سيرة ذاتية للقائد الزعيم الوطني الشهيد عثمان صالح سبي - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
أنا لست كاتبا ولا مؤرخًا ولكني حرصت أن أنتهز الفرصة ولأساهم في كتابة السيرة الذاتية في حياة
الشهيد القائد ولو بقدر ضئيل.
مهما كتبنا أو تحدثنا لا نستطيع ان نجد ما نعبر به أو ما نصل به إلى شخصية القائد الزعيم الشهيد عثمان صالح سبي لأن ما نعرفه عنه فليل جدًا وان ما نجهله عنه كثير وكثير. ولكن سنحاول في هذه السطور أن نقول القليل عن الزعيم الشهيد الإنسان والقائد والمفكر والثائر.
من هو عثمان صالح سبي ؟
ولد القائد الشهيد في عام 1931م بمدينة حرقيقو مسقط رأسه حيث حفظ القرآن الكريم في الكتّاب (الخلاوي) شأنه في ذلك شأن كل أطفال القرية. ثم أكمل دراسته الأولية هناك بمدرسة أوقاف حرقيقو الأهلية.
خلال مراحل دراسته الأولية بمدينة حرقيقو عرف الشهيد بالاستقامة والجدية ورباطة الجأش، حيث اكتسب هذه الصفات من بيئته الاجتماعية ذات الطابع القروي الأصيل ومن أسرته التي عرفت بالمحافظة والتمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية.
وفي عام 1950 سافر الشهيد ضمن نخبة من زملائه الطلبة الى أديس أبابا في بعثة دراسية نظمها و أعد لها مؤسس مدارس حرقيقو الأهلية المحسن الكبير المغفور له بإذن الله الشيخ صالح أحمد كيكيا.
أثبت الشهيد نبوغه وتفوقه بين صفوف زملائه الطلبة، مما أسترعى اهتمام وأنظار المسئولين هناك وذلك لما كان يتمتع به الشهيد من ذكاء خارق وبعد نظر وقدرة عالية في الاستيعاب. لم تنحصر طموحات واهتمام الشهيد في نطاق المسائل الدراسية البحتة بل تجاوز تفكيره ومداركه نطاق الدراسة والمقررات وبدأ يفكر فيما هو أوسع و أصعب وأصبحت مسألة الدراسة بالنسبة له مسألة منهجية بحتة ووضع نصب عينيه قضايا ذات أبعاد ومرمي أكثر أهمية وأكثر قدسية، الا وهي القضية الإريترية ومصير مسلمي الحبشة عامة. لم يستطع الشهيد أن يبوح أو يتحدث بهذه الأفكار إلا على نطاق ضيق بين زملائه الطلبة، وذلك لصعوبة الموقف.
وظلت هذه القناعات والأفكار تشكل جزاءًا من حواسه ووجدانه يترقب الظرف الملائم لترجمة هذه الأحاسيس والقناعات الى واقع عملي ملموس.
لم يتأثر الشهيد ببريق المدنية وهو ذلك الشاب الذي آتى من القرية ولم ينجرف أو ينحرف خلف الأضواء والمغريات بالرغم من وجود كل وسائل اللهو والضياع. وحتى لم يتمتع بأوقات فراغه وراحته بل كرس جل وقته وجهده في البحث عن المراجع والكتب التاريخية العربية و الأجنبية بالرغم من شحها في أديس أبابا في تلك الحقبة. وعكف في القراءة والبحث، وحتى في الأوقات التي كان يتاح له فيها بالخروج من الكلية كان يفضل أن يقضي وقته في زيارة بعض الشخصيات الإسلامية الإثيوبية لمعرفة المزيد عن واقع المسلمين في إثيوبيا، الذين كانوا يعانون كل صنوف البؤس والحرمان بسبب التفرقة التي كانت تمارس ضدهم بكل أشكالها وألوانها مما ترك في نفسه قناعة بأن قضية مسلمي الحبشة يجب أن لا تهمل.
وهذا ما كنا نستنتجه ونشعر به من خلال أحاديثه وندواته أثناء تواجده في حرقيقو، وتوطدت تلك العلاقة من خلال الجمعية التي أسسها مع نخبة من أبناء المسلمين وكان يرأسها شاب يسمى إبراهيم الهرري.
وتنفيذًا للبرنامج الذي كان معدًا من قبل مؤسس مدارس أوقاف حرقيقو المغفور له بإذن الله الشيخ صالح أحمد كيكيا تم دعوة الشهيد مع زميليه الأستاذ محمد عبد القادر والأستاذ محمد حسن كيكيا رحمهم الله الذين كانوا يتلقون علومهم هناك للعودة إلى مدينتهم حرقيقو بعد إنهاء دراستهم لتأدية واجبهم الأخوي والوطني في تدريس إخوانهم الطلبة ولم يأتي ذلك القرار جزافا أو بمحض الصدفة ولكن لما عرف عن الشهيد من كفاءة عالية وتفاني في أداء عمله ونظرته الثاقبة.
إن موافقة الشهيد على قرار تعينه مدرسًا ثم مديرًا للمدارس بالرغم من طموحاته وتطلعاته لم تكن من منطلق الحرص أو البحث على وظيفة كأي خريج، وبالتالي ضمان العائد أو الدخل المالي. ولكن كان ذلك عن قناعة بأن المناخ المناخ الملائم لتحقيق أهدافه والتي كانت تتمثل في بناء جيل واع ثائر لا يتأتى أو لا يتحقق الا من خلال عمله في مجال التدريس واحتكاكه بالنشء.
وسوف نتحدث في هذه المسألة في فقرة أخرى من هذه الدراسة.
