إبداع وعطاء... وتكريم مستحق
إعداد: رابطة ابناء المنخفضات الارترية
ضمن فعّاليات مهرجانها الثقافي الرابع الذي أقيم في باريس الشهر الماضي،
كرّمت رابطة أبناء المنخفضات الإرترية، كل من الفنان الكبير الراحل الأستاذ الأمين عبداللطيف والفنان التشكيلي الراحل الأستاذ أحمد بلال، تقديرا لعطائهما الكبير للفن والثقافة.
وبهذه المناسبة تم تقديم درع تكريم لكل منهما، استلمه نيابة عن أسرة الفنان الأمين عبداللطيف، الفنان أبوبكر تقوروبا واستلمت الدرع الثاني نيابة عن أسرة الفنان التشكيلي أحمد بلال، الأستاذة عائشة قعص.
وقد تليت في الحفل نبذة عن حياة الفنانين الراحلين قدمها كل من الصحفي أبوبكر صائغ والتشكيلي سليمان بخيت تناولا فيها المسيرة الفنية الطويلة للفنانين العملاقين المكرمين.
وفيما يلي نص الكلمتين:
كلمة تكريم الفنان الراحل الأمين عبداللطيف قدمها الصحفي أبوبكر صائغ:
• الأمين عبداللطيف كما عرفته كان رجل دمث الأخلاق، متفاني، غيور على دينه وثقافته وانتمائه لوطنه، وكان دوما يتناقش معي ويسرد لي أحداث كثيرة وبعض المواقف التي كانت تحصل معه.
• الأمين عبداللطيف تصدى لمشروع هدم المسجد الموجود في هضبة حي ”ماى أباشاول“ مع عدد من كبار الأعيان بأسمرا، حيث ذهبوا إلى إدارة الإقليم الأوسط وقابلوا الحاكم العنصري “كحساي قبرهويت” وبلغوه بأن هدم هذا المسجد التاريخي الذي يطلق عليه جامع الختمية الآن، سوف تترتب عليه عواقب وخيمة. الأعيان هددوا كحساي مما أدى إلى توقف مشروع الهدم. غاية الحكومة كانت هدم المسجد وإقامة مشروع سياحي في تلك المنطقة المرتفعة.
• الأمين عبداللطيف كان مثقفاً ومهذبا في سلوكه وتصرفاته مما جعل الجميع يحترمونه أينما حل.
• وكان يتمتع باحترام منقطع النظير في أسمرا وكل أنحاء إرتريا، أما في منطقة المثلث الأكثر فقراً في أسمرا وهى منطقة ”ماي أباشاول“... ”قزا برهانوا“... ”حديش عدى“... ”عداقا عربي“ فسكان هذه الأحياء كانوا دوما يستقبلون الأمين عبداللطيف وكأنه ملك الملوك حيث يجد الاحترام والود، الكل يسلم عليه في تلك الطرقات لأنه تربى وترعرع في هذه المنطقة الفقيرة ولم يغادرها كما فعل الآخرون بل ظل يعيش في منزل أسرته حتى توفي.
• الأمين عبداللطيف كان محبوباً في كافة الأوساط وكان متديناً تجده في الصفوف الأمامية في مسجد الخلفاء الراشدين وعندما اعتلّت صحته كان يداوم للصلاة في مسجد الختمية الذى يقع بالقرب من منزله.
• كان دائماً حريصاً بأن يرتدى ملابس أنيقة ويظهر بمظهر يكسبه الاحترام والتقدير لدى الناس، وكان يشارك في الأفراح والأتراح وكان يمثل ابن البلد الذي لا تغيره الأحوال ولا ترف المادة ولا غرور الشهرة ولذلك ظل محبوبا لدى الناس حتى لحظة وفاته.
كلمة تكريم الفنان الراحل أحمد بلال قدمها الفنان التشكيلي سليمان بخيت:
الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يكرم هذا المساء فنان من الرواد الأوائل هو الفنان التشكيلي الراحل المقيم الأستاذ أحمد بلال.
درس أحمد بلال المرحلة الابتدائية في كرن وأكمل تعليمه الأكاديمي في مدرسة ”لؤول مكنن“ لغة إنجليزية بالعاصمة الإرترية أسمرا في بداية الستينات من القرن الماضي وبعد تخرجه مارس مهنة التدريس وتنقل في معظم الأقاليم الإرترية كمعلم.
قبل اعتقاله لسنوات طوال بسبب رسوماته في مناهضة الاستعمار، أقام أحمد بلال عدة معارض فنية وخاصة في أسمرا عندما كان يعمل هناك وحتى أثناء اعتقاله وبعد أن خففوا عليه الرقابة كان يمارس هوايته المفضلة وهي الرسم.
أحمد بلال هو ابن كرن التي بلورت حيزا كبيرا من شخصيته فكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك في الكثير من لوحاته، ولا أعني هنا اللوحات التي جسّد فيها وجوه كرنية بل لإبرازه جمال البيئة والتراث الكرني التي تركت أثرها في وجدانه، فأبدع بنقل هذا الأثر إلى لوحاته.
كان أحمد بلال متفوقا في طروحاته الفنية حيال استلهام النسيج التراثي للمنخفضات الذي ظهر في نتاجه الفني والذي جمع بين العادات والتقاليد وشاعرية الحياة وبساطتها. فقد كشفت ثقافته وتوجهاته الفنية عن أبعاد أسلوبه الراسخ في الجمع ما بين التراث والوجوه التي رسمها، وذلك في دعوته للحفاظ على تراثنا الثقافي والتنقيب عن جمالياته المختلفة.
كان يرسم كما يفكر ويحس وينفعل. كان يبحث عن شمولية المنظر التراثي وإمكانية الدمج ما بين دلالات الواقع وإشارات بلاغة التبسيط الواقعي. انحاز إلى المدرسة التراثية الواقعية، ورسم أعمالا من وحي التراث الإرتري.
إن هذا المساء تتجسد فيه روح العطاء والخير والمحبة والوفاء والإبداع، والعض على الجراح وتحويل المأساة إلى أمل ورجاء. تلك هي الإرادة التي صنعت هذا التكريم المميز لأستاذنا وعزيزنا وفقيدنا الفنان الراحل أحمد بلال الذي تماهى مع مدينته كرن وفي تفاصيلها الإنسانية والوجدانية والثقافية والتاريخية، تاركا أثره في كل زاوية وناحية. وإن ما من أحد منا إلا وفي داخله شيء من العرفان بالجميل لإبداعات راحلنا الكبير الذي رسم عاداتنا وتقاليدنا. رسم كل شيء منا وكل شيء فينا فصار هو نحن، وصرنا نحن هو. وإن أرفع ما في تكريمه اليوم هو أن يكون باستمرارية الإبداع، وإبداعية التفوق على الآلام والنظر دائما إلى الأمام.
أحمد بلال رحل ولكنه مقيم فينا، وما تكريمنا له هذا المساء في هذه التظاهرة الثقافية إلا وفاءً وتقديرا لرجل مبدع.
لتبقى ذكرى أحمد بلال طيبة في نفوسنا نحن وعائلته الكريمة. وإنني أتوجه بالشكر الكبير لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية على هذه المساهمة المميزة في هذا اليوم الإبداعي والإنساني والوطني الإرتري بامتياز.