سيرة ذاتية لرمز الثورة الارترية القائد حامد ادريس عواتي

بقلم الأستاذ: عبداللطيف البلوى

ولد الشهيد الرمز القائد حامد ادريس عواتي عام 1910 في قرية قرست في منطقة القاش.

في العام 1935 شمله التجنيد الإجباري الذي كان ينفذه الجيش الايطالي وعلى غير رضا منه أصبح جنديا بالجيش الإيطالي.

وفي الجيش الايطالي أتيحت له فرصة الدراسة الأولية في اللغة الايطالية فأجاد اللغة الإيطالية بسرعة الأمر الذي شجع الإيطاليين لإعطائه فرصة أكبر للترقي وقاموا بإرساله إلى العاصمة الإيطالية روما في دورة متخصصة في مجال المخابرات العسكرية ضمن مجموعة من الارتريين، و قضى عاما كاملا هناك (1936-1937م).

في أواخر عام 1937 تم تعينه في جهاز المخابرات العسكرية في الحدود الغربية مابين إرتريا والسودان برتبة عريف أول مخابرات وهي كانت من أكبر الرتب التي كان يمنحها الجيش الايطالي لغير الايطاليين العاملين في الجيش الايطالي.

عندما احتل الايطاليون مدينة كسلا، وكان يحتفظ بصلات طيبة مع الأعيان وزعماء الكيانات الأهلية في المدينة فتم تعيينه نائبا لمدير المدينة.

بعد أن هزمت إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وانسحبت من كسلا عام 1941م وكان انسحاب القوات الايطالية من كسلا غير منظم ولذلك وجد عواتي الفرصة التي كان ينتظرها للانفكاك من الجيش الايطالي الذي عمل فيه لمدة ست سنوات وعاد إلي قريته وعمل في الزراعة وتربية المواشي إلى جانب قيامه بدور أبائه المعهود في مقاومة قطاع الطرق الإثيوبيين الذين كانوا يعبرون الحدود بين ارتريا وإثيوبيا وينهبون المواشي من الرعاة والفلاحين الارتريين.

حاولت سلطات الاحتلال الانجليزي التي خلفت الايطاليين التودد إليه فقد لفتها إليه نظرها ما كان يقوم به من مقاومة للشفتا وما كان يتمتع به من البأس والأقدام والشجاعة وأنها لمخططاتها الاستعمارية لم تكن تريد أن تستقر أرتريا أمنيا، ولما باءت كل المحاولات والمساعي بالفشل، فكرت السلطات الانجليزية في أسره وتصفيته جسديا لكنها لم تفلح فكان غصة في حلق الإنجليز مدة حكمهم لإرتريا.

مواجهاته مع الشفتا وعصابات النهب والسلب:

كان حامد عواتي يتصدى للعصابات الأثيوبية في عهد الاستعمار الانجليزي لإرتريا، تلك العصابات التي تخصصت في تعقب وقتل الوطنيين الذين كانوا يقفون ضد المشاريع الأثيوبية الهادفة لضم ارتريا، وكان إقليم غرب ارتريا مرتعا لقطاع الطرق والشفتا التي كانت تتعرض للأبرياء من عامة الناس وتمتهن النهب والسلب كما أنها كانت تقتل الأبرياء، ولم تهتم الإدارة البريطانية بتأمين حياة المواطنين وأملاكهم واكتفت بأن تلعب دور المتفرج، بل كانت تمارس سياسة فرق تسد لتمزيق الكيان ونشر الفتن، وكان هذا دأب الاستعمار الإيطالي من قبل.

أخذ حامد عواتي علي عاتقه مهمة الدفاع عن المنطقة وعزم علي ملاحقة هذه العصابات ومواجهتها مع ثلة من رفاقه والعمل علي رد الحقوق المسلوبة إلي أصحابها وحماية الأهالي والأملاك من السرقة وكيد المجرمين.

كان حامد وطنيا غيور علي أهله وعرضه وأرضه، وكان رجلا ورعا وصوفيا تقيا كان يدين بالولاء للسادة المراغنة في كسلا واغردات كما كان جنديا ملتزما ومحاربا من الطراز الأول، وكانت له مواقف مشرفة في فض النزاعات بين الأفراد والجماعات لا يتسع المجال لذكرها.

من المعروف أنه لم يشارك قط في الحروب العشائرية والقبلية.وقد أكسبته هذه المواقف الإيجابية الاحترام والتقدير والإعجاب لذلك التف حوله شباب المنطقة.

فترة تقرير المصير وتكون الأحزاب الارترية:

كان عواتي من أنصار الكتلة الاستقلالية وكانت تربطه علاقات وثيقة بقياداتها وبصفة خاصة الزعيم إبراهيم سلطان الذي أهدي له مسدسا تقديرا لمواقفه الوطنية وقد كان هذا المسدس مصدر فخر لعواتي لأنه اهدي إليه من رمز من رموز النضال والوطنية.

