التراجيديا اليمنية
بقلم المناضل: حُمد محمد سعيد كُلُ - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي (لندن)
تربطنا باليمن الشقيق الجغرافيا والتاريخ وصلات الدم، الجيرة ليست سهلة، فكلانا يعيش على ضفتي البحر الاحمر
شرقه وغربه، شرقه وغربه، بل يمكن القول أن المسافة بين ميناء "عصب" و"المخا" بالقارب البخاري الهادي لاتستغرق نصف ساعة، جاليات يمنية كبيرة عاشت في ارتريا، وارتريون عاشوا ومازالوا في اليمن، اذن هى علاقة اخاء لا انفصام فيها.
أبناء اليمن منذ القدم ومن حبهم لبلدهم يرفعون شعار "اليمن السعيد" ربما كانت هناك فترات صعبة فيه المر والشقاء كحالنا في ارتريا، والشاعر اليمني عبدالله البردوني بين معاناته وتفاؤله بوحدة اليمن تغنى باشعاره الكثير، كان ذلك قبل الوحدة اليمنية بفترة طويلة.
"يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن
عدنيون في صنعاء صنعانيون في عدن"
والواضح كلما تحدث محاولة تغيير أو انتقال البلد الى واقع جديد تبدأ مقاومته، واجه "السلال" مقاومة شديدة ولكن بفضل المد الناصري تمكن من تثبيت النظام الجمهوري، وفي فترة لاحقة جاء "ابراهيم الحمدي" ليعطي لليمن الوجه العروبي التقدمي لكن قوى الردة قتلته ومن كثرة حقدهم على الحمدي ركنوا جثته في مقر الحكومة وفي الغرفة المقابلة كانوا يمضغون "الجات".
من المساعي التي نجحت واسبشر بها كل حادب على مصلحة اليمن، الوحدة التي تمت بين شماله وجنوبه، ثم شاهدنا بعد مرور اربعة اعوام محاولة الانفصال، وبالرغم من انني ومعي كثير من الناس رفضنا محاولة الانفصال، لكن الحقيقة ايضا ان نظام علي عبدالله صالح لم يكن حريصا للحفاظ على هذه الوحدة مما ادى الى محاولة الانفصال، ممارسات النظام في الجنوب كرهت بعض الجنوبين.
مرة كنت أناقش مع أحد أبناء الجنوب هنا ب "لندن" قبل سنة ونصف تقريبا، وقال لي بمرارة نحن أبناء الجنوب في الاصل لم نكن يمنيين بل يطلق علينا ابناء ابناء الجنوب العربي للجزيرة، وقلت له انا لم اسمع بهذه التسمية وحديثك هذا يعبر عن ردة فعل، قلت له يمكن أن أقبل ان ظلما وقع في الجنوب أما الانفصال فلا نتمناه.
على الرغم من ان فترة رئاسة علي عبدالله صالح لم تكن بالزمن الجميل لليمنيين، حيث يقول الخبراء ان قرابة 45 في المئة من المواطنين تحت خط الفقر و35 في المئة منهم يعانون من البطالة وان الدخل الحكومي لا يتجاوز 8 مليار دولار والنفقات تفوق ضعف القيمة، ومع ذلك يقول الخبراء كان علي عبدالله صالح يمثل الاستقرار لليمن واليمنيين والجيران، فقد حافظ على عروبة اليمن لكنه فرط في جنوب اليمنمن خلال محاولات الهيمنة للحفاظ على وحدة اليمن، لكنني لا اتفق مع راى الخبراء هذا اذ كيف ان يعيش البلد في وضع مزري ويقال انه حافظ على وحدة البلد.
دارت بين الحكومة اليمنية والحوثيون ستة حروب وكل سلوك وتصرفات الحوثيون توحي انهم يسعون للعودة باليمن الى خكم الائمة ورتبطون ب "ايران" ومنذ فترة طويلة كانت كوادرهم تتدرب هناك، وهم يعدون العدة للاستيلاء على حكم اليمن والايمان بنظرية.
