الإعلام المسئول قارب نجاتهم ودولة الأغازيان سوف لا تر النور
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
الإعلام الثقافي الموجه في الفضائيات والشبكات والمقابلات والمقالات الطويلة والتي يهدف منها الموجهون السيئون
إلى غايات في خلاصتها الهبوط والتشويه والابتعاد عن الحقيقة، وعندما تمارس ذلك الدولة للكيد بمعارضيها، بنشرها الغثاء للإثارة والتشويه للكسب الآني، تكون نهايتها النتائج السلبية وتدمير الدولة بالمردود الذي يمثل غاية الخطورة على المستويين السياسي والاجتماعي. فإثر حركة 21 يناير من داخل النظام في أسمرا والتي كان ضحيتها المسلمون الارتريون، أصدرت وزارة الخارجية الارترية وقتها بيان استنجاد تستنجد فيه الدول المسيحية والمعنية هي الدول الغربية إذ وصفت الحركة بأنها إسلامية تستهدف المسيحيين الارتريين، وعندما فشلت الحركة نفت الوزارة البيان، ثم بيان وزارة الإعلام الذي تتهم فيه المسلمون بقيادة الشيخ محمد جمعة وهو إمام مسجد معروف في لندن، وناشط في العمل الإنساني في معسكرات اللاجئين الارتريين الذين نكرهم النظام ورفض عودتهم وهم ضحايا حرب التحرير من أثيوبيا من الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وبعد ذلك هم ضحايا هذا النظام.
من أجل تشويه صورة المسلمين الارتريين ووسمهم بالإرهاب اتهم هذا النظام الشيخ محمد جمعة بتأسيس تنظيم إرهابي سري ممول من قطر وبرعاية السودان، وله معسكرات عسكرية سرية، وذلك عندما ساءت علاقة النظام مع هذه الدول، وحدث هذا الاتهام للمسلمين بالإرهاب بعد أحداث مدرسة الضياء الإسلامية الذي انكشف فيها إرهاب النظام المنظم وسقوطه أمام الرأي العام الارتري والعالمي، ولا أستبعد أن يكون حادث مسجد مكرام جزء من هذا التشويه نظرا لمن قام بهذا الفعل والمكان الذي حدث فيه، فأيادي النظام الخفية تعمل لتدمير المسلمين الارتريين بأشكال مختلفة في أي مكان، الهدف من كل هذا الإعلام الموجهة هو محو الطرف المسلم والإنفراد بكل شيء والاستسلام لهم دون مقاومة وإن كانت المقاومة سلمية فهي عندهم إرهابية، فالعامل الأساسي الذي يحمله فكر التجرنية المسيحيين الارتريين الحاكمين والمحكومين هو الإقصاء السياسي والأمني والثقافي والديني والاقتصادي للمسلمين، ونظرتهم الفوقية بإقامة دولة أكسوم والتي لم تكن ارتريا بخريطتها الحديثة جزء منها حتى يحلموا بأكسوميتها،وإنما جغرافية الأرض ومكونات المجتمع، جمعها الإيطاليون في هذه الخريطة وأطلقوا عليها اسم ارتريا أبان التسابق الاستعماري الغربي. وهي تسمية يونانية قديمة تعني البحر الأحمر.
