أحوال الشرق الأفريقي والتحالفات الدولية والإقليمية "العلاقات القطرية الإريترية" الحلقة الثانية
بقلم الإعلامية الأستاذة: آمال صالح - كاتبة والناقدة ارترية المصدر: الإفريقية
ثمة عوامل سياسية وايدولوجية واقتصادية ذات تأثير مفصلي ومتعاظم على مسار التحالفات الإريترية القطرية،
وبالتالي، لها انعكاسها على العلاقات السياسية الإقليمية. وبالضرورة، لا يمكن قراءة مجمل الصراع بعيدًا عن الأزمة بين قطر ودول الخليج العربي، ومدى انعكاساتها على واقع بلدان الشرق الأفريقي.
عُنق الزجاجة:
ابتداءً، تزامن دخول العلاقة القطرية - الإريترية في مأزقها الحقيقي، والأخير، مع امتداد (ثورات الربيع العربي)، ووصولها إلى كل من مصر وليبيا؛ حيث برز، وبوضوح، الاختلاف الايدولوجي بين الحليفين (إريتريا وقطر)، إلى السطح. فالدولة القطرية المتطلعة بثقلها السياسي والإعلامي إلى لعب دور مؤثر وكبير في التغيير في المنطقة العربية، لصالح تيارات الإسلام السياسي، في كل من تونس ومصر، وبعدها في ليبيا ودول أخرى، بدت هذه الدولة غافلة عن التناقض الكبير لايدولوجيتها مع المحمول الفكري لحليفها الرئيس في القرن الإفريقي اسياس أفورقي.
افورقي، الحاكم في إريتريا، ذو انتماءات وأصول دينية - مسيحية، مع إدعاءات بعلمانية - ثورية - براغماتية، دحضتها مآلات الأمور لاحقًا. لكن قبل ذلك، لم يكن أفورقي قلِقًا أو مُتحفظًا تجاه سياسات قطر وتوجهاتها، التي بالتأكيد، ستطاله - لاحقًا - مخاطرها، ولن يسلم منها مستقبلًا.
رمى القطريون، كما تابعنا، بثقلهم، ليس في دعم الثورة المصرية فقط، بل في تغيير مسارها بتكثيف إعلامها / السياسي، وبقوة، لصالح جماعة الإخوان المسلمين ومرشحها إلى السلطة في مصر محمد مرسي. هذا التوجه القطري، كان له انعكاسه المباشر على المشهد السياسي الإريتري، وتحديدًا في اتجاهٍ بعينه؛ حيث رفع آمال وطموحات بعض تيارات الإسلام السياسي الإريترية، في ظل المساحة التي أتاحها لهم الرئيس المصري المُنتخب مُرسي (2012)، عبر لقاءات عدة وتحت مباركة قطرية.
القشة القاصمة:
في ذات السياق، وداخل النسق الإعلامي السياسي القطري، كانت الدولة الخليجية الصغيرة تغض الطرف، وتغلق كاميرات قناتها الشهيرة (الجزيرة) أمام مفاعيل وأفاعيل أحد أكثر الأنظمة تعسفًا وقهرًا في المنطقة والعالم. وهذا بالطبع موقف يُناقض ويدحض بشدّة أية مزاعم مِهنية وتنويرية لهذه القناة ويدحض، في الوقت نفسه، مزاعم الحكومة القطرية بكونها ضد أنظمة التعتيم والديكتاتوريات في الإقليم (العربي - الإسلامي - الأفريقي).
في هذا الخضم، نشأ مناخ من التحولات السريعة في مواقف ومواقع الحلفاء، ومازال؛ حيث لم يتردد الرئيس افورقي، لاحقًا، في إعلان مباركته ودعمه السريع إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى السلطة بعد سنتين من الحراك الداخلي والخارجي في مصر، ليحسم بذلك واحدة من أخطر الصراعات في منطقة الشرق الأوسط. هذا الموقف من أفورقي، كان "القشة القاصمة لظهر البعير". وهو موقف لم يكن للقطريين استيعابه وتقبله، في ظل حالة محمومة من التنافس الشرس على المنطقة.
