، تأثيرات المهجر على هوية الجيل الجديد.
اما الثنائيات الخمسة والتي هي أعمدة البناء الوطني تتمثل في الانتماء التاريخي والجغرافي للمحيط العربي والأفريقي وثنائية اللغة العربية والتجرينية، الثنائية الدينية الإسلام والمسيحية (مع مراعات المعتقدات الوثنية) الثنائية الثقافية العربية والتجرينية، مجتمع مسلم ومجتمع مسيحي. هذه الثنائيات من وجهة نظري هي بمثابة جناحين بهما تقلع ارتريا في بنائها الحضاري بين الأمم.
كل هذه الهويات المتداخلة بالتأكيد تؤثر على تطلعات ومواقف ومزاج المواطن الإرتري السياسية وموقفه من التغيير القادم، بحيث تجعل خياراته مضطربة وانتماءاته مشتتة تتجاذبها أطراف ومواقف عدة، وبالذات في مرحلة التغيير الذي تتشكل فيها معالم الوطن الكلية، وبعد هذه التجربة الفاشلة من الحكم بعد الاستقلال.
وان هذا الأمر لا يمكن تأجيله للغد إذا كنا حقا نبحث عن تغيير آمن، وسلام مستدام، وبناء مؤسسات ديمقراطية وطنية حقيقية وليست ديمقراطية صورية التي تقنن للظلم.
فمثلا لو اخذنا على سبيل المثال إشكالية اللغة في ارتريا وصراع النفوذ حولها والعقلية والذهنية والمخاوف والتطلعات المحيطة بها، بين جهتي التنافس الرئيسيتين، المكون المسلم والمسيحي، سوف نجد كل مكون ضمن هذه المواقف له نظرة كلية ضبابية للهوية الوطنية وفق تصوره الذهني وتكوينه الثقافي وتطلعاته السياسية. فعندما يقول طرف ما "الشعب الإرتري"، يقول طرف آخر "هذبي إرترا"، أو يستخدم مصطلح "حبشا". الصورة الذهنية مختلفة تمامًا وإن كان المعنى واحد.
إذ أن الموقف من اللغة ليس بالسطحية التي ينظر إليها البعض، وليست المشكلة في لغات عمل. الأمر أعقد من ذلك بكثير، إنه صراع نفوذ حول إيجاد مركز وأطراف مبعثرة ومهمشة، ومن ثم تشكيل الهوية الوطنية على ضوء ذلك.
تكتسي اللغة، وخاصة في الواقع الإرتري، أهمية كبيرة، وتعتبر أحد مرتكزات وثوابت الوطن الذي بني حولها، لا أقول عقد اجتماعي لكن تفاهمات وطنية اثناء مرحلة حق تقرير المصير وفترة الكفاح المسلح.
يقول امين معلوف عن أهميتها "... لأن اللغة تمتلك تلك الخصوصية المدهشة في انها عنصر هوية وادة اتصال في وقت ذاته ان فصل اللغة عن الهوية غير ممكن وغير مفيد، فقدر اللغة أن تبقى محور الهوية الثقافية وان يبقى التنوع اللغوي محور كل تنوع".
وكما يقول الدكتور محمد مختار الشنقيطي بأن "الهويات تتراكم زمانًا وتتزاحم مكانًا". ولذا تراكمت الهويات الإرترية خلال العقود الماضية من الكفاح السياسي الى الكفاح المسلح وخلال ثلاثة عقود تقريبًا من الاستقلال. هذا التراكم والتزاحم وانعدام الثقة وعدم المقدرة في بلورة مشروع وطني جامع تسبب في اشكالية ترتيب أولويات الهوية، لذا نرى ان ابرز معالمها عندما تأتي صيغة "نحن وهم"، ومواقف مصيرية تتمحور هذا الهوية حول المرتكزات الدينية واللغوية والثقافية وسوف تبقى هكذا خلال المنظور القريب، فالحل ليس التهميش او التسطيح والتأجيل أو التجاهل، الحل يكمن في مجابهة هذا الواقع كما هو لا كما نحلم، وترشيده فكريًّا عبر الحوار وإداراته حضاريا عبر مواثيق وقوانين ومؤسسات حتى نصل بسفينة الوطن الى بر الأمان.
