هل سينجح الحزب الحاكم بإثيوبيا في التوصل إلى سلام مع إريتريا؟
بقلم الأستاذ: أنور إبراهيم المصدر: العين الاخبارية
ظلت العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا، عقب الحرب التي اندلعت بين البلدين، في الأعوام 1998-2002، والتي راح ضحيتها عدد كبير
من المواطنين في البلدين، معلقة بصورة كاملة.
وتعود فصول القصة إلى صراع حدودي حول مثلث زالمبسا وبادمبي المتنازع عليه، وعقب إغلاق الحدود بين البلدين لفترة، ظلت الحالة في أقرب وصف لها هي "اللا حرب واللا سلم". وعملت الدولتان على استضافة معارضة كل دولة بعد صراع طويلة أضر بالمنطقة.
إثيوبيا تعلن تنفيذ اتفاقية تنهي النزاع الحدودي مع إريتريا:
وتكررت العديد من المحاولات والتدخلات، لخلق توافق بين الدولتين المتحاربين، ولم تكلل تلك المساعي بالنجاح.
ويرجع السبب في ذلك إلى عدم التزام الدولتين بالعديد من النقاط، وهو الأمر الذي أدى لحالة من الشد والجذب بينهما في المحافل كافة.
وتجددت دعوات الحكومة الإثيوبية بأنها تسعى لإقامة علاقات جيدة مع إريتريا.
الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا لم تكن متوقعة:
لكن كانت بعض التحركات، التي قامت بها الحكومة الإريترية في المنطقة، والمتمثلة في تمويل المعارضة المسلحة الإثيوبية، وكانت بدورها تسعي للقيام بعدد من العمليات المسلحة في الشمال الإثيوبي، هي من الأسباب التي أدت لتصعيد وتيرة الخلاف، وقيام الحكومة الإثيوبية باستعمال لهجة الوعيد والتهديد ضد النظام الإريتري، الذي اعتبر تحركه استفزازا للحكومة في أديس أبابا. حديث رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد الأخير، أمام أعضاء البرلمان الإثيوبي خلال تنصيبه، وجد نوعا من الترحيب، وذلك بذكره أن حكومة بلاده ترغب في توطيد علاقاتها مع نظام أسمرا، وتحاول أن تحد من الخلافات من أجل مصلحة الشعبين، وإيقاف الخلاف الذي استمر لفترة طويلة، وظل عائقا لتواصل الشعبين مع بعضهما البعض.
وكانت الردود التي وصلت من الجانب الإريتري، توضح أن هنالك مطالب معينة حتى ترضى أسمرا بهذا السلام، الشئ الذي استنكره العديد من المتابعين للشأن في المنطقة من خبراء ومحللين، وتوقعوا صعوبة إقامة سلام بين البلدين في الوقت الحالي.
إلا أن بيان الحزب الحاكم، الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية، الائتلاف الحاكم في إثيوبيا والذي يضم 4 أحزاب رئيسية، كان مفاجأة من العيار الثقيل، ذلك عقب إعلانه قبول اتفاقية الجزائر بكامل تفاصيلها، من أجل التوصل لسلام دائم لخدمة المنطقة وشعوبها، ونسبة للتصاهر والتداخل الثقافي والعرقي واللغوي بين الشعبين.
ودعا الحزب لحاكم في إثيوبيا الحكومة الإريترية أن تقدم حسن نية لتخطي هذه الخلافات. "العين الإخبارية" كان لها العديد من الاستطلاعات واللقاءات، التي قامت بها مع عدد من المحللين والخبراء المتابعين للشأن الإثيوبي والإريتري، حول توقعاتهم بشأن هذا الملف ومدى قبول أسمرا للصلح.
المختص بالشأن الإفريقي السيد عباس محمد صالح عباس قال إن "قرار إثيوبيا القبول باتفاق الجزائر لإنهاء النزاع الحدودي بينها وإريتريا يعتبر خطوة كبيرة ومهمة بعد انسداد آفاق الحل نتيجة العجز عن تطبيق مقررات ذلك الاتفاق".