فالعامل الأساسي في الصراع الذي كان صراعا سياسيا حوله النظام إلى صراع ثقافي ديني في معظمه، يدفع ثمنه الغالي المسلمون، فالمجتمع المسلم سواء كان في المنخفضات أو المرتفعات لم يكن يوما من الأيام جزء من دولة أكسوم التاريخية ولا دويلات الأسر الحاكمة من البيت السليماني (الأمهرا) الذي حكمت أثيوبيا عبر مختلف القرون، حيث كان هذا المجتمع يعيش ثقافة البداوة المتنقلة المتسامحة البعيدة عن الصراعات الدينية والمذهبية، وصراع النفوذ القبلي كان أثره محدودا ويحسم في إداراتهم الأهلية، وفي ظل امتداد الحضارة الإسلامية والعربية في كل العصور منذ الهجرات الأولى للعرب السبئيين ثم هجرة المسلمين الأوائل ثم الدولة الأموية والعباسية والعثمانية حتى مجيء الطليان، كان امتدادهم لهذه الحضارة الإسلامية العربية، بينما الصراع في المرتفعات المسيحية الارترية كان صراع ديني مع محيط الإسلام وكان عامل الخوف هو العامل المسيطر في تفكيرهم، لهذا كانوا يسعون الارتباط بأثيوبيا لامتداد هم الحضاري، ولم يؤمنوا بدولة ارترية مستقلة موحدة تربطهم مع المجتمع المسلم، وعندما جاءت أول فرصة لاستقلال دولة ارتريا بعد هزيمة ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية مثلها مثل ليبيا والصومال، جعلهم الخوف يقفون ضد الاستقلال ويطالبون بالوحدة مع أثيوبيا الذي كلف الارتريين كثيرا من الأرواح والممتلكات والمعانات النفسية والاجتماعية إلى هذا التاريخ، وكذلك عندما بدأ الكفاح المسلح من أجل الاستقلال وقفوا ضده، ودعموا الوحدة مع أثيوبيا واندمجوا في مجتمعها دون النظر لأي اختلاف قومي أو ثقافي داخل مجتمع أثيوبيا التي كانت تهيمن عليه المسيحية بحكامها، و بعد انقلاب منغستو على الدولة الدينية، التحقوا بالثورة الارترية التي كانت تقودها جبهة التحرير الارترية العلمانية التي تعترف بالثقافتين والديانتين حتى الأوائل من المقاتلين التجرنية المسيحيين في جيش التحرير كانوا لا يأكلون ذبائح المسلمين فيذبحون لهم حسب عقيدتهم، والتحاقهم هذا المتأخر كان كذلك يهيمن عليه فكر وثقافة إقامة دولة أكسوم الطائفية المرتبطة بأثيوبيا، فتحالفوا مع إخوتهم في التجراي وأقصوا من المعادلة جبهة التحرير الارترية التي كانوا يرونها القوة الإسلامية، وعندما وصلوا بهذا التحالف إلى السلطة في الدولتين اختلف الأشقاء بين الفكر الواقعي الذي مثله التجراي بقراءة الأحداث الصحيحة وقبولهم بالأخر في إطارهم الأثيوبي، وبين الفكر المتحجر لتجرنيا ارتريا الحالم العابث البعيد عن قراءة الواقع الصحيح، ورفض العيش مع بقية مكونات الشعب الارتري، اختلف التجرنية الذين وحدتهم مؤقتا حروب القرن الأفريقي، وفرقتهم مصالحهم وتناقضات أهدافهم التي كانت تؤمن بالهيمنة المطلقة في الجانب الارتري وبالهيمنة المقيدة في الجانب الأثيوبي، لهذا أقام تجرنية ارتريا دولتهم الطائفية الخاصة بهم التي فرضوها بالهيمنة المطلقة عبر القوة العسكرية والأمنية التي ساهم في بنائها كافية أبناء الشعب الارتري أبان التحرير، فأقصوا كل المكونات وفرضوا ثقافتهم ولغتهم وعمموا الكنائس في كل مدينة و قرية وكل وادي بعيد في مناطق المسلمين، لإعطاء الدولة الطابع الثقافي المسيحي، فمنعوا بناء المساجد وصادروا الأوقاف وحاصروا المعاهد والمدارس الإسلامية وحاربوا اللغة العربية وغيبوها في دواوين الدولة وغيبوا المعلمين والكتاب والمثقفين وخاصة الذين تخرجوا من الجامعات العربية باختطافهم من منازلهم تحت جنح الظلام وتحت ضوء شمس النهار، في الأزقة وفي الشوارع الكبيرة، منذ ثلاثة عقود ومستمرون في هذا الإخفاء القسري والقتل والخطف والمصير المجهول لهؤلاء الذين يغيبوهم، توفت زوجة المخطوف قهرا، وتزوج الابن، وتزوجت البنت،الذين تركهم الآباء صبية وهم لا يعرفون حتى ملامح والدهم، حرموهم سعادة الطفولة وحنان الأبوة، ونعيم العيش، فلا تقبلوا فيهم العزاء ولا فرحوا برؤيتهم، وكان آخر هذا الاستهداف للمعلم والكتاب والملبس ما حصل لمدرسة الضياء الإسلامية، هدفهم من كل هذه الإجراءات إقامة دولة أكسوم علي أراضي المسلمين في ارتريا عوضا عن أراضي التقراي التي فقدوها.
