ما هي الأسباب التي أحدثت التحولات في القرن الأفريقي؟ وما مصير النظام المعزول في ارتريا؟
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
أعتقد من الأسباب التي أحدثت هذه التحولات السياسية الجوهرية في مواقف دول القرن الأفريقي المتناحرة،
التدخلات الخارجية وأهمية المضايق المائية والحروب الأهلية والإقليمية القائمة بين دول الشرق الأوسط، وفي هذه الظروف المضطربة ظهرت أهمية دول القرن الإفريقي بسبب حرب اليمن و امتدادها علي شواطئ البحر الأحمر وباب المندب، ومن الممكن أن نذكر أهم هذه الأسباب:
1. انهيار دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان بسياساتها الداخلية التي سمحت بالتدخلات الخارجية التي أفرزت المنظمات الإرهابية، ووجود أنظمة دكتاتورية فاسدة في أفريقيا، وموجة الجفاف والبطالة، التي جعلت كثير من الشباب يطمح بالهجرة إلى دول الغرب الغنية في موجات بشرية هائلة جعلت الكثيرين منهم ضحايا عصابات التهريب والمجازفة في البحار و الصحاري بأرواحهم وموت العديد منهم مما جعل الكثير من الضمائر الإنسانية في العالم تتألم وتعطف علي أحوالهم المزرية ووضعهم الإنساني البائس مما جعل المجتمع الغربي ينقسم إلى قابل و رافض لاستقبالهم.
2. كانت ردة الفعل لهذه الهجرات عدم تقبل اليمين المتطرف لها وقد تقبل بعض الناخبين سياسات هذا اليمين المتطرف التي ترفض استقبال المهاجرين ورأوا فيها طمس لهوياتهم وعقائدهم وموروثاتهم الحضارية والتاريخية وخاصة أن معظم المهاجرين من المسلمين، فأصبحت تجد القبول من المجتمع الغربي وأصبح هذا اليمين المتطرف يتقدم في الانتخابات علي حساب الأحزاب التقليدية، مما جعل هذه الأحزاب تبحث الحلول في بؤر المصادر التي ينطلق منها المهاجرون بغض النظر عن طبيعة الأنظمة، إذ جعلت الأولوية لأمنها.
3. سيطرت حزب العدالة والتنمية الإسلامي البرغماتي الذي يحكم دولة تركيا العلمانية، بمفاهيم تحمل أفكار الدولة العثمانية وسعيه للسيطرة علي العالم الإسلامي السني وخاصة منذ اندلاع الربيع العربي ودعمهم للثورة السورية في بدايتها بقيادة الجيش الحر الذي كان يقوده الضباط الهاربين من النظام، ثم ساومت في سوتشي مع الروس والإيرانيين لكسب النفوذ في المنطقة مستبعدين الدول العربية ذات التأثير السياسي مثل مصر والسعودية من القضية السورية، كذلك استقطبت كافة أحزاب الإخوان العربية منها إخوان مصر وأظهرت العداء السافر لمصر بعد الإطاحة بمرسي، فانعكس هذا علي المنطقة العربية وأصبح التمدد التركي لم يجد القبول في معظم الدول العربية بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية.
4. التدخل الإيراني الفاضح في سوريا والعراق ولبنان والإعلان بإقامة الهلال الشيعي الذي يربط إيران بلبنان عبر الأراضي السورية والعراقية ثم انقلاب الحوثيين في اليمن واستيلائهم علي السلطة وإنشاء ماليشيا مشابهة لماليشيا ت حزب الله في لبنان، وإعلان هيمنتها علي أربعة عواصم عربية، كل ذلك كان بمثابة خطر داهم ووشيك علي الدول العربية وخاصة الخليجية.
5. أدركت الدول الخليجية الغنية بأنها المستهدف الأول بهذه التدخلات المعلنة، والتكتلات السياسية وهذا الحصار من كل الأطراف، خاصة من إيران وتركيا وأنهما تعملان لتقسيم الدول العربية إلي مناطق نفوذ شيعي لإيران ونفوذ سني لتركيا وربما بمباركة من القوة العظمي أبان حكم الرئيس أوباما للولايات المتحدة، فقامت المملكة العربية السعودية و التحالف بعاصفة الحزم التي باغتت دول التدخل وخلطت كل أوراق التدخل.
