تقدير موقف لما يُثار عن قاعدة عسكرية مصرية في إريتريا
بقلم الأستاذ: بلال المصري - ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر المصدر: المركز الديمقراطي العربي
أشارت صحيفة Sudan Tribune علي موقعها في 17 أبريل 2017 بالإحالة علي منظمة عفار البحر الأحمر الديموقراطية
RSADO المُعارضة لنظام الحكم القائم بإرتريا أن حكومة أسمرا أعطت مصر الضوء الأخضر لبناء والحصول علي قاعدة عسكرية علي الأراضي الأرترية البالغ مساحتها 121,320 كم مربع (أكبر قليلاً من ولاية Pennsylvania الأمريكية) والتي تطل علي البحر الأحمر بساحل طوله 2,234 كم واهم جزرها به جزيرة Dahlak، ولها حدود يبلغ مجمل 1,630 كم منها 1133 كم مع جيبوتي و912 مع إثيوبيا و605 كم مع السودان، وتحدد مصادر المعارضة الأرترية موقع هذه القاعدة بأنها في جزيرة (محلية) Nora أو Norah وهي ثاني أكبر الجزر المسكونة بأرخبيل Dahlak وتبلغ مساحتها حوالي 105 كم مربع، وتشير هذه المصادر إلي أن وفداً عسكرياً وأمنياً مصرياً قام بزيارة لأسمرا مطلع أبريل 2017 للإتفاق علي تمركزعدد يتراوح ما بين 2000 إلي 3000 من عناصر البحرية المصرية بهذه القاعدة البحرية بأرتريا الموضوعة حالياً تحت عقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم S/RES/2317 لعام 2016 والذي تم تجديده حتي 15 نوفمبر 2017 والذي يشير البند 16 منه إلي ما نصه ”يعيد كذلك ”مجلس الأمن“ تأكيد حظر الأسلحة المفروض على إريتريا بموجـب الفقـرتين ٥ و٦ مـن القـرار ١٩٠٧لعام ٢٠٠٩ (والمشـار إليـه فيمـا يلـي بعبـارة ”حظـر الأسـلحة المفـروض على إريتريا )؛“ والذي تأسس علي مساعدة الحكومة الأرترية“ بالسلاح لمتمردي الصومال وتحديداً تنظيم الشباب الصومالي الإسلامي المُتهم بالإرتباط بتنظيم القاعدة و المناوئ أيضاً للتواجد الغربي والإثيوبي بالصومال وللحكومة الفيدرالية الإنتقالية بمقديشيو إنتهاكاً للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة علي توريد السلاح للصومال وهو ما أكده قبل ذلك بيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن في 18 مايو 2009 دعا أيضاً مجموعة المراقبة التي شكلتها الأمم المتحدة إلي تحري هذا الموقف الأرتري.
تقدير موقف:
إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فإن هذا يؤكد أن القاهرة رأت أن تركز علي العسكرية المصرية بعد أن دان لها بصفة أحادية إتخاذ القرار المصري للإستخدام الداخلي والخارجي للأداة العسكرية لتكوين دور مختلف لها يمكنها - حسب إعتقادها - من تكوين ” دور ومكانة ” مختلفين بدلاً من الدور و المكانة اللتين فقدتهما مصر لأسباب متنوعة لعل أهمها توقيعها لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني في 26 مارس 1979 في نهاية ثلاثة عقود شهدت ثلاث مواجهات عسكرية رئيسية ضد إسرائيل المدعومة عسكريا ومباشرة من الولايات المتحدة علي أسس مختلفة ليس أقلها إتفاقات التفاهم الإستراتيجي الموقعة بين الإدارات الأمريكية المُتعاقبة وإسرائيل، وأدت هذه المواجهات من بين ما أدت إليه إلي إستنزاف العسكرية المصرية التي كان دورها مُنحصراً في إعتبار الكيان الصهيوني هو العدو وهو الصراع الوحيد الذي كان ويجب علي هذه العسكرية أن تواجهه بصفة حصرية، لكن وبسبب برنامج المساعات العسكرية الأمريكية لمصر وكذلك بسبب تحييد شبه جزيرة سيناء عسكرياً من خلال معاهدة السلام وملحقاتها وكذلك بموجب التعهد الذي قطعته