كيف يرى أفورقي دوره في إثيوبيا
بقلم الأستاذ: صالح كرار
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما إنعطف حزب الجبهة الشعبية خاصة بعد الجلاء الإثيوبي عن مسار الأهداف التاريخية للثورة الإرترية، ورجع القهقري
إلى تقليد إرتريا هوية مسيحية تقرينية كان أغلب ظن الإرتريين عند هذا الحد ستقف الرؤية الإستراتيجية لنظام الشعبية في تحديد الهوية الوطنية لإرتريا، فبالرغم من إستنتاجات الكثير من المستنيرين الإرتريين بإرتباطات أبعد وإستراتيجيات بإثيوبيا أعمق كان كل ذلك يفسر في إطار التنظير الذي يحتمل الخطأ والثواب، أو حتى قد فسره البعض بالشطط في التخمين والإسراف في التنظير؛ والسبب تلف علاقة النظام الإرتري بإثيوبيا بدرجة كبيرة من التكتم والسرية في كل حين وفي كل الظروف، سواء على مستوى السلطتين المتكاملتين فيما مضى أو المتناحرتين فيما بعد أو حتى المتلاقيتين الآن، وحتى الحرب بين النظامين وأسبابها الحقيقية لم تعرف حتى اليوم مع أنه قد إنقلبت تلك العلاقة من التنسيق والود الشديد إلى البغض والعداء الشديدين؛ لكن مع كل الجفاء والتباعد بين الفريقين الحاكمين في البلدين بقت هناك حلقات شبيهة بشعرة معاوية تشد طورا وترخى أخرى ولا يمكن أن تنقطع وهو أمر ملاحظ من الجانبين حتى في حالة إنعدام التواصل كليا وهذا يفسر بما لا يدع مجالا للشك أن بين كفتي الميزان "النظامين" وسيط ضابط للتوازن "القوى الأجنبية، الكنيسة و..."؛ فسير سياسة البلدين في خطوط تكاملية رغم أعلان العداء الشديد أكد وحدة التصور الإستراتيجي.
وكنت ممن أعياهم وأعجزهم فهم حقيقة تصور الجبهة الشعبية الإستراتيجي لهوية الدولة والشعب الإرتري لأن المصادرة الإرتجالية الحالية لحق الشعب الإرتري في الحرية والإختيار في ظل نظام قمعي متسلط لا يمكن أن تزيل وتمسح هوية أمة وشعب مهما بلغت درجتها الإرهابية ولو كانت تفرض الهويات فرضا لتحقق ذلك الحلم للدول الإستعمارية.
فهل عند الهوية المسيحية التجرينية الإرترية تقف إستراتيجية نظام الشعبية ؟؟؟.
منذ فترة سنين قريبة بدأت الصورة تقترب حيث تم التداول كأراء لأفراد مثل د. برخت هبتي سلاسي، أو مانشر من تسجيلات شعوبية شوفونية مغالية في وسائل التواصل الإجتماعي عن إعلان بعض الإرتريين إنتماء إرتريا إلى إثيوبيا وضرورة الوحدة بينهما، فضلا عن تنظيمات إرترية سرية أو علانية تدعوا إلى وحدة إرتريا مع إقليم التقراي الإثيوبي وتكوين دولة جعزية لوحدة اللغة والثقافة بين إقليم المسيحيين في إرتريا والتقراي؛ وعند مراجعتها كلها تجدها أفكار تنتمي الى الجبهة الشعبية حق الإنتماء وتجتمع في حيزها وأفقها الثقافي ورآها الإستراتيجية.
وقطع أفورقي في ذلك قول كل خطيب في حديثه مع واسائل إعلامه في أول يناير2018 م من حيث إنتماء الشعب الإرتري إلى إثيوبيا؛ ففي خضم الأزمة الإثيوبية أكد إهتمام أفورقي العالي بالأحداث في إثيوبيا والإحساس بخطورتها والتحذير من تداعياتها؛ وأكد على حقائق أكبر من ذلك يؤمن بها أفورقي على رأسها مسألة الهوية والإنتماء الحضاري إلى إثيوبيا. فقال: "ففي إقليمنا أو نطاقنا هذا، تهمنا الاوضاع في إثيوبيا قبل أي دولة أو شعب آخر، فالأ سباب مفهومة لاتحتاج إلى تحليل، ويمكننا القول بأنه مضت خمسة وعشرون سنة أو أكثر. فما الذي أتى بعد كل ذلك ؟" وأضاف: "فالعيش مع إرتريا بسلام، لايحتاج إلى جيش و أمن والعيش بشكل مشترك، يتطلب خلق إستقرار مشترك... لذا يجب ضمان السلام الدائم، والكرامة الدائمة، والإستقرار، من دون الإعتماد على القوة العسكرية والأ منية الضخمة وفي البداية يتوجب تأسيس أرضية مناسبة له".
ارتريا الحديثة 19-1-2018:
ألا ترى أن الإنتماء إلى إثيوبيا هو الأولى للشعب الإرتري عند أفورقي، لاحظ معي العبارات التالية: "ففي إقليمنا أو نطاقنا هذا، تهمنا الاوضاع في إثيوبيا قبل أي دولة أو شعب آخر، فالأ سباب مفهومة لاتحتاج إلى تحليل"؛ ثم ألا ترى أن المبادرة كانت من أفورقي قبل أن يوجد أبى أحمد "والعيش بشكل مشترك، يتطلب خلق إستقرار مشترك"، "وفي البداية يتوجب تأسيس أرضية مناسبة له".
من أين ينطلق حزب الجبهة الشعبية في تصوره للعلاقة بإثيوبيا ؟.
من الصعب الإجابة على مثل هذا السؤال الآن لأسباب كثيرة؛ ولكن تعالو نتذاكر بعضا من الحقائق التى تبنى عليها هذه العلاقة إستراتيجيا:-
• يرى حزب الشعبية أن كل محيطه يشكل خطرا ولو بدرجات متفاوته للخلاف الأيديولوجي والثقافي والتاريخي وأن خلفيته وظهيره وسنده الأمين هي إثيوبيا المسيحية؛ وبالتالي طبعا إذا فقدت إثيوبيا مسيحيتها تصبح الخطر الأكبر حيث سيصبح كالمسجون في الحظيرة.
• شكلت الإستقطابات الجديدة للدول والتشكل في مجموعات كالأحلاف وتغلغل بعض الدول مثل تركيا وإيران وغيرهم في المنطقة هاجسا ليس لحزب الشعبية وحده بل للدول التي يستظهر بها كأمريكا والغرب عامة، وبالتالي عملية إعادة التنظيم هذه واضحة أنها أوامر فوقية. يقول أفورقي في التواجد التركي في المنطقة: "ماذا يريد الأتراك من هذه المنطقة ؟ ولماذا كل هذه الفلسفة المتنامية للغاية، والتي تنبع من فكرة الإمبراطورية العثمانية، كل ذلك من أجل إعادة أمجاد تلك الإمبراطورية. لماذا يتم توسيع مثل هذا التواجد العسكري في الصومال والسودان وغيرها". ارتريا الحديثة 19-1-2018
• سيطرة قومية التقرينية في إثيوبيا وإرتريا في أول التسعينيات جهد خالص دبلماسيا وعسكريا لحزب الشعبية الإرتري بإعتراف الإرتريين والإثيوبين، وتقلص سلطات التقراي الآن في إثيوبيا يشكل خطرا على رديفتها الإرترية من إثيوبيا قبل من يعارضها في إرتريا وبالتالي وجب التحرك.
