تنفيذاً للاتفاقية السرية بين أديس أبابا وأسمرا قوات الجبهة الشعبية تنسحب أمام الغزو الأثيوبي
بقلم الأستاذ: عبدالقادر حمدان - فرانكفورت المانيا المصدر: جريدة صوت ارتريا
لا يخفى على المتابع لاخبار منطقة القرن الافريقي الاشارات الكثيرة التي تدل على ان الدولة الطائفية التي اعلن عنها بطريقة غير
مباشرة في مطلع عام 1970م... في كتيب تنظيم الجبهة الشعبية تحت عنوان (نحن وأهدافنا) تتجه الى نوع من النشاط العلني والافصاح عن اسماء بعض الشخصيات في محاولة متأنية لتطبيع نشاطها ووجودها... ولقد سبق وأن كتشفنا في عام 1978م وثيقة سرية حول المخطط المعد لاقامة هذه الدولة... ولعل للدوائر الكنسية يدا في ذلك من خلال حربها غير المعلنة ضد المسلمين في نظاق الصراع على مراكز الحكم والمال من قبل اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية في منظقة القرن الافريقي.
لم تفاجئنا الاخبار التي نشرتها وكالات الانباء العربية والعالمية حول الغزو الاثيوبي واستيلاء قوات الجبهة الشعبية لتحرير تجراى لبعض المناطق الاستراتيجية من اقليم دنكاليا... ولم يكن هذا التحرك نتيجة لخلافات بين الجبهتين الشعبيتين في ارتريا - واثيوبيا كما حاولت نشره بعض الصحف العربية بحثا لتبريرات لما حدث في الفترة الأخيرة... بل تحرك قوات ملس زيناوي الى عمق الاراضي الارترية... يعتبر جزءا من تنفيذ اتفاقية نيروبي للسلام لعام 1990م الذي أشرف عليها الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر... والتي تنص بتحويل ميناء عصب الى منطقة حرة تحت اشراف الحكومة الاثيوبية لفك الاشتباك التأريخي بين الدولتين الجارتين... وكان على أفورقي ان يفتعل القضايا الخلافية بينه وبين ملس زيناوي لتبرير الانسحاب من ميناء عصب الاستراتيجي، كالادعاء بتخلي الحكومة الاثيوبية من تكرير النفط في مصفاة عصب وتعاملها مع الحكومة الجبيوتية في هذا الامر... الا أن صحيفة ”ريبورتر“ الاثيوبية المعارضة ظلت ترصد ملف العلاقات الارترية - الاثيوبية بدقة وموضوعية حيث كانت السباقة في نقل الاخبار حول الاجتياح الاثيوبي للاراضي الارترية وكشف نقل مكاتب الجمارك الاثيوبية من داخل ميناء عصب الاريتري الى (برو) من دون اعطاء توضيحات لذلك حسب ما نشر في ريبورتر.
هذا الخبر يدل بأن سلطات الجمارك في ميناء عصب ظلت تحت قبضة الحكومة الاثيوبية منذ فجر الاستقلال حتى قبل اسبوعين من صدور هذا الخبر... اذا لماذا قامت قوات زيناوي بغزو الاراضي الارترية والانسحاب من ميناء عصب والتركز على (برو)...
الجولات المكوكية التي قام بها الرئيس الارتري اسياس أفورقي لواشنطن ومعظم الدول الاروبية، كان الهدف منها طلب تمديد مدة تنفيذ الاتفاقية السرية بين الحكومتين والتي تنص بتسليم ادارة الميناء رسميا للحكومة الاثيوبية، وبموجب الاتفاقية تعفى الحكومة الارترية من دفع الضرائب في البضائع المستوردة عن طريق ميناء عصب مقابل الاعفاء الجمركي للبضائع الاثيوبية المستوردة عن طريق ميناء مصوع...
أتفق الجانبين على أن يتم الالاعلان عن هذه الاتفاقية في مايو عام 1998م. حتى لاتتسبب في ارباك الموقف وتعطيل بناء الدولة الطائفية للجبهة الشعبية الارترية...