لذا لو أردنا حلولا حقيقية وعادلة، فلا بد من تحديد المشكل الوطني والأزمة وجذورها، اين هي الأزمة هل هي في المجتمع أم في النخب السياسية، أم في غياب مؤسسات سياسية ؟ ومتى تحدث في الحالات العامة او في مواقف خاصة ؟ ولماذا تحدث ؟ نتيجة فعل داخلي ذاتي موضوعي ام عبر مؤثر خارجي ؟
هذا التحليل الجذري للمشكل الوطني بالرغم من تعقيداته ومتاعبه وتعرجاته، لكنه يظل الطريق الصحيح من أجل التوصل إلى معرفة كيفية تجاوز الأزمة، وحل المشكل الوطني، وتحديد الموارد والطاقات المطلوبة، لإنجاح هذا المشروع. ومن خلالها نستطيع أن نقيس فيما إذا تم حل المشكلة وتجاوزنا الأزمة أم لا.
لا بد من الغوص في عمق وجذور الأزمة الوطنية في البيئة والتراث الذي انتجها ثم القيم والأفكار التي نتجت عنها والنخب والمجتمع الذي تبناها والقرارات والخطط والمواقف التي نتجت من هذا التبني. بهذا الطريق يمكن إيجاد حلول مستدامة وبناء مجتمع راشد اما النظر في السطح الظاهر من الأفعال والبناء عليه لا يوجِد حلولًا، بل يعمق الأزمة ومن ثم ينعكس في العمل السياسي والمواقف السياسية لكل الأطراف.
إذا نحن بحاجه لتغييرات جذرية في الأفكار والقناعات والممارسات العملية فيما يتعلق برؤيتنا لإرتريا، كوطن متعدد المكونات ضمن وحدة تحترم خصوصية التعدد، والتعدد ذاته ينبغي أن يعزز الوحدة، لكن المشكل يكمن كما يقول الشهيد عثمان سبي في كتابه القيم "جذور الخلافات الإرترية" ("الخطورة تأتي عندما يتجاهل فريق وطني مصلحة الفريق الآخر، ويحاول فرض سماته الخاصة على الآخرين").
والترجيح للهوية ليس للتفضيل بل وفق رؤية وطنية سياسية لتحقيق الصالح العام لذا نحن في ارتريا من الناحية السياسية بحاجة لترجيح هوية وطنية متفق عليها، هل هي ثنائية الهوية ؟؟، الدينية، والثقافية، واللغوية، لبناء وحدة صلبة تقوم على التراضي وفق عقد اجتماعي، مع الاعتراف بشرعية وأهمية ومكانة الهويات الوطنية الأخرى الإثنية والانتماءات الخاصة، أم هوية إسياس ومشروعه القومي الذي جعلنا بهوية ضبابية ؟
وانطلاقًا من كل ذلك فإن تقنين وإدارة هذا التحدي للمكونات سوف يواجهنا في قادم الأيام، لا محالة. ونتيجة للغبن والقهر المتراكم، وانتشار السلاح، وإمكانية التدخلات الإقليمية. يمكن أن يجعل نعمة التعدد نقمة وهويات قاتلة، اذا لم ننتهز الفرصة السانحة أمامنا اليوم، ونأخذ العبر والدروس من تجارب الآخرين، ونستعد ذهنيًّا ونقعد للمسائل بموازين العدل فكريا، لنصل لحلول وتوافقات وطنية حول ازمة الهوية.
يقول الدكتور مهاتير محمد "نحن شعب متعدد الأعراق والثقافات، وكنا أمام خيارين: إما أن نتقاتل ونتقاسم البؤس، أو نتعايش ونتقاسم الرفاه والسلام، فأجمعت إرادتنا الوطنية على الخيار الثاني". ونحن في إرتريا كأصحاب مشروع للتغيير فالخيار متروك لنا أي السبل نسلك، طريق التناحر أم طريق التعايش !!
