مجزرة حرقيقو

بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي - كاتب وناشط سياسي ارتري

أحرقت حرقيقو مرتين في عهد المجلس العسكري والذي يسمى بالغة الأمهرية ب(الدرق)

بطبيعة الحال الشعب الإثيوبي كان يتوقع في عام ١٩٧٤ قيام نظام ديمقراطي في إثيوبيا على أنقاض النظام الأوتوقراطي ولكن لا يمكن ذلك في ظل غياب قوى سياسية ديمقراطية منظمة في البلاد لأسباب تعود إلى استبدادية النظام الإمبراطوري، فوجدت حفنة عسكرية المناخ الملائم لملء الفراغ السياسي الذي تركه أقدم إمبراطور على وجه القارة السوداء.

كما أن ”الدرق لم يكشف حقيقة معدنه في الوهلة الأولى لحسابات تكتيكية، وإنما رفع شعارات كان يهتف بها الإنسان العادي في شوارع إثيوبيا وكانت تطالب بإرساء أسس الديمقراطية وإيقاف المجاعة التي حصدت مالا يقل عن مليون إثيوبي واعتماد سياسة اقتصادية برغماتية، واحترام حقوق القوميات، وحل النزاعات العسكرية المسلحة في البلاد بالسبل السلمية.

وبعد هدوء الغليان الشعبي في شوارع أديس أبابا. وإحكام الجيش قبضته على زمام الأمور في جميع المواقع الإستراتيجية أماط الدرق ألثام عن برنامجه السياسي الهادف إلى إرساء أسس نظام توتاليتاري يوجد على قيادته حزب واحد هو الأمين العام (قاد ليقي منبر) بيد من حديد على قاعدة المركزية الديمقراطية في نظر البعض وعلى أساس المركزية البيروقراطية في تقدير البعض الآخر، وفرض مراقبة بوليسية خانقة بواسطة تكوينه للجان الأحياء )الغبلي) التي تقوم تدريجياُ بدور البوليس السياسي في كل شوارع والقرى.

وبعد شهور من الانقلاب برزت الهوية الماركسية لنظام (الدرق) أي المجلس العسكرية المؤقت وفوراُ تقدم النظام بسلسلة سماها إصلاحات زراعية ومحوا الأمية وسن قوانين تأميم المصانع، والمساكن، والبنوك والمؤسسات التجارية.. الخ والإقرار ببعض حقوق القوميات ونال فيها المسلمين انفراج نسبي في حقوقهم المفقودة في عهد هيلاسلاسى”الصليبي الكهنوتي وتشتمل هذه الحقوق على:-

 .1الاحتفال الرسمي والشعبي في مناسبات أعياد المسلمين وقد صدر مرسوم حكومي بهذا الخصوص.

 .2السماح للمسلمين لكي يقوموا ببناء مساجدهم ومرافق التعليم الخاص بهم ولكن بإمكانياتهم وأموالهم الخاصة.

 .3مساواتهم مع بقية المواطنين الإثيوبيين من النصارى في إتاحة فرص التوظيف والعمل إن وجدت أمامهم، وفي نطاق ما تسمح به الظروف الاقتصادية للبلاد ...إلا أن هذا الحق غير معمول به بالمستوى المطلوب وعلى نطاق واسع ويقولون بسبب تدهور الحالة الاقتصادية في البلاد. في حين كانت الحكومة تعمل بالقوانين شيوعية إباحية في مجال الأحوال الشخصية على المسلمين بدلاُ من قوانين الشريعة الإسلامية في هذا الخصوص.

وتعهدوا بالنسبة لمستقبل إقليم إرتريا (بمشروع النقاط التسعة) الذي يمنحها الحكم الذاتي. وقد تضمن اعتبار إرتريا إقليماُ إثيوبيا وموطناُ للتاريخ والثقافة الإثيوبية. وبفبركة لتأريخ اعتبرت إثيوبيا كفاح الإرتريين ضد ايطاليا وبريطانية كان من أجل الوحدة مع إثيوبيا وربطت ذلك بنشاط الحزب لاتحادي )أندنت) على إنه جزء أصيل لا يتجزءا من النضال الإثيوبي ضد الاستعمار .واعتبرت جبهة التحرير إنها مقاومة تقدمية تناضل ضد نظام هيلي سيلاسي الإقطاعي الذي تسلطت جيوشه عليها. وعلى هذا الأساس يجب عليها أن تكون سنداُ لثورة الإثيوبية لنشر المبادئ التقدمية على الأرض الإثيوبية.