وعندما اشتد الحصار على قومية التجراي المهيمنة على أثيوبيا من بقية قوميات أثيوبيا في صراعهم الداخلي، قام تجرنية ارتريا بمسرحية يحاولون فيها جذب تجرنية تجراي لإقامة حلمهم الذي سموه دولة الأغازيان التي وضعوا حجر أساسها في ارتريا وأصدروا بشأنها خريطتهم القومية التي فصلوا فيها التجراي عن أثيوبيا وضموا فيها كامل التراب الارتري، ولحماية هذا المشروع أصبح نظامهم في أسمرا كما هو شأنه يسمي كل معارض مسلم لانتهاكاتهم في ارتريا بالإرهابي للتشويه والتخويف وتحقيق مكاسب دينية لطائفتهم والاستفادة من ظروف المنطقة، وقد أقاموا أجنحتهم الخارجية الدعائية لإقامة دولة الأغازيان في الدول الغربية التي تتنافى مع وجود الدولة الارترية التي يلغونها بمكاسبها ويجيرونها لحلمهم، ويدعمون افتراءاتهم في دولة إسرائيل بتمثيل مسرحية مصورة في كنيسة يظهرون فيها المسلمون الارتريون الدواعش الذين يقتلون المسيحيين فقد أظهروا في التمثيل المسيحيين بالملابس الصفراء باركين على ركبهم في صف طويل كما تفعل داعش بضحاياها وفي أكثريتهم الساحقة مسلمون، ويقف المسلمون الارتريون الملثمون خلف هذا الصف بهيئة داعش يحملون سواطير الذبح، هذا الفكر المسيحي الطائفي المتطرف الذي يحكم ارتريا مجمع عليه سواء كان من أهل الحكم أو أهل المعارضة منهم إلا القليل، يفعلون هذا لإدراكهم قوة المسلمين الذين رفضوا أن يتنازلوا لهم عن حقوقهم السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والتراثية، ورفضوا هيمنة الطائفة، مما جعلهم يتعثرون وتتعثر دولتهم الطائفية التي وقف لها المسلمون بالمرصاد.
إن أحداث مدرسة الضياء ووفاة شيخها الجليل في سجونهم والصبية الذين تحدوهم بالحجارة والمجتمع المسلم الذي كشف لهم رسالتهم على الملأ في المنظمات الدولية، أصبحوا يطاردون هؤلاء بالاعتقالات التي لم تتوقف أصلا نتيجة لهذا الحد ث الكبير، فقد أصيبت دويلة الطائفة بهزة نفسية واجتماعية عنيفة ومرعبة قبل أن تكون هزتها عسكرية أو سياسية، ومن يمارس الباطل ويحارب أصحاب الحق الشرسين تقتله كلمة (السلام) و ينكسر أمام (صبية) في مدرسة إسلامية واحدة، لا يستطيع هؤلاء إقامة دولة الأغازيان ذات الفكر الطوباوي على حساب المجتمع الارتري المسلم، فقد فقدت عندهم قوة الدولة العسكرية والأمنية التي خطفوها مضمون التخويف والفاعلية الذي كان لها التأثير بكثرة الاستخدام، هؤلاء واهمون إذا كانوا يعتقدون أن مسيحيتهم تعطيهم الحق والهيمنة على المسلمين بدعم خارجي يراهنون عليه، ولكنهم يجهلون أن قوى الرهان تراهن على مصالحها فقط.