المحور الثالث - ماذا نريد أن نغير وما هي آليات التغيير؟
هل الهدف من هذا التغيير هو تغيير رأس النظام، او حتى النظام نفسه، ثم تدوير المشكل بوجوه ونظام آخر بمكياج ورتوش الديمقراطيات المزيفة؟ لا أعتقد أننا نسعى لذلك، إذ أن التغيير الذي تنشده الغالبية العظمى من الجماهير الإرترية هو تغيير يحقق لها وللوطن نقلة نوعية وحضارية في كل المجالات، في الأفكار والممارسات والسياسات والحياة المعيشية والصحية وبنية المجتمع.
أقول هذا الكلام ليس لنكون حالمين، بل لنكون مستعدون وجاهزون لاقتناص الفرص، فمن أجل تحسين الوضع الاقتصادي، لا بد من وجود دراسات اقتصادية وإمكانات مادية وبشرية، بل شركات تساهمية عملاقة تنشأ من الآن، بالاعتماد على الموارد والكفاءات الذاتية. نحن الآن متواجدون تقريبًا في معظم مدن العالم المؤثرة، أليست هذه ميزات إيجابية، تعطينا الفرصة لإيجاد مندوبين يمكن تسخيرهم للتسويق، أو فتح آفاق التعاون وبناء علاقات وتبادل خبرات من تلك الدول للاستفادة منها في إرتريا المستقبل. لكن، للأسف الشديد، هذه الروح الجماعية واتباع أسلوب فريق عمل غير موجود في قاموسنا الاجتماعي. فمن المسؤول يا ترى عن ذلك ؟ لماذا لا تبادر النخب التي تملك إمكانات علمية ومالية وخبرات وعلاقات واسعة، في إيجاد نماذج مشجعة على أقل تقدير ؟؟ ما هي الاستعدادات التي لدينا في هذا الجانب ؟ ما الذي يمنع ان تكون لدينا تصورات وخطط مستقبلية، بل وعلاقات مع الشركات وأصحاب رؤوس الأموال، نتفاوض معهم منذ الأن على شراكات اقتصادية ؟
وكما هو معلوم لدينا، أننا نتحدث كثيرا عن عودة اللاجئين، فلما لا نقيم علاقات مع مؤسسات إقليمية ودولية لوضع خطط ومقترحات عن كيفية تحقيق هذه العودة، وتأمين متطلباتها المادية والفنية، ونحصر مواردنا الذاتية لتوظيفها عندما نشرع في التنفيذ ؟ أليست هذه القضية من أولويات مطالبنا ؟
نتحدث عن حلم العودة ومعظم قرانا ومدننا ليست فيها مقومات الحياة، في الوقت الذي نملك كمجتمع عددًا هائلا من المؤهلين الأكاديميين، وخاصة المهندسين. لماذا لا تكون لدينا دراسات في هذا الجانب عن الكيفية التي نعمر بها مناطقنا وبشكل جماعي حتى تكون التكلفة قليلة وإمكانية العودة ممكنة؟ ماذا لو سقط إسياس غدًا، ماذا نحن فاعلون في كل هذه الجوانب التي ذكرت ونحن نشكو ونتذمر من الاستيطان والتغيير الديمغرافي ؟ هل عندنا تصور نظري واضح عن الكيفية التي تجعل العودة سريعة وآمنة وعملية ؟
وتواجهنا أيضًا إشكالية في إحداث التغيير في بنية وعقلية المجتمع الذي ننشد له التغيير، حتى لا يتحول مثل المزارع الذي كان يسعى جيفارا لتحريره. حيث تذكر الروايات أنه عندما تم القبض على جيفارا في الغابة التي كان مختبئًا فيها بوشاية من أحد الرعاة، سُئل الراعي: لماذا قام بهذا الفعل ؟ فكان تبريره أن جيفارا ورفاقه كانوا يُرَوّعُون أغنامه. وفي واقعنا الإرتري نشاهد بأن الخوف على المكاسب المتوهمة، والتوجس من البديل الذي سيأتي قد يكون من طرف مغاير، يؤدي إلى أن يتشبث البعض بالنظام، حتى لو كان هذا البديل يحقق العدل والتغيير الإيجابي للجميع.
لذا بأن تغير العقليات وبنية المجتمع لها أهمية لا بد أن تسبق التغيير السياسي، عبر دراسات وحوارات مباشرة إذ أن التغيير السياسي لوحده لا يأتي بالنتيجة.
