العفر يحمون الإسلام في القرن الإفريقي
بقلم الأستاذ: محمد عثمان علي خير - كاتب وصحفي إريتري
عكست التطورات الأخيرة في اثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي، الدور الفعال (لسلطنة العفر)،
التي أثبتت طوال التاريخ أنها موئل للإسلام والمسلمين في الحبشة ومنطقة القرن الإفريقي، لقد شكلت السلطنة الإطار القوي والمتماسك في صد كل الهجمات، التي واجهت تلك المنطقة، كما تصدى رائدها الأول السلطان الصالح (محمد حنفري)، لأطماع ملوك الحبشة التوسعية واجبر (مينليك الثاني)، علي التوقيع مع السلطنة علي معاهدات الصداقة وحسن الجوار، والتي شهدت عليها (إيطاليا)، وهى أكبر دليل على استقلال كيان العفر وتميزهم بالدين والتقاليد واللغة.
شهدت السلطنة قبل سقوط نظام الإمبراطور (هيلا سلاسي) عام 1974م، نهضة زراعية شاملة قادها السلطان (علي مرح حنفرى)، باعتماده الوسائل الزراعية الحديثة، وجلب الخبراء والمهندسين للإشراف علي مزارع القطن والفواكه والخضراوات، كما أن المنطقة غنية بالثروة الحيوانية بأنواعها، وأيضاً هناك مؤشرات قوية، لوجود أنواع مختلفة من المعادن في باطن الأراضي العفرية، وان هذه الخيرات التي حبا الله تعالي بها هذه المنطقة كانت من الأسباب والدوافع، التي تحمل حكام الحبشة للدخول مع السلطنة في حروب متكررة، وبقيت السلطنة مستقلة حتى عام 1930م، ومع انتهاء الوجود المصري التركي من سواحل البحر الأحمر والإمارات الإسلامية في (هرر - وكافاء) وغيرها، لم تعد السلطنة قادرة على التحرك باستقلالية، خاصة وإنها أصبحت محاصرة بالوجود الإيطالي في إريتريا والفرنسي في جيبوتي، ومع تطور أطماع الحبشة، مما أدى في النهاية لأن تجد السلطنة نفسها ضمن خارطة هندسها (مينليك الثاني)، ونفذها (هيلا سلاسي)، وفي عام 1950م حاول الإمبراطور هيلا سلاسي استيطان العناصر الأمهرية النصرانية، وبناء الكنائس في أراضي العفر لتأكيد سيطرته عليها، وقد أدى هذا التصرف الي تدهور الوضع السياسي، الذي كان قائما بين السلطنة والحبشة، وتوجه السلطان (علي مراح) الي العالم العربي والإسلامي في رسالته التي اشتهرت (برسالة أوسا)، وبعد عامين من التوتر أدى الي تراجع (هيلا سلاسي) عن أطماعه التوسعية، وتمكنت السلطنة من الحفاظ علي كيانها المستقل، وفي عام 1956م عندما كان النفوذ الصهيوني في الحبشة علي أوجه، طلب الإمبراطور (هيلا سلاسي) الراحل من السلطان (علي مرح)، أن يدخل في اتفاقية تجارية مع الكيان الصهيوني، لشراء لحوم المواشي من منطقة السلطنة العفرية، ورفض السلطان هذا الطلب تضامناً مع إخوانه المسلمين العرب، وتأكيداً لرفضه للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وشهدت السلطنة خلال فترة صراعها مع (هيلا سلاسي) نشاطاً كبيراً في مجال التعليم، حيث أقامت المعاهد الدينية والمدارس، ونشرت تعاليم الدين الإسلامي، واللغة العربية، والقرآن الكريم، والفقه والحديث النبوي والتوحيد وغيرها من العلوم الحديثة، وقد خَرجت هذه المعاهد والمدارس عدة أفواج، واصل بعضها التعليم في الخارج، كما أسهم الكثير منهم في الجهاد والبناء.
جهاد أبناء السلطنة:
في مطلع عام 1975م، اجتاحت القوات الإثيوبية أراضي الشعب العفري، بما يشبه حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الأعزل، ولكن شعب العفر واجه القوات الإثيوبية بكل صلابة وثبات بالرغم من إمكاناته المحدودة، وقد عبر اجتياح (منجستو) للسلطنة عن تحقيق أطماع الصليبية التاريخية الحاقدة في اثيوبيا، التي كانت تتحين الفرصة لإزالة سلطنة العفر، باعتبارها كانت ومازالت عمقاً للمسلمين في القرن الإفريقي، وللوقوف أمام المد الإسلامي (لسلطنة العفر)، كانت تخطط اثيوبيا من أيام (هيلا سلاسي)، للدخول الي أراضي شعب العفر، الا أن الإمبراطور (هيلا سيلاسي) كان يتردد، ويخاف من نتائج هذا الاجتياح، وهو يدفع الثمن غاليا في اجتياحه لإريتريا، التي أعلنت الكفاح المسلح عام 1961م، ووقفت في وجه أطماع اثيوبيا التوسعية، ومرغت ثورة إريتريا وجه هيلا سيلاسي في وحل تلك الهزائم العسكرية، التي عادت على اثيوبيا بالدمار السياسي والاقتصادي، وكان من نتائج تلك الثورة الإريترية سقوط نظام (هيلا سلاسي) عام 1974م.
