دخلها الإسلام منذ هجرة المسلمين إلى الحبشة... لمحة عن تاريخ دولة إريتريا
بقلم الأستاذ: سيد مصطفى المصدر: رصيف ٢٢
بعد عشرين عاماً من الصراع، أعلنت إثيوبيا وإريتريا في التاسع من يوليو إنهاء حالة الحرب بينهما، بعد لقاء "تاريخي" جمع
رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي في العاصمة الإريترية أسمرة.
أنهى هذا الإعلان حرباً، تسخن أحياناً وتبرد أحياناً أخرى، دائرة بين البلدين منذ عام 1998، وتوّج أسابيعاً من خطوات التقارب السريعة بين البلدين، قيل إن الإمارات لعبت دوراً فيها.
وكان آبي قد أعلن أن بلاده ستنسحب من بلدة بادمي ومناطق حدودية متنازع عليها، تنفيذاً لقرار أصدرته عام 2002 لجنة أممية عملت على ترسيم الحدود بين البلدين.
وقطعت إثيوبيا وإريتريا العلاقات بينهما عام 1998، حين خاضا نزاعاً حدودياً استمر سنتين وأسفر عن مقتل 80 ألف شخص.
تاريخ إريتريا القديم:
"عرفنا الإسلام قبل المدينة المنورة". بهذه الكلمات وصف عثمان صالح، عضو الهيئة المركزية لجبهة التحرير الإريترية، وهو تنظيم ثوري قاد معارك تحرير إريتريا من إثيوبيا، تاريخ بلاده ودخول الإسلام إليها، إذ استقبلت هجرتي المسلمين من مكة إلى الحبشة، هرباً من إيذاء قريش للدعوة الإسلامية في بداياتها.
وأسس الصحابة أول مسجد على ساحل البحر الأحمر وهو مسجد رأس مدر. وفي وقت لاحق، أصبحت إريتريا منفى للدولة الأموية ترسل إليه معارضيها، ثم حدثت لاحقاً هجرات عربية إليها آخرها هجرة قبيلة الرشايدة، وهي قبيلة يعود نسبها إلى بني عبس من عدنان، من الجزيرة العربية.
وأضاف صالح لرصيف٢٢ أن الوجود العربي ورث مملكة "البجا"، وكان مركزها مدينة حرقيفو الإريترية. وبعد فترة طويلة، بسط الخديوي إسماعيل نفوذه على مينائي عصب ومصوع، وظل البلد تحت الحكم المصري لما يزيد عن 56 عاماً، ولكن التسابق الاستعماري أدخل إيطاليا إلى المنطقة فأنشأت "مستعمرة إريتريا" على ساحل البحر الأحمر عام 1889، وظلت تحكمها حتى هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
الضم إلى إثيوبيا:
بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، برزت أزمة إريتريا، تلك البلاد التي اكتسبت هوية منفصلة بسبب الاستعمار والتي تقع بجوار إثيوبيا التي تُعتبر قلعة مسيحية في وسط إسلامي.
وُضعت إريتريا بداية تحت الانتداب البريطاني، وأوفدت الأمم المتحدة بعثة لاستطلاع رغبات أبنائها واضعة أمامهم خيارين: الاستقلال أو الانضمام إلى إثيوبيا.
وبدأ الصدام داخل أروقة الأمم المتحدة، إذ جاء وفد يطالب باستقلال إريتريا ووفد طالب بالانضمام إلى إثيوبيا، وكان الأخير ضمن الوفد الإثيوبي. ويتناقل الإريتريون عن وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس قوله "إن إريتريا تستحق الاستقلال إلا أن مصالحنا ومصالح حلفائنا تقتضي ضمها لإثيوبيا".
وفي الثاني من ديسمبر 1950، صدر قرار أممي يقضي بوضع إريتريا كمنطقة ذات استقلال ذاتي في إطار وحدة فدرالية مع إثيوبيا، حسبما ذكر صالح.
