رحيل بطل صمد في وجه الطغيان

بقلم البروفيسور الدكتور: جلال الدين محمد صالح

ليل الظلم ولى ولن يعود.. وفجر الثورة أشرق ولن يعتم، وضمير الشعب استيقظ ولن يخبو؛

ليقول للطاغية: قف.. كفى ظلما وبطشا.

انها الشعوب اذا هبت استعذبت الموت، واقتحمت ساحتها لا تبالي بزخات الرشاش، وطلقات الكلاشينكوف.

هي الحرية ما أغلاها، مخطوبة كل حر، ومن يخطب الحسناء لا يغلها المهر.

ما اعظمك يا (اخريا) وما اعظم تاريخك البهي، لقد ادخرك الله لهذا اليوم؛ لتكوني مفخرة الأحرار في كل عواصم العالم.

وما اعظمك انت أيها الرجل التسعيني الراحل عن دنيانا صامدا صمود الأبطال، مسطرا اعظم ما يخلده تاريخ العظماء في ساحات الكفاح.

يودعك شعبك وهو بك فخور، سجنوك، ولكن لم يسجنوا فيك المروءة، قتلوك، ولكن لم يقتلوا فيك الشهامة والرجولة.

رحل عن ساحة الوطن الأسير الشيخ موسى محمد نور وهو أسير بين السجون المظلمة، يابى ان يقول للطاغية: معذرتك فقد أذنبت، وعفوك فقد أجرمت.

لقد كان قول يوسف عليه السلام له مثلا: ربي السجن أحب الي مما يدعونني اليه.

لقد رحلت عنا ايها الشيخ الابي بعد ان حلقت بنا حيث لا امنيات تخيب وارتفعت بنا الى هذا المقام السامي في تاريخ كفاح الشعوب.

لست ممن ينعى بذكر تاريخ الوالدة، فيوم ولادتك الحقيقية هو اليوم الذي قلت فيه لطاغية البلاد وفرعونها: لا ثم لا، كفى طغيانا.

لقد كنت موسى في وجه فرعون، فما اجمل الاسم وأحسنه حين يكون عين المسمى.

مت ولكن أبقيت ذكرى خالدة، غاب جسدك، ولكن ما غابت ولن تغيب روحك.

ستظل خالدا يترحم عليك المؤمنون ويترضون، وسيموت الطاغية وجلادوه وزبانيته، ملعونين أينما دفنو، تلاحقهم لعاين الشعب، وأنهم لا محالة زائلون.

لقد كنت الرجل المناسب الذي علق الجرس على عنق الهر الجبان الهارب.

أعدت للرجولة مكانتها، وعلمت كل الطغاة معنى الرجولة، وأثبت ان الرجولة لا تهرم، ولن تشيخ ابدا.

سيذكرك التاريخ بكل فخر وشموخ، وسيرفع بك كل المظلومين هاماتهم عالية، وسيكون سجنك الذي فيه قبعت بين يدي السجان، ومنه رحلت شاهدا على الظلم، وشهيدا في سبيل الحق منارة وضاءة في تاريخ كفاحنا الوطني.

مهما قلت فيك من نثر، ومهما نظمت فيك من شعر، فلن اوفيك حقك، يا لك من رجل عظيم، والرجال قليلون.

رحمك الله ورحم تلك الام التي أنجبتك وارضعتك معنى الشهامة، وذلك الأب الذي غرس في وجدانك معنى التضحية في اللحظة المناسبة.

لقد برهنت ان المسلم لن يستكين أصلا، ولن يقبل الضيم ابدا، وانه مهما اطال الصمت، فلا بد ان ينطق يوما، واذا ما نطق هز الكون كله، ومرغ وجه البغي، وتكلمت منه الجراح.

السجون مهما أظلمت وتوحشت فانها أحب اليه مما يدعوه اليه الفجرة الظلمة من كفر وعهر ومهانة.

ها انت - أيها البطل - عاهدت ربك وشعبك على ان تكون ذلك الرجل الذي يستعلي على الباطل بكبرياء المؤمن، ولا يهاب سجونه، ولا يرهب جلاديه، فأوفيت بوعدك وعهدك، ولن يخذلك ربك، ولن يخيب ظنك، ولن يخذلك شعبك، وسيمضون في طريقك بكل شموخ.

انه طريق (عواتي) أحييته من جديد، وبعثته في النفوس من جديد، فيالك من فخر.

اما انت - أيها الطاغية المعتوه - افعل ما تشاء، اقتل، اسجن، عذب، شرد، دمر، يتم، رمل، فإنك في النهاية مخلوع، وزايل، ولعنات التاريخ، وآهات المظلومين من ورائك تطاردك وترجمك.

ان الحرية لا توهب، وندرك انك لن تمنحها لنا الا مكرها، ولكن ثق اننا سننتزعها بقوة سواعدنا، وعزمات شيوخنا، وشبابنا، ورجالنا، ونساينا، ومسلمين، ومسيحيينا، ولن نعطيك فرصة ابدا؛ لتجعل من الدين، مطية لإدامة حكمك، وطول عمرك، وكسر ثورتنا، وشق صفنا بادعاءات كاذبة.

ولله در ابي القاسم الشابي اذ يقول:

اذ الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر.

ولا بد لليل ان يجلي ولا بد للقيد ان ينكسر.

Top
X

Right Click

No Right Click