رغم إنه مشروع مرفوض من جانب الثورة الإرترية لكن كان يهدف لتحول إثيوبيا دون تعاطف الحكومات العربية الاشتراكية وأحزابها وغيرها من الدول الاشتراكية شغلت بها العالم الذي لا يعرف إلا ما تقوله إثيوبيا. ولا يعرف الحقائق التي انفجرت على إثرها الكفاح الإرتري المسلح.

أما موقف الثورة على لسان الشهيد عثمان صالح سبي الذي قام بتحركات سياسية خارجية مكثفة لكسب الدعم العربي وقطع الطريق على إدعاء الإثيوبي الجديد حيث كان يوضح لأصدقاء الثورة الارترية بما يلي: فهم إثيوبيا قاصراُ لمسألة حق تقرير المصير وهي حكومة غير جادة وغير صادقة، ونحن كثورة إرترية لا نرى بديلاُ عن استقلال التام لكامل التراب الإرتري. وسوف نواصل النضال لتحقيقه. ونحن لا يهمنا إذا كانت إثيوبيا تقدمية أم رجعية أو ملكية فمعركتنا من أجل التحرير وليس من أجل تغير النظام بنظام أخر. وأبدا رغبة صادقة في تفاوض معها بدون شروط مسبقة.

وكان موقف بعض الحكام العرب مخجلاُ للغاية كانوا يرو أن قضية الثورة الأممية أهم من قضية الشعب الإرتري ومنهم من يرى مكانة إثيوبيا السياسية والإقليمية. وأقاموا علاقات وطيدة مع إثيوبيا كل من على ناصر محمد وعبد الفتاح إسماعيل وجورج حبش والعقيد القذافي والدكتور بطرس غالي والأخير كان يرى إنها مشكلة ذات طابع داخلي في إطار الشرعية وسيادة ووحدة الأراضي الإثيوبية وعلى الحكومة الإثيوبية أن تعمل على إيجاد الحل المناسب الذي يأخذ في اعتباره المصالح الاجتماعية والاقتصادية للاريتريين.

أما اليمن الديمقراطي (الجنوبي) قدم أسلحة لجيش الإثيوبي وطيارين وشارك في قمع الثورة الإرترية. وكان ذلك في حرب أغوردات ومصوع في ١٩٧٧ حتى تمكنت قوات التحرير الشعبية من أسر طيار عدني يدعى / الخطيب في ضواحي أغوردات،أما الروس الذي كانوا في سابق عهدهم ينعتون ارتباط إرتريا بأثيوبيا فدرالياُ والذي كانوا يقولون إنه تم برضي أحد الطرفين، دون الالتفاف إلى رغبة الآخر، غيروا من سياستهم وأبدوا صفحة الغدر فأدانوا الثورة الإرترية رغم تلويحها بالشعارات الماركسية ووصفتها برافدا عام ١٩٧٨ بقولها: إنه تورط في هذه الظروف الانفصاليون الإرتريون في لعبة يلعبها الآخرون وإنهم يساهمون موضوعياُ في تنفيذ المخططات الإمبريالية التي تهدف إلى إضعاف إثيوبيا وحرمانها من منافذ البحر.

أن هذا المشروع فحواها أن النظام الدكتاتوري في إثيوبيا قد زال وأن النظام الحاكم في إثيوبيا نظام ثوري تقدمي وان الثورة الإرترية ثورة تقدمية فلا ينبغي أن تكون عائقاُ أمام الثورة التقدمية، لكن الشهيد عثمان صالح سبي خطابه السياسي وأدبياته الثورية الذي كتبها بخصوص مواقف عدن المشينة والغير مبرره بجانب موقف ليبيا من قضية تقرير المصير أزعج منغستو وكان يراه كعقل مدبر لثورة الإرترية ومدافع شديد لقضيته.

أما التدبير الإثيوبية كما رأتها حكومة المجلس العسكري المؤقت (الدرق) لهذا الموقف كان في إغضاب عثمان صالح سبي، تمثلت في إحراق مسقط رأسه لأنه لم يعرفوا كيف الإمساك به، والرجل أفلت من عدة مخابرات دولية وله القدرة في تدمير كل مشاريعهم الثورية والدكتاتورية وكان عثمان احدي أهم المشكلات التي جعلت المعسكر الاشتراكي يفشل في حلوله الثورية التي تقدم بها لصالح نظام الدرق الدموي. وتزايد غضبهم عليه والتعبير الأسهل لهم على ذلك كانت حرق حرقيقو، والمعروف قديماً وحديثاً قتل الأبرياء في الحبشة عمل مؤسساتي يغذي فيهم تلك البربرية الوحشية التي كتب فيها المئات من الكتب في تاريخ الحبشة.