الولايات علي نفسها وقت التوقيع علي معاهدة السلام تلك بإنشاء والإحتفاظ بقوة سلام مُتعددة الجنسيات كبديل مقبول نتيجةعدم إستطاعة مجلس الأمن الدولي التوصل لإتفاق لتكوين هذه القوة لإسباب مختلفة وفقاً لرسالة تلقاها في 18 مايو 1981 رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية المصري من رئيس مجلس الأمن وبالفعل وُقع في واشنطن في 3 أغسطس 1981 بروتوكول بين مصر والولايات المتحدة والكيان الصهيوني قضي بإنشاء القوة متعددة الجنسيات والمراقبين في شبه جزيرة سيناء، ومن ثم ومنذ إنشاء هذه القوة يمكن القول أن مسرح القتال الوحيد للعسكرية المصرية أُوصد بابه الوحيد بسيناء، وأصبحت العسكرية المصرية تبحث عن دور بديل تقوم به وفي الواقع فإن الدور الذي وجدته كان فرض نفسها علي الحياة الإقتصادية المصرية من خلال جهاز الخدمة الوطنية والذي كان كافياً حتي 11 فبراير 2011 تاريخ سقوط نظام باهت لا ظل له علي الإقليم المحيط به، فقد فقد هذا النظام الدور والمكانة معاً إلا أنه ومنذ يوليو 2013 توجهت العسكرية المصرية إلي إستغلال إمكاناتها غير المُستخدمة لمحاولة إستعادة الدور والمكانة بصفة مُجردة من القوي الناعمة التي كانت تشكل جماع الدور والمكانة المصرية في ذروتهما حتي 23 يوليو 1952 تاريخ أول إنقلاب عسكري بمصر، لكن إلي أي حد يمكن أن تحقق هذه الخطوة غير المعهودة في الفكر العسكري المصري منذ تحقيق العسكرية المصرية لدرجة عالية نسبياً من الفشل في حملة اليمن عام 1962- 1967 من أجل مساندة الثورة اليمنية ؟ هذا ما قد يتضح من العرض اللاحق.
هناك إتصالات مصرية متميزة منذ تسعينات القرن الماضي وحتي وقتنا الراهن مع أرتريا علي خلفيتين غير مختلفتين هما خلفية العلاقات المصرية المُختنقة دائماً مع السودان منذ 1990 وحتي اليوم والتي شهدت فترات متقطعة من التحسن النسبي لكنها مازالت مؤسسة علي العداء المُستحكم مثلها مثل خلفية العلاقات المصرية / الإثيوبية دائمة العداء منذ عهد منليك الثاني ملك إثيوبيا والخديو إسماعيل وحتي اليوم والتي لا يعتبر أي تحسن يطرأ عليها مزيلاً للعداء المُتجذر في أرضيتها لأنه عداء قائم علي تباين موقفهما من قضية مياه النيل وهي ظاهرة جغرافية ثابتة، وهو أمر مختلف عن العداء المصري / السوداني الذي يقوم علي تباين طارئ في العلاقات أساسه تبني نظام ثورة الإنقاذ للنهج الإسلامي في بداية التسعينات إلي أن تخلي عنه بدرجة ما وإن لم يكن نهائياً وهو ما لم يُرق للقاهرة إبان عهد مبارك فأنتج ذلك خلافات متعددة أخطرها التنازع علي أيلولة منطقة حلايب الحدودية، وقد كانت آخر إتصالات مصرية / أرترية مُعلنة زيارة وفد برئاسة عثمان صالح وزير الخارجية الأرتري و Yemane Gebreab مستشار الرئيس أفورقي للقاهرة في 23 مارس 2017 ولمدة أربع أيام نُوقش فيها مع وزير الخارجية المصري ومع مسئوليين آخرين موضوعات ذات إهتمام مُشترك أهمها الأمن في البحر الأحمر ومكافحة القرصنة والتطورات الأخيرة في الصراع القائم باليمن وقضية مياه النيل (أرتريا كانت عضواً مراقباً وليس أصلياً في مبادرة الرؤية المشتركة الجامعة لدول حوض النيل) والأوضاع الراهنة في جنوب السودان والصومال وبين الدولتين تنسيق وتفاهم فيما يتعلق بكل هذه القضايا، وكانت هذه الزيارة متابعة لنتائج زيارة أخري سابقة لوفد مصري لأرتريا، وقد أعرب وزير الخارجية المصرية للوفد الأرتري عن الحاجة إلي رفع عقوبات مجلس الأمن الدولي المفروضة علي أرتريا.