• لا شك أن هناك دوافع أو دفع خارجي وكذا دوافع داخلية للشعبية للمبادرة في التصالح مع السلطات الإثيوبية؛ فالغرب يرى أن تحرر الشعوب الإثيوبية ذات الأغلبية المسلمة سيشكل خطرا على سلطة المسيحية في المنطقة كلها بالتالي يجب وضع الإحتياطات اللازمة، ويشكل النظام الإرتري نموذجا في قمع مثل هذه الطموحات وبالتالي يجب أن توجد له مكانة في الوسط الإثيوبي الجديد كما كانت من قبل.يقول أفورقي: "و ليس من باب التفاخر بأنني كنت من اوائل الأشخاص الذين إطلعوا على مسودة دستور إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية، وذلك بحكم العلاقات التي كانت تربطنا،ففي ذلك الوقت لم يمر أي موضوع من دون التحاور والتشاور بشأنه. بل كنا نتشاور في جميع الأ مور والقضايا" نفس المصدر السابق.
• المشروع غربي برمته وبكامل مواصفاته القديمة والجديدة وبالتالي كل المظاهر السياسية البراقة خارج الأصابع الغربية محطات تمويهية لا علاقة لها بجوهر المشروع وإنما مثلها كالوقود الذي يمر بتلافيف المكنة لإنتاج الحركة. "كشف مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، دونالد ياماموتو، بأديس أبابا عن وساطة أمريكية لإنهاء الخلاف الإثيوبي الإريتري. وقال ياماموتو، في تصريحات صحفية، إنه سيلتقي رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ويبحث معه الخلاف الإثيوبي الإريتري، ثم ينقل وجهة نظر إثيوبيا إلى واشنطن ولم يكشف ياماموتو عن طبيعة أو مضمون الوساطة الأمريكية، لكنه أكد أنه سيناقش الأمر مع رئيس الوزراء الإثيوبي. وكان ياماموتو التقى خلال زيارته للعاصمة الإريترية أسمرة، مع الرئيس، إسياس أفورقي، وعدد من كبار المسؤولين الإريتريين، وناقش مع الرئيس أفورقي إمكانية المصالحة مع الجانب الإثيوبي، خاصة بعد إعلان رئيس وزراء إثيوبيا الجديد، آبي أحمد، استعداده للجلوس للحوار مع الحكومة الإريترية وإنهاء الخلاف بينهما. وأكد ياماموتو، أن الولايات المتحدة حريصة على استقرار منطقة القرن الأفريقي". 2018.4.27 https://al-ain.com/article/ethiopia-eritrea-america-reconciliation ووضع هيرمان كوهين نقاط أربعة يراها مهمة لضمان المصالحة بين البلدين منها رفع العقوبات عن إرتريا.
ويتأكد لك الدور الغربي الخطير في الشأن الإرتري بمراجعة تاريخ مرحلة تشكل إرتريا كشعب ودولة في الإرباعينيات من القرن الماضي وهو دور سيبقى دائما يقرن بين البلدين فأنظر كيف تحولت البوصلة في النهاية من إتجاه الى آخر؛ حيث الأحزاب الوطنية التي أسسها المسيحيون في الأربعينات من القرن الماضي بدأ تطالب بإستقلال إرتريا ثم إنتكست بسبب ضغوطات خارجية فرضت عليها؛ وهو حال يتطابق مع ما لدينا؛ وبعض تلك الأحزاب كانت ترى الإنفصال عن إثيوبيا ضرورة حسب تلك المرحلة مع الإصرار على فصل إقليم التقراي منها وضمه إلى إرتريا.
وشكل ضرب إقليم التقراي بالطيران الإنجليزي دعما لوحدته مع إثيوبيا هاجسا لدى البعض كما هو معروف وكان له أثر في نفس ولدآب ولد ماريام الأب الروحي للجبهة الشعبية وكذلك كان عند الكثير من التقرنياويين الذين نادوا بوحدة إرتريا مع إثيوبيا لتقريب المسافة مع التقراي وضمانا لوحدته مع إرتريا.
فإليك بعضا مما جاء في كتاب إرتريا دراسة مسحية شاملة؛ إصدار معهد البحوث والدراسات العربية مصر القاهرة ما يلي:-
الحزب التقدمي الليبرالي الإرتري:
وقد إجتمع مؤسسو هذا الحزب في عدي قيح من 18فبراير 1947م تحت شعار إرتريا للإرتريين وتولى رئاسة الحزب رأس تسميا أسميروم في حين تولى التاجر الناجح سيوم ماسيكو الأمانة العامة للحزب حتى عام 1950م، غير أن أكثر قيادات الحزب فعالية كان ولد آب ولد ماريام نائب رئيس تحرير الجريدة التجرينية (الأنباء الأسبوعية الإرترية)، والتي كانت تصدرها وكالة الإستعلامات البرطانية.
