ذكرياتي مع القائد المرحوم عثمان صالح سبي - الحلقة التاسعة
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة
وهكذا حصل وعدت إلى إرتريا وقد أوصلني إلى السنبوك أحمد جاسر وقال لي تفضل يا أبو سعدة
هذا هو مركبك الذي سيقلك إلى ارتريا عبر البحر الأحمر.
وجدت نفسي عند زورق قديم بالي له محرك وشراع ولون الشراع أسود من الوسخ، رأيت هذا على ضوء المصباح ثم أنزلت عفشي وكان قليلا (معدات التصوير وبعض الملابس الخفيفة):
سألت أحمد جاسر: كيف سينقلني هذا السنبوك بحالته هذه يا أخ أحمد وهل سبق وأن ركبت أنت وقطعت باب المندب به.
لم يجبني بل قال إني أنتظر عودتك وذهب.
صعدت إلى السنبوك وتعرفت على قائده عثمان وهذا هو اسمه وعلى الحارسين محمود وعبد الوهاب ثم إلى شاب آخر يدعى موسى وهو يعمل كل شيء في الزورق من قيادته إلى تحضير الطعام.
تحرك السنبوك إلى أعماق البحر الأحمر، كل شيء كان في الظلام إلا الأنوار القادمة من بعيد.
صوت الماء وارتطامه بالزورق يبعث الرهبة في النفوس ونحن إلى أين إلى جنوب الساحل الارتري، ماشاء الله... مرت الثواني والدقائق والخوف يسيطر علي فنحن لا نملك من وسائل الدفاع غير هاتين البندقيتين، كل بندقية لها مخزن واحد فقط، في أحسن الأحوال نملك ستين طلقة وبعدها تصبح هذه البنادق كالعصا.
وسألت نفسي كيف سنتصرف بهذه الطلقات القليلة أم بهذا السنبوك الذي يئن ويعن ويصرخ ويولول كيف سنتصرف.
سألت عثمان: كيف ترى وتوجه الزورق وسط هذا الظلام الدامس:
- عشرون عاما وأنا أعمل في البحر وعلى هذا الخط... قبل الثورة والتحاقي بها كنت أشتغل بين عدن وجدة وعصب ومصوع أنقل المواد التموينية والكهربائة وماشابه ذلك وقلت له:
- يعني كنت مهربا.
ضحك وقال لي:
- هل تعتبر المواد التموينية تهريبا.
ضحكنا سوية ثم تابع كلامه قائلا:
- إن معظم أهلي يعملون في البحر وعندما اندلعت الثورة التحقت بها وعملت على ايصال المؤن والذخيرة عن طريق البحر.
- هل أنت دنكلي يا صديقي؟؟..
- نعم أنا ارتري.
- ألست عربيا؟؟؟.
- نعم الكل عرب وأنا دنكلي.
سألت: هل أنت متزوج.
- نعم ولدي خمسة أولاد والكبير منهم موجود في الثورة ولم أراه منذ أعوام وقد سمعت أنه موجود مع جبهة التحرير في منطقة القاش.
قلت له: أنت مع قوات التحرير الشعبية وابنك مع الجبهة فكيف يحصل ذلك.
- ضحك ولم يجب.
تابع الزورق طريقه وصحيح كما يقال أن الليل ستار فالخوف كاد يفضحني، الوقت يمر بطيئا وارتطامات الزورق كثيرة وكما يبدو إنني اعتدت عليها بعدما عرفت بان الذي يرتطم بالزورق هو السمك الكبير، شيئا واحدا لم أفهمه متى ينام السمك ومخلوقات البحار؟؟.
وهكذا مضت رحلتنا وقطعنا باب المندب وحط بنا السنبوك على الشاطئ الارتري وسألت الرفاق:
- أين اخواننا الثوار؟؟؟.
لم أجد حولي سوى الرمل والسنبوك، وأعدت السؤال مرة ثانية وثالثة:
أين المقاتلين... إني لا أرى غير الرمل والبحر.
قال لي عثمان اصبر قليلا يا أبو سعدة وذهب ومعه أحد الأخوان وبقيت معنا بندقية واحدة وتساءلت:
- (هل تورطت في هذه الرحلة)؟؟؟ ما علي سوى السكوت والانتظار... ومرت الدقائق والساعات ونحن بالانتظار، لا شيء أسوأ من البحر وارتفعت الحرارة كثيرا ولا أعلم كم وصلت، لكني كنت أعتقد بأنها كانت أكثر من مائة كما خيل إلي.
وأمضينا ليلة صعبة جدا.. خوف وحر ولا أحد معنا ومر يوم ثاني ولم يعود من ذهبوا للقاء الثوار.
كنت أنظر إلى الأفق البعيد وأتساءل... لماذا جئت وأقسم لنفسي والله لن أقدم على رحلة كهذه في المستقبل، كل مرة أقول هذا الكلام ثم أعود عنه... أين هواء البحر إنني أتنفس بصعوبة، جسمي توقف عن التعرق، فقدت كل الماء من جسمي من شدة الحرارة، طوال اليوم لم أتناول أي طعام... هذه أيامي الأولى على الشاطئ الارتري وفي منطقة تدعى (بوري) وبعد الترقب الطويل أقبل صاحبانا ومعهما شخص ثالث وهو مسؤول المنطقة ويدعى (كفلة) قال لي: كيفك يا أبو سعدة؟؟؟
- قالها بلهجة عربية ركيكة وكيف حال سوريا التي اعطتنا المال والسلاح ودربت اخوتنا:
قلت له: أين جيش التحرير..؟ أجاب كفلة... قريبا ستراه وكيف ومتى نبدأ الرحيل.
صمت كفلة ثم عاد وقال: الليلة.
الى اللقاء فى الحلقة القادمة...