عواتي وحركة تحرير أرتريا:

اتصلت قيادة حركة تحرير أرتريا بحامد عواتي ودعته للعمل معها وفي صفوفها فأبدي استعداده في بداية الأمر ولكنه تخلي عنهم لسبب عدم اقتناعه بأسلوب عمل المراحل الذي كانت تؤمن به قيادة الحركة آنذاك. ويقول المناضل محمد سعيد ناود حول علاقة عواتي بحركة تحرير إرتريا ما أعرفه من حقائق فإن الشهيد عواتي كان مجندا وعضوا بحركة تحرير إرتريا، حيث قرأ اللائحة والبرنامج وأقتنع بها وكان حلقة الصلة بينه وبين الحركة محمد يوسف آدم والذي كان أيضا عضوا بفرع حركة تحرير إرتريا في أغردات.

عندما تخلي حامد عواتي عن حركة تحرير ارتريا لم يكن ذلك تشكيكا في مبادئها وأهدافها الوطنية، وإنما رفض أسلوب المراحل في المقاومة. كما كان عواتي في تلك الفترة لا يخفي إيمانه بأسلوب حرب التحرير الشعبية حيث كان في كل مناسبة يلتقي فيها مع بعض القادة السياسيين في مدينة أغردات وأسمرا يطالبهم بضرورة إتباع طريق الكفاح المسلح باعتباره الطريق الوحيد للخلاص من الاحتلال الإثيوبي.

جبهة التحرير الأرترية:

مرت القضية الارترية في فترة الخمسينات بمراحل صعبة فقد عملت إثيوبيا علي تقويض النظام الفيدرالي وغض المجتمع الدولي الطرف عن تجاوزاتها لقراراته بالحفاظ علي النظام الفيدرالي ورعايته، وقد حدثت من الجانب الارتري مقاومة سلمية سياسية قادتها القيادات الوطنية الارترية داخل البرلمان الارتري و بعد أن فشلت كل الجهود السلمية لانتزاع الحقوق الوطنية للشعب الارتري، وقع الاختيار أن يقود الشهيد عواتي المرحلة الثانية وهي مرحلة الكفاح المسلح.

في هذه الأثناء كانت سلطات الاحتلال الإثيوبي تراقب عن كثب تحركات حامد عواتي وتتوجس منه إلا أنها لم تستطع القبض عليه وذلك ليقظته وحذره ومعرفته بأساليب العدو، فلم يقبل دعوة السلطات الإثيوبية له للحضور إلى اسمرا حيث كانت تخطط لاعتقاله و كما أنه لم يقبل لهم الدخول إلى مركز هيكوتا كما طلبوا منه، وعند ذلك ضيقوا عليه الخناق وأرادوا مهاجمته في منزله، إلا أن احد عناصر الحركة الوطنية الارترية أخبره بعزم الحكومة الإثيوبية علي مداهمته وأسره وعلي أثر ذلك خرج عواتي ورفاقه قبل وقوع الهجوم علي القرية، فجمع عواتي رفاقه وعددهم ثلاثة عشر مقاتل وكان ذلك في 1961/8/15م وخرج بهم.

خروج عواتي للجبال كان مفاجأة كبرى لسلطات الاحتلال الإثيوبي التي لم تحسب لمثل هذا التحدي حسابا، ولهذا سعت لتطويق هذا الحدث من خلال استدراج عواتي عن طريق الإغراء بالمال والجاه فأرسلت له أكثر من وفد من أعضاء البرلمان التابعين لها، إلا أنه رفض كل ذلك بعزة وإباء.

لم تتوقف الضغوطات التي مارستها سلطات الاحتلال الإثيوبي علي عواتي على الإغراء بالمال والجاه بل تجاوزت ذلك إلى اعتقال أفراد أسرته وزجهم في السجن بما فيهم زوجته الحامل والتي وضعت وليدها في سجن تسني.

بعد فشل كل المحاولات التي قامت بها سلطات الاحتلال لإقناع عواتي بالعدول عن الثورة جهزت قوة عسكرية للقضاء عليه أسمتها - الفيلد فورس - قوات الميدان لمكافحة العصابات - قوامها نحو ثلاثمائة جندي اشتبكت هذه القوة مع عواتي ورفاقه في معركة حامية صبيحة الفاتح من سبتمبر 1961م. في منطقة تسمي كتاي أدال غرب أغردات أبلي فيها المناضلون بلاءً حسنا وقاتلوا ببسالة، سقط من العدو فيها ثلاثة قتلي وأصيب بعض المناضلين إصابات خفيفة وفقدت الثورة أول أسير لها وهو المناضل بيرق نوراي آدم. ومن يوم أدال هذا أرخ لثورة الشعب الارتري في الفاتح من سبتمبر 1961م.

