السلام الاثيوبى الارترى دلالات محلية وتداعيات إقليمية
بقلم الأستاذ: أحمد نقاش - كاتب وباحث فى شؤون القرن الافريقى
منذ عشرون عام تعيشان الدولتان الاثيوبية والارترية عداء منقطع النظير اللاسلام واللا حرب
وفى كثير من الاوقات مناوشات حدودية مستمرة بين الطرفين.هذا العداء يرجع فى الاساس الى عدد من الاسباب:-
اولا: الترتيبات الخفية التى تمت بين الجبهة الشعبية لتحرير تقراى (ويانى) والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا (افورقى) قبل سقوط نظام الدرق الاثيوبى الذى كان يقوده (منغستو هايلى ماريام) انا ذاك. وكانت هذه الترتيبات الخفية التى تمت فى مفاوضات اتلانتا فى امريكا واخرى فى مفاوضات لندن فى بريطانيا برعاية امريكية لوضع ترتيبات فصل أرتريا عن اثيوبيا والذى يقال ان دول المنظومة الغربية على اساسها وافقت على استقلال ارتريا والتى لا يعلم عن خفاياها شى الشعب الارترى او الاثيوبى الى الان.
ثانيا: الصراع على السلطة فى تزعم المشروع القومى الذى كان يحلمان به الطرفان (ويانى وافورقى)، بحكم انهما ينتميان الى قومية واحدة فى كل من ارتريا واثيوبيا ومايحمله كل منهما من مشروع ما يعرف تاريخيا اقامة وطن (تقراى تقرينية) اى من اقليم تقراى وأرتريا. كل على طريقته - لهذا السبب كان يعمل افورقى ليل نهار فى التغيير الديمغرافى فى ارتريا ورفض عودة اللاجئين الارتريين من السودان بعد استقلال ارتريا بحكم انهم مسلمين وقد يرفضون المشروع القومى لافورقى.
بعد اندلاع حرب عامي 1998 و2000 للميلاد اشتد العداء بينهما وعمل افورقى على ايجاد قوى معارضة للحزب الحاكم فى اثيوبيا خاصة لحزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) وكانت هذه القوى من اقليم تقراى خاصة من ابناء (تنبين) - المنطقة التى ينتمى اليها افورقى فى اقليم تقراى - المعروفة بقوات (دمحت) التى كانت ومازالت تلعب دورا مزدوجا مناوشت النظام الحاكم فى اثيوبيا من ناحية وحماية افورقى من تمرد الارتريين عليه من ناحية اخرى.
فى الوقت الذى يلاحظ ان جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) لم تكن جادة فى دعم المعارضة الارترية التى حبستهم فى اديس لا هى دعمتهم دعما حقيقيا ولا هى تركتهم يقتاتون من فتات دول اخرى بحكم ان هذه المعارضة لو قويت ستكون هى الاخرى حجر عثرة فى مشروع (تقراى تقرينية) لان هذا المشروع ضد حلم الارتريين فى استمرارية دولتهم التى اقاموها عبر تضحيات جسام لعقود من السنوات. والجدير بالذكر هنا ان الدعم الاثيوبى لقوى المعارضة الارترية لم يكن من الدولة الاثيوبية بكلياتها إنما كان فقط من جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) العضو فى الإئتلاف الحاكم،لهذا السبب لم تجد المعارضة الارترية فى تلك السنوات العجاف الدعم السياسي والمادى الحقيقى الذى يمكنها من فعل شى ضد النظام الحاكم فى ارتريا.
ثالثا: استمرت القطيعة بحكم الطرافان المتصارعان والحاكمان فى الدولتين ينتميان الى ثقافة واحدة التى لا تؤمن فى بنيتها الفكرية بالحل الوسط انما النصر او الهزيمة. وهما (جبهة تحرير شعب تقراى) (TPLF) و (الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية) الحزب الحاكم فى ارتريا.
