بقلم المناضل الأستاذ: ياسين محمد عبدالله - باحث وكاتب صحفي

تأخرت كثيراً في الكتابة عن القائد الراحل الفذ محمد سعيد ناود، كنت في انتظار أن ترسل لي

تسجيلات لحوارات أجريتها معه قبل سبعة عشر عاماً لأكتب عنه بشكل مفصل، فتجربته الثرية وريادته لابد أن تملك للأجيال الحالية وأن يستعان بها لإنارة الطريق في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها الشعب الإريتري.

وبما أن هذه الحوارات قد تـأخرت كثيراً رأيت أن أسجل هنا هذه التحية لذكراه واعبر عن التقدير العميق الذي يستحقه هذا الرائد، الزاهد المعطاء آملا أن أتمكن لاحقاً من الكتابة عنه بشكل مفصل.

عندما علمت بوفاة القالئد الكبير خطر بذهني الاتصال بصديقين أعرف مدى محبتهما وتقديرهما له فكان إن اتصلت بالمناضل الكبير أحمد سويرا لأعزيه في رجل أعرف محبته له رغم خلافاتهما السياسية في مرحلة ما. كان سويرا يذكر ناود دائماً بتقدير عظيم ليس فقط لدوره النضالي الكبير إنما أيضاً لدوره التثقيفي بالنسبة لهم أعضاء حركة تحرير إريتريا، حيث كان يعد لهم أوراقاً حول موضوعات مختلفة ويوزعها عليهم. كان سويرا حزينا جداً وقد طلب مني أن انقل تعازيه لأسرة الراحل وللشعب الإريتري.

الصديق الآخر الذي اتصلت به هو الأخ حسن كنتيباي فأنا أعرف الصداقة العميقة التي جمعته مع الراحل رغم فارق السن بينهما وأعرف مدى التقدير الذي يكنه حسن له. وعندما اتصلت به كان حسن في كسلا في طريقه إلى إريتريا للمشاركة في تشييع ناود وكان يحاول ومعه آخرون الحصول على تأشيرة خروج في وقت متأخر من الليل لحضور التشييع الذي كان مقرراً إقامته في اليوم التالي.
بالهدؤ المعروف عنه رحل محمد سعيد ناود في أسمرا مخلفاً إرثاً نضاليا وثقافيا عظيماً. اثنان وخمسون عاماً مرت بين تأسيسه، مع مجموعة من الشباب، في بورتسودان حركة تحرير إريتريا ورحيله الشهر الماضي كرسها ناود من أجل قضية آمن بها وأعطاها عصارة عقله النير وروحه الثائرة.

ناود الشاب الثائر هو نتاج لروح التغيير والتحرر الوطني التي كانت تهب حينها على دول العالم الثالث فأرداد أن يلحق شعبه بركب الشعوب الثائرة ويناله حقه في الحرية والانعتاق من الاحتلال الإثيوبي الذي كانت العديد من المؤشرات تدل على إنه يخطط لإكمال إلحاق إريتريا وإنهاء آخر مظاهر الحكم الفيدرالي. اختلف ناود مع فرع الحزب الشيوعي السوداني في بورتسودان الذي كان عضواً فيه بخصوص خياره الجديد وبالاحتكام للمركز وجد ناود تأييداً لمشروعه الوطني الإريتري فكان أن كرس له وقته وجهده.

كانت حركة التحرير الإريترية أول تنظيم إريتري ينادي باستقلال إريتريا عن إثيوبيا من خلال اتباع وسائل نضالية. قد تبدو هذه الوسائل غير عملية اليوم، لكن ما يميزها في إطارها التاريخي إنها فتحت الطريق أمام الإريتريين ليجربوا وسائلاً لتحررهم دون الركون للمجتمع الدولي أو محاولة تحسين تطبيق الاتحاد الفيدرالي.

وسيذكر التاريخ ناود باعتباره أحد قادة التحرر الوطني العربي والإفريقي أبان ستينيات القرن الماضي وسيبقى في ذاكرة الإرتريين كأحد رموزهم الشامخة وصناع تاريخهم الوطني. مثل ناود يظل حتى بعد وفاته يخدم القضية التي نذر حياته من أجلها فعندما رحل غطى رحيله على الأصوات التي جاهرت بالتنكر لإرثنا العظيم المعمد بالدم والذي رسمه قادة عظام أمثال ناود ، عواتي، إدريس محمد آدم، عثمان سبي، طاهر سالم وعمر إزاز وغيرهم من الأفذاذ الذي دشنوا وقادوا في أوقات صعبة نضال الإرتريين من أجل الحرية.

رحم الله القائد الكبير محمد سيعد ناود وألهم أهله الصبر والسلوان

• السابق
• التالي