وقد زعم الحزب أن عدد اعضائه 53 ألف عضو من بينهم 1,300 من المرتفعات المسيحية، وكان الحزب يمول من إشتراكات الأعضاء فقط الذين يتعين عليهم أن يكونو إرتريين بحكم المولد.
وفي 25 أكتوبر 1947م قرر الحزب ضرورة حصول إرتريا على استقلالها في إطار حدودها الحالية تحت إشراف لجنة إرترية من المثقفين، وفي ظل الإدارة البرطانية، تحت الإشراف العام للأمم المتحدة، ولمدة فترة انتقالية لا تزيد عن عشر سنوات.
وقد رفع الحزب شعار تحرير التجراي الذين يتعين عليهم أن يتحدوا مرة أخرى، كما حدث قبل 26أكتوبر 1896م عندما تم تحديد حدود الجزء الجنوبي لإرتريا مع إثيوبيا، بالإضافة إلى ذلك اقترح الحزب ضم الإقليم السوداني الذي تقطنه جماعات حباب، وبني عامر، والبجة إلى إرتريا، وعارض الحزب ضم عصب أو مصوع إلى إثيوبيا باعتبار أن هذه الخطوة من شأنها تهديد الحياة الإقتصادية العامة لإرتريا.
وقد تعرض الحزب منذ نشأته لمضايقات من اعضاء الحزب الإتحادي وصلت إلى حد استخدام العنف ضد أحد قياداته وهو ولد آب ولد ماريام والذي تعرض لخمس محاولات اغتيال حتى ابريل 1950م، وقد استمرت الحملات الإرهابية على الحزب وانصاره - سواء من جانب الحزب الإتحاي أو من جانب الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بشكل جعل الحزب يفقد كثيرا من مؤيديه لصاح الاتحاديين... وفي ظل هذه الضغوط انقسم الحزب علي نفسه، وبحلول منتصف عام 1949 م ظل سيوم ماسيكو الأمين العام للحزب ينادي بالاستقلال، ولكن بعد فترة وصاية برطانية إثيوبية لمدة من 20- 30عاما. " ص 68، أضف الحزب الاتحادي الليبرالي وقد تكون من الاعضاء السابقين للحزب التقدمي الليبرالي ودعى الحزب إلى حل وسط مع الاتحادي مفضلا على استقلال تحت إشراف إيطالي، وقد حصل هذا الحزب علي الجانب الأكبر من التأييد في شرقي إرتريا، وقد تزعم هذا الحزب ديجازماتش أبرهة تسيما الذي حصل على تأكيدات إثيوبية بأن يتولى الإرتريون شئونهم في ظل الاتحاد مع اثيوبيا، وبالتالي فقد أيّد الحزب الاتحاد المشروط مع إثيوبيا ص 70
حزب إرتريا المستقلة:
وقد تشكل من 23 ألفا من مقاطعة كرن انشقو على الحزب الاتحادي، وقد تزعم هذا الحزب ولدآب ولد ماريام. ص 69، إضافة
حزب إرتريا المستقلة المتحدة مع إثيوبيا:
وتشكل هذا الحزب من الأعضاء السابقين لحزب إرتريا المستقلة وكان يحصل علي معظم تأييده من كرن والغرب وقد دعا إلى استقلال ارتريا ثم اتحادها مع إثيوبيا ص 70
ورغم أنه لا يمكن الأعتماد على ما سبق لتقييم مرحلة مفصلية خطيرة في التاريخ الإرتري الحديث إلا أنه يضعنا على الخطوط العامة التى سارت عليها الأحوال السياسية في إرتريا خاصة الاحزاب المسيحية قديمها وحديثها.