تطور الاحداث فى اثيوبيا:
منذ رحيل رئيس وزراء اثيوبيا ورجل تقراى القوى ملس زيناوى اخذت الاحداث فى اثيوبيا تتسارع فى وتيرة مستمرة وبدأت ترتخى القبضة الحديدة للحزب الحاكم فى اثيوبيا فى مقابل اشتداد المطالب القومية وعلى وجه الخصوص كبرى قومياتها (الاوروميا والامهرا) المطالبة بحقوقها السياسية كاملة والمشاركة الفعلية فى السلطة، وجعلت هذه التطورات قيادات الحزب الحاكم تتباين فى اسلوب التعامل والاستجابة معها مما ظهرت خلافاتهم على السطح والتى تمثلت فى البدء فى استقالة كل من السيد برخت سمؤن الناطق الرسمى للحكومة والسيد ابا دولا رئيس البرلمان فى وقت متقارب انعكاس لاختلاف الرؤى فى كيفية معالجة المطالب والبدائل ثم اعقبها استقالة رئيس الوزراء السيد (هيلى ماريام ديسالين) الذى ينتمى الى تجمع قوميات جنوب اثيوبيا القليلة العدد والذى تم اختياره عقب رحيل ملس زيناوى بإعتباره شخصية توافقية وضعيفة لا يشكل خطرا لحين حسم صراع داخل حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) الذى كان ينتمى اليه السيد ملس. الا ان استقالة هيلى ماريام ديسالين وسط تصاعد احتجاجات شعبية وضعت التحالف الحاكم منذ عام 1991م (الجبهة الديمقراطية لشعوب اثيوبيا) (EPRDF) امام استحاق لا يمكن تجاوزه الا عبر اعطاء الحق لاهله اى للاكثرية فى البلاد وكان ضروريا اختيار السيد (ابى أحمد على) من قومية أوروميا الاكثرية فى اثيوبيا حتى يتم تجاوز المنعطف الخطير الذى دخلته الدولة الاثيوبيا وهنا كانت الحكمة ضالة الاحباش فى اقليم بركانى لا يكاد يستقر حتى ينفجر من جديد.
هكذا وصل السيد ابى احمد الى السلطة مدعوما بقوة الشعب، ولعل الرجل ادرك هذه الحقيقة ويريد ان ينطلق بسرعة فى كل الاتجاهات فى الترتيب والاستقرار الداخلى والسلام الاقليمى، فى هذا السياق اقرت اللجنة التنفيذية للتحالف الحاكم بتنفيذ اتفاقية الجزائر على ارض الواقع بين اثيوبيا وارتريا حتى يتحقق السلام بينهما. هنا يلاحظ ان اختلاف ثقافة الحاكم الجديد فى اثيوبيا عن الحاكم فى اسمرا تكاد تخلق المرونة لحل الخلاف الحدودى الذى دام اكثر من عشرون عام. وهنا تدخل ثلاث عناصر داخلية لنجاح او فشل السلام واخرى خارجية. العامل الخارجى وخاصة دول المنظومة الغربية كانت تريد منذ توقيع اتفاقية الجزائر ان يكون سلام دائم وشامل بين اثيوبيا وارتريا لو لا تعنت حاكم أرتريا والمماطلة الاثيوبية. الان العامل الخارجى اكثر استعداد لدعم هذا السلام لاهمية الدولتين فى صراع الشرق الاوسط وصفقة القرن التى يراد لها ان ترى النور فى عهد الرئيس الامريكى ترمب.
العناصر الداخلية الثلاثة المهمة فى نجاح السلام من فشله بين اثيوبيا وارتريا هى:
1. الدولة الفدرالية الاثيوبية الممثلة الان فى دولة رئيس الوزراء السيد (ابى احمد) والإئتلاف الحاكم (الجبهة الاثيوبية لشعوب اثيوبيا).
2. النظام الحاكم فى ارتريا (افورقى).
3. حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) والعضو فى الإئتلاف الحاكم فى أثيوبيا وصاحل الدولة العميقة.
العنصر الاول:
يبدو جليا ان اكثر المتحمسين لسلام هما اللجنة التنفيذية للإئتلاف الحاكم ودولة رئيس الوزراء اثيوبيا السيد (أبى أحمد) لان هذا الاخير يتعامل مع المسألة كرئيس لدولة اثيوبيا ويستمد قوته من الالتفاف الشعبى الكبير فى عموم اثيوبيا، لعل هذا ما جعله يعجل من رفع حالة الطوارئ فى البلاد حتى يستطيع الاستعانة بالجماهير فى مواجهة الدولة العميقة اذا استدعى الامر لذلك، ويهدف ابى احمد تحقيق عدة قضايا وهى:-
• يريد تحقيق السلام الاقليمى لدولته لان اثيوبيا فى امس الحاجة لتنمية الاقتصادية الذى لا يمكن تحقيقه دون استقرار المحيط الاثيوبى وخاصة مع دولة ارتريا.