وأضاف عباس أنه "لا يوجد خيار آخر سوي هذا الاتفاق لأنه أعلى سقف يمكن أن تبلغه أي قضية، ثم إن البلدين لا يحتملان عواقب أي نزاع مسلح علي نحو ما جرى في الفترة بين 1998-2000، وقد يتجدد بينهما النزاع إذا لم يتفقا علي حل دائم ونهائي حول مثلث بادمي".
واعتبر أنه "بالنسبة لإريتريا، فهو مكسب سياسي ودبلوماسي ظلت تدافع عنه أسمرا رغم الضغوط ومحدودية الخيارات أمامها، إما اثيوبيا فهو قرار سيثير ردود أفعال قوية وعنيفة، إذ تعتبر هذه القضية رمزا للتضحية الوطنية لاسيما لقومية التيجراي والمجموعات التي تنطلق من نفس الرؤية بالنظر للسقف العالي الذي شرعن هذا الموقف".
واستكمل: "لا يمكن تفسير الموقف الإثيوبي الجديد إلا بالنظر لطبيعة التحديات الداخلية التي تمر بها والرؤية الجديدة لرئيس الوزراء الإصلاحي أبي أحمد تجاه الملفات الداخلية والخارجية، وقد تري أطراف إثيوبية أن القرار كان متسرعا وتوقيت صدوره كان ينبغي أن ينتظر إطارا وطنيا أوسع عقب هذه الفترة الانتقالية، رغم المصادقة عليه وفق أسس سياسية ودستورية شرعية". في هذا الصدد، يقول الصحفي الإريتري صلاح الزين إنه "قرار إيجابي بلا شك ولكنه في رأيي جاء متأخرا جدا، أسياس أفورقي (رئيس إريتريا) استغل رفض الجانب الإثيوبي تطبيق قرار المحكمة أيما استغلال. لولا بقاء إثيوبيا كل هذه الفترة في بادمي، لما بقي أسياس يحكم إريتريا" فيما يقول الصحفي الإثيوبي عبدو تشيتا إن "هذا القرار يعتبر الأشجع والأجرأ على مر العصور، وقد يقدم العديد من الجهود للسلام في المنطقة، والكرة الآن في ملعب الحكومة الإريترية". وحسب السيد أحمد عبدو المختص في الشؤون الإثيوبية فإن "إثيوبيا بهذه القرارات جردت أسياس من كروت الضغط المتاحة لديه أولا واستمالت المعارضة الأرومية التي توجد في إريتريا، وثانيا أعادت له ما كان ترفضه وهو إعادة أراضيه، وبذلك تم تجريده من التأثير على الأوضاع الداخلية الإثيوبية".
هل هنال تدخل دولي لهذه القرارات؟:
في تعليقه، يقول الزين: "هناك ضغوط دولية على أسياس لقبول أي بادرة سلام من قبل إثيوبيا، خاصة إذا كان حجته قد أسقطت في يده وهي: إذا انسحبت إثيوبيا من بادمي وتم ترسيم الحدود سيحرج النظام في أسمرا لو تحقق السلام، فسيطالب الشعب باستحقاقاته الديمقراطية، وسيطالب بعودة أبنائه من معسكرات الجيش الإريتري".
بينما يقول عباس في معرض حديثه لـ"العين الإخبارية: "أعتقد أنه لا وجود لتدخل دولي، فالضغوط الدولية لم تحمل إثيوبيا علي تطبيق قرار التحكيم في أجله المضروب رغم وضوحه، ولكن ربما تكون هناك نصائح من دول خارجية قدمت للطرفين لاسيما إثيوبيا لحل النزاع مع إريتريا ونزع فتيل نزاع محتمل، وإثيوبيا غير مستعدة لتحمله تبعاته فيما لو اندلع مجددا".
يشار إلى أنه قبل الإعلان عن تلك الخطوة، قطعت الحكومة الإقليمية في تقراي خدمة الإنترنت، وهو الأمر الذي كانت تقوم به في حال نشوب صدامات أو تظاهرات.