حالة العلاقات المصرية / الأرترية الممتازة تتيح لمصر الحصول علي مبتغاها بإقامة قاعدة بحرية مصرية علي جزيرة Nora وهي نفس حالة العلاقات التي سمحت لإسرائيل في زمن سابق من الحصول علي ميزة التمركز في جزر Dahlak وفاطمة عند مدخل خليج عصب وحالب أكبر جزر خليج عصب جنوبي جزيرة فاطمة، كما أن التفاعلات التي نتجت عن ثورات الربيع العربي دشنت مسافة جديدة وطريق بديل للتعامل بين النظم العسكرية القائمة علي جانبي جغرافية النظم الملكية والأميرية المنضوية تحت لواء مجلس التعاون الخليجي الذي أستقل حتي الآن بمنهجيته Methodology العسكرية الدفاعية القائمة علي مبدأ الإلتحاق بالإستراتيجية الغربية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير Greater Middle East التي من مظاهرها إعتبار جيبوتي جزءاً من نظرية الدفاع عن الشرق الأوسط علي غرار إعتبار الأوربيين موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد جزءاً من البحر المتوسط الكبير Greater MediterraneanSea، وعليه فإنه ولتقييم المردود الحقيقي لتوجه العسكرية المصرية مرة أخري لخارج مسرح صراعها العسكري المعهود وهو سيناء (بالرغم من معاهدة السلام) الذي من المُفترض أنه مستديم كونه قائم علي صراع ديني وليس سياسي كما يحاول البعض تناوله لإختصار مسافات الصراعات السرمدية، فإنه لابد من الإشارة إلي النقاط التالية علها تفضي بنا إلي تقدير موضوعي بقدر الإمكان لهذه الخطوة ذات التداعيات المتباينة:-
1. تواجه القوات المسلحة المصرية معركة ذات نتائج مؤثرة علي الإستقرار النسبي للنظام السياسي القائم بالقاهرة وعلي قدرات القوات المسلحة المصرية وطاقاتها في شبه جزيرة سيناء، حيث فُرض علي الجيش المصري معركة مع / ضد مقاتلي ولاية سيناء أو أنصار بيت المقدس أو داعش في نفس المنطقة التي أراد الأمريكيون والصهاينة إخلاءها من أي جهود عسكرية / قتالية وإذا بهم يضطرون خشية توسع خطر هذه المواجهة إلي قبول تمدد القوات المسلحة المصرية بشبه جزيرة سيناء بإعداد غير مُتفق عليها في ملحق معاهدة السلام مع إسرائيل لمواجهة هذا التمرد أو القتال الذي هو في نفس الوقت إختبار محدود للجاهزية العسكرية المصرية في شمال شبه جزيرة سيناء علي نحو خاص، وكما أنها معركة إستنزاف لا معركة نتائج حاسمة فإن إستمرارها مُحتمل، من جهة أخري فإنه ربما يبرر عدم حاجة القوات المسلحة المصرية لأسطولها العسكري البحري في هذه المواجهة تمددها جنوبا وتحديداً في البحر الأحمر، وإتصالاً بالتعاون المصري الأرتري عسكرياً من خلال موافقة أرتريا منح مصر قاعدة عسكرية فلابد من الإشارة قبل أن يظن أحدهم أن هناك تطابق في المخاطر ونمط العمل العسكري والأمني لكلا الدولتين، إلي أنه في الوقت الذي تتعاون فيه أرتريا مع حركة الشباب الإسلامية الصومالية لدرجة أن عرضت نفسها بسبب ذلك لفرض حظر أممي علي السلاح إليها، فإن هذا التنظيم يقع في النظرية الأمنية المصرية في موقع التنظيمات الإرهابية، وعلي حين يتأسس العداء المصري الإثيوبي علي التباين المُستديم في قضية مياه النيل، نجد أن الخلاف الأرتري الإثيوبي مُؤسساً علي نزاع حدودي وعلي تراث تراكمي من الكراهية الناجمة عن مرارات فترة الإحتلال الإثيوبي لأرتريا منذ ضمها قسراً للتاج الإثيوبي عام 1936 حتي إستقلالها عن إثيوبيا، وهذا العداء المتناغم الذي تكنه مصر وأرتريا لإثيوبيا التي ما فتأت تستغل قضية مياه النيل أسوأ إستخدام يمكن لدولة تحترم القانون الدولي أن تقدم عليه، أدي وسيؤدي لاحقاً