فالتاثير الخارجي على قرار تلك الأحزاب يتجلى في تحولها من الإصرار على الإستقلال الى المطالبة بالوحدة مع إثيوبيا وكانت نتيجة الإنتخابات تعكس إبتعاد المسلمين منها بينما أقحمت منطقة المسيحيين فيها بكثافة فرضا لضرورتها المصيرية حسب ما أملت عليهم دعاية هيلي سلاسي وأعوانه، فأنظر نتائج الإنتخابات حسب نفس المصدر السابق.
وأجريت انتخابات الجمعية التمثيلية الإرترية في 25 و 26 مارس 1952، وهي أول انتخابات تتم في إرتريا، وجاءت النتائج كمايلي:-
• الحزب الاتحادي والحزب الاتحادي الليبرالي 32 مقعدا. "إندنت"
• الجبهة الديمقراطية الإرترية (كتلة الاستقلال سابقا) 19 مقعدا.
• الرابطة الإسلامية للمديرية الغربية 15 مقعدا.
• الحزب الوطني 1 مقعدا.
• الرابطة الإسلامية المستقلة 1 مقعدا.
المجموع 68 مقعدا ص 71
"وفي 1952م ألقى مندوب الأمم المتحدة تقريره النهائي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلن فيه انتهاء مهمته في الاتحاد بين ارتريا وإثيوبيا، وصادقت الجمعية العامة علي التقرير، دون مناقشة" ص 72
"وبعد مشاورات ومداولات رضخ مندوب الأمم المتحدة في نهاية الأمر للضغوط الإثيوبية، وفسر القرار الفيدرالي لمصلحة إثيوبيا، مقر الحكومة الفيدرالية بأنها في ذات الوقت هي الحكومة الإثيوبية حتى لا تفقد إثيوبيا شخصيتها الدولية، وفرض منصبا لممثل الإمبراطور في إرتريا لم ينص عليه القرار، ولم ينشئ مؤسسات إتحادية إلا ما يسمى بالمجلس الاتحادي الامبراطوري من عشرة أعضاء، خمسة منهم إرتريون وخمسة أخرين إثيوبيون دون صلاحيات محددة، كما أقر رفع العلم الإثيوبي في إرتريا إلى جانب العلم الإرتري باعتباره دولة الاتحاد" ص71. إنتهى.
ويعلم الجميع أن تلك الأحزاب في النهاية أصبحت جزء لا يتجزء من "الإندنت" وإنعدمت كل سيرة لها إلا أفرادا؛ بل وانخرط عدد كبيرمن المسيحيين الإرتريين في صفوف الكمندوس الإثيوبية التى إرتكبت الفظائع بحق الشعب الإرتري ولجأ هاربا من بطشها مائاة الآلاف لم يعودوا بعد.
وهناك حقيقة يجب تأكيدها عبر الملاحظ وهي أن قضية الإرتريين قتلت زمنيا في كل مراحلها وأعني بالزمن التماطل والتسويف لتمرير المشروع المعادي للقرار الوطني عبر عقود من الزمن، ففي البداية نجد أن الإنضمام الي إثيوبيا مر عبر الفترة الزمنية من 1941-1952م، أي أن المشروع سيق 180 درجة من مستحيل الى حقيقة، وهو كان وعد برطاني لهيلي سلاسي حسب ما تؤكد الحقائق التاريخية، ويكفي أنهم حملوه عند عودته من المنفى إلى أسمرا بدلا من أديس أبابا.
كذا رأينا كيف حيل دون إستقلال إرتريا عقودا من الزمن من 1961-1990م، وهو ما يؤكد أن الإستقلال جاء مثل الإتحاد الفيدرالي ضمن شروط "لندن" أيضا؛ والآن أيضا نمر بمرحلة شبيهة بمرحلة الثورة مدً وجزراً للقضية، فلا الدولة تحمل صفاة دولة، ولا البلاد عاشت لأهلها، ونجد مع ذلك نفس شعارات الإنتماء الي إثيوبيا لعلها أيضا تنتهي بشروط "لندنية" قادمه.