• يريد الحفاظ على وحدة اثيوبيا ويبعد شبح انفصال الاقاليم الاثيوبية وفق المادة 39 من دستور اثيوبيا الفدرالية وخاصة (اقليم تقراى) هذا كان واضح فى الخطاب الذى القاه أبى أحمد فى اقليم تقراى باللغة المحلية للاقليم (التقرينية) - عند ما عزف كثيرا على ان للاقليم دور تاريخ كبير فى ايجاد اثيوبيا والحفاظ على وحدتها عبر التاريخ بل وعدهم انه سيعمل فى ايجاد سلام مع ارتريا الذى سيتفيد منه بالدرجة الاولى اقليم تقراى اقتصاديا.
• اضعاف الجناح المتشدد فى حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) الذين انحنوا للموجة العاتية الا انهم لم ولن يرضوا عن التغييرات الكبيرة التى حدثت والمتوقعة تحدث. واضعاف هذا الجناح لا يمكن ان يتحقق لابى احمد الا عبر كسب الجناح المعتدل من ناحية وتحسين العلاقة مع افورقى من ناحية أخرى.
• يريد الدعم الاقتصادى الكبير من المحور الاقليمى والدولى الذى يدعم بشدة تحقيق السلام بين ارتريا واثيوبيا وهذا التحالف يتمثل فى (المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وإسرايل بقيادة امريكية).
العنصر الثانى:
لهذا السلام هو النظام الحاكم فى ارتريا والمتمثل فى شخصية (افورقى) وهذا الاخير يستمد قوته من السيطرة الكاملة على الدولة الارترية ومقدراتها بحكم انه هو الامر والناهى فى تلك الدولة دون منازع، واشارة مصادر من داخل البلاد ان افورقى لم يستشير احد فى قرار القبول بالمبادرة الاثيوبية وانه بسدد ارسال وفد الى اديس ابابا. لقد فوجئى من حوله من القادة والوزراء كما فوجئى عامة الناس عن اعلان قبوله فى ذكرى يوم الشهداء التى يقيمها النظام فى 20 يونيو من كل عام. وافورق بقبوله هذا يهدف لتحقيق عدة نقاط وهى:-
• يريد انقاذ نظامه الذى وصل محطته الاخيرة محليا واقليميا ودوليا وهذا السلام اذا تحقق دون معوقات سيعتبر بمثابة عودة الروح الى نظامه الذى كاد ان يهلك. وهذا السلام الذى يلوح فى الافق جاء نتيجة تفاعلات اقليمية فى المحيط الارترى والاختلاف الخليجى و تطورات الاحداث فى اثيوبيا ومشروع سد النهضة وكذلك صفقة القرن بين العرب وإسرائيل.
• يريد اضعاف الجناح المتشدد فى حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) ودعم (الاقأزيان) الذين بدأت تزداد شعبيتهم فى اقليم تقراى والذين يتماهون فكريا مع حاكم ارتريا وأغلبهم من منطقة (تنبين) الذى ينتمى اليه افورقى فى الاصل وهذا الاخير يريد لهم ان يكونوا البديل القوى فى حكم اقليم تقراى واذا تحقق له ذلك يمكن ان يقول افورق لابى أحمد - هذا فراق بينى وبينك. من هنا يتضح ان الهدف المرحلى المشترك بين ابى أحمد وافورقى هو اضعاف الجناح المتشدد فى حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) وبعدها لكل حدث حديث.
• يبحث افورق الدعم الاقتصادى من المحور الاقليمي والدولى الذى يدعم عملية السلام بين ارتريا واثيوبيا وهذا التحالف يتمثل فى (المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وإسرايل بقيادة امريكية).