قضية أخرى مهمة تحدث عنها المفكر الدكتور جاسم سلطان مطلوب منا التركيز فيها ونحن نتحدث عن التغيير وهي إشكالية بنية المجتمع اذ تعتبر من اعقد القضايا في مجتمعنا الإرتري وبالذات المكانة والدور الاجتماعي في بنيته ، كيف تكتسب هذه المكانة والدور، هل عبر الموروث الاجتماعي (ودفلان تو)، وعبارة عن مكافأة اجتماعية ام عبر الفعل الاجتماعي و الكفاءة والدور الذي يقوم به الفرد وسط المجتمع نتيجة لمكانته العلمية، وإمكانياته، وخبراته، ومواهبه، وعطائه الذي سخره لخدمة المجتمع. أين نحن الآن وكيف توزع الأدوار والمكانة في مجتمعنا، بعيدًا عن إسياس ؟ هذه بعض الأمثلة وغيرها الكثير التي تحتاج منا التغيير والتفكير، إذا أردنا تحقيق الحلم الإرتري والفكرة الإستراتيجية وبناء مشروع وطني حضاري.
المحور الرابع - العمل السياسي وسيناريوهات التغيير:
ماذا نقصد بالسيناريو ؟
يقولون العارفون بالأمر، السيناريوهات توضع من أجل ترتيب الإدراك والرؤيا لشكل أو تشكيل البيئة البديلة في المستقبل، التي يجب اتخاذ القرار فيها أو حولها، عبر الطرح في الذهن بدائل المستقبل الممكنة، وتحديدها، بحيث تمكنه من التفكير بها ودراسة الأدوار وتحديد ما هو مطلوب وغير المطلوب، والفرص والمهددات. والسيناريوهات تساعدنا بحيث تقوم بتبديل المجهولات غير المحددة إلى عدد محدد من المجهولات المرجحة، وهذا الترجيح يكون عبر أهل الاختصاص وأصحاب القرار، وفقًا للدراسات الاستراتيجية واستقراء التاريخ وقراءة الواقع واستشراف المستقبل. وأنا لا أعني هنا بأن هذه السيناريوهات المذكورة هي الوحيدة المرجحة وهي النتيجة لما ذكرته سابقًا، بل هي توقعات ناتجة من خبراتي المتواضعة. والذي يهمني في الأمر، بأن هذا الجمع الكريم، لا بد ان يكون لديه بشكل جمعي سيناريوهات مرجحة، حتى يعرف الفرص والمهددات، ويحدد عناصر القوة والضعف، لنكون مستعدون لاستغلال عناصر القوة، والتصدي للمهددات، والاستفادة من الفرص المتاحة، ولنكون حذرين بألا نؤتى من مواطن الضعف كوطن ومجتمع.
إذا ماهي سيناريوهات التغيير المتوقعة في واقعنا الإرتري والعمل السياسي الذي يصاحبها ؟
أولا: تغيير يأتي عبر ثورة شعبية ويتم فيه التنسيق بين الداخل والخارج، هل هذا السيناريو ممكن الحدوث ؟
في الوقت الحالي يمكن الإجابة بـ "نعم"، فهناك عوامل كثيرة تساعد على حدوث ثورة شعبية في الداخل، والتي ستتفاعل معها بالتأكيد جماهير الخارج. وخير دليل على ذلك ما شاهدناه إبان أحداث مدرسة الضياء الإسلامية.
ومن العوامل المساعدة التهديد المباشر للمكتسبات والسيادة الوطنية نتيجة للنهج الذي يسير عليه إسياس، ولا اريد أن أقول النظام، حيث يسود إرتريا اليوم حكم فردي بامتياز، والاختناقات في الحريات وفي السياسية والأمن والمعيشة، وتذمر في أوساط الرتب العسكرية المتوسطة في الجيش، وخاصة بعد اتفاقيات السلام مع اثيوبيا، التي لم تُرى بعد مظاهرها في إرتريا حتى الآن، وصراع وجود خفي مع قوى إقليمية، والثورات الشبابية في كل من إثيوبيا والسودان، وتغيير الأنظمة فيهما ولو بشكل جزئي، وانشغال هذه الحكومات بشؤونها الداخلية، وفضلا عن ذلك الثورة الشعبية في الجزائر، وقدرتها على التأثير على أقوى مؤسسة عسكرية متماسكة محترفة على مستوى المنطقة، مما قد يشجع الجماهير الإرترية في المهجر والداخل على التحرك. إذًا ثمة فرص لا بد من الاستفادة منها عبر فتح قنوات تواصل مدروسة مع الداخل، إن كان بشكل فردي أو جماعي، وتوفير آليات إعلامية تعكس واقع الحال، وتوجه الأحداث بشكل مدروس، والذي يأتي في مقدمتها إقامة قناة فضائية، وتوفير أموال وتكوين فريق عمل من أصحاب الخبرة يتحرك في هذا المجال، وتسخر كافة القوى السياسية والمدنية إمكاناتها لإنجاح هذا العمل.
ومن العوامل المساعدة أيضا بان إسياس لا يستطيع العيش إلا في أجواء ملبدة بالحروب والنزاعات والقلاقل. فلو تعززت ثقافة السلام المطروحة في الدول المجاورة لا شك أنها سوف تربك كل حسابات إسياس وتشجع جماهير شعبنا في الداخل على التحرك، وبالذات إذا وصلت لديها من الخارج رسائل إيجابية للدعم والمساندة وتحقيق الوفاق الوطني وفق أفكار ورؤى التي تناولناها في المحاور أعلاه.
في ظل هذه الوضعية من التغيير بالإمكان ان يلعب العمل السياسي دورًا إيجابيا عبر الاتفاق على خارطة طريق للمرحلة الانتقالية وما بعضها، وهناك أكثر من مقترح في هذا الشأن من المجلس الوطني ومجموعة الوفاق الإرترية للدراسات.
ماهي مهددات هذا السيناريو:
لم تصل الجماهير الإرترية بمختلف مكوناتها إلى قرار عام جامع حول آليات ونتائج التغيير، إذ لا يزال البعض يرى ان هذا التغيير قد يهدد بعضًا من مكتسباته، أو قد لا يضمن ان يكون هو المتنفذ بعد حدوث التغيير.
بعض القوى الإقليمية والدولية ليست لها مصلحة في حدوث تحول ديمقراطي في إرتريا، لذا فهناك احتمال كبير أنها سوف تحاول دعم بقاء نظام إسياس.
لا توجد في إرتريا حاليا مؤسسة عسكرية بالمعنى المهني الاحترافي، بجانب عدم تمتع القوات الحالية بالتماسك وفق التسلسل الهرمي، حتى نتوقع انحيازها إلى الشعب، في حال وضعت أمام خيارات صعبة ومتعددة، وقد يؤثر هذا الموقف سلبًا على التغيير المتوقع، بل ويمكن ان يدخل البلد فيما يسمى بـ "الفوضى الخلاقة".
بعض من قوى المعارضة قد تتحالف مع الجيش وبعض من فئات الشعب وبمساندة القوى الإقليمية، بعد إقصاء البعض الآخر من قوى المعارضة.
تعثر المرحلة الانتقالية نتيجة لتعدد الرؤى وتضارب المصالح وانعدام الوفاق حولها.
ثانيًا: حدوث انقلاب عسكري:
هناك إمكانية حدوث هذا السيناريو. وثمة محاولات عديدة تمت سابقًا من داخل الجيش أو من قيادات سياسية في الجبهة الشعبية بالتعاون مع بعض قيادات الجيش.
الجانب الإيجابي في الانقلاب العسكري هو التخلص من رأس النظام وبعض المتنفذين المقربين منه، وتحريك الوضع الداخلي. لكن خطورته تكمن في كون النفوذ والولاءات الجيش متعددة، مما يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه لحروب داخلية وظهور أمراء حرب، الذي قد يقود البلاد إلى دولة فاشلة، تعطى ذرائع لتدخلات إقليمية ودولية، في وقت لا نملك فيه كقوى التغيير كيانات قوية ومتماسكة قادرة على التفاوض ومواجهة إمكانيات المؤسسات الدولية، فضلا عن كوننا مكشوفي الظهر ولا نملك حلفاء استراتيجيين.