6. وبعد منع التحالف هبوط الطائرات في مطار صنعاء وخاصة الإيرانية التي كانت تزود الحوثيين بالأسلحة ظهرت أهمية البحر الأحمر وتهريب السلاح بكميات كبيرة وجعلت منه إيران البديل عن مطار صنعاء فحاولت التمركز علي شواطئ البحر الأحمر الإفريقي المقابل، فأصبح الصراع علي البحار والمضايق المائية وخاصة البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يعتبر المنفذ الثاني لدول الخليج لتصدير البترول، ولجمهورية مصر العربية الذي يعتبر مدخل لقناة السويس، فكانت حماية هذا المنفذ من صميم الأمن القومي العربي،فأصبح اهتمامها بدل القرن الأفريقي التي تتسابق عليها الدول التي تبحث عن النفوذ لطول شواطئ هذه الدول وتحكمها في باب المندب مع اليمن.
7. الانقلاب المدني في أثيوبيا ومجيء أبي أحمد رجل الحداثة رئيسا لها، وسقوط نظام التجراي المتقوقع الجامد الذي جعل من نفسه الحارس لدول القرن الإفريقي بالقوة المسلحة والعلاقات المتوترة مع القبضة الحديدية في الداخل وارتكاب كثير من التجاوزات التي أحدث هذا التغيير في أثيوبيا.
هذه أهم العوامل التي أثرت في التحولات السياسية التي تحدث في دول القرن الإفريقي التي أنهكتها الحروب الأهلية وسطوت الأنظمة الدكتاتورية، وأصبحت مصدر القلق لدول الغرب،ودول الجوار، بأمواج الهاربين المطالبين بحق اللجوء من الصومال وأثيوبيا وارتريا والسودان، وبتهريب البشر وتهريب الأسلحة الإيرانية عن طريق القوارب من موانئ هذه الدول، فوجدت حركة أبي أحمد التي يقف خلفها الغرب وتدعمها دول الجوار، قبولا واسعا وسط شعوب ودول المنطقة، فقبلت بالانفراج الذي بدأه بزيارته لارترية، وتبعه بزيارات لكل دول القرن الإفريقي، وهدّأ مصر فيما يتعلق بسد النهضة في زيارته لها.
وبإمكاننا أن نبحث السيناريو الأقرب للواقع عن ظروف النظام الارتري المتقوقع، والذي وجد في مبادرة أبي أحمد مخرجا ومتنفسا له من الانسداد النفسي والسياسي والمعيشي الذي كان يعيشه، فانبسطت أساريره وارتفعت معنوياته وقد خدمته في ذلك الولايات المتحدة حتى وافق بكل ما أملوه عليه دون النظر لسيادة الدولة وتضحياتها ودون الرجوع للشعب الارتري المقهور.
وبسياسة الانفتاح التي اتبعتها أثيوبيا بقيادة أبي أحمد حققت ما عجزت عن تحقيقه بالحروب في كل من الصومال وارتريا فهي:-
أ) استخدمت نفوذها العسكري والسياسي والإقليمي والدولي للهيمنة علي هذه الدول ومياه البحر الأحمر فهي فعلا اليوم تهيمن علي موانئ الصومال وجيبوتي وارتريا وقد تحققت لها الهيمنة التي كانت تقاتل من أجلها خلال العقود أخيرا بهذا السلام، فلها وجود عسكري مهيمن ومؤثر علي الصومال بكل مسمياته نتيجة لحروبه الداخلية وانفراط حبل الدولة والوحدة الوطنية، وبوجود البعض من المكون الارتري المعروف بولائه لها عبر عقود، وهو ممسك بالسلطة ويؤمن بالولاء المطلق لها ويسعي لإيجاد الكونفيدرالية معها معتبرا ما كان من خلاف بينهم عبر العشرون عاما ودماء الشهداء التي أسالها لا يعني أثيوبيا الكبرى أكثر مما يعني من أسماهم بمجوعة الوياني وأعتبرها تصفية حساب كانت بينهم وانتصر عليهم وهذا يكفي لعودة ارتريا لأثيوبيا.