ولم يكن كل ذلك مخيفا أو يشكل خطورة مباشرة للقضية الإرترية إلا أن الأمر أصبح جد خطير بعد أحاديث أفورقي فمن تابع خطابه في يونيو الماضي بمناسبة يوم الشهيد الإرتري يلاحظ أنه تحدث عن شهداء التحالف الإثيوبي الإرتري في زمن الثورة وكأنه يريد أن يقول شهداء أمة واحدة ونضال مشترك. وقال ان تكامل الشعبين والبلدين ومصالحهم المشتركة ونموهم هي من الاولويات المقدسة التي جهدنا وضحينا من اجلها، ولهذا سنعمل بنشاط وبالتزام من اجل ذلك وفي الختام ذكر فخامة الرئيس اسياس افورقي بانه من الطبيعي أن ننظر الى مختلف برامجنا التنموية في مختلف القطاعات في اطار متصل بجيراننا بشكل عام واثيوبيا بشكل خاص وبما ان ذلك هو ما ضحينا من اجله حتى التحرير وضحينا بارواح الشهداء للدفاع عن الوطن وسيادته، فان زيادة جهودنا وعملنا هو تجسيد لعهدنا لامانة الشهداء. إرتريا الحديثة الجريدة الرسمية للنظام الإرتري 21-6-2018
فالنتسائل إذن مالدور الذي سيلعبه أفورقي في الشأن الإثيوبي ؟.
• يشكل أفورقي الآن حصان طروادة الذي عليه إعادة إثيوبيا إلى جادتها المعهودة؛ حيث يفترض أنه مندوب عن الجهات الداعمة والراعية لمشروع لندن 1990م الذي سلمه الأمانة في إثيوبيا وإرتريا.
• سيقترب أفورقي حسب السيناريو المتوقع من السلطات الإثيوبية، وسيحاول الفرز بينها إبعادا وتقريبا. يقول أفورقي في ذلك "ومن اجل التعرف عن كثب وبعمق على الاوضاع الراهنة، ورسم خطة العمل المستقبلية سوف نقوم بارسال وفد الى اديس اببا". إرتريا الحديثة الجريدة الرسمية للنظام الإرتري 21-6-2018
• سيعمل على ترقية دور التجراي في السلطة وتقليص دور الآخرين ما إستطاع إلى ذلك سبيلا. يقول أفورقي: "وقبل عام 1991، وقبل ذلك في عام 1990، وبما فيها نقاشاتنا في نهايات السبعينات، كان النضال من أجل تصحيح مسار ومفاهيم الوياني بخصوص رؤيتهم لمستقبل إثيوبيا.، ومن بينها محاولة تصحيح فهمهم لحق تقرير المصير لشعب تقراي، فقد كانوا يرون أنهم يسعون الى الانفصال. وكنا نوضح لهم انهم تاريخياً جزء من اثيوبيا وفق التاريخ والحدود السيا سية. وقلنا لهم أنتم في غنى عن مثل هذه البرامج الفلسفية". ارتريا الحديثة 19-1-2018
• سيحاول الإيقاع بين الأورومو والأمهرا وتقريب الأمهرا وإشتراكهم في مشروعه ولو بضغوط خارجية؛ لأن عدم كسب الأمهرا الذين يشكلون ثقلا ثقافيا وسياسيا لإثيوبيا يتوقع هوسبب الإشكالات الحالية في إثيوبيا.
