لم يمت الشيخ مفجر ثورة الضياء... بل مات خاذلوه
بقلم الإعلامي الأستاذ: باسم القروي
تسعون عاما، لم تضف لك - يا شيخ موسى محمد نور- وهن العزيمة، وهشاشة العظام، وانكسار الإرادة.
وإنما جعلت منك بطلاً يتقدم الصفوف يتحدى النظام الجائر.
تسعون عاماً قضيتها في خدمة الدين تشهد على نقاء أصلك، وحسن سيرتك، وبسالة مواقفك.
قلت: لا، للجائر في زمن الخور الخامل، والخوف الذليل.
قلت: لا، في وجه االجبروت القاسي، والطائفية الحاقدة التي تكره أن يعيش معها غيرها.
لا ترى دينا غير دينها، ولا منهجاً غير منهجها، ولا غرساً غير غرسها السيء وتحكم بسياسة (ما أريكم إلا ما أرى).
قلتها وأنت تعرف أن ظهرك ضعيف، وأن يدك عزلاء لا تملك من السلاح ما تدفع به عن نفسك، ولا عن مدرستك، ولا عن إخوان وتلامذة وقفوا معك مناصرين في مظاهرة العز والكرامة التي طاردها نظام أبي جهل في شوارع العاصمة، وهي توزع الرعب دون رصاص بل بمظاهرة سلمية وبتكبيرات مدوية، انتقل صداها إلى الأقاصي فأشعلت حماسة الشباب، وكانت وقودًا لمظاهرات لندن التي رددت (موسى بداها... موسى بداها *** واحنا فداها... واحنا فداها) وبقية العواصم القاصية.
تسعون عاماً لم تورث للأجيال أمراض الشيخوخة والعجز الفاني يقلبه الأحياء بضيق، وعجز، فكم هم التسعينيون الذين لا هم أموات، ولا هم أحياء وإنما يتأوهون:
من كل أوجاعهم،
في كل أعضاء أجسامهم
لا الطب نافع، ولا الأهل استراحوا، ولا هم يرحلون والأعمار بيد الله
ودور هؤلاء في الحياة غير مرئي، لا فكر يروى، ولا توريث يهدي، ولا قيادة ولا علم ولا شجاعة. يحرصون على الحياة ويخافون الموت وهو محيط بهم من كل جانب.
وتسعون عاما مجاهدة، متقدة ختمت بموقف أعجوبة خارقة؛ أنك أعلنت المواجهة والصمود في وجه فرعون فكنت موسى داخل القصر اللاهي العاتي، فإن فاتك معجزة البحر والعصى و الآيات التسع فلم يفتك منجزات الأبطال وكرامات الأولياء، إنك تركت ثورة وموقفاً وتضحية تتوارثها الأجيال،
بيمينك كتبت اسمك ضمن قائمة الأبطال الخالدين حامد عواتي وإبراهيم سلطان وعبد القادر كبيري، وكم كان معهم في زمنهم من أشخاص خاملين نسيهم التاريخ، أو من أشخاص فاعلين فعل سوء سجلهم التاريخ في قائمة العملاء مساندي سلطان الباطل.
عشت كبيرا، وجاهدت كبيرا، وعلمت كبيرا، وصدعت بالحق كبيرا، وسجنت مرات وأنت كبير، واليوم يتناقل أحباؤك خبر موتك وأنت حي كبير بينهم لم تمت كما مات كثير من الأحياء الخاذلين، الذين تشبثوا بالحياة الفانية وهم لا يملكون الخلود فيها وإن أرادوه، فلا كلمة حق تنطق بها ألسنتهم، ولا نصرة الحق تنهض بها عزائمهم، ولا مظاهرة سعت إليها أقدامهم الجبانة؛ تعزيزاً لموقف شيخ تسعيني يتصدى؛ يدافع عن مدرسة قرآنية ناجحة، كانت الصرح الشامخ في قلب عاصمة الظلام الذي يرعاه النظام.