وتمت لقاءات وحوارات متواصلة مع السلطان (على مرح) ذلك القائد الحكيم، الذي عرف كيف يقود شعبه، وينال حبه وطاعته بتلك المواقف والقرارات التاريخية، التي يتخذها في الوقت المناسب، وقد تمخضت تلك الحوارات مع حكومة (زيناوي) علي ترك الخيار للسلطان، إما أن يختار الاستقلال عن اثيوبيا ويعلن دولته، واما أن يبقي في ظل اثيوبيا وتحت نظام الحكم الذاتي، وكانت الفرصة مواتية لكي يعلن السلطان استقلال بلاده، الا أنه تقدم بمشروع سياسي يدل علي بعد نظره السياسي وتطلعاته الإسلامية الواسعة، وإحساسه بالمسؤولية تجاه شعب العفار الموجودين داخل المقاطعات الإثيوبية، وتضمن مشروعه، أنه يمكن أن يقبل بالحكم الذاتي في إطار اثيوبيا، بشرط أن يتم ضم العفار الموجودين داخل المقاطعات الإثيوبية في (شوا - وولو - وتجراي - وهرر) الي سلطنته، ويكونون تحت إدارته ووافقت حكومة (زيناوي) علي هذا الشرط، وضمت كل هذه المقطعات الي سلطنة العفار، مما عزز قوة السلطنة بزعامة السلطان الصالح (علي مرح)، الذي تتطلع إليه آمال المسلمين في منطقة القرن الإفريقي بشكل عام، ونسبة العفر داخل المقاطعات الإثيوبية في حدود (خمسة ملايين) نسمة، وان هذا الاتجاه أدى الي لجم القوى الصليبية، التي كانت تتربص بالسلطنة لإدخالها في مشاكل داخلية وخارجية تعرقل جهودها من أجل البناء والتعمير، وفي مؤتمر المصالحة الوطنية الإثيوبية، الذي ضم كل الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، الذي عقد في (أديس أبابا) في ديسمبر عام 1992م أعلن السلطان تمسكه بوحدة اثيوبيا، وفق مشروعه السياسي، الذي أشرنا إليه وهو الوحيد الذي أطلق هذا الشعار أمام تردد الكثيرين.
وحظي بذلك علي تأييد واحترام كل القوي السياسية الإثيوبية، وأصبح موضع ثقة من الحكومة المركزية الإثيوبية، التي أصبحت ترجع إليه حتى فيما يتعلق بشؤون المسلمين داخل اثيوبيا.
مطالبة بدعم السلطنة:
لقد صاحب سقوط نظام (منجستو) ومجيء (زيناوي) بشعاراته الديمقراطية تركيز المؤسسات الصليبية والكنائس العالمية للتدخل بكل إمكاناته لتقوية جانب القوي النصرانية، التي تمثل الأقلية داخل اثيوبيا والمواجهة بالأكثرية الإسلامية الإثيوبية في معظم المقاطعات، باعتبار أن سلطنة العفار تمثل العمق (الاستراتيجي) بالنسبة للمسلمين في اثيوبيا، وظلت في جميع مراحل تاريخها القوي الداعمة للإسلام والمسلمين في اثيوبيا، ويتطلب ذلك من الحكومات العربية والإسلامية والمؤسسات الخيرية الإسلامية تركيز دعمها للسلطنة وتمكينها من التغلب علي المصاعب الاقتصادية والتعليمية وفتح المجال واسعا أمام الحكومة العفرية، التي تشرف علي السلطنة تحت إدارتها كاملا، وضمن استقلالية كاملة عن الحكومة المركزية في (أديس أبابا)، وقد مدت الكنائس بل والكيان الصهيوني يد المساعدة، وتقدمت بمشاريع للنهوض باقتصاد السلطنة، الا أن السلطان (علي مرح) الذي ضحي بالكثير من أجل الإسلام والمسلمين رفض كل تلك المشاريع، لأنه يعلم ما تحمله من اتجاهات خطيرة من تخريب ديني وثقافي، وتفريق وحدة شعب العفر، اللذين يتمتعون بحس عال في التزامهم تجاه أمتهم العربية والإسلامية.
وتتمثل احتياجات السلطنة في التالي:-
1. الدعم الاقتصادي بمجالاته المختلفة للنهوض بالبنية الاقتصادية، التي تعرضت الي دمار، بسبب الحرب.
2. تقديم أكبر عدد ممكن من الآليات الزراعية للاستفادة من تلك الأراضي الشاسعة الخصبة للقيام بزراعتها.
3. التعجيل بفتح مجال البعثات التعليمية في المجالات الفنية والإدارية خاصة، وان هذا المجال هو الذي اصبحت تنفذ من خلاله القوي المعادية للإسلام.
4. القيام ببناء المدارس والمعاهد والمستشفيات، التي تمكن شعب السلطنة من تلبية احتياجات الضرورة خاصة، وان المنظمات الأوروبية والكنائس زجت بقوى فنية كبيرة للنهوض بالقوى النصرانية في اثيوبيا لتمكينها من السيطرة.
أن القوى الإسلامية والعربية مطالبة، بأن تأخذ خطوات جادة وكبيرة للحاق بما تبقى لها من أوراق استراتيجية في تلك المنطقة الهامة والحيوية لحماية أمنها واستراتيجياتها، ويكفي أنها تشاهد التدخل الصهيوني السافر في إريتريا وإثيوبيا، وغير قادرة علي فعل أي شيء، سوى الركون علي حالة اللامبالاة، التي تنذر بمخاطر حقيقية علي كل الدول الواقعة علي البحر الأحمر، بل وفي العمق العربي.