بنفس المستوى، وعلى الجبهة الليبية، لم يكن أمام الرئيس الإريتري أفورقي سوى خيار الوقوف إلى جانب حليفه الأساس، العقيد معمر القذافي، الداعم الأول لحكومته، ولسنواتٍ طويلة؛ حيث قدّم دعما هائلا لأفورقي، من هبات مالية كبيرة، ووقود، وتسليح، وتمويل لمشاريع كثيرة، ساعدته في تجاوز الكثير من التحديات التي واجهته في بدايات حكمه؛ فكان وقوف أفورقي إلى جانب (ملك ملوك أفريقيا) أمرًا طبيعيًا، وإن جاء متجاوزًا ومُناقضًا، مرة أخرى، للموقف القطري المُتصاعد بوتيرة متسارعة نحو إطاحة القذافي ودعم جماعات ليبية مناوئة له وحليفة لقطر.
أدّى تراكم التناقضات والاختلافات الجوهرية بين قطر وأفورقي إلى محاولة الدوحة لايجاد مدخلا، أو مخرجا، لهذا التحالف الذاهب، لا محالة، نحو الانهيار التام؛ فما كان لقطر من خيار إلاّ لعب ورقتها الأخيرة، من المقاطعة إلى محاولات بلبلة نظام أفورقي والسعي إلى إطاحته ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
فضائية الجزيرة التناقض والتحريض:
بالعودة إلى قناة الجزيرة، ما يهمنا هو كيف تعاملت مع قضايا الداخل الإريتري، وما غايتها حين تفعل أو لا تفعل؟ في بدايات حلف أفورقي وقطر، كان ثمة اتفاق غير معلن، وهو تجنب الحليفان التناول الإعلامي للقضايا الداخلية لبلديهما، ولزمنٍ طويل. ولكن لم يلتزم القطريون بهذا الاتفاق إلى المدى البعيد؛ فكانت أولى المصائد التي نصبتها لأفورقي هي ظهورة في واحدة من أسوأ المقابلات التلفزيونية على (الجزيرة الإنجليزية) ٢٠١١؛ حيث فقد أفورقي صوابه أمام الأسئلة الصريحة والمباشرة، وأُجْبِرَ لأول مرة، على التحدث حول سياساته القمعيِّة تجاه معارضيه وخصومه، وحول الاعتقالات الكبيرة التي مارسها بحق الخصوم السياسيين منذ السنوات الأولى لحكمه. وهي، للمفارقة، نفس الانتهاكات التي تغاضت عنها الجزيرة!
تتالت، على مدى السنوات الأخيرة، وإن كانت في مناسبات متفرقة وضعيفة، تغطيات قناة الجزيرة لقضايا حقوق الإنسان وقضايا المعارضة الإريترية السياسية والحقوقية في المهجر. إلاّ أنها قفزت مؤخرًا على أحداث أسمرا (أكتوبر٢٠١٧)، المعروفة إعلاميًا بـ(انتفاضة الضياء الإسلامية)؛ حيث قامت سلطات الأمن الإريترية باطلاق الرصاص الحي على محتجين من طلاب مدرسة أهلية، طالبوا الحكومة بعدم التدخل في شؤونهم الإدارية، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، وعلى رأسهم الشيخ موسى محمد نور، رئيس لجنة المدرسة. ومرة أخرى، سعت قناة الجزيرة إلى تغطية الحدث وتداعياته بإعطائه صبغة الصراع الطائفي، في محاولة منها لإخراج الحراك السياسي/ الإريتري من سياقه، وإدخاله في دائرة الصراعات الدينية التي اعتادت القناة على تبنيها وتأجيجها، ما أعطى، في تقديرنا، الفرصة لأفورقي كي يقفز على خطاب المعارضة الإريترية الذي يتضمن المطالبة بالحريات والحقوق الدستورية والقانونية، بإشهاره ورقة محاربة التيارات المتطرفة التي لا وجود حقيقي لها في إريتريا.
وهكذا، ومع انهيار التحالف القطري/ الإريتري واحتدام الصراع السياسي/ الإعلامي بين حلفاء الأمس، يبدو أن المنطقة كلها، وإريتريا بالذات، في مواجهة تغيُرات سريعة وحرجة تفرضها التحالفات وتحفها الذرائع؛ فمن الذي سيدفع كلفتها - يا تُرى ؟