إلي الإقتراب المصري من الأراضي الإثيوبية إنطلاقاً من قاعدة Nora البحرية بإرتريا مما سيجعل التهديدات المصرية لإثيوبيا أكثر مصداقية وأبعد من أن تستطيع إثيوبيا مواجهتها أو تجنبها علي أقل تقدير، وقد أشار Redda Mulgeta عضو حزب جبهة الشعوب الإثيوبية الجمهوري الديموقراطي EPRDF الحاكم بإثيوبيا إلي أن التحرك المصري لحيازة تواجد عسكري بأرتريا واضح وأن الدافع الذي لدي القادة المصريين من الحصول علي قاعدة عسكرية علي أراضي أرتريا خصم إثيوبيا هو تخريب سد النهضة العملاق بواسطة الجماعات الأرترية المعارضة المُضادة لإثيوبيا والجماعات الصومالية المتحالفة مع القاعدة، وأن مصر تأمل في إخضاع إثيوبيا للدخول معها في حرب بالوكالة بواسطة عدوتها أرتريا والمعارضة المحلية وحركة الشباب الصومالية، وفي تقديري أنه لأمر منطقي متوقع أن تواجه إثيوبيا وهي قد أعلنت حرب المياه ضد مصر ببناءها سد يحجب عن مصر 25% علي أقل تقدير من حصتها التاريخية من مياه النيل، الأمر إذن حرب وتخريب متبادل بدأته هي بعون من المانحين الدوليين الذين يعتمد علي أغلبهم النظام بالقاهرة ومنهم جمهورية الصين الشعبية وإيطاليا.
2. يري النظام القائم بالخرطوم هذه الخطوة العسكرية المصرية تطوراً سلبياً يُخشي منه ربما بدرجة أقل مما تراها إثيوبيا لكنها - في تقديري - ستؤدي في النهاية إلي مزيد من التنسيق العسكري المُتبادل بين أديس أبابا والخرطوم التي صعدت الولايات المتحدة - بعيداً عن الخلافات الحاصلة بين وكلائها المحليين جميعاً السعودية والإمارات العربية وإثيوبيا ومصر والمعنيين مباشرة بالخطوة المصرية - من تعاونها العسكري مع السودان إلي حد يمكن معه القول بأن هناك عودة قوية للعلاقات الأمريكية / السودانية بعد قرار الرئيس الأمريكي Barack Obama في 19 يناير 2017 بتخفيف العقوبات الإقتصادية والتجارية التي فرضتها إدارات أمريكية مُتعاقبة علي مدي 19 عاماً خلت علي السودان، تلتها إدارة الرئيس Trump التي وفقاً لما أعلن في الخرطوم في 17 أبريل 2017 وجهت من خلال القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الدعوة للقوات المسلحة السودانية للمشاركة لأول مرة في إجتماع عسكري للدول الأفريقية علي مستوي رؤساء هيئات الجيوش في مقر القيادة في Stuttgart بألمانيا، ونقلت صحيفة Sudan Tribune في 17 أبريل 2017 عن الناطق باسم القوات المُسلحة السودانية قوله في بيان عن ذلك ” إن مشاركة السودان في هذا الإجتماع دالة علي الإنتقال من العقوبات إلي التعاون في قضايا تشكل إلتزاماً معنوياً لدي السودان لمكافحة الجريمة العابرة للحدود مثل جريمة الإرهاب والهجرة غير المشروعة ودعم الحركات السلبية والتجارة غير المشروعة في السلاح وغسيل الأموال ”، وأضاف أن مشاركة السودان في هذا الإجتماع تعني إختراقاً في العلاقات مع الولايات المتحدة وخطوة تؤدي لرفع اسم السودان من علي قائمة الدول الداعمة للإرهاب ورفع العقوبات الإقتصادية والتجارية تماماً، ويُذكر أن الدولتين عينتا مؤخراً ملحقيين عسكريين بواشنطن والخرطوم بعد إنقطاع دام لثلاثين عاماً، ولا يعتبر إلتحاق السودان بأنشطة (وخطط) القيادة الأمريكية العسكرية لأفريقيا AFRICOM مؤثراً في حد ذاته علي النطاق الإقليمي وخاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري المصري الأمريكي ونطاقه لولا أن العسكرية الأمريكية رأت أنه من الضروري حصر العسكرية المصرية وحصارها في النطاق الشرق أوسطي بتأكيد تبعيتها لولاية القيادة العسكرية الأمريكية المركزية USCENTCOM عندما أكدت في منطق الإعلان في 6 فبراير 2007 عن إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM أن ولايتها تشمل كل أفريقيا وجزرها فيما عدا مصر، ومن ثم فإن الرؤية العسكرية الأمريكية للسودان مختلفة عن تلك المُتعلقة بمصر مع ما يترتب علي ذلك من نتائج، مما يعني أن السودان أصبح مُرشحاً وبقوة لأن يندرج علي قائمة النظم المُتعاونة من وجهة نظر عسكرية / أمنية أمريكية بما يعني تلازمياً أن الخطوة المصرية بإقامة قاعدة عسكرية في أرتريا تمت بضوء أخضر أمريكي لسبب بسيط لكنه مُفعم بالدلالات فليس بين الولايات المتحدة وأرتريا أي منفذ تنفذ منه واشنطن لداخل النظام ومن ثم فإن الدولة العربية الوحيدة بالمنطقة التي يمكن لها التعاون عسكرياً مع أرتريا بالإضافة لإسرائيل هي مصر والعسكرية الأمريكية بحاجة لتواجد حليف لها يتواجد بدولة شبه معادية للولايات المتحدة لها إرتباطات مع ألد أعداءها عالمياً أعني مع كوريا الشمالية وبالطبع فإن أرتريا تدرك ذلك لكنها بحاجة إلي دولة تناصب إثيوبيا العداء مثلها بل ربما أعظم، وستعمل مصر داخل أرتريا - في حالة إقامة هذه القاعدة - في إطار قواعد اللعبة الأمريكية المُوضوعة ”للدول المُتعاونة” أو ما يُعرف بالوكلاء العسكريين المحليين بمقاييس البنتاجون.
3. أشار موقع Middle East Eye في 13 فبراير 2017 إلي أن الإمارات العربية المتحدة في سبيلها للحصول علي قاعدة لها في Somaliland حيث أجاز برلمانها في 12 فبراير إقامة الإمارات لقاعدة في شمالي Berbera بنظام التأجير لثلاثين عاماً وذلك بموافقة 144 نائب ومعارضة إثنان وإمتناع إثنان وهي القاعدة الثانية للإمارات في القرن الأفريقي بعد إقامتها لقاعدة عسكرية في عصب بإرتريا عام 2015 قيل أنها لمواجهة الحوثيين في اليمن فيما لا يُعرف - حتي الآن - علي وجه اليقين الهدف الذي من أجله أقامت الإمارات قاعدتها العسكرية في Berbera، وقد نفت أرتريا في ديسمبر 2016 تأجيرها لهذه القاعدة واتهمت وزارة الإعلام الأرترية قناة الميادين الفضائية بأنها تبث معلومات غير مُؤسسة ومغلوطة تسيئ لأرتريا في هذا الشأن، بينما أشار تقرير للجنة المتابعة والرصد لأرتريا التابعة للأمم المتحدة بأن الإمارات والسعودية قامتا بإستئجار ميناء عصب الأرتري لثلاث عقود (مقابل 500 مليون دولار)، وبطبيعة الظرف الإقليمي المتوتر في القرن الأفريقي الذي نشأت عنه تحالفات بين دول بينها بعض الإختلافات القليلة بل وبعض التناقضات أيضاً، إلا أنه يمكن القول بأن الإقتراب العسكري الإماراتي من النطاق الحيوي بمحيط إثيوبيا الأمني في القرن الأفريقي أدي إلي تنازع الشكوك بل والخشية من أهداف الإمارات التي لها علاقات عسكرية مصيرية مع الولايات المتحدة وفرنسا خاصة مع علم إثيوبيا بتداخل الدورين المصري / الأماراتي وإستخدامهما عنوان ” التحالف مع السعودية لمواجهة الحوثيين في اليمن ” كملصق دعائي للترويج لسياسة معلنة الجزء الخفي منها مُضاد للمصالح الإثيوبية، وذلك بالرغم من أن الإمارات وقعت مع إثيوبيا عام 2016 علي إتفاقات بشأن تعاملات إستثمارية مختلفة، ومع ذلك فلم يمنع هذا التضارب في السياسة الإماراتية تجاه إثيوبيا من تعنيف Hailemariam Desalegn رئيس الوزراء الإثيوبي للإمارات والسعودية في 2 يناير 2017 وحملهما عواقب تعاونهما العسكري مع أرتريا بسبب إقامة الأولي لقاعدة عسكرية بإرتريا التي خاضت حرباً طاحنة مع إثيوبيا في الفترة من 1998 حتي يونيو 2000 أسفرت عن 700,000 قتيل من الجانبين.
يجب ألا ننسي أن ساحة المواجهة العسكرية المنطقية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وهي الخليج العربي تعرضت للإرجاء وربما للإهمال العمدي من جانب هذه الدول وكانت الدولة الوحيدة القادرة علي الإضطلاع بهذا الواجب هي عراق / صدام حسين، ومع ذلك لم تقف دول الخليج العربي وعلي رأسها السعودية مع صدام حسين لتدعمه حتي النهاية مُكتفية بمرحلة حرب الثماني سنوات أو حرب الخليج الأولي، إذ لم تكن الولايات المتحدة تعتمد في إستراتيجيتها للشرق الأوسط آنئذ إنهاء صدام وحين قررت ذلك أصيبت دول الخليج العربي بالعمي السياسي وصادقت علي إجازة مفتوحة للضمير العربي، ومن ثم فحتي نتيقن من أن حصول الإمارات والسعودية علي موافقة من أرتريا و Somalilandلإقامة قاعدتين عسكريتين بهما هدفه الوحيد مواجهة الحوثيين أي إيران، فنحن والحالة هذه بحاجة إلي من يقنعنا بأن من يفتقد القدرة علي المواجهة في مسرح القتال والمواجهة المباشر يمكنه والحالة هذه أن يفعل ذلك في مسرح قتالي بديل بظروف بيئية وطبوجرافية وسياسية مختلفة والأهم ببنية أساسية متواضعة فيما مسرح القتال الأصلي وخاصة ساحلهما علي الخليج العربي تتوفر له بنية أساسية ولوجيستيكية فائقة الحداثة ولا تُقارن بتلك التي في جيبوتي و Somaliland وأرتريا.
من جهة أخري فحالة العسكرية المصرية ليست بأفضل من حالة العسكريتين السعودية والإمارتية فقد تركت العسكرية المصرية واجبها القتالي الرئيسي في شبه جزيرة سيناء طواعية منذ التوقيع علي معاهدة السلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979 والتغافل عن إتفاق المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية مع ما يتضمنه من تهديد لثوابت الأمن القومي المصري، وبل وتنازلت أيضاً وبصفة طوعية عن حق مصر التاريخي في مياه النيل بتوقيعها لإعلان مبادئ سد النهضة في 23 مارس 2015 مع إثيوبيا والسودان وهي خطوة لن يصدقها التاريخ حتي يسجلها كحقيقة، ومن ثم فقد تغيرت أولويات العسكرية المصرية بشكل مأساوي فبدلاً من أن يكون الإتجاه الجنوبي نحو مياه النيل الذي يعني يقيناً حياة مصر والمصريين، كان الإتجاه الجنوبي المصري نحو البحر الأحمر فقط لإستغلال فائض مشتريات عسكرية مصرية لا يمكن إستخدامها علي محور الإتجاه الجنوبي النيلي، وذلك لبناء دور ومكانة ربما كانت للقوات المسلحة المصرية لكنها يقيناً لن تخدم المصريين فالنيل وليس البحر الأحمر المالح هو من يروي عطش المصريين وأرضهم فاللوحات الجدارية للفراعنة تؤكد ذلك، ومن ثم فالمحور الجنوبي بإتجاهه للبحر الأحمر علي هذا النحو ربما صب في صالح السعودية، أما الإمارات فيبدو أنها تريد إستعادة طنب الكبري والصغري من إيران من نقطتي إرتكاز في عصب و Berbera وهو بالطبع هدف غير قابل للتحقيق إلا إذا كانت الرغبة في الإنتقام من إيران بسبب إستيلاءها غير المشروع عليهما هي الهدف النهائي من قبل الإماراتيين، لكن حتي الإنتقام من إيران كدافع قد لا يتحقق للإمارات بشكل يؤثرعلي مجمل العمليات العسكرية في اليمن فطبيعة أرض المعركة في هذا البلد وإضعاف الكتلة الحية الفاعلة من الإسلاميين الذائبة في مزيج الشعب اليمني بواسطة رئيس سفيه قابل لممارسة الخيانة حتي مع نفسه كحالة علي عبد الله صالح الذي دعمته السعودية زمناً هو ما أدي إلي صعوبة تحقيق نصر حاسم للتحالف العربي في اليمن وهو ما أدي أيضاً إلي لجوء العسكريات السعودية والإماراتية والمصرية إلي أسلوب مواجهة إيران ووكلاءها الحوثيين في اليمن من قواعد عسكرية بدول القرن الأفريقي الثلاث المُشار إليها وليس بأسلوب آخر فمعركة اليمن عقائدية قبل أن تكون بحرية / برية / جوية لذلك لن تحسمها هذه القواعد التي ربما أرجأت النصر أو الهزيمة لكنها لن تكون حاسمة في النهاية.