وتؤكد التجارب الإنسانية، أن الانقلابات العسكرية من النادر جدًّا ان تنشئ مؤسسات ديمقراطية. وعليه فإننا نخشى أن ينتهي التغيير في إرتريا بإقامة نظام حكم عسكري على أنقاض النظام الديكتاتوري القائم.
لذا لو حدث انقلاب عسكري في إرتريا فلابد من أن تكون القوى المدنية والسياسة والجماهير، على قدر كبير من الوعي وجاهزة ومستعدة عبر آليات ومشاريع للضغط، حتى تتحول السلطة لقوى مدنية تمثل الشعب، هل هذا ممكن ؟ ما المطلوب حتى نكون مستعدين لمثل هذا السيناريو ؟
ثالثًا: تغيير جزئي عبر اتفاق بين إسياس وبعض القوى من المعارضة برعاية إقليمية ودوليه:
بالرغم مما نعرفه عن عقلية إسياس المتعنتة، الا انه لو وصل نتيجة لضغوطات مختلفة، إلى خيارات صعبة، فبالتأكيد قد يختار أخف الضررين، وسوف يجد من بعض المعارضين، الذين لا يرفضون كلية مشروعه وحتى لو كان لديهم خلاف آني معه في قضايا غير أساسية، من يتعاون معه في الوصول إلى مخرج يعد منقذًا للنظام. وهذا الأمر، لو كتب له النجاح، سوف تسخر له كل الإمكانات الدولية والإقليمية، وحتى الجماهرية وذلك عبر بث المخاوف في أوساطها من البديل، وتهيئة الأجواء بما يسمى بسياسة الصدمة.
لمواجهة مثل هذا السيناريو ما هي الخيارات المتاحة أمامنا ؟ وما هي الإمكانات والآليات التي تمكننا من مجابهتها ؟
رابعًا: سيناريو موت إسياس إما بالاغتيال أو بالموت الطبيعي:
في هذه الحالة أتوقع أن لدى العصابة المتنفذة في نظام إسياس بديل، سيعطي قليلا من الانفتاح والتنسيق مع بعض أطراف في معارضة الخارج، بدعم إقليمي وتأييد من الجماهير التي تعتبر أن مشكلة إرتريا تنحصر في وجود إسياس. وبهذا سيواجه معسكر المعارضة انقسام، مما سيحقق مكسبًا لهذه العصابة سيساعدها على ترتيب البيت الداخلي للنظام. إذن ما العمل في مثل هذه الحالة ؟ وما هو الموقف الواقعي والراشد الذي ينبغي ان تتخذه قوى التغيير ؟ وهل في واقع الأمر نمتلك أدوات أوراق ضغط مؤثرة وفاعلة ؟
خامسًا: سيناريو التغيير عبر تدخل إقليمي:
لو تم هذا الأمر نتيجة لحرب حقيقية او مفتعلة، وتم اجتياح البلد، وهي في الوضعية الحالية التي لا تحسد عليها، من غياب إمكانية الدفاع عن الذات، نتيجة للعوامل التًي أعتقد بأننا ندركها جميعًا، فما سيكون موفق المعارضة والجماهير الإرترية المناضلة من أجل تغيير حقيقي ؟ او كيف ينبغي ان يكون ؟
وهذا التدخل يمكن ان يتم بترتيبات مختلفة عبر افتعال حروب أهلية ويتم الدخول بقرار اممي لتوفير الآمن على قرار ما حدث في الصومال، ويمكن الأمر أن يتطور أكثر من ذلك، حيث يتم تصنيف البلد كدولة فاشلة، ومن ثم يجري البحث عن حلول تعيدنا للمربع الأول ؟ والأرضية لهذا المشروع مهيأة، نتيجة لممارسات إسياس التدميرية، أو نتيجة لحالة الضعف التي نمر بها كشعب ومعارضة، وبسبب الطروحات والمشاريع ، مثل تقسيم إرتريا جغرافيا، أو التمسك بقوة بالدعوة لممارسة حق تقرير المصير، أو الزعم بأن إرتريا أصلا صنيعة إيطالية، دون طرح بديل أو خارطة جديدة. وهذا في اعتقادي سيفتح الباب على مصراعيه للقوى المتربصة بإرتريا والرافضة لاستقلال إرتريا.