الاستقلال والدعم العربي:
"بحثنا عن الاستقلال من القاهرة"، يقول نائب رئيس جبهه التحرير الإريترية حسن أسد، مستعيداً صفحات من رحلة الصراع مع إثيوبيا التي استمرت أكثر من 30 عاماً.
تأسست جبهة التحرير الإريترية في يونيو 1960 في القاهرة بقيادة إدريس محمد آدم، وانطلقت شرارة الكفاح المسلح في غرب إريتريا في الأول من سبتمبر 1961، بقيادة حامد إدريس عواتي.
وروى أسد لرصيف٢٢ أن الإريتريين توجهوا للعرب عندما أرادوا الاستقلال، مبيناً أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر "بارك الثورة"، رغم أنه "واجه ضغوطاً شديدة من إثيوبيا" نظراً لوجود منظمة الوحدة الإفريقية فيها، وهي منظمة تجمع الدول الإفريقية تحت مظلتها وتأسست عام 1963.
سمح عبد الناصر للإريتريين بالحركة، وببث برنامج موجّه للإريتريين من القاهرة قدّمه أحد أعضاء جبهة التحرير.
وأشار أسد إلى أن مبعوث عبد الناصر للحركة كان الرئيس الأسبق أنور السادات، وهو مَن افتتح مقر الطلاب الإريتريين في القاهرة.
وفي عام 1963، وصلت أول شحنة أسلحة كلاشينكوف إلى "الثوار" الإريتريين من سوريا، وقبل ذلك بعام، أنشئ أول مكتب معترف به للحركة في الصومال، كما قدّم العراق دعماً كبيراً مادياً وسياسياً لجبهة التحرير، ودورات عسكرية لعناصرها، وكانت اليمن الجسر الذي يصل الدعم منه إلى إريتريا، حسبما قال أسد.
سنوات الكفاح المسلح:
يوضح أسد أن "الثورة" بدأت في الريف ثم انطلقت إلى باقي أرجاء إريتريا، وشن الإمبراطور الإثيوبي هايلي سيلاسي حرباً على الثوار، "بطريقة الأرض المحروقة"، وارتكبت قواته مذابح، ما أدى إلى موجة لجوء إلى السودان.
ويلفت إلى أن "الثورة" انتهجت استراتيجية التركيز على السواحل، فتركت الموانئ الكبيرة، وأنشأت مرافئها الخاصة بين مصوع وعصب مثل رأس قصار عند الحدود السودانية ورأس أرجيتا قرب باب المندب، كما أنڜأت أسطولاً سُمّي بالبحرية الإريترية، فصارت إثيوبيا، منذ عام 1967، حبيسة.
ويروي أن جبهة التحرير الإريترية خاضت العديد من المعارك الحاسمة أمام الإثيوبيين، بدأت بمعركة أدال، وهو الجبل الذي كان فيه المعقل الرئيسي لـ"قوات الثورة الإريترية"، في غرب إريتريا، ومعركة مدينة هيكوتة عام 1964، وهي مدينة تقع غرب إريتريا على ضفاف نهر القاش.
ويتابع أنه في الخامس من مارس عام 1964، "غيّرت معركة تقوربا الواقعة غرب مدينة أغردات مجرى الصراع، فقد حشد الإثيوبيون كتيبة كاملة مجهزة بأحدث الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية، واستمرت المعركة نهاراً كاملاً، وكانت النتيجة هزيمة مرة لجيشهم وتكبده أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، ولاحقاً اعتمدت جبهة التحرير الإريترية تاريخها عيداً لجيش التحرير الإريتري".
ومنذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، والكلام لأسد، "انتقلت الثورة إلى مرحلة الهجوم لتحرير المدن فتحررت كبرى المدن وعواصم المحافظات عبر معارك بطولية، مثل مدن تسني وأغردات ومندفرا، بين عامي 1977 و1980".
ويشير إلى أنه مع سقوط نظام هايلي سيلاسي، عام 1974، خلفه نظام منغستو هيلا ميريام، هو رئيس اشتراكي قاد انقلاباً على آخر الأباطرة، واقترح بعد تسلمه السلطة حلاً للقضية الإريترية ضمن إطار إثيوبيا، فرفضته "الثورة"، فتعامل معها بمنطق الحسم العسكري.
