إرهاصات الثورة في إريتريا
بقلم الأستاذ: وائل علي - كاتب سوداني المصدر: مدونات الجزيرة
فجأة تحركت المياه الراكدة وخرجت مظاهرة في البلد الأكثر قمعا في العالم بعد كوريا الشمالية، مظاهرة في أسمرا وفي أخريا الحي
الشهير في شرق العاصمة بسبب اعتقال السلطات الإرترية لمدير مدرسة إسلامية رفض قرارا حكوميا يتدخل في مدرسته ويزيل عنها الطابع الديني بحظر الحجاب والاختلاط بين الجنسين.
لقد خان أفورقي مبادئ الثورة الإرترية، وتنكر للدول العربية التي دعمتها، وتهرب من الانضمام إلى جامعة الدول العربية بحجة أنها منظمة فاشلة وبها دول رجعية
التحرك كان مفاجئا للنظام، وبدا النظام الإرتري في حالة من الربكة الكبيرة، أنزل القوات الأمنية والجيش وأطلق الرصاص بكثافة على المتظاهرين الشجعان الذين سقط منهم قتلى وجرحى، المنظر يشبه إلى حد كبير مظاهرة الحريقة في دمشق التي هُتف فيها عام 2011م "الشعب السوري ما بينذل"، ومن بعدها مظاهرة 15 (مارس/آذار) في سوريا أمام وزارة الداخلية والتي مثلت تحديا مرعبا لنظام الأسد تُرجم فعليا في درعا عندما فلتت من يد الأسد الأمور تماما ومن ابن خالته عاطف نجيب.
الطاغية أفورقي كان خائفا جدا من الربيع العربي، لقد أصدر قرارا لأجهزته الأمنية بمصادرة كل اللواقط من على أسطح المنازل لكيلا يشاهد الإرتريون مظاهرات مصر وتونس، وعندما قامت الثورة في ليبيا جلس يتباكى على مؤامرة الإمبريالية على صديقه القذافي، وجنّد وسائل إعلامه لشتم الثورة والثوار الليبيين والسوريين ووصفهم بالإرهابيين العملاء للغرب، ربما نجح الطاغية جزئيا في هدفه ولم تهب نسائم الربيع عليه وعلى بلاده في الموجة الأولى، ولكن يبدو أن الثورة هذه المرة تجتاح بلاده.
أفورقي أخطأ الحسابات وانحاز إلى المحور الإماراتي السعودي الذي يدّعي أنه محور مكافحة الإرهاب وكان يفترض عليه النأي بنفسه عن سياسة المحاور، ومنح الإمارات العربية المتحدة قاعدة عسكرية تستخدمها لقصف اليمن ومقرا لاعتقال المغضوب عليهم من أهل اليمن، وكان أفورقي يؤمل في دعم إماراتي له لرفع العقوبات الدولية عليه والتي فرضتها الأمم المتحدة بسبب دعمه للإرهاب في الصومال في أوقات سابقة، ولهذا ربما ورّط نفسه في سياسات ما يسمى بمكافحة التطرف وفجّر في نفسه قضية مدرسة الضياء الدينية.
يقال إن أفورقي بعد نهاية فض المظاهرة أرسل إلى أولياء أمور الطلاب وإلى إدارة مدرسة الضياء مظهرا الليونة والتنازل لهم عن بعض الشروط، وهذا الكلام على ذمة معارض إرتري كبير قال لي أي أن الرجل بدأ في التنازل مدركا خطورة الوضع الذي عليه إرتريا، ورغم رغبتي الأكيدة في أن يتنازل أفورقي عن تدخلاته في شؤون مدرسة الضياء الإسلامية لكنني أتمنى أن يستفيد الإرتريون من التجربة ويعرفون كيف ينتزعون حقوقهم من حكم الجبهة الشعبية الوحشي.
استراتيجية أفورقي حرب على الجيران في الخارج وحرب على الإسلام في الداخل:-
عاش الإرتريون وجيرانهم الويلات خلال السنوات التي أعقبت استقلال إرتريا، لقد خان أفورقي مبادئ الثورة الإرترية، وتنكر للدول العربية التي دعمتها، وتهرب من الانضمام إلى جامعة الدول العربية بحجة أنها منظمة فاشلة وبها دول رجعية.