قبل ثلاثة سنوات شهد اليمن ثورة الربيع العربي نادت بسقوط نظام علي عبدالله صالح واحداث تغيير في الواقع اليمني، كان حراكا شبابيا متحالف مع قوى التغيير، لكن القوى الاقليمية نحت بها الى منحى اخر وأجهضتها.
هنا حدثت بداية المآسة اليمنية حيث تدخلت في الشأن اليمني أطراف عديدة وليس طرف بعينه. وعبر ضغوطان كبيرة تنازل علي عبدالله صالح والاتيان برئس اخر من نفس النظام الذي ثارت عليه الجماهير.
علي عبدالله صالح تحالف مع عدو سابق فتدفقت أسلحة عادية ومتطورة ودعم من غير حدود، والرئيس الجديد أيضا بدأ ببناء جيش جديد واسلحة متطورة وتحالف عربي في مواجهة تحالف ايراني مع الحوثيين وبدأ القتال، واستمر لاكثر من عامين والضحية هو الشعب اليمني، أزهقت ارواح ودمرت منازل ومستشفيات ومدارس وشحت الاغذية، كم يحزننا ان اليمن الشقيق يتمزق وواقع الحال لسنا بافضل منه.
الوضع في صنعاء كارثي والحوثيون يمارسون قانون المليشيات، الحوثيون يريدون العودة باليمن الى الوراء الى حكم الائمة.
من الاخطاء التي ارتكبها علي عبدالله صالح والتي ادت به الى النهاية ما كان علية ان يتحالف مع الحوثيين منذ البداية وهم الذين ادار معهم حروب لست سنوات في فترة حكمه.
علي عبدالله صالح شعر ان الحوثيين بدأوا يتجاوزونه وازدادت قوتهم فحاول ان ينقلب عليهم لكن في الوقت الضائع، فانفردوا بهوقتلوه في منزله ليلا ومعه عدد من أبنائه وقيادات حزبية.
مشهد مقتل علي عبدالله صالح كان دمويا مروع همجي وبشع يعبر عن حالة انحطاط اخلاقي وفجور في الخصومة.
حديث عبدالملك بدر الدين الحوثي حديث غوغائي فج امتلأ بحزمة من الأكاذيب والتدليس واصفا عملية القتل بانها "يوم استثنائي وتاريخي". الغريبة ما ظهر في المشهد التلفزيوني وهم يسحلون الجتمان وأثار ضرب الرصاص على رأس علي عبدالله صالح وهم يكبرون ويهتفون هو نفس المنظر يذكرنا بمشهد اعدام "صدام حسين" حيث نفس الهتاف والأدهى والأمر في صبيحة اول ايام عيد الاضحى المبارك نفس السحل والهتاف والحقد الدفين.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن هؤلاء الحكام لكننا نقول مادمت قد نفذت عليهم الاحكام فليس هناك ما يستدعي للتشفي والهتاف وسحل الجثمان.
بمناسبة العام الميلادي الجديد اتمنى للشعب اليمني الشقيق ان يكون عام سلام واستقرار ولشعبنا الارتري.
وقبل ان اختم مقالي هذا هناك قامة فنية كبيرة رحلت عن دنيانا قبل ايام، رحل الفنان ابوبكر سالم بلفقيه بعد حياة مليئة بالعطاء والابداع، وهو صاحب صوت ونبرة خاصة في الاداء لا مثيل لها، غنى عن الحب والاوطان والشباب، وهو يذكرني بصديق الطفولة صالح ناصر عليوة ونحن في الدراسة الابتدائية سافر في اجازة الصيف الى "عدن" وكان ذلك في الخمسينيات وعاد وهو يردد اغنية الراحل ابوبكر سالم "سألت العين حبيبي فين" وكان يشاركنا في ترديدها المرحوم طاهر محمد علي كنوني بالاضافة الى ترديدنا نحن الثلاثة اغنية فيروز "زوروني كل سنة مرة حرام تنسونا بالمرة" وهى في الاصل اغنية الفنان المصري القدير سيد درويش.