ولكن قطع خدمة الإنترنت في إقليم تقراي، منذ صباح الثلاثاء، طرح العديد من التساؤلات حتي جاء البيان في الفترة المسائية، والذي لم يكن يتوقعه الجميع في البلاد، وخاصة في إقليم تقراي، الذي عانى لفترة طويلة من الحرب التي دارت بين البلدين، وهو الإقليم المتاخم لإريتريا حدوداً ومتداخل معه ثقافيا وعرقيا.
بدوره، يقول الكاتب الإثيوبي دستا باشا: "إن قطع خدمة الإنترنت في تقراي منذ صباح أمس شيء مثير للتساؤلات، وكمتابعين كنا نتوقع أن هنالك مستجدات، وهذا الخبر أوضح العديد من النقاط، خاصة وأن شعب تقراي هو صاحب الوجيعة، وهو من تضرر في هذه الحرب، وأعتقد أن هنالك العديد من المواطنين في المنطقة لن يقبلوا بهذه التنازلات من قبل الحكومة الإثيوبية".
الكاتب والمحلل السياسي المهتم بالشأنين الإثيوبي والإريتري عبد المنعم أبو إدريس قال: "أولا أعتقد أن بيان الحزب الحاكم جاء تطور طبيعي للخط التصالحي الذي بدأه منذ تولي رئيس الوزراء الحالي أبي أحمد بإطلاق سراح المعتقلين، وإجراء حوار مع المعارضين من مجموعة الأرومو، وتنبع أهمية القرار بأنه سينهي حالة اللاحرب واللاسلم بين البلدين، ويعيدهما لمحطة تعاون اقتصادي وسياسي، خاصة في ظل النمو الكبير الاقتصاد الإثيوبي وحاجته لتعدد المنافذ البحرية، كما أن القرار سيغلق الباب أمام قوى إقليمية تحاول استثمار خلافات دول المنطقة لصالح صراعاتها". مفاجآت البيان الإثيوبي:
كان الجميع في إثيوبيا يترقب العديد من الإصلاحات والتغييرات، لكن أن يكون هكذا حول موضوع كبير مثل السلام مع إريتريا، وأن تقبل أديس أبابا كل تفاصيل اتفاقية الجزائر، فهذا لم يكن من المتوقع.
وحتى الآن لا يزال الشارع الإثيوبي في ذهول تام من هذه الإجراءات التي تعتبر بعيدة كل البعد عن حساب المواطن الإثيوبي.
تقول إحداهن: "لم أكن أتوقع أن تقبل حكومتنا بمثل هذه الاتفاقية في الوقت الحالي، ونحن الآن نتابع ونترقب بماذا سترد الحكومة الإريترية على هذه الخطوة". وتعلق السيدة حرية أمان: "ضاعت العديد من الأرواح في تلك المعارك، ولا يمكن لإثيوبيا أن تتنازل مباشرة عن تلك المناطق لإريتريا، وهذا قرار متسرع جدا جدا بالرغم من أهمية السلام ولكن يجب مراجعة كل التفاصيل أولا".
وهذا ما أكده أحد الإعلاميين في أحد المنابر، صباح الأربعاء، حول أن مجمل الشارع والإعلام الإثيوبي وعددا كبيرا من المهتمين الإثيوبيين يترقبون أن يكون هنالك رد من قبل الحكومة الإريترية على هذه الخطوة التي تقدمت بها أديس أبابا. فيما يقول السيد آدم حاج موسى أمين عام الجبهة الوطنية الإريترية المعارضة: "يحتاج الأمر إلى إجازة من البرلمان الإثيوبي ليتحول إلى قرار حكومي رسمي تتفاعل معه كل الجهات الاعتبارية.. نعم هذا القرار هو قرار شجاع وذكي وتاريخي، وأنا أعتقد أن من عارضوه لا يعرفون عقلية أفورقي العقيمة".
وبين هذا وذاك، يظل السلام هو دافع الحكومة الإثيوبية من وجهة نظر البعض، لكن آخرين يرون أن لأديس أبابا مآرب أخرى من هذه الخطوة، والتي قد تحقق للنظام الحاكم العديد من المنافع اقتصادياً وسياسياً.