• يريد افورقى رفع الحظر الدولى المضروب علي نظامه منذ سنوات بتحقيق السلام مع اثيوبيا وابتعاده عن (حركة الشباب) فى الصومال. والجدير بالذكر ان السبب الرئيسى للحظر الدولى على ارتريا كان بسبب دعم افورقى لحركة الشباب فى الصومال اكثر منه بسبب الجرائم التى يرتكبها النظام فى حق الشعب الارترى وانتهاك حقوقه الانسان فى ارتريا !
• كما يريد القضاء التام على قوى المعارضة الارترية الحقيقية وكذلك على المجموعات الارترية التى تدور فى فلك الجناح المتشدد فى حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF).
العنصر الثالث:
فى معادلة السلام بين اثيوبيا وأرتريا هو حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) والعضو فى الإئتلاف الحاكم وعنصر قوتهم الان هى الدولة العميقة والتى قد يحاول الحزب استخدامها بشكل من الاشكال اذا تطلب الامر ذلك رغم ان هذا الحزب يعانى منذ ان فقد زعيمه التاريخى رئيس وزراء اثيوبيا الراحل السيد (ملس زيناوى) إنقسام حاد فى الاراء بل صرعات حادة داخل الحزب والجدير بالذكر يوجد داخل هذا الحزب منذ تأسيسه إختلاف فى الرؤى فى كثير من القضايا المحلية والاقليمية وخاصة رؤيتهم تجاه أرتريا ومشروع ما يعرف تاريخيا ب تقراى الكبرى اى (تقراى + ارتريا) وفى حياة السيد (ملس) كان يحسم الامور بقيادته الكارزمية، وغيابه المفاجئ جعل الحزب فى موقف لا يحسد عليه وظهرت الخلافات على السطح. وقبول تفعيل اتفاقية الجزائر مع ارتريا من قبل اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم ودولة رئيس وزراء اثيوبيا زاد الطينة بلة فى حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) وزادت انقساماته وتباينة ارائهم تجاه تطورات الاحداث فى اثيوبيا وكذلك اتجاه السلام مع أرتريا. و ضعف حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) اضحى على مستوى الدولة يصب فى مصلحة القوى السياية الكبرى فى اثيوبيا التى تريد ان تحدث تغيير شامل فى لعبة السلطة السابقة التى كان فيها لحزب جبهة تحرير شعب تقراى نصيب الاسد، ام على مستوى اقليم تقراى اصبحت تصب فى مصلحة القوى التقراوية المناوئه له خاصة (الاقأزيان) حلفاء افورقى وعلى مستوى تقراى وارتريا هى لمصلحة افورقى بكل المقايس.
حزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) لم يتحمس لسلام بين اثيوبيا وارتريا الا انه يتعامل مع هذا السلام كأمر واقع، لذا لن يعارضه بصوره معلنة لكنه قد يحاول وضع عراقيل امام تقدم هذا السلام للحيلولة دون تحقيقه او تقدمه، وان عجزوا عن ذلك سيكون نجاح اتفاقية السلام بين اثيوبيا وارتريا بداية لمرحلة جديدة على مستوى الدولتين وسوف تظهر صراعات من نوع جديد داخل اثيوبيا، وكذلك داخل ارتريا وبصورة حادة داخل إقليم تقراى الاثيوبى بدعم خفى من افورقى.
و حزب جبهة تحرير شعب تقراى يريد ان يحقق فى هذه المرحل بعض النقاط وهى:-
• الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مكاسب السلطة التى تحققت فى المراحل السابقة وعناصر دولته العميقة.
• اعادة ترتيب بيتهم الداخلى وترميم التصدع وابراز زعيم يقود السفينة الى بر الامان هذا سيطلب منهم وقت غير قصير.
• تصدى لاهداف افورقى الخفية والمعلنة وحلفائه داخل اقليم تقراى.