مذبحة حرقيقو:

تقع حرقيقو في جنوب مدينة مصوع وتضم عدة أحياء صغيرة في داخلها، تنتهي بعضها بجوار البحر وأخر بجوار الجبل، وتملك حرقيقو مساحة واسعة وطريق بحري وبري يربطها مع مصوع وإيرافلي وزولا، وفيها نقطة تفتيش أمني ومدرسة واحدة تسمي مدرسة كيكيا ولكن لا تغطي احتياجاتها وتعاني حرقيقو من الخدمات الصحية، ولا يوجد فيها مصنع واحد يمكن أن يدعم البلدة اقتصاديا، وبالنسبة للمياه فأن كل الشعب يشرب مياه الآبار، أما الهاتف فمعدوم تماماُ. رغم إنها تعتبر احدي أحياء مدينة مصوع القريبة والكبيرة. وسكانها هم خليط من الساهو، وتغري، والعفر، والقبائل التي يعود أصولها إلى الجزيرة العربية والتي استوطنت مصوع منذ عصر التاريخ، وعاش الجميع في أسعد حال.

عدد كبير من سكانها يعملون كعمال تفريغ البضائع في ميناء مصوع تسمي (توكا (وأخيرون في صيد الأسماك ولبستنه وقليل في تجارة حرة، وفيها عائلات مشهورة أصبحت رمز حرقيقو ونذكر منهم: كيكيا وبيت سبي، وهم كبار القوم، والكبير في حرقيقو مطاع ومهاب. ومع ذلك سكان حرقيقو معرفون بشدة ارتباطهم مع بعضهم البعض ونشأتهم الخاصة المغلقة على نفسها عن باقي بلدات مصوع، بالإضافة التشابك بصلة قربى مع بعضهم جعلهم يعيشوا كالأسرة واحدة . وأصبح كل من ينتمي إلى حرقيقو هو أهل ومعارف وعشيرة ومن جماعتنا أو سميها ما شئت. وحرقيقو قليلاُ ما تلجأ بمشاكلها إلى القانون في محاكم مصوع لأنها معظمها تحل بواسطة الأهل ولأعراف السائدة بينهم.

في ذلك الزمن لا يوجد في حرقيقو مسيحي واحد. وهذا يعزو لأتكاتف وتعاون وتآزر الموجود بينهم وكان يعرف المسيحي نفسه أن بضاعته في هذه البلدة في معظمها فاشلة ومخيفة على حياته. وهي بلدة تعتبر ندا لإثيوبيا.

قدمت حرقيقو العديد من الأبطال في صفوف الثورة الإرترية فكان ثمن ذلك أن حرمت من الكهرباء والماء والمدرسة، كأنهم لا ينتمون إلى مدينة مصوع.

فكان ابنهم كيكيا يدرك سبب هذا الإهمال وخفف عليم الكثير من الصعوبات التي لاقوها من الحكومة الإثيوبية السابقة ولاحقة. وعمل لهم مدرسة، ومواصلات ينتقلون صباحاُ ومساُ لشراء أبسط الأمور من مصوع. وعندما تتجول في حرقيقو تشعر إنك بعيد من الزمن الذي فيه تعيش أحياء مصوع فالبيوت متواضعة ولكن يلفت نظرك وجود بابان فيها، باب للرجال وباب للنساء يسمى طاقت أما الطرقات ترابية والخدمات كلها قائمة على الجهود الأهلي المتواضع، وإدارة مدينة مصوع لا يهم مها مشاكلهم وهذا كله كان سلباُ ينعكس على حياتهم.

كانت الجواسيس تقصد حرقيقو من حين إلى أخر وتكتب تقارير ظلماُ وبهتاناُ ضد أعيان البلدة. تتهمهم في تهريب مثل المواد الغذائية، وأموال إلى الثورة.