أسياس أفورقي:
كان الرئيس الإريتري الحالي أسياس أفورقي أحد شباب أسمرة الذين انضموا إلى ثورة الإريتريين، وأُرسل في دورة تدريب إلى الصين، ثم تولى منطقة أسمرة، بحسب أسد.
ومنذ عام 1973، ظهرت انقسامات في صفوف جبهة التحرير، فانشقت قوات التحرير الشعبية برئاسة عثمان سبي، وهي حركة يسارية، وانضم أفورقي إليها، ولما تمكّن، انقلب على عثمان سبي عام 1976، واستولى على ممتلكات قوات التحرير الشعبية، وحظي بدعم الغرب ما ساعده على تثبيت نفسه في المشهدين السياسي والعسكري، إذ تحالف مع جبهة تحرير تغراي، وألحقوا هزيمة عسكرية بقوات الثورة الأم وأخرجوها إلى السودان.
ويشير القيادي في حركة 24 مايو الإريترية حامد العجب إلى أن الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي تحالفت مع جبهة تحرير تغراي بزعامة ميلس زيناوي، وهي جبهة إثيوبية معارضة، برعاية الإدارة الأمريكية، في مؤتمر عقد في لندن، أفضى إلى الاعتراف بحق الإريتريين بتقرير مصيرهم مقابل معاونة زيناوي في القضاء على نظام منغستو وتولي السلطة في أديس أبابا، والسماح لإثيوبيا باستخدام ميناء عصب ومصوع تجارياً.
وبالفعل، نجح الطرفان في إسقاط منغستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وخرجت القوات الإثيوبية من إريتريا عام 1991، وتشكلت في الأخيرة حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاماً على الاستقلال أتت نتيجته 99% لصالح الاستقلال، فصارت منذ عام 1993 دولة مستقلة.
انتقادات للنظام الإريتيري:
إلى جانب قصة التحرر الوطني، هناك قصة أخرى مليئة بالنقد لها علاقة بطبيعة النظام الإريتري بعد الاستقلال.
"أسوأ الدكتاتوريات. لا محاسبة، ولا دستور، ولا قانون". بهذه الكلمات وصف العجب نظام أفورقي، مشيراً إلى أنه "أدار الدولة بخلايا أمنية، وقام بتصفية الخصوم والمنافسين"، كما شنّ حملة اعتقالات بعد الاستقلال بشهرين.
واتهم العجب أفورقي بأنه يتهرّب من الاستحقاقات الديمقراطية عن طريق الحروب، "فبعد ثلاث سنوات من الاستقلال دخل حرباً ضد اليمن بسبب النزاع حول جزيرة حنيش، وفي عام 1996 دخل حرباً ضد السودان بسبب الحدود الإثيوبية. وعندما تقرر إجراء استفتاء على الدستور عام 1997، دخل حرباً مع إثيوبيا حول منطقة بادمي، وهي مدينة حدودية بين الدولتين".
وفي عام 2001، طالب 15 وزيراً بالإصلاح وبتفعيل الدستور وتقييم الحرب مع إثيوبيا، وجمعوا توقيعات لعقد اجتماع للحزب الحاكم، فقام أفورقي بالاعتماد على الجنرالات بزج المعارضين في السجون، في فترة أحداث 11 سبتمبر، كما يروي العجب.
وأضاف عجب أن عصر أفورقي تميّز بالتضييق على حياة الناس، و"الشباب تحت سن 40 عاماً غير مسموح لهم الخروج من إريتريا"، كما أن مؤسسات الحزب الحاكم تحتكر التجارة.