عرض إرتريا الأخير لمصر بمنحها قاعدة عسكرية قرب منطقة سد النهضة يشير بوضوح إلى سياسات تتنافى ومبادئ حسن الجوار بين الدول
أفورقي بعد انهيار المعسكر الشرقي قدم النظام الإرتري نفسه كأداة لكل أعداء العرب والمسلمين، مرة مع الكيان الصهيوني ومرة مع إيران واعتدائه على اليمن ثم على السودان وإثيوبيا ثم جيبوتي، تؤكد هذه التوجهات الخطيرة لزعزعة أمن القرن الأفريقي تورط أفورقي مع إيران في دعم جماعة أنصار الله (الحوثي)، وكانت الموانئ الإرترية هي معبر الأسلحة الرئيسة لهذه الجماعة المتطرفة التي قتلت وخربت وانقلبت في اليمن، كما تورط أفورقي مع الكيان الصهيوني في دعم الحركات الانفصالية في السودان، حتى إن كثيرا من المحللين السودانيين كانوا يتهمون إرتريا بأن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت مصنع اليرموك وما يطلق عليه قوافل الأسلحة كانت تنطلق من إرتريا.
وأما إثيوبيا فقد تورطت إرتريا في دعم العنف والتخريب فيها ودعم الجماعات المسلحة الإثيوبية المعارضة، كما أن عرضها الأخير لمصر بمنحها قاعدة عسكرية قرب منطقة سد النهضة يشير بوضوح إلى سياسات تتنافى ومبادئ حسن الجوار بين الدول، وكانت الطامة الكبرى هي دعم النظام الإرتري للإرهابيين في الصومال الذين يهاجمون إثيوبيا وكينيا والقوات الأفريقية ويقوّضون الإستراتيجيات الدولية الداعمة لقيام دولة في الصومال، بالإضافة إلى افتعال حرب مع جيبوتي حول خلافات حدودية.
أما بالنسبة للداخل فالوضع مأساوي جدا، النظام الإرتري يعلن حربه على كل مظاهر الهوية الإسلامية بحجة مكافحة التطرف، يتفنن النظام في منع الأغلبية من استخدام مكبرات الصوت للنداء للصلاة بينما تقرع أجراس الكنائس، ويستهدف النظام كل الطوائف الدينية المسيحية (غير طائفته) بينما يشجع الطوائف الهرطوقية بين المسلمين من طائفة الأحباش وحتى الشيعة، ويُرجع كثيرون هذا الأمر إلى أهداف أمنية بعيدة المدى من أجل مزيد من بعثرة الصف المسلم وتوحيد الصف المسيحي.
الانتفاضة الإرترية امتداد للربيع العربي، فعلى الثوار العرب أن يمدوا أيديهم إلى إخوانهم في إرتريا فربما يكون للعرب ديمقرطيتان تونس وإرتريا
النظام الإرتري أيضا في حالة حرب مستمرة مع اللغة العربية، فرغم أن الدستور الإرتري يقر أن اللغة العربية لغة رسمية للدولة فإن أفورقي ونظامه يعتبرانها لغة أجنبية عن المجتمع الإرتري، ولذلك فهو يشجع ما يسمى باللغات المحلية والتدريس بها في المدارس، وذلك بهدف الفصل بين أجيال الطلاب والقرآن الكريم والتعاليم الإسلامية.
ربما يكون النظام الإرتري استوعب الصدمة جزئيا هذه المرة، لكن ما دام الاستبداد والديكتاتورية والطائفية فإن مظاهرات مدرسة الضياء ما هي إلا إرهصات الانفجار الكبير والثورة الكاسحة التي لن تُبقي ولن تذر.
الانتفاضة الإرترية امتداد للربيع العربي، فعلى الثوار العرب أن يمدوا أيديهم إلى إخوانهم في إرتريا فربما يكون للعرب ديمقرطيتان تونس وإرتريا.