بالرغم من تأكيدات وزير الخارجية الارتري السيد هيلى ولدى تنسائى في مؤتمراته الصحفية حول متانة العلاقات الاثيوبية - الارترية الا ان المراقب لتطورات واحداث الشهرين الماضيين يستطيع أن يرى ويسمع بأن شركاء زيناوي في الحكم بدأوا يرفضون اسلوب استعراض العضلات من قبل حكومة أفورقي... ويعتقدون أن قومية التجرنية في أثيوبيا - وارتريا تخطط للاستيلاء على الحكم في عموم اثيوبيا من خلال التحكم على المصادر الاقتصادية للدولة... وكشفت مصادر صوت ارتريا... بأن حكومة الجبهة الشعبية صادرت املاك الحكومة الاثيوبية التي كانت موضوعة في البنوك الارترية قبل الاستقلال... وذكر المصدر بأن تجار الجبهة الشعبية أصبحوا يسيطرون على الاقتصاد الاثيوبي من خلال التسهيلات الج التي منحتها لهم حكومة أفورقي ومعظمهم ينتمون لشركة البحر الأحمر التابعة للحزب الحاكم في ارتريا والتي تسيطر على الحركة الاقتصادية في البلدين.. كما شكى مصدر اثيوبي من التفرقة العنصرية التي تقوم بها أجهزة الجبهة الشعبية باعطائها تسهيلات جمركية لسكان تجراى وتعقيدها للمعاملات بالنسبة للقوميات الأخرى... كما ان وزارة الاقتصاد الاثيوبية كشفت تلاعب التجار الارتريين التابعين للحزب الحاكم والمقيمين بصفة رسمية في اثيوبيا بأنهم يحصلون على اعفاءات جمركية حسب الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين من مينائى عصب ومصوع، الا أن البضائع تبقى في الاسواق الارترية بعد القيام بخم المعاملات في الحدود المشترك.
واضح بأن اثيوبيا لم تستفد من الاعفاء لأن تلك البضائع يتم تهريبها الى اثيوبيا لتباع بأسعار مخفضة مما حول التجار الاثيوبين الى سماسرة لهؤلاء المهربين، هذا مما ترتب عليه الى صدام عسكري بين حرس الحدود لفرض الأمن والاستقرار في اثيوبيا. ومن جهة أخرى تشير التقارير الواردة من أديس أبابا - وأسمرا بأن ال رئيس الارتري سيلتقي بالرئيس الاثيوبي ملس زيناوي لبحث تسوية هذه القضايا وغيرها من المشاكل المتراكمة بين البلدين الذي قلل منها وزير خارجيته في لقائه الصحفي في سينما كابتول بأسمرا في أوائل شهر يناير من هذا العام.
ويذكر أن أفورقي سيطلب في هذا اللقاء من صديقه زيناوي التخلي عن سياسة المهادنة مع السودان، اذا أراد الباقء في الحكم، وتعجيل مشروع الكونفدرالية بين أثيوبيا وارتريا للتغطية على الاتفاقية السرية بينهما والتي تنص على تنازل ارتريا من منطقة دنكاليا حتى تضمن اثيوبيا تنفيذ اتفاقية نيروبي للسلام والتي بمموجبها قبلت باستقلال ارتريا عن اثيوبيا.
الا ان التطورات السياسية والعسكرية في عموم منطقة القرن الافريقي تشير بأن بقاء نظام أفورقي في السلطة أصبح أمرا مشكوكا فيه لتورطه في أكثر من جبهة عسكرية ولعدم تمنعه بشرعية دستورية مما جعل زيناوي يستمع الى نصائح معارضيه بتصفة الاجواء مع السودان وفتح صفحة جديدة مع فصائل المعارضة الارترية التي ستصل الى السلطة عاجلا أم آجلا... ولم يبقى حليفا لنظام افورقي سوى أفراد الحزب الشيوعي السوداني الذين يدقون طبول الحرب من أسمرا وينصحونه بالانتحار معهم لاسقاط حكومة الانقاذ في الخرطوم، بعد أن تفكك التحالف المصلحي مع أفورقي وامتثال قادة الاحزاب التأريخين لصوت العدل والسلام والعودة الى بيوتهم آمنين سالمين بعد أن أكتشفوا أن المستهدف الأكبر من المؤامرة هو الشعب السوداني... ولا يمكن أن يكون في هذه الحرب غالبا أو مغلوبا بالنسبة لأهل السودان. ولكن اذا حدث مكروه وانتصرت قوات جون قرنق وأفورقي على القوات السودانية، فان الفائدة الوحيدة ستكون لاسرائيل والولايات المتحدة، وتصبح الاراضي السودانية امتدادا جغرافيا للدولة الطائفية التي تريدها اسرائيل وأمريكا في منطقة القرن الأفريقي.