وداعاً آدم هاسري

بقلم الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - باحث وكاتب صحفي

وجدت صباح 7 يناير على كمبيوتري محاولة محادثة في الواحدة صباحاً

آدم إدريس هاسري

من الأخ صلاح هاسري عبر ماسينجر، وقد عرفت لاحقاً أن صلاح، الذي يعرف متانة علاقتي بشقيقه آدم، أراد أن يخبرني بخبر وفاته. وقع عليُ خبر رحيل أخي الكبير وصديقي آدم هاسري كالصاعقة، كنت أمنى نفسي بلقائه، كان هناك الكثير الذي لم نقله بعد، الكثير من الأمكنة التي لم نزرها بعد، الكثير من ذكريات سنوات الأمل ونكران الذات والتضحية التي لم نسترجعها بعد، الكثير من الحديث عن ذكرى الرفاق الذين ذهبوا، بسالتهم وتضحياتهم العظيمة الذي لم نتبادله بعد، وكان هناك وعد أن نرى معاً فجر الخلاص وقد أطل على رقعة جغرافية غطاها اللون الأحمر وشعب أنهكه الاضطهاد والحرمان والبطش من ديكتاتورية قست عليه اكثر من المحتل، الذي لم يتحقق بعد، لقد تعجلت كثيراً يا آدم.

ولد آدم إدريس هاسري في القضارف في 1946 عندما كان والده يعمل جندياً في قوة دفاع السودان وانتقلت أسرته بعد مولده بعدة سنوات إلى كسلا عندما انتهت مدة خدمة الوالد في الجيش. وقد عمل الوالد بعد أن ترك خدمة الجيش في سكك الحديد.

تلقى آدم تعليمه المدرسي الأولي في كسلا والمتوسط في مدرسة صناعية في بورتسودان وأكمله في عطبرة الثانوية الصناعية التي تخرج فيها 1965. بعد إكمال دراسته الثانوية أخبر والده إنه ذاهب إلى بورتسودان للبحث عن عمل لكنه تسلل عن طريق قرورة إلى الميدان للالتحاق بالثورة. قابل في الميدان الشهيد القائد عمر إزاز الذي طلب منه العودة إلى السودان لمواصلة تعليمه. بعد العودة من الميدان التحق ادم بالعمل معلماً في مدرسة جبيت المهنية التابعة للسكك الحديد.

استمر ادم يعمل معلماً في جبيت حتى 1970 عندما توفي والده فعاد إلى كسلا لرعاية إخوته وتقدم للعمل في سكك الحديد في كسلا حيث تم تعيينه في المكتب الهندسي. كان آدم في تلك الفترة عضوا نشطاً في تنظيمات جبهة التحرير الإريترية وشارك وهو لا يزال موظفاً في سكك حديد كسلا في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لعمال إريتريا الذي عقد في الميدان في 1973.

ظل ادم بجانب وظيفته ينشط في الاتحاد العام لعمال إريتريا وكان من وقت إلى آخر يطلب إجازة دون مرتب تستغرق أحياناً وقتا طويلاً للمشاركة في تلك النشاطات مثل تلك الإجازة عن العمل التي استغرقت أكثر من سنة عندما شارك في الدورة العمالية في سوريا بجانب بعض زملائه من أعضاء الاتحاد العام لعمال إريتريا.

تفرغ آدم في 1978 تماماً للعمل النضالي ليبدأ مرحلة جديدة من العطاء الذي استمر لسنوات طويلة.

ينتمي آدم لجيل المناضلين المنتمين لأبناء المهاجرين الذين جاءوا إلى السودان قبل أن تُعرف الحدود بين البلدين وعملوا في قوة دفاع السودان فاكتسبوا جنسية البلاد التي أفنوا فيها أعمارهم لكن أولادهم شدتهم الثورة الإريترية إلى موطن آبائهم فانخرطوا في صفوفها ليس رفضاً لانتمائهم السوداني الذي استصحبوه معهم وكان آدم أحد الذين مثلوا ذلك النموذج، مثلما فعل قبله محمد عثمان داير المولود في كسلا والذي التحق بجبهة التحرير الإريترية في 1964 بعد نهاية خدمته في الجيش السوداني.

لم يغادر آدم سودانيته قط لكنه انتمى أيضاً لإريتريا وحمل الحلم الإريتري معه أينما ذهب وأعطاه سنوات من عمره. لعب آدم كرة القدم في كسلا وعمل حكما لهذه اللعبة في المدينة. وكان آدم محباً للغناء السوداني وعلى دراية واسعة بتاريخه. أذكر هنا طرفة حدثت في نهاية السبعينات عندما زار صحفي سوداني الميدان وكان آدم مسؤولاً عن تأمين أحد المعسكرات التي زارها ذلك الصحفي.

طلب آدم من أعضاء الوفد التعريف بأنفسهم عند مدخل المعسكر فقال الصحفي إن اسمه محمد أحمد عوض فمازحه آدم قائلاً: طيب وين الرق بتاعك (الطبلة). محمد أحمد عوض لمن لا يعرف هو أحد فناني الحقيبة المشهورين في السودان وقد أبدى الصحفي الزائر استغرابه بأن يجد بين المقاتلين الإرتريين من يعرف فنان حقيبة سوداني و كتب لاحقاً لصحفيته عن هذه الطرفة.

كان آدم سودانياً حتى النخاع وإريترياً إلى حد ترك الوظيفة المغرية والتفرغ دون مقابل للنضال من أجل حرية إريتريا. سبق آدم في التفرغ لاتحاد عمال مناضلون آخرون تركوا وظائفهم المغرية مثل الصديقين الراحلين إدريس حشكب وأحمد الشيخ إسماعيل اللذان كان يعملان في بورتسودان لكن سيرة آدم تختلف قليلاً حيث ظل لسنوات موظفاً حكومياً في السودان وعضواً قيادياً في فرع اتحاد عمال إريتريا في كسلا.

أذكر عندما جاء في المرة الأولى للعلاج في القاهرة قبل حوالي السنتين، كان في ختام أي محادثة هاتفية بيننا يحملني تحياته للمناضلين في لندن ويذكر بعض الأسماء ثم يقول تحياتي لجميع المناضلين معكم.

تلك رفقة كان آدم يعطيها اهتماماً كبيراً لم يكن المناضلون في ذلك الوقت يتشاركون فقط الحلم بل كانوا يتشاركون كل ما كانوا يملكون أو يحصلون عليه من الماديات وظل آدم بعد سنوات طويلة من نهاية تلك الحقبة يذكر تلك العلاقات ويقدرها أكثر من أي نوع آخر من العلاقات. كان آدم يتميز بوفاء نادر وبشجاعة في قول الحق والدفاع عنه دون تردد أو مجاملة.

رحم الله آدم هاسري المناضل والإنسان.

Top
X

Right Click

No Right Click