وطال القمع المدنيين من مدرسين في معاهد إسلامية إلى شيوخ قبائل وقضاة وصحافيين وفنانين، أبرزهم "فنان الثورة الأول إدريس محمد علي وهو فنان له القدرة على تحريك الشارع بأغانيه الحماسية المؤثرة"، والقاضي ود مرانت "الذي كان معتقلاً في عهد الاستعمار الإثيوبي ثم اعتُقل بعد دخول الجيش الإريتري إلى العاصمة أسمرة"، فوصل عدد المعتقلين إلى 10 آلاف شخص، والكلام لعجب.
من إسرائيل إلى القاعدة:
يشير القيادي في حركة 24 مايو الإريترية محمد نور شمسي إلى أن النظام الإريتري نسج علاقات مع إسرائيل لا يخفيها أفورقي، فقد كانت أولى زيارة له بعد الاستقلال إلى إسرائيل بحجة عمل فحوصات طبية لوعكة أصابته.
ويضيف لرصيف٢٢ أن إسرائيل استأجرت ثلاث جزر إريترية هي دهلك الكبرى وحالب وفاطمة، في البحر الأحمر، والشركات الإسرائيلية منتشرة في إريتريا بشكل واسع.
من جانب آخر، يوضح شمسي أن قواعد إيرانية ظهرت في إريتريا، فاستأجرت طهران ميناء عصب، واستغلت قواعدها على البحر الأحمر ومكاتبها التجارية لدعم الحوثيين، قبل أن يهرع أفورقي إلى الخليج ويعرض خدماته على دوله وينضم إلى معسكر التحالف السعودي الإماراتي في الحملة التي يشنها في اليمن ضد الحوثيين.
ويتهم شمسي أفورقي بدعم حركة الشباب الإرهابية، وهي حركة صومالية مبايعة لتنظيم القاعدة، نكاية بإثيوبيا، وللإستفادة من غنائمها من عوائد القرصنة، ولذلك أدان مجلس الأمن النظام سنة 2009.
الخدمة العسكرية الإجبارية:
يروي شمسي أن التجنيد الإجباري في إريتريا مفروض على الشباب من الجنسين ما فوق الـ15سنة، وهو غير محدد المدة بذريعة أن البلاد تواجه تهديداً خارجياً خاصة من إثيوبيا، ويعيش المجند هاجس أنه سيبقى على هذا الوضع إلى الأبد.
ويقول: "تعتبر الحياة العسكرية في إريتريا أسوأ استعباد في العصر الحديث، فقد اختار النظام المناطق الأكثر قساوة في الطقس لتكون مقرات للتدريب مثل مناطق ساوا، قحتيلاي، وعصب، ويموت الكثيرون من الشباب أثناء التدريب أو أثناء محاولة الفرار، عدا الاستغلال الجنسي للفتيات في معسكر ساوا".
ويتهم أسد أفورقي بانتهاج سياسة معادية لكل ما هو عربي وإسلامي في البلاد، إذ اعتقل الدعاة ومعلمي اللغة العربية، ومنع المدارس الحكومية من تدريس العربية، وأغلق المعاهد الأزهرية ومنع بعثات الطلاب إلى الأزهر، وفي آخر الأحداث ذات الصلة، فرضت مدرسة أهلية دينية في أسمرة على الفتيات خلع الحجاب.
وشرح أسد أن التضييق على الشعائر الإسلامية مستمر من منع مكبرات الصوت في المساجد ومنع دروس العلم فيها.
عقود الحروب التي شهدتها إريتريا منذ أيام الإمبراطور هايلي سيلاسي أسفرت عن لجوء مئات الآلاف إلى الخارج. ويتهم اللاجئ الإريتري حامد سلمان أفورقي بوضع كافة العراقيل لمنع عودة اللاجئين إلى وطنهم.
كما يتهم سلمان النظام بتنفيذ سياسة ممنهجة تهدف إلى طرد السكان الأصليين من المدن الإستراتيجية الساحلية المطلة على البحر الأحمر، لا سيما ميناءي عصب ومصوع، ومن الأراضي الزراعية الخصبة الواقعة في السهول الغربية والشرقية في الجزء الشمالي من إريتريا، لتوطين أبناء مجموعة عرقية واحدة مكانهم، هي قبيلته التجرينيا.