السلام الاثيوبى الارترى وتداعياته الاقليمية:
لا يخفى على احد ما تمر به منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقى من اضطرابات وتفاعلات كبيرة منذ ثورات الشعوب العربي وسقوط انظمة عتيقة ودناصورات كبيرة مما اضحى التدخل فى شؤون الداخلية لاى دولة وانتهاك حدودها مبررا ومستساقا ومقبولا تحت مسميات مختلفة فى ظل عجز وتلاشى المؤسسات الدولية امام هذه المستجدات. واى حرب او سلام فى منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقى اصبحت اقليمية ودولية بإمتياز بل اصبحت تستدعى الحراب الباردة والاقتتال بالنيابة. وملامح السلام بين اثيوبيا وارتريا يأتى ضمن هذا الترتيب الاقليمى وليس فى معزل عنه. والخطوة الاثيوبيا لم تأتى من فراغ بدليل انها جاءت بعد زيارة مكوكية التى قام بها رئيس وزراء اثيوبيا فى الاقليم خاصة (السعودية والامارات ومصر وغيرها من دول الاقليم) وكذلك حاكم ارتريا لم يستجيب دون ترتيب فى الاطار الاقليمى والدولى وزيارة مجلس الكنائس العالمية لاسمرا وكذلك الوفد الامريكى رفع المستوى.
والجدير بالذكر فى بداية هذا العام شهدت المنطقة توترات حادة وظهر على اثرها محورين أساسيين (المحور السعودى الاماراتى والمصرى والارترى) من ناحية ومحور (تركى قطرى سودانى اثيوبى) من ناحية اخرى وحشد السودان قواته على حدوده الشرقية مع ارتريا بالتنسيق مع أثيوبيا انا ذاك. واتهمت ارتريا السودان واثيوبيا وبدعم قطرى بتهديد امنها الوطنى من خلال تدريب وتسليح المتشددين الاسلامين الارتريين المعارضين لنظامه.
الان يبدو ان هذه المحاور الاقليمية اضحت مثل الرمال المتحركة، الا ان محور السعودى الاماراتى يكاد يكسب مواقع جديدة على حساب المحور القطرى التركى فى المنطقة، خاصة اذا نجح تحقيق السلام الاثيوبيى الارترى وحل مشكلة سد النهضة بين اثيوبيا ومصر قد يجعل اثيوبيا ضمن التحالف السعودى الاماراتى المصرى الارترى، انتقال اثيوبيا الى هذا التحالف سوف يشكل ضغط على كل من الصومال وجيبوتى لتماهى مع المحور الزاحف الى القرن الافريقى رغم ازمتهما الاخيرة مع الامارات العربية المتحدة. من هنا يتضح جليا ان لهذا السلام سيكون له تداعياته الاقليم سلبا وإجابا على دول المنطقة وفى مقدمتهم السودان وكذلك على المعارضة الارترية.
السلام الاثيوبى الأرترى وتداعياته على المعارضة الارترية:
من المعلوم فى عالمنا الافريقى والعربى فى حالة تصالح نظامين او دولتين متجاورتين ان اول من يدفع الثمن غاليا هى معارضة البلدين او احداهما وفق شروط الصلح بين الطرفين. والملاحظات الاولية تشير على ان المعارضة الارترية هى اكثر من سيدفع الثمن غاليا فى هكذا الصفقات بحكم ان افورقى اول شرط يضعه فى الصلح هو طرد المعارضة الارترية التى اصلا لا يعترف بوجودها رسميا فى الوقت الذى يحتفط بشكل من الاشكال بمعارضة الدولة الاخرى او يدخلها ضمن المصالحة الوطنية فى تلك الدولة، كما حدث مع السودان اولا طلب من الخرطوم طرد المعارضة الارترية وكان له ما اراد، ومن ثم ادخل المعارضة التى كان يدعمها باسم (جبهة الشرق) فى معادلة السلطة فى السودان. هذا قد يحاول افورقى تكراره مع اثيوبيا بدسم مخفف وقد يساعده فى ذلك انفتاح دولة رئيس وزراء اثيوبيا (ابى أحمد) على قوى المعارضة الاثيوبية اصلا وفتح المجال لهم للعمل فى بلادهم وفق الدستور الاثيوبى والذى لا يتوفر فى دولة ارتريا الى الان. من هنا يتضح ان المعارضة الوطنية الارترية الصادقة قد تدفع الثمن غالى ان لم ترتب اوضاعها من الان والوقت ليس لصالحهم. ام المعارضة الارترية الموالية كليا لحزب جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) ان لم تجد مجال عمل فى عموم اثيوبيا قد يسمح لها بالتواجد فى اقليم تقراى لحين من الزمن .بسبب مرونة الحكم الفدرالى فى اثيوبيا فضلا ان من مصلحة جبهة تحرير شعب تقراى (TPLF) الاحتفاظ بهذه المجموعات كما سيحاول حاكم ارتريا بالاحتفاظ بقوات دمحت التقراوية لحماية حكمه من الجيش الارترى المتمرد العاجز من التصرف.