حسب ما قال لي أحد أبناء المنطقة، قال: كان القلق يكسو حرقيقو خصوصاُ بعض ظهور حسين إسماعيل دميري ذلك الجاسوس الذي سلم نفسه من قوات التحرير الشعبية إلى إثيوبيا. ويقول شعرنا بقدوم الفناء في بلدتنا. وكما توقعنا أكد هذا الجاسوس لإثيوبيا بأن البلدة يوجد فيها ناس متعاونون مع الثورة في تهريب الناس والأموال إلى قوات التحرير الشعبية. وحرقيقو ظلت تنفي مع كل اجتماع لها مع طور سراويت وتقول هذه إشاعات تهدف إلى تشويه سمعت البلدة. كان هذا تمهيد لشيء ما ومع ذلك كان كل شخص يمشي على الأرض خائفاُ من ولد دميري حتى لا يشير عليه أصبعه، ولد دميري أرعب كل الناس في مصوع، وقد تسبب في قتل عدد من أبناء مصوع الشرفاء وأذكر منهم أحمد سليمان أبو علي وهو من سكان حطملو وموظف في شركة عجيب للوقود. والكثير ماتوا في ظروف غامضة من جراء هذا الجاسوس.

المجزرة الأولى:

في يوم الأحد ٦ إبريل عام ١٩٧٥ شنت القوات الإثيوبية أولى مذبحة لها في بلدة حرقيقو قتلت فيها أكثر من ٣٥٠ شهيد من الأبرياء العزل.

المجزرة الثانية:

ثم عادة مرة أخرى يوم الجمعة ٣١ ديسمبر عام ١٩٧٦ راح ضحيتها في حدود ٣٠٠ شهيدوأصابوا أكثر من ٢٠٠ من المواطنين الأبرياء الذي لا حول لهم ولا قوة. فقط كونها بلدتهم مسقط رأس الزعيم الإرتري الشهيد عثمان صالح سبي وتقارير الجواسيس التي جعلت تنظر إليها إثيوبيا وكراُ لثورة الإرترية وتم احراقعها بالكامل ولم يعود أحد من سكانها إليها.

ولكن قبيل المجزرة الوحشية كانت كل ضواحي مدينة مصوع تخضع لحظر التجول على مدار ١١ ساعة في اليوم ابتدأ ُ من الساعة ٦ مساء وحتى الخامسة صباحاُ باستثناء عدقة وطوالوت وداخل مصوع (رأس مدر) لتمنع بذلك كافة أشكال التجمعات وظهور للناس في الشوارع، ومن جانب أخر كانت قوات التحرير الشعبية تتمركز بعمق في ضواحي مصوع بين جبل قدم وعقم بستا في الوقت حرقيقو ملئت بالجواسيس.

عشية الهجوم على حرقيقوا كان زواج يقام في كامبو سدد اختراق لحظر التجوال الإثيوبي، وكامبو هو حي من أحياء حرقيقوا وقامت قوات المشاة الإثيوبية )الطورسراويت) منسقة هجماتها مع القوات البحرية لتندفع هي باتجاه عجيب تحت جنح من ظلام حيث يوجد مناسبة زواج، ودهمت مكان الحفل، فقتلت عدد من الناس بالأسلحة الرشاشة و تمكن الغالبية من الفرار. وهذا الفرار أيقظ البلدة كلها. وتمكن معظمهم من الهروب.

ومن شرق أي (ساحل البحر) كانت تقصف المدفعية الثقيلة وتدك الأكواخ والبيوت الخشبية الضعيفة، ساقت منهم شباب يعملون في شركة مواصلات التابعة لحرقوت أباي، وأخذت الكمساري ومن معه خلف معسكر الكامبو المحاذي لبستان موس إدريس وقتلوهم جميعاُ رمياُ بالرصاص ثم داهمت وسط البلدة في اتجاه الجامع والمدرسة الباشا كيكيا وقتلت من قتلت وعند الصباح وصلت القوتين وسط المدينة وهي تقتل النساء والأطفال، والمسنين، سيطروا على ثلاثة من الاتجاهات ولم يبقى إلا مخرج واحد للهروب وهو اتجاه جبل قدم وزولا قتلوا حوالي ٣٠٠ شخص وأصابو ٢٠٠ بجرح عميق وقد قاد ذلك غضب طلاب مدينة مصوع بالاحتجاجات واسع طالبوا فيه إعطاؤهم الإذن لدفن الجثث، ورفضت الحكومة معلله بأسباب أمنية قالت: لا تسمح بذلك إلا بعض تطهير المدينة من الانفصاليين.