لم تمت يا شيخ موسى وإنما ماتت الجموع المسالمة حولك التي كانت تراك تعتقل
ولم تنتفض
وترى المعاهد تسقط تباعًا
ولم تنتفض
وترى الأراضي تصادر والاستيطان يتمدد
ولم تنتفض
والتجنيد القسري للإناث وهتك الأعراض الممنهج يمارس
ولم تنتقض
وترى التجنيد الإجباري للأموات وضمهم قسراً في مقبرة واحدة مثل معسكر” ساوى” باسم الشهادة والشهداء دون مراعاة لتعليم الأديان
ولم تنتفض.
لم يمت من تم اعتقاله وهو على طريق الحق سائر
لم يمت من قتل وهو يكافح الباطل سراً وجهراً
لم يمت من ترك الذكرى الطيبة صمودًا وتضحية للأجيال اللاحقة
وإنما مات يا شيخ موسى المهادنون الذين يعيشون في علف عطايا النظام مقابل صمتهم الذليل
مات رجال الدين الذين يأتي بهم النظام متى شاء، ويحركهم كيف شاء، ليوقعوا على بياض ضد إخوانهم ودينهم،
مات الفنانون الراقصون المطبلون لنظام الدجل والعصى الظالمة،
مات من يحمل السلاح لحراسة النظام الجائر فهو لا في دنيا سعيدة والآخرة في خطر،
مات كل من يقف عونا لنظام الباطل يعينه في قمع الانتفاضات الحرة عسكرية ومدينة يقوم بها الشعب الأبي،
ماتت الضمائر الهزيلة التي تعمل جواسيس واستخبارات تحمي النظام،وتعادي أهلها ودينها وكريم أخلاقها. وترسل وهي مطاوعة لاغتيال الأشراف معارضي النظام، وتعود مسرورة بعد سفك دماء شريفة بريئة، تعود وهي لا تخشى الله، ولا ترجو السعادة في الدنيا من نظام لا يملك غير للشقاء.
مات يا شيخ موسى من وصفك بالإرهابي ووصف تعليم القرآن والدين والطلاب والمعلمين بأنهم إخوان الشياطين في عبارات خاذلة يرددها معاديا دون وعي اقتداء بقوم آخرين أو ربما كتبها ثمنا لعلف يدفع إليه فكم هي الأقلام المؤجرة في زمن بيع القيم بدراهم معدودة، ومناصب ووجاهات زائلة.
أكرمك الله يا شيخ موسى بموت حي ربي اصطفاك له ونحسبك شهيدًا إن شاء الله ولا نزكيك على الله وكم من ولي يموت في فراشه يبلغه الله منازل الشهداء، ونحن نشهد أنه يوم حبست لم تحبس كلمتك الصادعة الشجاعة، كنت حبيسًا بين ا لجدران القاسية وكلمتك المجاهدة حرة؛ تطوف - ولا تزال - حول العالم تحرك مشاعر الناس، تشهد أنك لن تسلم للباطل إلا عبر جثتك.
اعتقل كثيرون صامتون
وقتل كثيرون صامتون
وهرب كثيرون صامتون
وأنت تصدع بها من قلب أسمرا واضحة جلية جليلة: الله أكبر، الله اكبر، الله أكبر.. وتلتقط هُتَافَاتك الملائكةُ، وألسنةً الأنصار في العالم ولا تزال تشهد لك أنك في سجل الخالدين،وموتك شرف كما أن حياتك كانت شرفا.
الموت حق وكل الناس وارده وفرق بين موت الأسود الزائرين وموت الجبناء الخاملين.
والذكر الطيب يا شيخ موسى حياة بعد الموات، والأثر الطيب نماء بعد انقطاع الأعمال:
(وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)
ورفع الذكر ولسان الصدق شهادة كريمة خالدة لمن قدم الثمن المناسب ولن ينال ذلك الخاملون الخاذلون..
ألا رحمك الله، وغفر لك، ورزق أهلك، وأتباعك، ومسلمي أرتريا الصبر والسلوان وحسن الاقتداء
يا طيب الذكر الشيخ موسى الذي أجد طعمه في لسان.