4. لم تقدم مصر حينما كان ذلك ضرورياً علي تفعيل / أو إحياء إتفاقية الدفاع المُشترك المُوقعة مع السودان في 15 يونيو 1976عندما كان الإتجاه الجنوبي للعسكرية المصرية مُتجهاً نحو النيل حصرياً يخدمه الجهد الدبلوماسي المصري وهي الإتفاقية التي جمدها فيما بعد في ثمانينات القرن الماضي السيد الصادق المهدي وقت أن كان رئيس وزراء السودان، ولم يتقدم نظام مبارك خطوة لتفعيله بالرغم من أن السودان كان سيرحب بذلك لإنقاذه من براثن العسكرية الأمريكية التي عملت علي دعم التمرد المسلح بقيادة جون جارانج ودول جوار السودان عسكرياً من أجل فصل جنوب السودان مع ما لذلك من خطر ماحق علي أمن مصر القومي، وهو لم يقدم علي ذلك إلا مخافة البأس والغضب الأمريكي منه مما قد يعرضه لفقدان السلطة، بل لقد وصل مبارك إلي حد دعم التمرد الجنوبي لإضعاف نظام الخرطوم، لكننا نُلاحظ أن الولايات المتحدة راضية تماماً عن خروج العسكرية المصرية من النصوص التقليدية لمدونة أمنها القومي التي ينصرف معناها علي الدفاع عن أرض الوطن، بإقامة قاعدة بحرية لها في أرتريا إضافة إلي محاولة مصرية أخري غير مُؤكدة لإقامة قاعدة أخري في جيبوتي، وهو ما يعني أن ذلك يخدم إما كلياً أو جزئياً الإستراتيجية العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط التي من بين أهدافها تغيير ملامح الصورة الإسرائيلية بالبحر الأحمر لتصبح إسرائيل والدول المُطلة علي البحر الأحمر دول تجمعها وإسرائيل منظومة تعاون لا صراع قد تمتد مظلتها لتصل إلي هذه القواعد التي تقيمها ثلاث دول عربية لمواجهة خطر إيراني مُبالغ فيه بالبحر الأحمر فيما مدخل هذا البحر والشاطئ المواجه للصومال مُضافاً إليهما جيبوتي تتزاحم البحريات الأمريكية والفرنسية والألمانية والبريطانية أمامه، وما تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية إلا خطوة لترسيخ هذا المفهوم التعاوني الذي بموجبه تتولي السعودية ما تولته مصر بشأن ترتيبات تمركز قوة حفظ السلام والمراقبين متعددة الجنسيات المكونة بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
يمكن إستيعاب النتائج السلبية الناتجة عن هذه الخطوة المصرية بصفة أعمق بقراءة مُتأملة لتصريح أدلي به الرئيس السوداني عمر البشير في مؤتمر صحفي مُشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي بإديس أبابا في 4 أبريل 2017 قال فيه ما نصه ” لاسقف للتعاون بيننا في المجال الأمني إذ أن أمن أثيوبيا هو أمن السودان؛ وأمن السودان هو أمن أثيوبيا ”، وأمن رئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين على حديث الرئيس السوداني قائلاً: إن ما يمس أثيوبيا ينعكس على السودان، وإن ما يمس السودان ينعكس على إثيوبيا، لذلك فإن البلدين مصممان على التعاون الوثيق في هذه المجالات كلها ”، وبناء علي هذا التصريح السوداني المفارق لكل أسس العلاقات المصرية / السودانية فإنه يُفترض وفقاً لهذا الإعلان أن ينتهي العمل تماماً بنظرية الأمن القومي المصري / السوداني التي كانت تعتبر من نظريات الأمن القومي القليلة بين الدول التي تتسم بخاصية تبادلية، ومن ثم فإن إقامة مصر لقاعدة لها في أرتريا كان مكانها الأصيل في السودان حماية لأمنها القومي قبل أن يصل الأمر برئيس سوداني لمقايضة أمن مصر والسودان المتلازم بأمن إثيوبيا، لكنه - وبرغم الأسف الذي يخالج الضمير العربي المسلم - مرغم أخاك لا بطل، ومع ذلك لابد من البوح بسر معلن وهو أن إثيوبيا لم تكن ولن تكون جزءاً من أمن السودان القومي التاريخ وربما النبوءات السياسية تقول بذلك.