أهم انجازاته أي مشاريعه التي تحققت خلال فترة إدارته بالمدرسة:-
1. من منطلق الحرص على استغلال الإمكانيات والفرص التي كانت متوفرة في المدرسة قام الشهيد بتحرير رسائل الى كبار وأعيان المدينة يحثهم فيها بأن يبادروا في تسجيل أبنائهم في المدرسة ولم تقتصر أو تنحصر تلك الرسائل على أهل المدينة بل شملت كل القرى: زولا وأرافلي وامبيرمي وحطملو ومنطقة دنكاليا وحتى الأرياف المحيطة بالمدينة، مما كان له الأثر الطيب في زيادة أعداد الطلبة الأمر الذي أضطر المسئولين لفتح فصول إضافية لأول مرة في تأريخ المدرسة.
2. إنشاء مدرسة البنات - لقد لعب الشهيد دورًا رئيسا في إنجاح ذلك المشروع من خلال زياراته المتكررة لأولياء الأمور في منازلهم حتى تمكن من إقناعهم.
3. قام الشهيد بتأليف كتب (مخطوطات) عن تأريخ وجغرافية اريتريا وكانت تلك الكنب تدرس في المدرسة بعد ان اعتمدت كمقررات دراسية بهدف تعريف الطالب بجغرافية وتأريخ بلده وأن الكتب مازالت موجودة هناك.
4. تطوير الأقسام المهنية من نجارة وحدادة وقسم الآلة الكاتبة حتى استقطبت أعدادا كبيرة وقد تخرج منها عناصر مؤهلة من هذه الأقسام.
5. أسس الشهيد جمعية الفنون والثقافة التي كانت تعرف (بجمعية الزحل للثقافة والفنون) بهدف تنمية المواهب وصقل المعلومات في المجال الثقافي والفني.
وللفقيد مواقف إنسانية:
كان الشهيد يعيش مع طلبته بحواسه وعواطفه ووجدانه ليس في داخل المدرسة فحسب بل وحتى في منازلهم حيث كان يتحسس ظروفهم ويساهم في حل مشاكلهم، لم يكن الشهيد مديرًا للمدرسة فحسب بل كان أيضا مديرا ومدرسا وموجها اجتماعيا وأبًا حنونا يتقاسم الطلبة همومهم ومشاكلهم. و أقول وأنا جازم في ما أقول بأن الشهيد كان يساهم بأكثر من نصف راتبه شهريا في حل المشاكل الإنسانية دون أن يشعر أحدا ودون أن يتباهى أو يتظاهر.
كما تحدثنا بأن الشهيد كان يعمل من أجل خلق جيل مثقف واع ثائر يتحمل المسئولية الوطنية في اريتريا الثورة وهذا ما تحقق عندما نجح في تكوين خلايا من الشباب الناضج الواعي بعد أن تمكن من نقل كل ما كان عالقًا في ذهنه وما كان يجول في خاطره من أفكار وأحاسيس الى عقول ونفوس الشباب الطموح.
وفي أواخر عام 1957م كان موعدا لمغادرة أول مجموعة من الطلبة الى القاهرة لمواصلة دراستهم ضمن برنامج مخطط ومدروس أعده الشهيد يعد أن غرس فيهم الشهيد روح التضحية والحس الوطني والثوري. هذا ما يكشف لنا بأن الشهيد لم يلتحق بالثورة الإريترية بعد انطلاقتها ولكنه عمل لها قبل أكثر من عقد من الزمن من إطلاق الرصاصة الأولى. كما توالت دفعات الطلبة فيما بعد.
مما يؤكد مدى نجاح برنامج الشهيد التوعوي بأن معظم الشباب الذين وصلوا إلى القاهرة بمجهودات وتوجيهات الشهيد كان لهم شرف الالتحاق في صفوف المقاتلين بل وأصبحوا من قيادات وكوادر الثورة ومن رعيلها الأول، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأخ القائد البطل محمد علي عمرو فك الله أسره والقيادي رمضان محمد نور والمناضل محمد علي عمر أفعروره رحمه الله وأعداد أخرى كثيرة، وحتى ممن لم يلتحق منهم بالمجال العسكري كانت لهم مساهمات جبارة في دفع عجلة العمل الوطني الى الأمام من مختلف المواقع. هذه صفحات ناصعة البياض عن تاريخ الشهيد ستبقى للأجيال شاهدة ناطقة.
وحينما نذكر موقفا إنسانيا ووطنيا للشهيد القائد فكما ذكرنا بأن الشهيد كان من برنامجه ابتعاث الطلبة لتلقي تعليمهم الى القاهرة لم تقتصر مساهماته على الجوانب المعنوية والتوجيهية بل كان يقدم لهم مساعدات مادية سواء كانت نقدية أو عينية، فمن بين المجاميع الني كانت تسافر الى القاهرة في فترات مختلفة كانت مجموعة تستعد للسفر ومن بين المجموعة كان طالبان لم يستطيعا توفير المبلغ الكافي لتكاليف السفر فلجأ الطالبان للشهيد وفاتحاه بالأمر فوعدهما بالمساعدة ولكن في نفس الوقت كان الشهيد يجهز نفسه لمغادرة البلاد بعد أن أحس بخطورة الموقف وحصار الأعداء له. فغادر الشهيد مدينة مصوع في عام 1959م متوجها الى ميناء عصب ومنها الى الخارج من أجل أن يرسم معالم وطنه ومن أجل مصير أمته وشعبه. وعندما علما الطالبان بسفر الشهيد انزعجا وعاشا في حالة من التوتر والقلق لكون سفرهما أصبح مستحيلا ولكن لم يمضِ شهرا واحدا الا وسارع الشهيد بتحويل مبلغا من المال للطالبان.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة