السلام الإريتري الإثيوبي يتخطى القرن الإفريقي ويلفت أنظار العالم
المصدر: التحرير
مصر اليوم حيث تسعد إريتريا للتخلى عن نظامها الشمولي الذي لا يختلف كثيرًا عن كوريا الشمالية، حيث بدأت في الضغط
لتصبح لاعبًا رئيسيًا في واحدة من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية في العالم.
فبعد عقود من العزلة، قررت الدولة الواقعة على البحر الأحمر، بالانخراط في الساحة الدولية، خاصة بعد أن أنهت أزمتها مع عدوها اللدود منذ الحرب الحدودية في نهاية القرن الماضي "إثيوبيا"، وإعلان التقارب في يوليو الماضي، إضافة إلى ذلك توقيع الصومال اتفاق للتعاون الثلاثي مع البلدين، يتضمن تحقيق السلام مع جيبوتي، التي رحبت بدورها بهذه الخطوة.
شبكة "بلومبرج" أشارت إلى أن آثار تحسين العلاقات بين البلدين، وصلت إلى ما وراء القرن الإفريقي، لتلفت انتباه دول مثل الإمارات والسعودية والصين وروسيا، حيث ترحب إريتريا بهذا الاهتمام، بعد ربع قرن من استقلالها عن إثيوبيا.
وصرح يماني جبريب كبير المستشارين السياسيين للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في مقابلة أجريت معه في العاصمة أسمرة بأن إريتريا ليست جزيرة، ويمكنها أن تنمو في بيئة تعاون إقليمي.
ورقة إريتريا الرابحة:
"الجغرافيا" هي ورقة إريتريا الرابحة، حيث تقع عبر البحر الأحمر، بالقرب من السعودية واليمن وباب المندب، وهي نقطة شحن تستخدمها ناقلات النفط وسفن شحن أخرى في طريقها إلى أوروبا والولايات المتحدة عبر قناة السويس.
في المقابل، أشادت الصين بموقف إريتريا من طريق "الحرير البحري"، الذي يربط بين ممرات الملاحة على طول مبادرة الحزام والطريق المقترحة التي تبلغ قيمة استثماراتها تريليونات من الدولارات.
ونقلت الشبكة عن سعود السرحان الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية قوله: إن "طريق الحرير يجعل من إريتريا عنصرًا أساسيًا لأي قوة لها مصالح أمنية في المنطقة".
ويبدو أن الأهمية الاستراتيجية لإريتريا كانت حافزا قويا لدولة الإمارات العربية المتحدة لعقد اتفاقات عسكرية مع الدولة الإفريقية لبناء منشأة عسكرية في ميناء عصب الإريتري، وذلك حماية لسواحل البحر الأحمر من ناحية، ودعم قواتها المشاركة في التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن من ناحية أخرى.
الحرب والعقوبات:
كبير المستشارين السياسيين للرئيس الإريتري علق على بناء القاعدة بالقول: إن "بنائها لا يتعلق بوجود قواعد عسكرية أخرى في المنطقة، ولا يتعلق بالأموال"، ولكنه اعتراف بأن هناك مصالح حيوية تحتاج إلى الحماية في البحر الأحمر، مشيرًا إلى احتضان جيبوتي المجاورة لبلاده القواعد العسكرية الأمريكية والصينية الوحيدة في إفريقيا.
وأضاف يماني، أن الحزب الحاكم سعى إلى تعاون إقليمي أوثق منذ أن كان حركة تحرر قبل أن تحصل البلاد على استقلالها عن إثيوبيا عام 1993.
وقد تعثر الموقف بعد سقوط الصومال في دوامة الحرب الأهلية في عام 1991، وظهور دولة إسلامية في السودان على يد الرئيس عمر البشير، والحرب مع إثيوبيا، وفرض عقوبات من الأمم المتحدة في عام 2009 بسبب روابط إريتريا المزعومة مع المتشددين الإسلاميين في الصومال.
وأشار المسؤول الإريتري إلى أن الهدف الأساسي لتوقيع اتفاق السلام مع إثيوبيا هو الدخول في شراكة مع جارتها العملاقة، من أجل التعاون والتكامل الإقليميين.
"بلومبرج" أكدت أن ذلك أصبح ممكنًا بعد تولي أبي أحمد رئاسة الوزراء في أديس أبابا في أبريل الماضي، وشرع على الفور بتنفيذ مجموعة واسعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
مليارات المعونة:
وأكد يماني الذي يرأس اللجنة السياسية في الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الحاكمة في إريتريا، أنه "إذا كان الوضع في إثيوبيا مختلف عما هو عليه الآن، فإن كل هذه الجهود والتشجيعات لم تكن لتأتي بأي نتائج"، مضيفًا "بالنسبة لنا، كانت النقطة الحاسمة هي تحديد ما إذا كان هناك تغيير حقيقي في إثيوبيا".
وأدى التقارب بين البلدين إلى إعادة فتح الطريق المؤدي إلى إثيوبيا، التي تعد أسرع اقتصادات القارة نموًا وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، والذي أُغلٍّق منذ انتهاء الحرب بين البلدين في عام 2000، وهو ما يجذب العديد من المستثمرين إلى المنطقة.
وفي أعقاب اتفاق السلام، تعهد صندوق أبو ظبي للتنمية الدولية بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار إلى إثيوبيا، بما في ذلك مليار دولار لبنكها المركزي، في حين أعلنت شركة موانئ دبي العالمية المملوكة للدولة عن خطط لإنشاء مرفق لوجستي إقليمي في إثيوبيا.
المصالح الروسية:
الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها إريتريا وإنهاء الصراع مع إثيوبيا جعلتها وجهة لروسيا، التي أشادت بالتقارب، معتبرة أن ذلك يمثل فرصة للشركات الروسية لتوسيع مصالحها في المنطقة مثل المشاركة في خط أنابيب نفط إقليمي وممرات نقل، بحسب وزير الخارجية سيرجي لافروف.
وفي مارس الماضي، أعلن لافروف عن عقد محادثات مع إثيوبيا لإقامة مركز للتكنولوجيا النووية مخصص في المقام الأول للأعمال البحثية.
ونقلت صحيفة "إيتار تاس" عن لافروف قوله في 31 أغسطس الماضي: "نحن واثقون من أن تطبيع العلاقات بين البلدين يلبي المصالح الأساسية لشعبي إريتريا وإثيوبيا، وسيسهم في الجهود الرامية إلى خلق جو من حسن الجوار بين البلدين، ليصبح عاملاً هاما لتعزيز الاستقرار والأمن في القرن الإفريقي".
ويرى تيمور خان الباحث في معهد دول الخليج العربي، أن فائض المياه في إثيوبيا والمساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة قد تساعد أيضًا في حل مشاكل الأمن الغذائي بين دول الخليج العربي، في حين من المتوقع أن يوفر بيع حصص الدولة في شركات رئيسية مثل الاتصالات والخطوط الجوية الوطنية، فرصًا استثمارية.
وبالنسبة لإريتريا، "هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات المحلية والدولية حتى تتمكن من وضع حد للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة وجذب الاستثمارات الدولية"، كما يقول جيل وينترشتاين المحلل السياسي والأمني، مضيفًا أنه إذا نجحت في ذلك، قد تصبح إريتريا قوة جديدة في القرن الإفريقي.