قراءة نقدية تحليلية في ملف أزمة المعارضة الاريترية
بقلم الأستاذ:إبراهيم إدريس - كاتب وناشط حقوقي وسياسي (لوزان - سويسرا)
إن هذه القراءة المتواضعة في ملف المعارضة الأريترية بشأن اختلافاتها وانقساماتها... عبارة عن قراءة نقدية تحليلية أولية ومحاولة
لتشخيص حالة الركود والجمود السياسي والعجز وغياب الإرادة الفاعلة للمعارضة الاريترية في تغيير المشهد السياسي في اريتريا.
حيث ظلت المعارضة الاريترية منذ نشأتها أسيرة لموروث الخلافات منذ فترة النضال الوطني نحو التحرر بين مدارس فكرية وآيدلوجيات عقائدية ومذهبية خارجية متباينة، وبين الجنوح والنزوع نحو الزعامات والرئاسات وأحتدام التنافس حول المكاسب السياسية بالرهانات علي الخلافات الفكرية والإثنية والقبلية والمذهبية في الصراع المحموم فيما بينها في التوقيتات الخاطئة علي حساب القضية الوطنية الاريترية الجوهرية في التحرر من الإستعمار الأثيوبي وإقامة دولة العدل والحق والحرية والقانون.
وإن التعبير عن حالة الإحباط المزمنة، بشئ من الأسى والحزن العميق، عما آلت إليه الأوضاع السياسية المتردية في دولة اريتريا، يحتاج إلي مكاشفة وشفافية وممارسة جلد الذات الإيجابي ودق ناقوس خطر زوال الدولة برمتها من علي الخارطة، ويحتاج ايضا ”إلي مثل هذه القراءات والإضاءات من النخبة وأصحاب الفكر السياسي والشهود الذين عاصروا تلك التجربة السياسية لإستخلاص العبر، والخروج من مأزق تكريس حالة الانقسامات والاختلافات بين قادة العمل السياسي المعارض منذ عهد جبهة التحرير الاريترية إلي يومنا هذا !! بذات الشخوص وذات العقليات والأفكار البالية السقيمة، التي لا تحرك ساكنا“.
حيث أن إستمرار النظام الحاكم في اسمرا ليس لقوته أو لشرعيته بل يرتكز في الأساس علي تلك الحالة السياسية البائسة للمعارضة الاريترية وغياب تأثيرها علي المستوى الداخلي والخارجي بفعل التشظى والفرقة والانقسام والأختلاف، وهذا ما إعتمد ورآهن عليه النظام منذ انفصاله عن جبهة التحرير في العام 1977 ولعله قد أجاد اللعب علي هذه المتناقضات بين تلك التظيمات السياسية وقد استفاد منها أيما فائدة، وقد استهدفها قبل ميلاد الدولة والقضاء عليها وتشتيتها وتصفيتها واغتيالها وسجنها وتشريد ما تبقي من عضويتها، حيث تدرج بخطابه السياسي التعبوي الميداني إبان فترة النضال مستفيدا من الاختلافات الفكرية والمذهبية بين تلك التنظيمات آنذاك والتركيز علي خطاب سياسي مرحلي جاذب وهدف وطني جامع تمثل في تحرير التراب الوطني والاستقلال من الاستعمار الأثيوبي، وإعلاء هذه الغاية دون سواها والتي لايختلف حولها الشعب الاريتري، وركز نظام الجبهة الشعبية آنذاك علي نبذ القبلية والمناطقية والإثنية والدينية والطائفية والايدلوجية وإتخاذ مبدأ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة دون أن يكشف عن مشروعه الطائفي العنصري والتمهيد له بصورة مبدئية بسياسة الأمر الواقع في التعامل بين مكوناته باللغة التغرينية والخطابات الإحتفالية وتنزيل بعض أجنداته فيما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة بدون تمييز في المهام القتالية وإقصاء أي توجه ديني بما في ذلك الدين المسيحي نفسه لأغراض التمويه والعمل علي إظهار معوقات ذلك الاستقلال بالتركيز علي تلك الاختلافات بين التظيمات السياسية التي كانت وما زالت قآئمة علي الجهوية والقبلية والمناطقية والإثنية والعرقية والدينية والآيدلوجيات الفكرية والمذهبية.
برأي أن آفة أي مقاومة ومعارضة للنظام هو هذه الاختلافات والانقسامات التي تضخ الدماء المتجددة في جسد النظام المتهالك وتطيل من بقائه في السلطة ويعتبر ذلك من قبيل رصيده وكسبه وإنجازه السياسي المتراكم.
ويقيني الراسخ أن الإختلافات والانقسامات في القضايا المصيرية الكبرى، لا تكون إلا لهوى وغرض في النفس بالبحث عن الأمجاد الذاتية والمصالح الشخصية الضيقة، وهذه الخلافات والانقسامات في الغالب غير مبررة وغير موضوعية في مثل تلك القضايا المصيرية... وهي دليل تخلف وجهل وأمية سياسية، وحتى الانقسامات والإنشطارات بتلك الصورة التي صاحبت المعارضة عبر نشأتها... لا نجد مثيلا لها إلا في الأحياء المجهرية الدقيقة من الطفيليات الاولية وخلايا الإميبا وغيرها ذات النواة الآحادية التخليق، وذلك بغرض تكاثرها عن طريق انقسام وانشطار النواة في الخلية الواحدة لإستمرارية حياتها ونمائها وتطورها وحفظ نوعها، وهو دليل قوتها وليس ضعفها علي عكس البشر.
فالخلاف وإن كان من طبيعة البشر إلا أن الإختلافات والإنقسامات المتعمدة للحيلولة دون انفراد الغير بفضيلة سياسية تجاه الشعب تحقق مصالحه الكلية، لا تكون إلا إستجابة ”لغيرة سياسية أو البحث عن زعامة زأئفة في الشأن العام، هذا الأمر يعصف بجهود المقاومة ويجعلها نهبا“ لمبدأ إنجليزي استعماري قديم هو مبدأ: (فرق تسد).
و الخلاصة عندي إن التحدي الحقيقي للمعارضة السياسية بمختلف تنظيماتها وفصائلها السياسية هو ليس إزالة هذا النظام الدكتاتوري، بل هو توحيد الصف الوطني والسمو فوق الجراحات الثخينة وتناسي المرآرات الأليمة وتحرير العقول والقلوب من بؤس الماضي وتحرير الخلافات نفسها بأدب الخلاف وإعمال صوت العقل وإعلاء مصلحة الوطن والشعب، والتطلع للمستقبل وذلك بإعادة صياغة الخطاب السياسي بما يلبي أشواق وآمال وأحلام شعبنا وبنبذ الفرقة والتشتت و أسباب الانقسام والاختلاف.
و لا بد من تمكين الشباب من الجيل الثالث وإفساح المجال أمامهم لتسلم الرآية لمدارة عجزنا بإختلافاتنا وانقساماتنا وتخلفنا وفتور عزمنا وهمتنا والأعتراف بفشلنا الذريع في إيجاد دولة القانون والعدل والحرية وحتى نضع هذه الاجيال أمام مسؤولياتها الوطنية التاريخية بأفكارها وإشرآقاتها وكسبها ورؤيتها لمستقبل الدولة، وحتى تستفيد من أخطائنا وعثرآتنا مصحوبة بأصدق دعواتنا لها بالتوفيق والنجاح فيما فشلنا فيه، وبذا نكون قد وضعنا الحصان أمام العربة للإنطلاق نحو النصر بخوض معركة الكرامة لإسقاط النظام وإزالته.
وبالله التوفيق