نتيجة:-
إلي أن يتأكد أمر إقامة مصر لقاعدة عسكرية لها في أرتريا يمكن التأكيد مرة أخري علي أن تغيير العسكرية المصرية لإستراتيجيتها بعد يوليو 2013 يتيح منطقاً يبرر إقدامها علي إقامة هذه القاعدة، ومن غير الواضح ربما لفترة طويلة قادمة هدف أو أهداف مصر من إقامة هذه القاعدة التي تمثل سابقة، ويستحق الأمر طرح السؤالين التاليين: هل هناك ثمة تنسيق مُستقبلاً بين القواعد التي للسعودية والإمارات بكل من جيبوتي وأرتريا و Somaliland وبين القاعدة المصرية بجزيرة Nora بأرتريا ؟، وهل هذه هي الخطوة الأولي في بناء تحالف عربي علي غرار أو مُرتبط بحلف شمال الأطلنطي NATO ؟، بغض النظر عن الإجابة فإن الأمر المؤكد حتي الآن أن كل هذ التحركات العربية في البحر الأحمر تقع داخل نصوص كتاب الإستراتيجية العسكرية والأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والبحر الأحمر جزء منه، ولا يمكن لأي من هذه الدول التي لها قواعد أو التي تريد أن يكون لها قواعد في القرن الأفريقي مُستقبلاً أن تخرج علي أي من هذه النصوص فهذه الدول تُصنف بأنها متعهدين عسكريين Entrepreneurs militaires لا أكثر ولا أقل، وأهم ما ستحققه هذه القواعد في القرن الأفريقي هو ربطه بنطاق الشرق الأوسط عسكرياً وسياسياً بدرجة أقل، وتحقيق دخل إستثنائي للدول التي تُقام بها هذه القواعد وهي دول إقتصادها لا يمتص أي زيادات مالية إستثنائية لأنه إقتصاد فساد صخري التكوين لا يمتص لكنه يكسر أي محاولة تنمية، كما ستستفيد مالياً عسكريات الدول - بدرجات متفاوتة - التي أقامت هذه القواعد لكنها بقدر هذه الإستفادة سيقوي ساعدها أكثر فأكثر فأكثر لدرجة التوحش السياسي داخلياً وهذا أمر قد تعاني منه نسبياً المملكة العربية السعودية أكثر مما ستعاني منه دولة الإمارات، فالمؤسسات العسكرية في دول العالم الثالث مع إفتقادها حتي للحد الأدني من الغريزة الديموقراطية لا تتحمل تحقيق الحماية للنظم القائمة بالصدفة أو بولادة قيصرية بلا ثمن سياسي.
- والسؤال مجدداً أين كانت العسكريات العربية تلك عندما غزت الولايات المتحدة العراق في الفترة من 19 مارس 2003 حتي الأول من مايو 2003 العراق حائط الصد العربي في مواجهة إيران ؟
- ألم تكن مخاطر هذا الغزو مُهددة لأمن السعودية ودول الخليج ومصر بنفس القدر وربما أعظم من مخاطر الحوثيين وإيران الداعمة لهم حالياً ؟
لن تكون هناك إجابة حقيقية عن هذه الأسئلة لغياب المعايير الضرورية لذلك، فلم يعد هناك أمن جماعي عربي مُشترك، لأن الأمر لا يخرج عن كونه تحالفات ظرفية وإنفاق أموال بدون مساءلة من مجالس برلمانية سادرة في سبات عميق.