السلام الاثيوبى الارترى وتداعياته على السودان:
تدل كل المؤشرات ان السودان فى موقف لا يحسد عليه فى ظل التطورات الاخيرة فى الاقليم وخاصة السلام الاثيوبي الارترى. معلوم ان اثيوبيا منذ الحرب 2000/1998 مع ارتريا حاولت ان تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الخرطوم وتطويرها اكثر فأكثر لاسباب امنية وتنموية وكذلك الاستفادة من موانئ السودان البحرية فضلا عن دعم السودان لاثيوبيا فى مشروع سد النهضة. الان كل هذه المصالح الاثيوبيا فى السودان تكاد تتحقق بصورة افضل ضمن المحور الجديد، ميناء عصب الارترى اقرب وافضل بكثير لاثيوبيا من اى ميناء اخر فى الاقليم، مصر واثيوبيا قاب قوسين او ادنى للوصول الى تفاهمات حول (سد النهضة) هكذا تقل حاجة اثيوبيا لسودان، هذا لا يعنى ان اثيوبيا ستكون بالضرورة ضد السودان، لكن لن تكون حليف حقيقى له كما كانت.
السودان عضوفعال فى حرب اليمن ضمن التحالف العربى مع ذلك يعانى ازمة اقتصادية حادة منذ بداية هذا العام على مسمع ومرئى التحالف العربى، ولم يجد نصف الاهتمام الذى وجده الاردن فى الاوينة الاخيرة لعل هذا يرجع على ان السياسة السودانية لا تؤمن بالتحالف المطلق عكس نظرية الميكافلى فى عالم السياسة فى الوقت الذى يتعامل معها التحالف العربى وفق النظرية الميكافلية فى التحالفات والعلاقات (نظرية معانا بالمطلق او ضدنا بالمطلق).
يتضح من هذا ان اقتراب افورقى من اثيوبيا سيكون بكل تأكيد على حساب السودان لعل هذا ما ادركه السودان بدليل انه لم يعلق الى الان على التقارب الاثيوبى الارترى سلبا او ايجابا. فى وسط هذه التطورات من الصعب على الخرطوم الاستمرار فى مسك العصى من المنتصف لان المحاور الاقليمية الحادة لا تسمح ولا تقبل بذلك.
وحاكم أرتريا افورقى المعروف بحقده الدفين تجاه السودان وهويته العربية الاسلامية بعد تحقيق السلام مع اثيوبيا سيعمل بصناعة سمومه من جديد وحقنه فى جسد السودان المنهاك اقتصاديا وسياسياوأمنيا لكى يحقق حلمه القديم المتجدد فى تقسيم السودان اكثر مما حدث قبل سنوات فى جنوبه العزيز، وهذا الهدف الافورقى يأتي فى سياق تدمير الثقافة العربية الاسلامية فى ارتريا، الذى يعمل فيه ليل نهارمنذ استقلال أرتريا، وأفورقى فى عمله هذا يتناغم ويتقاطع مع اهداف بعض الدول التى تريد تحقيق ذلك فى ارتريا والسودان ومنطقة القرن الافريقى بالعموم.
من هنا يتضح امام الخرطوم خياران احلى هما مر: ام اللحاق باثيوبيا والدخول معها فى تحالفتها الجديدة بعيد عن المحور القطرى التركى ولهذا الانتقال مضاعفاته الجانبية، او ان تبقى الخرطو فى المحور التركى القطرى بكلياتها وتعمل بقوة وشجاعة فى كل الملفات الاقليمية وفى مقدمة هذه الملفات ملف المعارضة الارترية والعمل معهم كحليف استراتيجى وليست كملف امنى مؤقت. وكذلك كسب كل من الصومال وجيبوتى الى جانبها لان السفر طويل والزاد قليل.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.