• ربما يشعل حروبا تصطنع في بعض الأقاليم تكون نموذجا لإرهاب الآخرين؛ أما السلطة الحالية فستطبخ على نار هادئة، كذا ويتوقع أن تمر إثيوبيا بحالة من التصفيات الجسدية والسجون واللجوء تماما كالحال الذي في إرتريا. يقول أفورقي: "وكان رأينا وفيما يتعلق بالبناء على اساس قومي، ينبغي التنسيق بين تلك القوميات والعمل على توحيدها من أجل بناء الوطن وهذا يحتاج الى فترة طويلة حتى ياتي بالنتائج الايجابية، وليس تركها كما هي عليه الآن، وفق قوميات واثنيات تتصارع فيما بينها، فإذا استمر الحال هكذا فإنه يشكل خطراً لا نهاية له " وأنظر كيف ينافق أفورقي للتقرب إلى القوميات الإثيوبية في قوله: " إن محاولة قيام مجموعة واحدة بعينها، من دولة معينة، بالإستيلاء على أغلب الثروات في البلاد على أساس قومي، وجعل قومية واحدة تقوم بالتحكم على كل شيء، لاشك يخلق مشكلة إقتصادية خطيرة للغاية. ولم تكن هنالك أية لعبة أسوأ من هذه" ارتريا الحديثة 19-1-2018
لن يتوحد النظام الإرتري مع إثيوبيا في القريب المنظور لأسباب عدة؛ لكنه سيبالغ في التقرب تحت مسميات التنسيق والتكامل حتى لا يدع مجالا خارج سيطرته أو تحكمه؛ ويتوقع أن تظاهره وتجاريه القوه الفاعلة في التقراي، وربما تكون عملية توجيه التقراي والتحكم عليها من أولويات عمله في إثيوبيا ولا أشك أن في التقراي من يعاديه ويرى إنتقاص في إتباعه، إضافة إلى من يناصره ويجاريه، يقول أفورقي: "عندما كانت العلاقات جيدة، كنا نتشاور ونتحاور حول الكيفية الأفضل لتطوير العلاقات وذلك لأنه لا يمكن فصل وعزل مستقبل كلا الشعبين و أجيالهما عن بعضهما البعض حيث أننا ضحينا معاً، وتشاركنا الرؤى المستقبلية من أجل تحقيق ذلك. ولكن للاسف استمرالعناد التاريخي لنظام الوياني و طمسه الحقائق".
ارتريا الحديثة 19-1-2018:
هذه قراءة سريعة للمستجدات والأحداث الجديدة فقط من زاوية دور النظام الإرتري في الشأن الإثيوبي وفق العوامل والمعطيات المتوفرة ودون التجني والمغالات في الأمر ولتأكيد أهمية إثيوبيا المحكومة بالتجراي عند النظام الإرتري مهما كانت درجة الخلاف والتنافر بينهما.
ولا أريد الآن أن أتحدث عن الطموحات الإثيوبية في إرتريا مع أن تصريحات أبي أحمد في تشكيل قوة بحرية لإثيوبيا مع البحرية الإرترية يثير الفضول للتساؤل؛ ويقول أحد الكتاب الإرتريين "إثيوبيا ترى في إريتريا العودة.. ولو بعد حين!!... أن الإمبراطورية القديمة وأهلها، يتعاملون مع إريتريا ومقدراتها بسذاجة، كأنها مسألة إرث عائلي، أو ابن ضل طريقه، وسوف يعود ولو بعد.. حين!!!".
ثم أنه بلا شك للإثيوبيين تصورهم لدرجات التقارب، ولهم محاذيرهم، وربما خلافاتهم فالأمر يحتاج من الإرتريين الآن وقفة متأنية وبحوث جادة لأن القضية الآن تمر بمرحلة تتطابق مع مراحل الخمسينات والتسعيات حيث التحول التاريخي بغياب الوطنية والوطن الإرتري.
كما لا أريد أن أتحدث عن إنعكاسات التصالح بين السلطتين في البلدين على المعارضة الإرترية، وهو أيضا أمر وإن كان تحصيلا للحاصل إلا أنه بقراءة جادة تستخلص منه نتائج جد ذات أهمية كذا ومصيرية.
وهناك الأصابع الأجنبية التى تعيد ترصيص حجارة الشطرنج في كل مرة حسب تشكيل تحالفات جديدة وقوميات بديلة والتى لا ينكر دورها إلا من يكتفي بقراءة سطحية للأوضاع والأحداث في كلا البلدين والتى أكدت التنبئات منذ فترة أن لها في المنطقة مشروع جديد وإستراتيجية بديلة وهو أمر يحتاج إلى متابعة وقراءة سليمة من الباحثين الإرتريين.
والله أعلم
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.