تمكن الأثيوبيين عبر جواسيسه من معرفة مكان تواجد الثوار في أومال في منطقة ساوا فأحاطت قوات العدو في يوم 1961/9/29م بعواتي ورفاقه كإحاطة السوار بالمعصم ودارت معركة عنيفة و استطاع عواتي بخبرته العسكرية الإفلات من هذا الحصار والنيل منهم حيث خسر العدو ستة قتلي وأربعة جرحي، وغنم الثوار في هذه المعركة عددا من البنادق وكمية من الذخائر وفقدوا شهيدا واحدا هو المناضل عبده محمد فايد ابن شقيقة عواتي وهو أول شهيد للثورة الارترية.

وعلى أثر الانتصارين اللذان حققهما عواتي ورفاقه في أدال وأومال حشدت أثيوبيا للقضاء على عواتي ورفاقه أكثر من ألف وخمسمائة جندي وبدأت خطتها بضرب نطاق حول المنطقة التي يتحرك فيها الثوار من كل الاتجاهات ثم التضييق تدريجيا حتى تحاصر الثوار في مساحة ضيقة ومن ثم تتمكن من إبادتهم، وحتى يبقي جذوة الثورة مشتعلة قسم عواتي المجموعة إلى قسمين، حيث أمر أفراد القسم الأول بالاختفاء في قراهم أو الذهاب إلى مدينة كسلا بالسودان بعد أن حدد لهم مكان وزمان اللقاء القادم وكان بعد شهرين تحديدا في منطقة القدين، أما المجموعة الثانية ومعها السلاح والعتاد فقد انسحب بها قبل بدء الحصار إلى الجبال وأعتصم بها في مكان آمن لا تستطيع قوات العدو الوصول إليه ومكثوا هناك قرابة الشهر تعرضوا في هذه الفترة لظروف غاية في القسوة لانعدام الماء النقي والغذاء في تلك الجبال، وبذلك استطاع عواتي بحنكته وتجربته العسكرية الإفلات من الحصار وإفشال المخطط الإثيوبي، ونتيجة لاختفاء الثوار لجأت إثيوبيا كعادة المستعمر دائما إلى نشر الموت والدمار والقتل الجماعي وإحراق القرى والمزارع وإبادة الثروة الحيوانية، وعندما علم عواتي بتلك الأعمال الانتقامية التي قام بها العدو الإثيوبي ضد القرى تحرك للانتقام ورد العدوان وتجنب في هذه الفترة الاصطدام المباشر بقوات العدو وأكتفي بالمناورة والانسحاب وكانت تهدف خطته هذه إلى إبعاد العدو عن القرى واستدراجه إلى المواقع الإستراتيجية وإيقاعه في كمين محكم ثم القضاء عليه وإلحاق اكبر الخسائر في صفوفه، وكانت معركة هناق هنجر في منطقة ساوا في 1961/10/15م.

حيث اشتبك الثوار مع العدو في معركة ضارية ضرب فيها الثوار أروع الأمثلة في البطولة والفداء وأستطاع الثوار أن يلحقوا بالعدو خسائر فادحة في الأفراد وغنموا عددا من البنادق، وفي هذه المعركة أصيب القائد عواتي بجروح طفيفة في ذراعه كما فقد الثوار أسيرا آخر هو المناضل محمد ابره الذي كان يقاتل ببندقية إيطالية قديمة وفي لحظة حرجة تعطلت البندقية وعندئذ أخذ البندقية وضرب بها حجرا حتى لا يستفيد منها العدو ثم أستل سيفه وهجم على العدو الذي حاصره من جميع الجهات ورموه بالحجارة حتى أدموه فسقط مغشيا عليه ثم تم أسره وسيق إلى القائد الأعلى لقوات العدو في بارنتو الذي وضع أمامه العلم الإثيوبي وأمره بالانحناء للعلم وتقبيله بهدف إذلاله فما كان منه إلا أن بصق في وجه الضابط فأطلق عليه النار فخر صريعا ومات كأنبل وأشرف ما يموت الأبطال.

وفاته:
بعد يوم ملئ بالعمل والنشاط تحرك عشية ذلك اليوم مع بعض رفاقه المقاتلين إلى قرية قريبة من جبال أكتين غرب ارتريا في منطقة القاش وبعد أن تناولوا طعام العشاء في تلك القرية وابتعدوا كعادتهم من القرية وعسكروا في مكان آمن لقضاء ليلتهم وعند منتصف الليل أيقظ عواتي المناضل كبوب حجاج ليخبره بأنه يشعر بهبوط شديد في قلبه وبرودة وآلام في جميع جسمه، وتناول عواتي بندقيته أبو عشرة التي أطلق بها شرارة الثورة وسلمها للمناضل كبوب حجاج وقال له: ”أرفعوا هذه البندقية عالية، حتى تحقيق نصر آت بإذن الله“.

ثم تناول سيفه وسلمه لكبوب حجاج وطلب منه أن يسلمه لابنه كرار حامد عواتي، كما طلب منه أن يسلم خنجره لابن أخته عواتي محمد فايد، وطلب منه أن يسلم حقيبة وثائقه لنائبه محمد إدريس حاج ثم أغمض عواتي عينيه مستسلما لنعاس طويل لا يفيق منه إلا في رحاب الخلود.

Top
X

Right Click

No Right Click