هذا ما أنتجه أفورقي فماذا نحن منتجون
بقلم الأستاذ: محمود عثمان إيلوس - كاتب وبـاحث ومحلل سياسي
هذه حكمة الخالق وهذه فطرته في الكون؛ ألاَّ تتوقف الأمور عند منحى واحد، أن تتحرك الأشياء
لتؤدي وظائف محددة وفق شروط محددة وفق مسارات منتظمة ("لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ")، كثيرا ما تنفد الفرص ولكن الخطورة في نفاد الفكر وتقلص التفكير في الحلول البديلة.
شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية حركة سلام رسمية حثيثة متساعدة بين إرتريا وإثيوبيا، شاهدنا وزراء جوعى ووزراء عطشى يتحركون ووزراء شبعى يديرون المصالح المستقرة من خلال كواليس السياسة المتباعدة،ولسان حال الشعوب يقول خفايا السلام خير من خفايا الحرب.
وما أشبه ليلة أسمرا بالأمس بلياليها عشية التحرير في 1991؛ إذ كان الموقف في كلا الحالتين رقصا فوق أهازيج الأفراح.. بالأمس بكسر قيود الاستعمار.. بقدوم أبطال التحرير؛ واليوم في استقبال الرجل السر؛ رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، ولكن ما أصعب المفارقات أن يكون بطل المشهدفي كلا الحالتين أسياس أفورقي؛ بينما جيل آخر من الشعب الإتري؛ وجيل آخر من أبطال المشهد الإثيوبي، وما أصعب من مفارقات أن يكون حلم التسعينات عريضا بحجم وطن يتصاعد في النمو والاستقرار؛ وحلم اليوم ضئيلا.. ضئيلا جدا؛ سلاما مقابل عيش فقير في وطن سجين.. آه مما يصنعه أسياس أفورقي.. وآه من رقودنا وسباتنا - نحن الشعب الإرتري - وقلة التفكير في الحلول البديله.. وآه من وسوسة السؤال المخيف الذي أضحى جزء من نجوايا.. هذا ما أنتجه لنا أسياس أفورقي.. فماذا انتجنا نحن الشعب الإرتري المعارض.. بل هل لا نزال قيما على الانتاج أم تقلصت مبادئ التفكير وتوقفت إرادة التغيير لدينا..؟
هل نحن تنظيمات سياسية تمارس كماليات السياسية أم نحن شعب في خندق واحد ندافع عن وطننا لمصلحتنا جميعا ؟.. ماتت تنظيماتنا السياسية فهل يجب أن تموت إرادة شعبنا.. هل نتوقف أم يجب أن نحيي جذوة الفكر من جديد ؟
واليوم أيضا لن تتوقف الحياة عند مجريات السلام الحالي بين إرتريا الحالية وإثيوبيا الحالية؛ فهناك سر ونجوى في دهاليز الحوار السياسي بين الدول.. ومانشهده في العلن إنما هو بقايا اخراج سياسي اعلامي وصحفي متفق عليه، ولكن ما خفي أهم وأعظم، وقد يكون هناك بيع وشراء وقد اضحت السياسة اقتصادا والدبلوماسية استخبارا والفضاء ميدا لحروب الجيل الثالثة.. ومن هنا يأتي استدعاء الكتابة فيما يشبه البدهيات للدق على اجراس الخطر لتعديد القراءات وتكوين عقل جمعي وليس للبحث عن المثاليات.
السلام الحالي خير لشعبنا.. فالتتوقف طبول الحرب واليعم السلام المستدام.. لكنها.. اي.. مبادرات هذا السلام ليست نهاية المطاف.. السودان كان مهما في تنفسنا السياسي ولكنه لم يكن المنتهى.. ومثل ذلك مثلت إثيوبيا.. دورة اختبار سياسي لمحاولات مجتمع المعارضة الإرترية.. ولن تمثل اثيوبيا كذلك المنتهى لتجديد مبادرات إرتريا بأدوات وفكر جديد.
هذا السلام لايأتي لمجرد دفع داخلي فحسب وانما تدفعه متطلبات السياسة الدولية في دورتها الحالية ومن خلف ذلك ستتقلص بعض أتعاب النظام الإرتري في الدبلوماسبة الخارجية، فقد يعمل الشريك الإثيوبي في تسهيل المهام الإرترية الخارجية للخروج من العزلة الدولية.
البحر مقابل الغذاء.. والسلام مقابل المنح والقروض الدولية فضلا عن قدوم مزيد من الاستثمار الأجنبي المطمئن الى إثيوبيا سيمثل الحصاد الرسمي العاجل لهذا السلام.. عالم يتصارع واحداث تتساعد.. عالم متحرك يديره خبراء المصالح القومية.. فماذا نحن فاعلون في حدود العقل البشري.. بمنظور وأدوات اليوم وليس بمنظور التاريخ.. باستشراف المستقبل وليس بالحنبن الى الماضي.
وهذا ما أنتجه أسياس أفورقي.. فماذا نحن منتجون؟