ما الذي سيقدمه افورقي للسودان؟
بقلم الأستاذ: فتحي عثمان - دبلوماسي ارتري سابق، ومدير قسم العربي اذاعة ارينا باريس المصدر: الأفريقية
جاءت زيارة رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان
يوم الجمعة الماضي إلى اسمرا بعد 24 ساعة من استلامه الدعوة عبر القائم بالأعمال الارتري في الخرطوم. وفي لقائه بالمبعوث الارتري في مكتبه بوزارة الدفاع، أشاد البرهان بالعلاقات التاريخية بين ارتريا والسودان وشكر ارتريا على إهتمامها بقضايا السودان.
فكيف يتشكل إهتمام افورقي بسودان ما بعد البشير ؟ في البداية يجب التأكيد بأن سياسات زعماء الإقليم - خاصة اسياس افورقي - يحكمها مبدأ المعادلة الصفرية، التي قوامها "مكسب الآخر هو خسارة لي".
وللتدليل على ذلك نجد أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان هو أول من قدم نظام البشير الانقلابي إلى العالم في عام 1989، وذلك نكاية برئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي، والذي اتهمه مبارك بالميل إلى القذافي ضد بلاده. وما أن اشتد ساعد البشير حتى حاك محاولة اغتيال مبارك الشهيرة في أديس ابابا.
أسياس افورقي أصبح خبيرا في هذه السياسة وأصبح كذلك متفننا فيها وعلى مدى عقود اصبحت أي خسارة لأديس أبابا مكسبا له (حسب خياله). وفي هذا السياق يجب النظر إلى زيارة البرهان إلى ارتريا، ففيها يبدأ الدرس الأول له في هذا النوع من السياسة.
وزير الاعلام الارتري يماني قبرمسقل أشاد بعلاقات السودان وارتريا، وأهال التراب على نظام البشير متهما أياه بأنه افقر السودان وقسمه وجعله وكرا لتدريب الإرهابيين الارتريين وغيرهم، وهدد أمن واستقرار المنطقة.
الغريب أن هذا التصريح يصدر من اسمرا التي كانت رئتها الوحيدة التي تتنفس بها هي الخرطوم، حتى أن وسائل الاعلام السوداني كانت تشير ساخرة إلى زيارات افورقي إلى السودان كانت تتم بدون إعلام مسبق لرئاسة الجمهورية في شارع القصر. وختم وزير الاعلام الارتري تصريحه بتأكيد هو زبدة الحكاية والقول أن ارتريا ستقدم الدعم الكامل للمجلس العسكري الانتقالي وتمكينه من الانتقال السلمي للسلطة.
الحقيقة أن كلام الوزير كان دقيقا بشكل لافت فهو لم يقل "الشعب السوداني" بل المجلس العسكري، والدلالة هنا بالغة ومقصودة. فالاهتمام الارتري بدعم المجلس العسكري يأتي في ظل توتر مكتوم مع اديس ابابا والتي ملت من الكتابة عبر القنوات الدبلوماسية إلى اسمرا مطالبة إياها بإيضاحات فورية حول أسباب قفل الحدود بين البلدين، وعن أسباب منع تنفيذ الاتفاقات خاصة المتعلق منها بالتبادل التجاري، وحركة المواطنين والأهم من ذلك أسباب تعطل حركة النقل البري واستخدام الموانئ الارترية حسب ما هو متفق عليه بين البلدين، والخارجية الارترية تتجاهل بعناد الرد على الطلبات الاثيوبية المتكررة.
السلام بين البلدين وصل إلى نهاية الشوط وعادت المكائدات بين العاصتمين إلى الظهور وبتحريض من اطراف ثالثة متخصصة هي أيضا في سياسات المعادلة الصفرية. ضمن تجدد المماحكات بين أديس ابابا واسمرا وسعي كل طرف لتكبيد الطرف الآخر الخسائر الجسيمة يأتي اهتمام افورقي المفاجئ بالشأن السوداني.
فأسمرا تريد عرقلة وساطة رئيس الوزراء الاثيوبي في السودان. وتريد أن تقدم للبرهان "نصائح" حول كيفية تجاهل الضغوط الدولية: فاسمرا تعتبر نفسها متخصصة في تجاهل الضغوط الدولية خاصة ضغوط القوى العظمي والمنظمات الدولية. وهي حذرت وتلك من المرات النادرة - الاتحاد الافريقي - من تدويل الشأن السوداني، وكان ذلك مغازلة صريحة للمجلس العسكري الذي يبحث عن أي متنفس خارجي.
واسمرا تريد ان تقدم خبراتها للمجلس العسكري في كيفية مقاومة الضغط الدولي فيما يتعلق بتجاهل المطالب حول حقوق الانسان وقطعة خدمة شبكة الانترنت، فارتريا ذات سجل أسود وعنيد في تجاهل حقوق الانسان الأساسية وهي كذلك من الدول القليلة التي تمنع فيها وسائل التواصل بشكل دائم. ففي مايو الماضي قطعت النذر القليل المتاح من الانترنت عن مواطنيها. وتريد أن تعطي المجلس العسكري الدرس في سد الأذنين.
هذه الارشادات التي تقدمها اسمرا إلى الخرطوم لن تفيد، بل ستضر، لأنها في الأساس لا تصلح للتصدير خارج ارتريا، والتي تحولت بسبب هذه السياسات إلى بركة آسنة لا حياة فيها بسبب العزلة الدولية. وارتريا فوق كل ذلك يحركها خوف وجودي من الثورات الشعبية: فهي باختصار لا تريد لثورة شعبية أن تندلع فيها وتهدد حكم الرئيس افورقي المطلق للبلاد، وهذا الخوف تبدي جليا في تعامل ارتريا مع ثورات الربيع العربي عام 2011.
اسمرا تريد، وبإيعاز خارجي، تحويل السودان إلى ساحة حرب مفتوحة بينها وبين أعدائها ولا تهمها مصلحة الشعب السوداني في كثير أو قليل. من قبل حولت اسمرا الصومال إلى ساحة حرب بالوكالة بينها وبين اثيوبيا ولم تتوقف هذه الحرب إلا باتفاق السلام مع اثيوبيا العام الماضي.
والآن مع تعكر علاقاتها مع اثيوبيا مرة أخرى تنوي اسمرا التحالف مع عواصم لا تريد الاستقرار للسودان، لأن الاستقرار في السودان وحسب اللعب بسياسة المعادلة الصفرية سوف يكون خصما على مكاسب هذه الدول، وهذا هو مغزى دعوة افورقي للبرهان لزيارة اسمرا، وهذا ما سوف يقدمه له ولشعب السودان الذي يمر بمخاض ثوري عسير.