التأثير الثقافي والروحي بين ارتريا والسودان
بقلم المناضل الأستاذ: محمد سعيد ناود ـ اسمرا
من السمات البارزة للعلاقة بين الشعب الإرتري والسوداني الطرق الصوفية، فالشيخ حامد ولد نافعوتاي قدم إلى إرتريا من السودان،
والدور الذي لعبته أسرته في سمهر والساحل الشمالي وجزء من بركة مسألة معروفة حيث لايزال تأثيرها الإيجابي موجوداً وقائماً، كما أن الطريقة الختمية دخلت إلى إرتريا عن طريق السودان بواسطة السيد محمد عثمان الميرغني الختم (1208-1268هـ / 1793هـ ـ 1853م) مؤسس الطريقة الختمية والذي لعب دوراً كبيراً في إرتريا واستمر أبناؤه وأحفاده في الطريق الذي أختطه ورسمه لهم السيد محمد عثمان تاج السر بن السيد محمد سراً الختم حفيد صاحب الطريقة الميرغنية جاء بطريق البحر قد جاب كل المدن الساحلية ابتداء من تاجورا ـ حارينة ـ معدر ـ عد ـ بيلول ـ رحيتا ـ حرقيقو - الساحل الشمالي، وكان يعطي الإجازات ويدعو الناس في الدخول إلى الطريقة الختمية ويؤسس الزوايا، وواصل طريقه حتى أستقر به المقام في سواكن بالسودان حيث توفي هناك، وان ضريحه بسواكن لايزال موجوداً كمزار يؤمه الأتباع والمريدون.
الطريقة السمانية موجودة في إرتريا كما أنها موجودة في السودان، ففي إرتريا أسسها الشيخ أدم الكناني الذي يوجد قبره كمزار في (عبي عدي) بالقرب من مندفرا، وتقام له الحولية السنوية، كما أن مؤسسها في السودان هو الشيخ أحمد الطيب بن البشير، والشيخان أدم الكناني وأحمد الطيب بن البشير أخذا الطريقة في وقت واحد على يد السيد الشيخ محمد السماني الذي كان مسكنه بالمدينة المنورة، وان العلاقة بين الطريقتين في السودان وإرتريا علاقة وطيدة حتى اليوم.
الطريقة المجذوبية وقد أسسها السيد محمد بن قمر الدين المجذوب من أولياء السودان والمتوفي في مدينة الدامر في الشط الشرقي من نهر النيل، وأول من جاء بهذه الطريقة من السودان إلى ارتريا هو الشيخ ابوبكر فاضل الدنكلي من قبيلة العفر من أهالي بيلول.
الطريقة التيجانية المنسوبة إلى السيد أحمد بن محمد التيجاني المتوفى في فاس بالمغرب سنة 1782م، وقد أدخلها إلى منطقة دنكاليا بإرتريا السيد أحمد بن محمد بن السيد المختار الشنقيطي الشريف الحسن . وتوفي والد المذكور أي السيد محمد بن السيد المختار بجزيرة على النيل بمركز شندي بالسودان واليه يعود انتشار هذه الطريقة في السودان ووصولها لإرتريا.
وهناك الشيخ حامد احمد نافعوتاي والشيخ محمد بن فايد والشيخ أبو الرايات عبد الله الحلنقي، هؤلاء الثلاثة سافروا معاً لطلب العلم إلى أبو حراز عند الشيخ عبد الله بن الشيخ دفع الله، ثم عادوا معاً بعد إتمام دراستهم، ودرسوا أيضا على الشيخ إدريس ود الأرباب، وقد حدث ذلك في القرن الحادي عشر الهجري.
أما عن التأثير الثقافي فعندما كانت دهلك مركز إشعاع علمي فقد ارتادها سودانيون مع آخرين من شمال إفريقيا، وعندما أصبحت سنار في عهد السلطنة الزرقاء مركزاً علمياً مشهوراً فقد أرتادها كثيرون من الإرتريين. كما أن الخلاوي القرآنية في شرق السودان وبالذات خلاوي (أسوت) التي أسسها الخليفة محمد طاهر محمد دين رحمه، وكذلك خلاوي الشيخ محمد عبد القادر أبو زينب في (عدوبنة) ثم في (طوكر) ثم خلاوي (همشكوريب) لمؤسسها الشيخ علي بيتاي، كل هذه الخلاوي تعلم بها الكثيرون من الارتريين، وهناك خلاوي (أم ضوابان) لأسرة الشيخ (ودبدو) والواقعة شرق النيل بالقرب من الخرطوم كان أيضاً يرتادها الإرتريون، وهناك المعهد العلمي بأم درمان الذي أنشئ في عام 1912م، والذي تطور أخيرا ليصبح جامعة امدرمان الإسلامية، إن هذا المعهد أرتاده الكثيرون من الإرتريين وهم في طريقهم إلى الأزهر بمصر، ونذكر من هؤلاء مفتي ارتريا السابق الشيخ إبراهيم المختار أحمد عمر، ومفتي ارتريا الحالي الشيخ الأمين عثمان، وكذلك الشيخ حسن الأمين خليفة الشيخ محمد بن علي، كان هؤلاء مع الكثيرين من غيرهم درسوا فترة من الزمن في المعهد العلمي بأم درمان.
كما أن المدرسين السودانيين ساهموا في النهضة التعليمية في ارتريا في فترة الحكم البريطاني (1941ـ1952م) وكذلك في أوائل العهد الفيدرالي، أيضاً فالمدارس السودانية ظلت تستوعب أعدادا كبيرة من الطلاب الإرتريين ومنذ وقت مبكر وحتى اليوم، وان الكثيرين من الإرتريين تخرجوا من جامعة الخرطوم، واليوم يوجد الآلاف من الطلاب الإرتريين في مختلف الجامعات السودانية وهم أبناء اللاجئين المقيمين في السودان وأبناء الجالية الإرترية الكبيرة هناك.
وبحكم الترابط والتواصل بين البلدين والشعبين فان الفن السوداني كان ولازال شائعاً في ارتريا. فقد كان الفنانون السودانيون يزورون ارتريا ويقيمون حفلات غنائية يرتادها الإرتريون.
كما أن الأسر الميسورة في ارتريا ولإقامة مناسبات أفراحها وبالذات مناسبات الزواج كانت تطلب الفنانين السودانيين لإحياء تلك المناسبات السعيدة، ويشهد على تلك العلاقة الفنان السوداني الكبير محمد احمد سرور الذي يعتبر من رواد فناني الحقيبة في السودان، وكان الأستاذ محمد أحمد سرور يعتبر إرتريا موطناً له وكان يتردد عليها بشكل دائم وقد توفي في ارتريا وهو مدفون في اسمرا.
كما أن الأستاذ أحمد المصطفى فنان السودان الكبير كان يزور ارتريا دوماً وله معجبون كثيرون من الإرتريين.