في مثل هذه الوضعية المعقدة هل سنعلن مرة أخرى كفاحًا مسلحًا ؟ أم سوف نستسلم للواقع ونقبل التقسيم او الانضمام ؟ وإذا حدث تقسيم فبأي نصيب سوف نخرج؟ بالبحر والنهر؟؟ ام بـ "رفح إرترية جديدة" لا تسمن ولا تغني من جوع ؟؟
أقول هذا الأمر مستشعرا خطورة الموقف، حيث كل الخيارات مفتوحة، وليس هناك أية ضمانات في عالم اليوم. الضمان الوحيد يعتمد على قوتك على الأرض. ونحن للأسف الشديد فإن جزءًا كبيرًا من شعبنا موجود خارج بلاده، وكذلك معارضتنا الوطنية أيضًا تنشط في خارج البلاد. وأن الصورة أدناه تجسد هذه الحالة، فيما إذا وصلنا إليها لا سمح الله، حيث تصبح الخيارات صعبة مما تفرض عليك اتخاذ موقف للتعاون مع الخصم من اجل ضمان البقاء.
المحور الخامس - المقترحات العملية والاستعداد الجمعي للاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر:
انطلاقًا مما تم تناوله أعلاه، أود التأكيد على حاجتنا الماسة في إعادة قراءة الواقع بموضوعية، مع التعامل مع عامل الزمن بحساسية كبيرة، حيث لم يعد لدينا وقت للترف الفكري ولا الجهد لخوض صراعات في قضايا ثانوية. يجب أن ندرك على أننا نعيش في مرحلة صراع " نكون أو لا نكون". الظروف التي نمر بها كشعب وكيانات سياسية ومدنية، تفرض علينا التعامل بقدر كبير من الشعور بالمسؤولية، والاستعداد الكامل لمواجهة كل الاحتمالات المتوقعة. وهذا يتطلب تكوين فرق عمل، وإقامة ورش عمل في كل المجالات، واعداد مشاريع ودراسات تجيب على التساؤلات التي طرحت وتساعد على إيجاد حلول عملية لها.
وأحد الحلول المستدامة، في رأيي، هو التوصل إلى عقد اجتماعي بين المكونات الإرترية، نبدأ تحقيقها أولا بيننا كمسلمين، ونتفق على ماهية الذات الجمعية التي نتحدث عنها بصيغة نحن؟ ما هي خياراتها وثوابتها ورؤيتها لمكوناتها والأسس التي ينبني عليها الكيان الإرتري. ثم ننتقل للمرحلة الثانية الممثلة في تحقيق تفاهم بين المسلمين والمسيحين، للوصول لعقد اجتماعي وطني حول كل هذه الخيارات والمصالح لتحقق الصالح العام الوطني للجميع وتقنين كل ذلك في الدستور والقوانين .
كما أن الأمر يتطلب منا جميعًا تسخير قدراتنا وعلاقاتنا الفردية والجماعية بشكل عملي وعلمي، وذلك من أجل تحقيق المشروع الاستراتيجي، الحلم الإرتري، حلم الآباء والأبناء والأجيال القادمة، الذي يحافظ على ثوابت إرتريا، بحدودها الجغرافية، وتعدد مكوناتها، واستقلالها، والحفاظ على سيادتها الوطنية، ووحدة شعبها. وإنني أعتقد جازمًا أن إرتريا تمتلك الكثير من عوامل القوة والإمكانات، لكن معظمنا لا يقدر قيمتها حق قدرها، أو لم نكتشفها بعد، أو نستعملها بشكل خاطئ. والصورة أدناه تعبر عن واقعنا، كما يقال: "الصورة أبلغ من ألف كلمة".
وعلى الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهنا، ليس أمامي إلا أن أنهي ورقتي هذه متفائلًا، بسبب أن إرتريا تزخر بكفاءات، وبيننا في هذه المجموعة أبرز من يتمتعون بهذه الكفاءة.
وغدا سوف يتحقق الحلم لننشد مع كجراي
ما عاد كفاحك يا وطني صفحات نضال منسية
ومع احمد سعد
وغدا تعود الدار
وتغرد الأطيار
ونغني للأحرار