ولكن وفي صورة لم نشهد لها مثيل، غادر مدينة مصوع أبناؤها الطلاب نحو الثورة الإرترية، قائلين أمس إمبيرامي واليوم حرقيقو وغداً حطملو إنهم هؤلاء الجنود بزيهم العسكري وبخوذاتهم وبالأسلحتهيم الرشاشة يقتلوننا، الأمر أصبح واضح للعين والسمع، أحياؤنا أصبحت مناطق للقتل الحر والمتعمد للجيش الإثيوبي.

ويقول العم/ المرحوم موسى إدريس وهو صاحب بستان له فيها بئر مشهورة تسما (بعيلا الماس) يقول: عند ما سماعنا أصوات إطلاق النار وهي تقترب منا قادنا خوفنا للهروب القريب من البلدة كانت صعبة عليه مفارقة حرقيقو للأبد. لهذا في البداية هربنا عبر أم سيد حليمة إلى الجبل الذي أمامنا تحت جناح الظلام وكابدنا مشقة إكتشاف المكان الأمن، ضاقت علينا الأرض، من الجوع والعطش والغبار ومعنا أطفال ونساء ولا نعرف الطريق، ولا توجد في الخلاء أي ملامح سوى تلك الأضواء التي تبرق مثل سيوف مشرعة. قال جزء منا إنها يراعات الليل سوف يطفئها إنبلاج الفجر القريب ومنا من قال إنها بيوت لسكان بدو. إطمأن جزء منا لهذا الرأي، غير أن الخوف ظل ينسج خيوطه التي بدأت تكبلنا ماعدنا قادرين على الحركة. وسقطنا منهكين مستسلمين لنعاس عجيب هاجمنا بقسوة. كأننا لم ننم منذ قرون. توسدنا أحذيتنا وغفونا غير مبالين لصوت الذئب الذي يملأالليل والوديان.

مر الصباح نديا، مسرعا، وداهمتنا الظهيرة وبدأت تضيق المكان علينا فلم يكن لنا من مأوى سوى تلك الأشجار الصغيرة والمتناثرة، تصنع ظلالا ضيقة، الأمر الذي جعلنا نتوزع باتجاه تلك الأشجار، ووجوهنا يغلفها الذهول والغبار ننتقل من شجرة الى أخرى، حاملين فوق أكتافنا أطفالنا وحقائبنا الضرورية وهموم أهلنا الذين خلفناهم وراءنا. عبر الأفق شاهدنا أنوار ونباح كلاب قريب، حاولنا الأختفاء غير إننا سرعان ماتجمعنا من جديد بعد أن تبين لنا إنه أحد الرعاة كان يقود أغنامه بالقرب من المكان تركها عند سفح الجبل برعاية الكلاب التي لم تتوقف عن النباح كأنها لمحت أشباحاُ لوحوش ضارية، توجه الراعي نحونا كمن يعرف بوجودنا تجمعنا حوله ربما يعرف أخباراُ عن أهلنا الذي هربوا قبلنا أو يفيدنا بدليل أمن لنا ولأطفالنا غير إنه بأدرنا بشكل بدأ إنه يعرف ما حصل حين قال: سمعنا بأن الجيش الأثيوبي أحرق قرية حرقيقو وأنتم عليكم العبور هذا الجبل أي جبل قدم وخلفه يوجد ناس القرية ثم بدأ يثرثر عن الجنون والشواطيين الذي يسكنون هذا الجبل وإختفاء العابرين منه. قال لنا كونوا حذرين.