دويلة الطائفة خسرت الداخل الإسلامي وخسرت إخوتها التجراي وخسرت الأصدقاء من الدول والمنظمات بعنجهيتها وغطرستها الفارغة من المضمون، قد غادرتها قبل ذلك الفصائل الصومالية بقيادة الشيخ شريف احمد وتحالف مع أثيوبيا وحكم الصومال، وغادرتها المعارضة السودانية التي كانت يدهم اليمنى لضرب السودان، وغادرتها قطر التي بنت لهم صرح الفضائية الذي يشوهون به التاريخ الارتري المسلم الثقافي والحضاري،وغادرها صديقها السودان المعين لها في التموين حتى قبل أن تنال ارتريا استقلالها،، وغادرتها مصر وعادت بعلاقاتها إلى أثيوبيا، وقبل كل ذلك غادرتها الأم الحنون الولايات المتحدة التي أتت بهم إلى سدة الحكم، ومعها بقية الدول الغربية، كما غادرتها الدول الإفريقية التي كانت تتعاطف مع دويلة الطائفة، هؤلاء يجهلون أن من يخسر قوة شعبه لا يكسبها بالتلاعب على تناقضات الآخرين من دول الجوار، فقد بقت معهم الكنائس التي يستدرون عطفها بهذه التشويهات التي تتبناها الدويلة عند حاجتها بصدور البيانات الكاذبة،وبقي معهم المتعصبون من المسيحيين في العالم، هؤلاء أثبتوا بالفعل أنهم غير جديرين بالحكم عكس إخوتهم التجراي الذين لم يعيروهم أهمية و يمارسوا السياسة بواقعية حتى يتعايشوا مع بني وطنهم بأمن وسلام، ويضربون أعلى المثل في المسئولية للحفاظ علي وحدة دولة أثيوبيا التي يحكموها بإرضاء عرقياتها المتعددة بالتنازلات السياسية ويحافظون على ما حققوه من انجازاتهم الخاصة كإنجاز الاقتصاد الضخم وبهذه الطفرة النوعية التي تحققت لهم بإشراك الآخرين، وإن التاريخ سيذكر لهم ذلك، هذا الإنجاز المحسوب لهم كقوة إصلاحية تؤمن بالتقدم بعيدين عن كل لباس الحقد والتدمير الذي يمارسه تجرنية ارتريا الذين امتطوا جياد الحروب الخاسرة التي أدمنوا عليها للحفاظ على كيان جنينهم المشوه الذي لا هو دولة ولا ثورة، وللاستمرار في الحفاظ على هذا الجنين المشوهة يلصقون تهمة الإرهابيين بالمسلمين المسالمين الذين يتحدونهم، ويقتلونهم بالكلمة الإعلامية وبحجارة الأطفال التي فضحت ممارساتهم.
ولكن الخطورة في الأدوات التي صنعوها من أبناء المسلمين أمثال حمدان وأشباهه الذين يسقطون الجنسية عن لاجئين الكفاح المسلح الذين دفعوا الضريبة الثقيلة من ديارهم وأموالهم وأبنائهم ومعاناتهم المادية والنفسية خلال الخمسون عاما، ويصفون المعارضة الإسلامية ضد نظام الطائفة بشقيها السياسي والعسكري بالإرهابية كما تفعل دولة الطائفة، وفي حقيقتهم يقودهم حقد الفشل في حياتهم السياسية، ويعرفون أن في ارتريا لا توجد دولة ويطلق عليها ذلك مجازا، لأن الدولة تحكمها المؤسسات ويحكمها القانون والأعراف، الدولة لا تحكمها شريعة الغاب وحراب اللصوص، إن هؤلاء المطبلون لا يساوون حتى فردة واحدة من أحذية اللاجئين الذين تغطي الدماء أقدامهم بمعانات الحروب ومعانات المعيشة في الحياة هؤلاء الذين رفضت دولة الطائفة إعادتهم لكي تحافظ على هيكلها الطائفي، هؤلاء اللاجئون وأبنائهم هم الجزء الأصيل في ارتريا، وإن البائسين واليائسين والمهزومين والنفعيين من المسلمين الارتريين الذين يسيئون لإخوتهم، لا يستطيعوا أن ينفخوا الروح في نظام طائفي غادره دعاته ويلفظ أنفاسه الأخيرة.