المقاومة حق مشروع انتفاضة مسلمي اسمرا نموذج ناصع - الجزء الأول
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
ان المقاومة ليست مرهونة فقط بالعنف والرصاص والدم، ولا محصورة في خوض المعارك وممارسة القتال، بل يمكن المقاومة
عبر الكلمة الحرة والهتاف العالي والمسيرات والمظاهرات للتنديد بقرارات جائرة تستهدف ثقافة ودين وتراث مكون معين من قبل نظام الهيمنة والتوسع والاستيطان كما هو الحال في ارتريا اليوم.
فإذا كانت مقاومة المستعمر والمحتل والمغتصب هي الأبرز والأعلى صوتًا، فإن هناك جبهات أخرى تدور عليها المواجهة لا تقل أهمية عن التصدي للمستعمر للحافظ على الوجود لان من يستهدف لغتك وثقافتك ودينك يستهدف وجودك ومن باب أولى صيانة حماية الوجود والحرية والكرامة الإنسانية.
القرارات الأخيرة التي اتخذها النظام في اسمرا ونتجت عنها انتفاضة غير مسبوقة منذ أكثر من خمسة عقود من الزمان وهي انتفاضة شيوخ وشباب ونساء وفتيان وفتيات أخريا الباسلة، حيث لم تشهد شوارع العاصمة أسمرا مسيرة غضب وحراك شعبي الا في عهد الاستعمار الاثيوبي الغاشم في خمسينيات القرن الماضي للتنديد بالاستعمار الاثيوبي وأعوانه من الخونة، هنا أذكر مسيرات العمال والطلاب الإرتريين والمسيرات التي كان يسيرها شباب الرابطة الإسلامية للتنديد بالاغتيالات التي كانت تنفذها الأجهزة القمعية الاثيوبية وأعوانهم من الخونة الإرتريين وتلك الرافضة للوجود الاستعماري الاثيوبي والمطالبة بالاستقلال، سير الشباب والطلاب في عامي 1957 و 1958م مظاهرات ومسيرات حاشدة طافت شوارع أسمرا رافضة للغة الأمهرية التي قررت إثيوبيا للتدريس بها وإلغاء اللغة العربية والتجرينية في البلاد وما اشبه الليلة بالباحة اختلف المنفذون والفعل واحد هو الهيمنة الثقافية ومحو تراث أمة ظلت تقاوم عصية على الانكسار.
كل الذي ذكرته سلفاً كان تاريخ بطولي للآباء والاجداد الذين كانوا يقفون بصدورهم العارية أمام مناصري الانضمام والعصابات المنظمة التي كانت تصطاد كل من يعارض الوجود الاثيوبي المحتل.
لم تنطفئ شعلة المقاومة في شعبنا الابي الذي ظل يقاوم المحتل الاثيوبي بكافة الوسائل حتى تم طرد الاستعمار الاثيوبي الغاشم، وما بين ليلة وضحاها وجد شعبنا نفسه محاصراً ومستهدفاً من نظام أقل ما يقال عنه إنه لا ينتمي للتاريخ البطولي للإنسان الإرتري الذي اشعل الثورة وقدم لها الغالي والنفيس حتى طرد المحتل.
كل الممارسات التي نفذها النظام الحالي المدعوم من قبل غلاة ومثقفي ونخب قومية التقرنية - وهنا لا أعمم لأن هنالك من يؤمن من المنتمين لقومية التقرنية بالتعايش السلمي ويرفضون سياسات الهيمنة والتوسع التي ينتهجها النظام الحالي - وأقول ذلك لأنني أعرف هذه النخب السياسية والثقافية والأكاديمية وأعرف مدى شقفهم بالهيمنة على مقدرات القوميات الأخرى بل وتجاهلهم في الزمان والمكان وكأن إرتريا هي ملك لقومية واحدة دون غيرها وهذه النظرة هي قمة في العنصرية والشوفينية البغيضة.
بالتأكيد هنالك العديد من العوامل جعلت الناس تخرج من منازلها وتصل الى وسط العاصمة أسمرا في خطوة لا يقدم على فعلها في ارتريا سوى من تعرضوا الى الظلم والتجهيل ومورست في حقهم العنصرية والتهميش وطالتهم الاعتقالات وهمشت لغتهم وأغلقت مدارسهم ومعاهدهم التي ظلت مفتوحة حتى في عهد الاستعمار الذى لم يتجرأ رغم قوته وسيطرته على البلاد وبالرغم من توفر المبررات التي تجعله يقدم على ذلك، الا إنه لم يقفل معهد أو مدرسة ولم يمنع الناس من ممارسة شعائرهم وعاداتهم.
والوثائق وشهود عيان يؤكدون بأن الايطاليين لم يمنعوا تدريس اللغة العربية وكانت تدرس كمادة في المرحلة الابتدائية، أما في العهد البريطاني فقد شهد التعليم طفرة غير مسبوقة حيث تم افتتاح أكثر من 50 مدرسة ومعهد في عموم إرتريا تدرس باللغة العربية.
والعجيب في الامر بعد مرور 25 عاما على استقلال إرتريا تمنع الحكومة الإرترية تدريس اللغة العربية في المدارس وتقفل المدارس التي كانت موجودة منذ عهد الاستعمار وتلك التي افتتح بعد الاستقلال بحجج واهية لا تمس للواقع بصلة، لان الجبهة الشعبية وخلال فترة الكفاح المسلح لم تهتم بتدريس اللغة العربية وإن مدارس الثورة التي كانت منتشرة في الأراضي المحررة وفي السودان كانت تدرس باللغة الإنجليزية والتقرنية فقط. ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان ان قادة الجبهة الشعبية والحكومة الحالية لم يغيروا خطابهم فيما يتعلق بتدريس اللغة العربية، وهو انعدام الكادر البشري وهم يشردون الكفاءات يوميا ويهمشونهم باعتبارهم درسوا في الجامعات العربية وتلك قصة أخرى.
إلى اللقاء... في الجزء القادم