واقع المعارضة الإرترية في ظل التحولات الإقليمية
بقلم الأستاذ: بكري دُنّوس - سويسرا
يعتقد الكثير من الناس أن مصطلح المعارضة محصور فقط في في الأحزاب والحركات السياسية المناهضة للنظام الحاكم،
وهذا اعتقاد خاطئ، لأن مفهوم المعارضة في السياسة شامل، ويعني اعتراض أو رفض أو احتجاج جماعة أو مجموعة أفراد على أسلوب أو سياسة السلطة في إدارة البلاد، وهذا يعني أن المعارضة تضم الأشخاص والجماعات والأحزاب، وليس شرطاً أن تكون منتمياً لحزب أو حركة لتكون معارضاً، إذن كل من يرفض سياسة النظام الحاكم من الشعب كلياً أو جزئياً، مستقلاً أو منتمي لتيار سياسي فهو يعتبر معارضاً، وهذا بالطبع لا ينفي أهمية التكتل في الأحزاب والتيارات المعارضة، ودورها في توحيد الرؤى، وتأطير النشاط المعارض، وتنظيم الحراك بصورة جماعية تسبب ضغطاً قوياً على السلطة.
وللحديث عن واقع المعارضة الإرترية، وقراءة دورها وتأثيرها على الساحة الإرترية؛ يجب أن نستصحب معنا المشكلات الأساسية التي ما زالت تواجه الشعب الإرتري من عقود طويلة، وفِي مقدمتها عدم الإستقرار السياسي، وموجة اللجوء والهجرة الطويلة، وما تركته من أثار جانبية أدت إلى اهتزاز الهوية الثقافية، وفقدان الشعور بالانتماء الوطني.
كل هذه المعضلات والعقبات ليست مبرراً لحالة الضعف والهشاشة التي تعاني منها الأحزاب والحركات الإرترية المعارضة، بل قد تكون سبباً في أغلب الاشكالات المطروحة، بسبب انعدام نشاطها التعبوي والتوعوي بين أوساط المجتمع، والانشغال بالصراعات الداخلية البينية، مما أدى إلى نشوء أعداد هائلة من الحركات والأحزاب مقارنة بمساحة إرتريا وتعدادها السكاني !
• ما الذي يمنع التيارات ذات التوجه الواحد أو الأحزاب القائمة على أيديولوجيا مشتركة من الإتحاد في كيان واحد ؟
• هل يمكن أن يكون هذا الكم من التيارات السياسية المعارضة سبباً في تعطيل آليات تفعيل الشباب في المشاركة السياسية الفعلية ؟
• لماذا لا تنفتح هذه الحركات على المجتمع بدل التقوقع والانغلاق على قواعدها المحدودة العدد ؟
• ما الذي يجعل الأحزاب تصارع بعضها وتجتهد في التشويه والتنكيل ببعضها، وتهمل أهدافها التي بُنيت عليها ؟
• لماذا لا تتعاون في المشتركات الوطنية، وتتفق على ميثاق شرف يحفظ الاحترام بينها على أقل تقدير ؟
كلها أسئلة يتداولها الكثير من الشباب في نقاشاتهم، وتنتظر أجوبة منطقية ومحايدة، وما أحوج الشعب الإرتري للحياد والأصوات العادلة !
في الفترة الأخيرة أتجهت الأنظار صوب القرن الأفريقي وصراعات النفوذ، والشعب الأرتري يتابع بأسف عميق، ونار الإحباط متقدة داخله، والقوى الإقليمية والدولية تتجاهل المعارضة الإرترية !
أثيوبيا: تواصل بناء سد النهضة، بعد تدشين القطار السريع بتمويل صيني ! أنباء عن شروع شركات صينية في استخراج البترول في إقليم أوغادين !
الصومال: محمد عبدالله فرماجو رئيساً بعد انتخابات نزيهة ! وافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج بلادها في الصومال.
جيبوتي: تطوير الموانئ والبنية التحتية يجعل الإستثمارات تتدفق عليها ! جيبوتي وأثيوبيا تدشنان القطار السريع الرابط بينهما !
تركيا تتولى إدارة سواكن باتفاق مع الحكومة السودانية !
وحرب المياه بين مصر واثيوبيا والسودان تشتعل باردة لتشكّل التحالفات، وتؤجج الصراعات في المنطقة !
كل المحيط الإقليمي لإرتريا يتحرك ويموج، وإرتريا محصورة ومكبلة، ولا شيء يبعث الأمل في نفوس الإرتريين ممن نسميهم أحزاباً معارضة، هم يراقبون كغيرهم دون أن إحداث أي تغيير في المشهد !
البلد أُفرغ من سكانه، الموانئ في إرتريا تُعرض في مزاد علني لمن يدفع أكثر ! تُباع لهذا وذاك وبلا فائدة !
والشعب ساءت حالته، وأصبح معزولاً، مظلوماً، معتقلا، يعيش تحت رحمة السجَّان !
وكل إرتري عليه واجب تجاه وطنه، وعليه مسؤولية في كل ما يحدث داخل وطنه، ولكن يقع الجانب الأكبر من المسؤولية على النخب التي يجب أن تجعل المستحيل ممكناً، ينبغي عليها أن توحد رؤيتها، وتقلص أعدادها بالتكتل على مبدأ الفكر والتوجه، وعليها أن تفتح قنوات التواصل بحيث تصل لكل الإرتريين، وتساهم في غرس المبادئ الوطنية، مبدأ الاحترام المتبادل، وإعدادهم، وتوعيتهم، وتعبئتهم، وتهيئتهم للتغيير المنشود.