ب) وكذلك قد ساعدها في ذلك نأي السودان عن التدخل في هذه المشاكل وعدم منافسته لها، واكتفي بما لدية من مشاكل القوميات، كذلك كسبت الجوار العربي الذي كان الداعم للقضية الارترية زمن التحرير، ودول أفريقية لها علاقات مؤثرة بهذه الأحداث ككينيا وأوغندا،وبالتالي أثيوبيا بسطت كامل نفوذها علي هذه الدول وموانئها وشواطئها مع إرضاء مصر ببعض التنازلات المخفية.
ت) يعتبر الوضع الارتري من أضعف هياكل دول القرن الإفريقي فنظام الحكم فيها فردي يخضع لمزاجية شخص افورقي المريض نفسيا وصحيا، الذي سلم ارتريا لأبي احمد ليقرر من جديد مصيرها فالدولة ليس لها دستور ولا مجلس تشريعي ولا قضاء ولا سلطة تنفيذية فهي تدار من قبل الشخص الواحد الذي يتخذ القرارات المصيرية، متجاهلا الشعب المبعد عن كل ما يحدث، وهذا الشعب المبعد لا ينظر لما يحدث بعين الرضا، وهذا الاحتقان قد ينفجر ويهدم كل ما تريد أثيوبيا أبي أحمد بناؤه من قرن أفريقي أمن تحت إمرتها يسوده السلام إذا لم يحدث التغيير.
أثيوبيا لا تجهل الوضع الداخلي الارتري علي مستوي النظام أو علي مستوي المعارضة التي كانت تحتضنها وتعرف حتى الصراعات الداخلية فيما بينها السياسية منها والطائفية، وتعرف إذا لم تحل هذه الأحادية في نظام الحكم، فالوضع سوف لا يستقر، ولكنها أمام الخيار الأصعب فهي لا تستطيع حله في إطار النظام الارتري الحالي غير المقبول داخليا وخارجيا والمكبل بالعقوبات الدولية والمحاصر بمنظمات حقوق الإنسان لما ارتكبه من جرائم قتل وتعذيب وإخفاء قسري وانتهاك لكل الحقوق الطبيعية للإنسان والتجاوزات السياسية والحقوق المدنية وغيرها الكثير، هذا الخيار الصعب هو إخراج المجرمين من السلطة كما حصل في أثيوبيا، وإشراك المعارضة في السلطة ووضع دستور متفق عليه بين مكونات الشعب الارتري، وهذا لا يتأتي إلا بإبعاد أفورقي عن السلطة، وظهور وجه جديد يقود المصالحة، وقد لا تتمكن فعل هذا بمفردها، وأن من أدار التغيير في أثيوبيا وأخرج التقراي من الحكم هي الولايات المتحدة الأمريكية وبشهادة مسئوليها، وهي غير بعيدة عن ما يجري في ارتريا من تسليم واستلام الموانئ وفتح الحدود،ولهذا متمسكة باستمرارية العقوبات وهي رسالة واضحة لأفورقي إن وجودك في السلطة غير مرغوب فيه، فالعملية في ارتريا شائكة، فأثيوبيا بعد مجيء أبي أحمد في السلطة علاقاتها غير جيدة مع المعارضة الارترية بعد أن أمرتهم بالمغادرة ولكن لا تجد صعوبة في احتواء المعارضة المسيحية المتمركزة في أثيوبيا، ولكنها ربما تحتاج إلي السودان في مرحلة قادمة لاحتواء المعارضة الإسلامية التي تشكل العمود الفقري ومركز تجمعها السودان حيث أصاب المسلمون الظلم في جميع مناحي الحياة وقد جردهم النظام من كل حقوقهم في الدولة وجعل منهم خدما لطائفته التي تحكم، ولا استقرار لنظام لا يشارك فيه المسلمون ولا يرضون عنه وتدرك هذا كل أطراف التدخل، ومن المستبعد جدا أن يكون ابرهام ابن افورقي الوريث الشرعي لوالده، لأن نظام التوريث في كل من سوريا وليبيا ومصر واليمن أثبت فشله و كان وبالا علي الشعوب وعلي استقرار المنطقة، فبهذا قد يكون البديل من خارج الجوقة شخص مقبول من كل الأطراف السياسية.