أخيرا إنتثلنا من دوامة الخوف الذي كنا فيها وحين لاحظ عدم إهتمامنا بما يقول وجه حديثه لي بشكل مباشر أردت مساعدتكم فقط.. ثم أردف إذا كنتم عطشى فستجدون الماء عند السفح من الجهة الأخرى للجبل. يوجد هناك بئر وفيه دلو، وهو مليء بالماء ثم عاد بعدها إلى أغنامه التي كانت لاهية تأكل من الأشجار الشوكية. هذا الراعي ترك عندنا إنطباعاُ من اللوهلة الأولى: هل هو غبي أم بليد يسمع ولا يفهم تاركاُ لنا العديد من الأسئلة التي تبدأ بكيف…؟ نراه يمشي مختالا يتمايل، يخطو برجله اليمنى فيرتفع كتفه، ويخطو باليسرى فترتفع كتفه اليمنى. وأخراُ توجهنا بعد رحيله إلى الإتجاه الذي أشار اليه. في البدء لم يشرب أحد كنا نكابر عطشنا، وبعد فترة قصيرة دفعنا العطش لشرب تلك المياه الملوثة وأخذنا نقترب من تلك البيوت وكان عدها كبير جدا ومرت الظهيرة تمطى ببطء في الوديان وبدأت الظلال تستطيل، ونحن نمشي للمكان الذي وصف لنا بكل بساطه خلف ذلك الجبل ثم أرسلت الشمس نفسها بغير إهتمام لمساء أخر وعبر الظلام الذي أحاط بنا وحاصرنا من كل جانب ظهرت لنا من جديد تلك الأضواء بعد أن ضقت بنا الأرض أي عذاب هذا ؟ قتلوا من قتلو وفسدو علينا طمأنينتنا وعيشتنا كيف سنواجه هذا القهرثم وصلنا طريقنا حتى وصلنا إليهم.

وفي هذه القرية وهي عقم بستا عرفنا عدد الذين إستشهدو فخرجنا نصرخ ومعنا رجال حرقيقو الكل يبكي رفضنا الأكل لليوم الثاني على التوالي أصبحنا كمن أصابته الحمى كنت أطلق كلمات غير مترابطة راحل إخواننا، مات جارنا فلان، إنتقموا منا الإثيوبيين إلى هذا الحد قتلوا منا، شردونا ودمروا كل شي في حرقيقو، أصبحنا كالمجانيين.

المجزرة الأولى كانت يوم الأحد إبريل ١٩٧٥ أذكر من القتلة هؤلاء وهذا ليس كل العدد :

 .1أحمد إبراهيم عباق
 .2
صالح إبراهيم
 .3
محمد عمر طروم
 .4
صالح أحمد شعبان بابري
 .5
إبراهيم ديني
 .6
محمد بليغا
 .7
يوسف مالك يوسف
 .8
علي عمر سعد دميري
 .9
عثمان سيد علي عسى
 .10
محمد إدريس صائغ
 .11
عثمان سيد علي
 .12
خديجة غرباش
 .13
علي خيار برحتو
 .14
طه مالك يوسف
 .15
عمر إبراهيم حزو
 .16
عثمان حسن حسب الله
 .17
فاطمة يوسف
 .18
عثمان محمد سعيد شنيتي
 .19
إدريس باري
 .20
محمد نور باري
 .21
محمد ياسين باري
 .22
حسن باري
 .23
إدريس حرشامه
 .24
أحمد قمحط

المجزرة الثانية والتي كانت يوم الجمعة سبتمبر ١٩٧٦ وهذا أيضاً ليس كل العدد :

 .1محمد أحمد عاقه
 .2
أحمد جابر شكورك
 .3
شيخ محمد أدم
 .4
جابر إبراهيم غنفوا
 .5
ياسين عبد الكاميل جميل
 .6
أبوبكر عبد الكاميل جميل
 .7
خليفه أحمد شوم
 .8
إبراهيم عبده إبراهيم
 .9
نافع إبراهيم عبده (وكذلك طفل ابن إبراهيم عبده وعمره ٨ سنوات(
 .10
خليفه علي أحمد
 .11
أحمد صالح سبي
 .12
حسين جابر قولاي
 .13
محمود محمد جميل
 .14
يوسف شفا
 .15
أحمد حسن حسب الله
 .16
محمد عثمان سبي
 .17
صالح جعفر كراني
 .18
مريم محمود شيخ عمر (امرأة حامل(
 .19
علي أحمد شاوش
 .20
محمد أدم محمد
 .21
جمعيه أحمد شوم (مع طفلها البالغ من عمر ٦ أو ٧ سنوات(
 .22
سعده أدقوي (زوجة إدريس برولي(
 .23
إدريس كيكيا (مع زوجته بنت نائب أحمد(
 .24
علي دامبيحا
 .25
أم علي زبوي (سعيده(
 .26
محمود إدريس لوبينت
 .27
إدريس لوبينت
 .28
عثمان محمد شريف
 .29
أحمد دندن
 .30
إدريس علي طواي
 .31
محمد موسى طواي
 .32
علي أحمد خليفه (أحمادو(
 .33
أحمد ترحوف
 .34
عمر أحمد طواي
 .35
فاطمة بشير
 .36
أمنه عمر طواي
 .37
محمود ساور

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click